جدل حول آليات تنفيذ قانون موحد للرواتب في ليبيا

تكدس وظيفي بالقطاع الحكومي... و«الخاص» مرهون برغبة صاحب العمل

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)
عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)
TT

جدل حول آليات تنفيذ قانون موحد للرواتب في ليبيا

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)
عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

«هناك تسهيلات بالحصول على القروض، وضمان اجتماعي عند التقاعد، وتأمين طبي ببعض القطاعات، بالإضافة إلى راتب مضمون، متوقَّع أن يتضاعف طبقاً للقانون الجديد، كل ذلك يعد سبباً في تمسك الليبيين بالعمل في القطاع العام»، بهذا المقولة علقت المواطنة آمال محمد، على شروع مجلس النواب الليبي في مناقشة قانون موحد للرواتب للعاملين بالجهاز الحكومي.
وفي حديثها لـ«الشرق الأوسط»، استبعدت آمال، (30 عاماً) والتي تعمل حالياً بإحدى الشركات الدولية للأدوية بالعاصمة طرابلس، التزام أصحاب الأعمال بما أقره البرلمان في جلسته الأخيرة من رفع لقيمة الحد الأدنى للأجور لـ1000 دينار، أو التزامهم بقرارات أي سلطة بالبلاد تستهدف تحسين أوضاع العاملين بهذا القطاع.
وأوضحت: «كل من عمل بالقطاع الخاص يدرك جيداً أن أوضاعه ستظل مرهونة بتقلبات السوق ومن قبله بمزاج صاحب العمل فيما يتعلق بالراتب، والدوام، والمساهمة في تكاليف العلاج».
في السياق ذاته، استبعد عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، وجود آلية في الوقت الراهن تُلزم القطاع الخاص بقرار البرلمان حول الحد الأدنى للأجور، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كان من المفترض أن تتزامن تلك القرارات مع صدور حزمة من التشريعات تتضمن حوافز تشجيعية للقطاع الخاص بما يؤسس لسوق عمل حقيقية بالبلاد، وتُلزمه في الوقت ذاته بالحد الأدنى للأجور، معظم هذا القطاع لا يوظف بعقود أو إجراءات رسمية».
وحذر النائب من «تذرع أصحاب الأعمال برفع الحد الأدنى للأجور من 450 إلى 1000 دينار للتخلص من العمالة الوطنية، وهو ما سيؤدي لتزايد الضغط على التوظيف في القطاع العام، وبالتالي زيادة فاتورة المرتبات».
كما حذر رئيس لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة بمجلس النواب، عمر تنتوش، من تداعيات ارتفاع بند المرتبات بالميزانية العامة بسبب «التكدس الوظيفي» بالقطاع العام والتي كانت «المجاملة في التعيين دون الحاجة هي المحرك الرئيسي وراء وصوله للمستويات الراهنة».
وقال تنتوش لـ«الشرق الأوسط» إن «قرابة 50 من الشعب الليبي ملتحقون بالقطاع العام، أي إننا نتحدث عمّا يعادل 2.5 مليون موظف وربما أكثر»، متابعاً: «للأسف حجم الإنتاجية الحقيقي لهؤلاء جميعاً تقل عن 1 في المائة، في حين يلتهم باب المرتبات من 55 إلى 60 في المائة من ميزانية الدولة».
ولفت إلى أن الميزانية المعتمدة بالأساس على مورد رئيسي واحد هو النفط، وهو ما يخالف قانون التخطيط العام بأن تذهب 70 في المائة من موارد الميزانية للتنمية».
أما فيما يتعلق بتوقعه موعد إقرار القانون من البرلمان، قال تنتوش، إن هذا «يعتمد على قيام رئاسة المجلس بعرضه للمناقشة ثم التصويت عليه»، مشيراً إلى «وجود علامة استفهام حول أسباب تأخر ذلك رغم تسلم رئاسة البرلمان للقانون بشكل وافٍ قبل أربعة أشهر من الآن».
ورغم الخلاف بين البرلمان وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، استبعد تنتوش، أن «توجد أزمات في طريق تطبيق القانون متى تم إقراره»، معرباً عن ثقته بأن «الزيادات المقترحة به تضمن التمتع بمتوسط دخل جيد يمكّن شريحة العاملين بالدولة من الإيفاء بمتطلباتهم، فضلاً عن إسهامه في إزالة الفوارق والتفاوت الواسع بين رواتبهم، وهو الأمر الذي كان محل انتقاد كثيرين».
ولفت إلى أنه «سيتم ربط قيمة العلاوة بالدرجة الوظيفية لمنع تحايل البعض وسعيه لزيادة راتبه عبر بوابة العلاوات والمزايا، كما سيتم وضع نظام للمراقبة لمنع الازدواجية بالجمع بين وظيفتين بالقطاعين العام والخاص».
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي الليبي سليمان الشحومي، أنه يمكن الاعتماد على إيرادات النفط إذا ما واصلت تحسنها الراهن لتعويض مخصصات باقي أبواب الميزانية العامة وتحديداً التنمية والتي قد يطغى عليها أكثر وأكثر بند الرواتب بعد تطبيق القانون الموحد للرواتب بزياداته المقترحة». وقال الشحومي لـ«الشرق الأوسط» إن «التوسع في التعيينات كان الآلية التي لجأت لها أغلب حكومات ما بعد ثورة فبراير (شباط) للسيطرة على الهبات وامتصاص الغصب الشعبي أو السعي لتحقيق الرضا الاجتماعي عن أدائها، وبات من المستحيل الآن حلها بعيداً عن بدء طرح الدولة لمشاريع كبيرة في مجالات التنمية والبنى التحتية بحيث يتم اجتذاب الجميع للعمل بالقطاع الخاص ويمكن تمويل تلك المشاريع من إيرادات النفط».
وأكمل: «بالطبع لو كانت هناك حكومة موحدة وقادرة على بسط سيطرتها على عموم البلاد فقد ترفع حصيلة الموارد من الضرائب وباقي الإيرادات السيادية الأخرى، ويتحسن الدخل العام للدولة وتطرح مشروع إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الليبي».
ودعا الخبير الاقتصادي لضرورة أن يتم الوصول قريباً لسعر صرف توزاني جديد ليكون قادراً على السيطرة وكبح أي زيادة جديدة بالأسعار وبالتالي معدلات التضخم بعد تطبيق قانون الرواتب.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».