ثنائية اللغة عند الأطفال... إيجابياتها وسلبياتها

في المؤتمر الدولي الثالث للجمعية السعودية لأمراض السمع والتخاطب بمدينة الرياض

ثنائية اللغة عند الأطفال... إيجابياتها وسلبياتها
TT

ثنائية اللغة عند الأطفال... إيجابياتها وسلبياتها

ثنائية اللغة عند الأطفال... إيجابياتها وسلبياتها

لتلاشي الحدود بين المجتمعات والثقافات المقترنة بالتطور المتسارع في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، يبرز دور التغيير في أولويات التخطيط للمستقبل التعليمي والأكاديمي لأبنائنا في العالم العربي الذي يظهر جلياً في سعي الآباء لتعليم أبنائهم منذ الصغر أكثر من لغة إعداداً لهم لمستقبل قد لا يكون فيه مكان لمن لا يتحدث لغة أخرى إضافية إلى جانب لغته الأم. واستناداً لانتشار المدارس الدولية العالمية في عالمنا العربي، فقد اعتمدت معظم الدول العربية اللغة الإنجليزية لغةً أساسية. ليس ذلك فحسب، بل يأتي الإنترنت بطغيانه الكاسح وتطبيقاته المتنوعة ليفرض الاحتياج إلى وجود قدر من اللغة الإنجليزية كبطاقة الصعود للطائرة التي تمكن حاملها من التحليق في عالم من التطبيقات والألعاب وغيرها!
ورغم أهمية تنوع مصادر المعرفة، فإنه لم تؤخذ بعين الاعتبار، مقدرة هذا الجيل على الاحتفاظ بثقافته ولغته اللتين تمثلان الهوية له في ظل هذه التحديات العظيمة.
وهنا يبرز العديد من التساؤلات، ومنها: ماذا يحدث عندما يتعرض الطفل لأكثر من لغة؟ هل يؤدي ذلك إلى ارتباكه وتأخره؟ هل من الممكن أن يواجه صعوبة أكثر في تعلم الكلام من الأطفال الذين يتحدثون لغة واحدة فقط؟ هل استخدام أكثر من لغة مع طفل يعاني من صعوبات في التواصل يساهم في زيادة مشكلته؟ هل من الممكن أن يصبح ثنائي اللغة طفلاً ذا احتياج خاص؟ في هذا المقال، سوف نجيب عن كل هذه التساؤلات.

ثنائية اللغة

التقت «صحتك» الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري، رئيس قسم اضطرابات التواصل في «مجمع عيادات العناية النفسية» بالرياض، وهو أكاديمي وباحث ومستشار لعدد من الهيئات والأستاذ المشارك بكلية الطب بجامعة الفيصل بالرياض - لتسليط الضوء على الموضوع، من الوجهة الصحية، بإيجابياته وسلبياته، فعرّف «الشخص ثنائي اللغة» بأنه الشخص الذي يتحدث لغتين، أما الذي يتحدث أكثر من لغتين فهو الشخص «متعدد اللغات» (على الرغم من إمكانية استخدام مصطلح «ثنائي اللغة» في كلتا الحالتين). لقد بات تعددُ اللغات معياراً لمستوى التعليم والثقافة في معظم مجتمعات العالم، ويمكن للشخص معرفة واستخدام ثلاث أو أربع لغات أو حتى أكثر بطلاقة. قد يصبح الشخص ثنائي اللغة إما عن طريق اكتساب لغتين في الوقت نفسه في مرحلة الطفولة أو عن طريق تعلم لغة ثانية في وقت ما بعد اكتساب لغته الأولى. وأشار الدكتور وائل الدكتروري إلى المؤتمر الدولي الثالث للجمعية السعودية لأمراض السمع والتخاطب الذي سيبدأ أعماله يوم غد (السبت)، الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2022 في مدينة الرياض ولمدة يومين، وسيتناول العديد من الموضوعات المهمة والمستجدات في الممارسة الإكلينيكية فيما يتعلق بعلاج أمراض النطق واللغة والسمعيات، ومنها «ثنائية اللغة عند الأطفال: ما بين البراهين والممارسة»، وهي محاضرة سيلقيها الدكتور وائل الدكروري، والذي خص هذا العدد من «صحتك» بـ«الشرق الأوسط» بتصريحه، أن العديد من الأطفال ثنائيي اللغة يكبرون وهم يتحدثون لغتين بكفاءة، ويمكن للبعض تعلم اللغة الثانية في وقت ما بعد الطفولة المبكرة، ولكن كلما تقدم السن، كان من الصعب تعلم التحدث بلغة جديدة بكفاءة المتحدث الأصلي. ويعتقد العديد من اللغويين، أن هناك «فترة حرجة» تستمر تقريباً من الولادة حتى سن السابعة يمكن للطفل خلالها، بسهولة، اكتساب أي لغة يتعرض لها بانتظام. تحت هذا الرأي، يتغير هيكل الدماغ عند البلوغ، وبعد ذلك يصبح من الصعب تعلم لغة جديدة. هذا يعني أنه من الأسهل بكثير تعلم لغة ثانية خلال مرحلة الطفولة مقارنة بالشخص البالغ.
> هل من الصعب على الطفل اكتساب لغتين في وقت واحد؟
أوضح الدكتور الدكروري، أنه لا يوجد دليل يشير إلى صعوبة اكتساب الطفل لغتين أكثر من اكتسابه لغة واحدة، طالما أن الأهل والأشخاص المحيطين يتحدثون بانتظام مع الطفل باللغتين مما يساعده على اكتسابهما بسهولة. ولا يجب أن يكون الطفل استثنائياً أو لديه أي قدرة لغوية خاصة ليصبح ثنائي اللغة؛ طالما أن الطفل يتعرض للغتين طوال مرحلة الطفولة المبكرة.
قد يشعر بعض الناس بالقلق من أن تعلم أكثر من لغة واحدة أمر سيئ للطفل، ولكن لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة. وفي الواقع، هناك الكثير من المزايا لمعرفة أكثر من لغة واحدة، حيث يشعر العديد من اللغويين أن معرفة لغة ثانية تفيد في تطور النمو المعرفي والإدراكي للطفل، حيث أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يتحدثون لغتين، تكون اللغتان في صراع كما لو كانت كل منهما تحاول إقناع الطفل باختيارها عند الاستجابة لمثير لغوي، وهو ما يتطلب قدرة على تنحية لغة وإعلاء الأخرى؛ ما يستلزم تفعيل الانتباه الاختياري والمرونة الإدراكية؛ حيث توصلت دراسة حديثة إلى أن هذه المهارات تكون أفضل عند الأطفال الذين يتحدثون لغتين، وهو ما يظهر بشكل واضح عند بداية الدراسة الأكاديمية؛ حيث يُظهر الأطفال الذين يتحدثون لغتين تقدماً في المجال الإدراكي، يتمثل في تطورٍ أعلى لمهارات السيطرة على الذات، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم الأكاديمي وتطور المهارات الاجتماعية لديهم، فالطفل الذي لديه مهارات متقدمة في السيطرة على الذات يكون من السهل عليه تركيز انتباهه على النقاط المهمة، وأقل تفاعلاً مع المشتتات المختلفة، مما يكون له تأثير إيجابي على التطور الأكاديمي. أما بالنسبة للتفاعل الاجتماعي فيكون لديه سيطرة أكبر على سلوكياته وتفاعلاته.
إن استخدام أكثر من لغة مع الطفل لا يسبب تأخراً في حد ذاته، في حين أن الأطفال الذين يتعرضون لأكثر من لغة قد تكون بداية الكلام عندهم أبطأ قليلاً من الأطفال الذين يتعرضون للغة واحدة، ولكن يظلون ضمن الحدود الطبيعية، بل لقد أظهرت الدراسات، أنه حتى الأطفال الذين يعانون من تأخر في نمو مهارات اللغة والكلام يمكنهم الاستفادة من تعلم أكثر من نظام لغوي.
> هل يمكن تقديم لغة ثانية للطفل الذي أظهر تأخراً في اكتساب لغته الأم؟
يجيب الدكتور وائل الدكروري بأن هناك ما يعرف بـ«اكتساب اللغات المتسلسل»، أي اكتساب الطفل اللغة الثانية بعد اكتساب اللغة الأولى؛ حيث يتم تقديم اللغة الثانية بعد عمر ثلاث سنوات من اكتسابه مهارات اللغة الأولى. لقد خلصت نتائج الدراسات، التي أجريت في العقد الأخير إلى عدم وجود اختلافات بين هؤلاء الأطفال والآخرين أحاديي اللغة، الذين يتفقون في وجود صعوبات في تطور ونمو مهارات اللغة والكلام؛ حيث توافقوا في سرعة اكتساب المهارات اللغوية وكمية اكتسابها، في حين يجب توضيح أن البيئة التي يعيش فيها الطفل لها تأثير كبير من حيث كون اللغة لغة أقلية أو لغة أغلبية في المجتمع.

تجارب لغوية

وهنا يورد الدكتور وائل تجارب بعض الدول ولغاتهم:
> التجربة التركية. تشير نتائج الدراسات المطولة التي أجريت على الجاليات التركية المقيمة بألمانيا؛ إلى أن الأطفال الأتراك الذين يعانون من تأخر نمو مهارات اللغة والكلام وتم البدء بتعليمهم اللغة الألمانية كلغة ثانية بعد بلوغ سن الثالثة، ظلوا متأخرين مقارنة بأقرانهم متحدثي اللغة الألمانية أحاديي اللغة حتى بعد 4 سنوات من التعليم والتدريب المكثف، كما ظل مستوى أدائهم أقل من المعدلات الطبيعية لمتحدثي اللغة التركية أحاديي اللغة.
> التجربة الأميركية. أفاد الدكتور وائل الدكروري، بأن من المثير للدهشة أن الولايات المتحدة الأميركية تختلف تماماً بين دول العالم من حيث إن العديد من مواطنيها يتحدثون الإنجليزية فقط، ونادراً ما يتم تشجيعهم على التحدث بطلاقة بأي لغة أخرى!
ويعتقد اللغويون في أميركا بأن اللغة الإنجليزية ليست في خطر الاختفاء في أي وقت قريب؛ فهي راسخة في كل من أميركا والبلدان الناطقة بالإنجليزية كلغة أم في جميع أنحاء العالم.
في الواقع، لم تحتل أي لغة مكانة قوية في العالم مثل اللغة الإنجليزية، اليوم. ولكن البعض يشعر بالقلق عندما يرون اللوحات الإعلانية في الشوارع داخل الولايات المتحدة باللغة الإسبانية. ولكن، من المنطقي تماماً طباعة المعلومات العامة والتعليمات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في حي به عدد كبير من السكان الناطقين بالإسبانية. هذا لا يعني أن اللغة الإنجليزية في خطر.
باختصار، ثنائية اللغة ليست خطراً على اللغة الإنجليزية أو على المتحدثين ثنائيي اللغة أنفسهم. على العكس من ذلك، هناك العديد من المزايا لثنائية اللغة، لكل من الفرد والمجتمع ككل.
> ثنائية اللغة واضطرابات طيف التوحد. أوضح الدكتور الدكروري، أن هناك دراسات أجريت بهدف مقارنة تطور نمو مهارات اللغة عند من اكتسبوا اللغات بشكل متزامن أو متسلسل، أو أحاديي اللغة، شريطة أن يكونوا تحت مسمّى «اضطرابات طيف التوحد»، لم تُظهر فروقاً مميزة لأي فئة من فئات هذه الدراسات، وهو ما يثبت عدم اختلاف ثنائية اللغة بأنواعها مقارنة بأحادية اللغة عند الحديث عن اكتساب مهارة لغة ثانية. لقد أظهرت نتائج البحوث التي أجريت أن الأطفال المتأخرين لغوياً يمكن أن يكتسبوا لغة ثانية بعد اكتساب اللغة الأولى، شريطة أن يتم التعامل مع اللغتين بشكل دائم في البيئة المنزلية أو بيئة المدرسة.
وهنا يمكننا استنتاج أن الأطفال الذين يكتسبون لغة ثانية وهم يعانون من تأخر في نمو وتطور اللغة الأم، لا يواجهون مصاعب أكثر من الأطفال أحاديي اللغة، الذين يعانون من التأخر نفسه في نمو مهارات اللغة.
> هل من الضرورة أن يتم توجيه الأطفال المتأخرين لنظام تعليم أحادي اللغة فقط؟ يجيب الدكتور وائل الدكروري بأن الإجابة هنا تتمثل في أن نتائج الأبحاث التي أجريت حتى عام 2014 خلصت إلى أن الأطفال المتأخرين لغوياً يؤدون الأعمال بشكل مماثل في البيئة التعليمية ثنائية اللغة كما في البيئة أحادية اللغة. فالتعلم سواء كان بلغة واحدة أو لغتين بالنسبة للأطفال المتأخرين لغوياً يتساوى مع وجوب وجود الدعم المتمثل في علاج أمراض النطق واللغة؛ لمساعدة الطفل على اجتياز المصاعب التي يواجهها؛ فالمعيار بالنسبة لهؤلاء الأطفال ليس وجود لغة أو لغتين، بل وجود الدعم الكافي بالجلسات العلاجية.
وفي النهاية نقول، إن الأطفال ثنائيي اللغة، الذين يعانون من تأخر في نمو مهارات اللغة والكلام، يحتاجون إلى دعم كامل للغتين؛ لضمان اكتسابهما بشكل متوافق مع أعمارهم. أما الاعتقاد الخاطئ بأن ثنائية اللغة مسؤولة عن تأخر الأطفال أو تحد من إمكانية تطورهم على المستوى اللغوي، فيجب عدم إعطائه أي اهتمام؛ لأنه يتنافى مع نتائج الدراسات التي أجريت في العشرين سنة الماضية.

مشكلات الطفل العربي

هل للطفل العربي ثنائي اللغة من مشكلات محددة؟ يجيب الدكتور وائل الدكروري بأن ما يحدث عندما يكتشف الأهل أن طفلهم يعاني من تأخر في تطور ونمو مهارات اللغة والكلام وهم في مجتمع يتحدث لغة أخرى (مثال: طفل عربي في مجتمع أميركي)، هو أن يعتقد الأهل أن تعلم لغة المجتمع (لغة الأغلبية) أكثر أهمية، بل إن اللغة الأصلية (العربية) قد تكون غير مهمة الآن حتى لو كان الأهل لا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة كما في بعض الأحيان. وهنا تظهر مشكلات كثيرة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
- الأطفال الذين يتحدثون لغة الأغلبية عُرضة لعدم اكتمال لغتهم الأصلية أو حتى فقدها.
- في حال عدم طلاقة الأهل في استخدام لغة الأغلبية، وإصرارهم على استخدامها لمساعدة طفلهم، قد يتأثر نمط العلاقة بين الطفل والأهل من حيث التفاعل؛ مما يلقي بظلاله على العلاقة العاطفية والنواحي النفسية؛ حيث إن اللغة مرتبطة بهما بشكل كبير، كما أنها ترتبط بمفهوم تحديد مرجعية الهوية الثقافية للطفل.
- تأثر علاقة الطفل بثقافته وأصوله بشكل سلبي.
- وهنا يمكننا استنتاج أن على الأهل أن يتواصلوا مع أطفالهم بلغتهم الأصلية، كذلك المتخصصون يجب أن يبذلوا أقصى ما في وسعهم لتقديم المساعدة التي تدعم تطوير مهارات اللغة الأم عند الطفل. ولقد خلصت الدراسات إلى ضرورة أن يكون الهدف الأساسي للتدخل العلاجي لعلاج النطق واللغة هو مساعدة الطفل المتأخر لغوياً على تطوير لغته الأم في الوقت نفسه الذي يتلقى فيه علاجاً بلغة الأغلبية في المجتمع الذي يعيش فيه.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

دراسة تحذر من الإفراط في القهوة... ومفاجأة عن «الشاي بالحليب»

صحتك كوب من القهوة وكابتشينو في متجر في بوغوتا - كولومبيا (أرشيفية - رويترز)

دراسة تحذر من الإفراط في القهوة... ومفاجأة عن «الشاي بالحليب»

أشارت دراسة جديدة إلى أن تناول المشروبات الغازية وعصائر الفاكهة، وأكثر من أربعة أكواب من القهوة يومياً قد يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
علوم سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)

إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

سيتم تسليط الضوء على أفضل العقول في مجال العلوم الأسبوع المقبل عندما يتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـ40 في المائة من العلاج التقليدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)

طفلي لا يريد التحدث معي... ماذا أفعل؟

تنصح طبيبة نفسية بإعطاء الأطفال مساحتهم الخاصة عندما لا يريدون التحدث.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفريق أجرى جراحة كهربائية لعلاج انسداد القنوات الصفراوية بواسطة روبوتات مصغرة (المركز الألماني لأبحاث السرطان)

روبوتات بحجم المليمتر تنفذ عمليات جراحية دقيقة

حقّق باحثون في المركز الألماني لأبحاث السرطان إنجازاً جديداً في مجال الجراحة بالمنظار، حيث طوّروا روبوتات مصغرة بحجم المليمتر قادرة على تنفيذ جراحات دقيقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

دراسة تحذر من الإفراط في القهوة... ومفاجأة عن «الشاي بالحليب»

كوب من القهوة وكابتشينو في متجر في بوغوتا - كولومبيا (أرشيفية - رويترز)
كوب من القهوة وكابتشينو في متجر في بوغوتا - كولومبيا (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة تحذر من الإفراط في القهوة... ومفاجأة عن «الشاي بالحليب»

كوب من القهوة وكابتشينو في متجر في بوغوتا - كولومبيا (أرشيفية - رويترز)
كوب من القهوة وكابتشينو في متجر في بوغوتا - كولومبيا (أرشيفية - رويترز)

أشارت دراسة جديدة إلى أن تناول المشروبات الغازية وعصائر الفاكهة، وأكثر من أربعة أكواب من القهوة يومياً قد يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.

واستندت الدراسة إلى دراسة أخرى بارزة تمت في عام 2017، والتي أجريت في 32 دولة على نحو 27 ألف فرد، إذ سعت الدراسة الأولى إلى تحديد أهمية عوامل الخطر القابلة للتعديل المحتملة للسكتة الدماغية في مناطق مختلفة من العالم.

وأجريت التحليلات الحالية لبيانات الدراسة التي عُرفت باسم «إنترستروك» بشكل تعاوني من قبل باحثين في جامعة ماكماستر في أونتاريو بكندا وجامعة جالواي في آيرلندا.

وتباينت المخاطر المرتبطة بالمشروبات إلى حدٍ ما، اعتماداً على الموقع الجغرافي والسكان في التحليلات الجديدة.

وهذه أبرز النتائج وفقاً للتحليلات:

* ارتبطت المشروبات الغازية، سواء المحلاة بالسكر أو المحلاة صناعياً، مثل المشروبات الغازية، بزيادة احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية الأولى أو السكتة الدماغية النزفية القلبية بنسبة 22 في المائة. وكان هذا الارتباط أقوى في أفريقيا وأوروبا الشرقية والوسطى والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية.

* يزيد عصير الفاكهة والمشروبات الغازية من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية النزفية القلبية بنسبة 37 في المائة، حيث تكون النساء أكثر عرضة للخطر من الرجال. ويضاعف تناول مشروبين من هذا القبيل يومياً هذا الخطر ثلاث مرات. ويقترح الباحثون أن هذا قد يكون بسبب السكر والمكونات الأخرى المضافة إلى المشروبات التي تعتمد على الفاكهة والتي تطغى على خصائصها الصحية.

* يزيد شرب أكثر من أربعة أكواب من القهوة يومياً من احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية الأولى بنسبة 37 في المائة.

* لم يرتبط الاستهلاك اليومي المعتدل للقهوة - أقل من أربعة أكواب - بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.

* وجدت التحليلات الجديدة أن الشاي له تأثير وقائي ضد السكتات الدماغية في أميركا الجنوبية والصين، لكنه ارتبط بزيادة احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية في جنوب آسيا.

* ووجد الباحثون أيضاً أن شرب أكثر من سبعة أكواب (56 أونصة) من الماء يومياً يقلل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 18في المائة.

المشروبات الغازية والمحلات الصناعية

وعدَّ موقع «ميديكال نيوز توداي» أن الاستنتاج بأن المشروبات الغازية قد لا تكون صحية ليس مفاجئاً بشكل خاص، وفي هذا الصدد يقول كريستوفر يي، وهو جراح الأوعية الدموية المعتمد في مركز ميموريال أورانغ كوست الطبي في فاونتن فالي، بكاليفورنيا: «يمكن أن يساهم ارتفاع نسبة السكر في المشروبات الغازية العادية في السمنة ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وكلها عوامل خطر رئيسية للسكتة الدماغية».

وقال يي، الذي لم يشارك في البحث: «وبالمثل، يمكن أن تتسبب إضافات السكر في مشروبات الفاكهة في ارتفاع سريع في مستويات السكر في الدم والإنسولين، مما قد يعزز الالتهاب وخلل وظائف البطانة، مما يزيد من خطر السكتة الدماغية».

أما بالنسبة للمشروبات المحلاة صناعياً، فقد لاحظت الدكتورة جين مورغان أنه «يمكن أن تؤثر السكريات الصناعية سلباً على صحة الأوعية الدموية ووظائف الأوعية الدموية، بل وتساهم حتى في الالتهاب، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية».

وتتابع مورغان: «كانت هناك العديد من الدراسات التي تدعم هذا الاكتشاف، بما في ذلك دراسة في عام 2019 وجدت أن الأشخاص الذين تناولوا مشروبين أو أكثر محلى صناعياً يومياً كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية من أولئك الذين تناولوا أقل أو لم يتناولوا أياً من تلك المشروبات يومياً».

القهوة والشاي والماء... والحليب

ويقول يي عن شرب القهوة: «كما هو الحال مع معظم الأشياء التي يتم استهلاكها، فإن الاعتدال أكثر أماناً من الإفراط».

في حين أن الكافيين الموجود في القهوة يمكن أن يسبب ارتفاع ضغط الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، فإن القهوة تحتوي أيضاً على البوليفينول المفيد، ويقول يي إن البوليفينول «له خصائص مضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة التي يمكن أن تقلل من تصلب الشرايين وتحسن وظائف الأوعية الدموية».

ويقول مورغان: «بيانات القهوة في كل مكان. لكن بيانات الشاي أكثر قابلية للتكرار ومتسقة. على وجه التحديد، ثبت أن الشاي الأخضر والأسود يقللان من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية».

في المناطق التي وجد فيها أن الشاي يقلل من المخاطر، كان للشاي المختلف تأثيرات مختلفة قليلاً، إذ وجد التحليل أن من ثلاثة إلى أربعة أكواب من الشاي الأسود يومياً يقلل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 29 في المائة، كما أن نفس عدد أكواب الشاي الأخضر خفض من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 27 في المائة.

وتوضح مورغان: «يعتقد أن هذا التأثير يرجع إلى الكمية الغنية من مضادات الأكسدة الموجودة في الشاي. يمكن أن تقلل الكاتيكين والإبيكاتشين من الالتهاب في الأوعية الدموية، مما يقلل من الضرر التأكسدي الذي يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية».

وتابعت الطبيبة: «كما ارتبط الشاي بانخفاض ضغط الدم وتحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية، وبالتالي تقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية».

أشارت البيانات في الدراسة أيضاً إلى أن إضافة الحليب إلى الشاي قلل من تأثيره المفيد ضد السكتة الدماغية، ربما بسبب تثبيطه لتأثيرات مضادات الأكسدة.

شرحت مورغان دور الماء في الحد من الجفاف، وهو عامل خطر كبير للسكتة الدماغية، ويتابع: «يتسبب الجفاف في زيادة لزوجة الدم مما يزيد من احتمالية تجلطه. كما يتدفق الدم الرقيق بسهولة أكبر إلى جميع مناطق الجسم، بما في ذلك الدماغ، مما يوفر الحماية من الجلطات والسكتة الدماغية. يمكن أن يؤدي الجفاف أيضاً إلى ارتفاع ضغط الدم حيث يكافح الجسم لتنظيم ضغط الدم».

وأضافت مورغان: «ارتفاع ضغط الدم هو عامل خطر كبير للسكتة الدماغية. حجم الدم الجيد ضروري لتنظيم ضغط الدم».