غل يعود إلى مسرح السياسة التركية عبر كتاب يكشف خصوماته مع إردوغان

اسم الرئيس السابق مطروح لخلافة داود أوغلو رئيسًا للوزراء

الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان وسلفه عبد الله غل في جنازة الرئيس الأسبق سليمان ديميريل في أنقرة الجمعة الماضي (أ.ب)
الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان وسلفه عبد الله غل في جنازة الرئيس الأسبق سليمان ديميريل في أنقرة الجمعة الماضي (أ.ب)
TT

غل يعود إلى مسرح السياسة التركية عبر كتاب يكشف خصوماته مع إردوغان

الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان وسلفه عبد الله غل في جنازة الرئيس الأسبق سليمان ديميريل في أنقرة الجمعة الماضي (أ.ب)
الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان وسلفه عبد الله غل في جنازة الرئيس الأسبق سليمان ديميريل في أنقرة الجمعة الماضي (أ.ب)

الخلافات بين الرجلين كانت معروفة، وها هي تطرح على الرأي العام علنا مع كتاب نشر في تركيا يكشف الخصومات بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وسلفه عبد الله غل، مما يعيد إطلاق التكهنات حول احتمال عودة رئيس الدولة السابق إلى الساحة السياسية.
وهذا الكتاب بعنوان «اثنا عشر عاما مع عبد الله غل»، من تأليف أحد أقرب مستشاريه أحمد سيفير، يعرض للمرة الأولى الخلافات التي كانت في الكواليس بين مؤسسي حزب العدالة والتنمية (إسلامي محافظ)، الذي يحكم البلاد منذ عام 2002. وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فإنه فضلا عما يكشفه مضمونه، فإن توقيت نشره جعل الكتاب بمثابة قنبلة سياسية صغيرة. فقبل بضعة أيام من صدوره، خسر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من الشهر الحالي الغالبية المطلقة التي كان يحظى بها منذ 13 عامًا في البرلمان. وهذا الإخفاق اعتبر نكسة شخصية لإردوغان الذي بذل قصارى الجهود في حملة حزبه كي يحقق فوزا كاسحا في الانتخابات، الأمر الضروري لتحقيق حلمه في إقامة نظام رئاسي قوي.
ومنذ ذلك الاقتراع، عاد اسم عبد الله غل ليتردد في الصحافة وفي الأذهان كخلف محتمل لرئيس الوزراء المنتهية ولايته أحمد داود أوغلو. فبعد أن شغل منصب رئيس الوزراء لفترة وجيزة في 2002 تولى غل وزارة الخارجية ثم أصبح رئيسا للجمهورية بين 2007 و2014. وطوال تلك الفترة، فرض صورة الرجل المعتدل والتوفيقي، مما يتعارض مع صورة الرجل المستبد أكثر فأكثر لرفيق دربه إردوغان. ومنذ انتخاب إردوغان قبل نحو عام على رأس الدولة، بقي غل في منأى عن المعترك السياسي. ويؤكد أحمد سيفير في كتابه أن الرئيس الحالي هو الذي أعاق عودته إلى الصف الأول. ونقل الكاتب عن غل قوله: «(طيب) يعارض ذلك»، وأضاف أن «هذا الأمر قد يتسبب بنزاع بيننا، وهذا لن يكون جيدا بالنسبة للبلاد أيضًا»، مستطردا: «لا يمكن أن يسير بهلوانان على الحبل نفسه».
وبين الأمور الأخرى يسرد سيفير بالتفصيل الخلافات السياسية بين الرجلين أثناء الاضطرابات التي شهدتها البلاد في يونيو (حزيران) 2013، أو أثناء فضيحة الفساد التي دوت أواخر العام نفسه. كذلك فقد غذت أيضا التوترات الحادة بين الرجلين، الدبلوماسية التي انتهجها رئيس الدولة الحالي، مثل دعمه لنظام الرئيس المصري الأسبق الإسلامي محمد مرسي أو رغبته في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بأي ثمن. وعلى سبيل الطرفة المعبرة عن هذا المناخ، يؤكد أحمد سيفير أنه أثناء موكب تسلم السلطة بين الرئيسين في 2014، حذرت زوجة غل، خير النساء، من أنها ستطلق «انتفاضة» ضد كل الذين سيلطخون سمعة زوجها.
وإن كان هذا الأمر أسعد المعلقين، فإن المقربين من إردوغان لم يستسيغوه كثيرا.
وقال النائب بيرات البيرق، صهر إردوغان، بازدراء: «لم أقرأ ذلك، لا أعتقد أنه أمر مهم». واعتبر نائب آخر عن حزب العدالة والتنمية شامل طيار أنها «قنبلة يدوية أطلقت في صفوف الحزب». وقال سيفير إن كتابه ليس سوى شهادة، وإنه أرجأ نشره إلى ما بعد الانتخابات بطلب من عبد الله غل. ونفى الأخير أن يكون أشرف على كتابته، ودعا الجميع إلى تجنب أي «حساب»، حول محتواه.
وعلى الرغم من هذه التوضيحات، فقد رأى عدد من المعلقين في هذا الكتاب مؤشرا جديدا على طموحات غل وبروز بديل عن إردوغان داخل حزب العدالة والتنمية. ولفت كاتب الافتتاحية حسن جمال على الموقع الإخباري الإلكتروني «تي - 24» إلى أن «دخول غل إلى المسرح (السياسي) مهم، لجهة تطبيع الحياة السياسية التركية وديمقراطيتها». إلا أن آخرين ليسوا على ثقة إلى هذا الحد، بل يشيرون إلى الحذر المفرط الذي يبديه غل الملقب بـ«كاتب العدل»، ورفضه مجابهة مبادرات إردوغان بشكل مباشر.
لكن المؤكد أن رئيس الدولة السابق سيعود اسمه مدار الحديث في تركيا. وقد تحدث غل عن الوضع الناشئ عن الانتخابات التشريعية مع إردوغان، واغتنم الجمعة الماضي جنازة سلفه سليمان ديميريل للقاء مطول مع خلفه أثار تعليقات كثيرة. ورأى المحلل لدى مؤسسة الخدمات المالية (بي جي سي بارتنرز)، أوزغور ألتوغ في إسطنبول أن «ذلك لا يعني أنه متلهف للعودة، لكنه يمكن أن يعود في حال الضرورة».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».