جيورجيا ميلوني تضرم «الشعلة الفاشية» في إيطاليا

جيورجيا ميلوني في تجمع انتخابي في باليرمو صقلية في 20 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)
جيورجيا ميلوني في تجمع انتخابي في باليرمو صقلية في 20 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

جيورجيا ميلوني تضرم «الشعلة الفاشية» في إيطاليا

جيورجيا ميلوني في تجمع انتخابي في باليرمو صقلية في 20 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)
جيورجيا ميلوني في تجمع انتخابي في باليرمو صقلية في 20 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

نشأت جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب «إخوان إيطاليا» الذي قام على ركام الحركة الفاشية، في بيئة تمجد شخصية الذكر. وترعرعت في محيط ينقاد وراء صورة الزعيم، وبدأت مسيرتها السياسية في ظل الفحولية البرلوسكونية، إلى أن أصبحت اليوم أيقونة اليمين الإيطالي، واقفة على أعتاب رئاسة الحكومة بعد فوزها المرجح في انتخابات الأحد المقبل لتصبح أول امرأة تعتلي قمة الهرم السياسي في إيطاليا.
أواخر العام الماضي، وفي حديث إلى إحدى قنوات التلفزيون الفرنسي، قالت ميلوني: «في اعتقادي أن بنيتو موسوليني كان سياسياً ممتازاً. كل ما فعله كان لأجل إيطاليا، وهذا ما نفتقده في السياسيين الذين تعاقبوا على إيطاليا خلال العقود الخمسة المنصرمة». لكن منذ أن بدأت استطلاعات الرأي ترجح فوز حزبها في الانتخابات العامة المقبلة، وبعد أن توافقت أطراف الائتلاف اليميني على أن يتولى رئاسة الحكومة زعيم الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، لم تعد ميلوني تدلي بتصريحات تعرب فيها عن إعجابها بمؤسس الحركة الفاشية التي ينص الدستور الإيطالي على حظرها ومنع استخدام شعاراتها في الأنشطة السياسية والاجتماعية.
ورغم ذلك، لا يبدو أن ميلوني قد تخلت عن الموروث السياسي الذي نشأت فيه، ويكاد لا يمر يوم منذ بداية الحملة الانتخابية من غير أن تستحضر فيه بعض الأفكار والمواقف التي، وإن لم يتوقف عندها الإيطاليون لكثرة ما ترددت على مسامعهم في السنوات الأخيرة، تطلق صفارات الإنذار في الدوائر والعواصم الأوروبية التي تخشى أن يكون وصول ميلوني إلى رئاسة الحكومة المنعطف الحاسم الذي يترسخ عند اليمين المتطرف في أوروبا.
يجدر التذكير في هذا المجال أن الفاشية لم تطرد عملياً من المشهد السياسي الإيطالي حيث أتيح لأتباعها أن يعيدوا تنظيم صفوفهم تحت راية حزب جديد هو «الحركة الاجتماعية الإيطالية». بينما في ألمانيا فرض الحلفاء نظاماً صارماً يقصي النازيين بشكل نهائي ودائم من السلطة.
وعندما كانت ميلوني في الخامسة عشرة من عمرها انضمت إلى جناح الشباب في حزب الفاشيين الجدد الذي غير اسمه بعد ذلك عدة مرات قبل أن يصبح اليوم «إخوان إيطاليا» المقتبس من عنوان النشيد الوطني الإيطالي، والذي لم يعلن يوماً تخليه عن إرث موسوليني. لكن هل يعني ذلك أن إيطاليا في طريقها للعودة إلى الفاشية؟ وأن أشباح الماضي عادت لتطل من جديد على المشهد السياسي؟
إن صعود اليمين المتطرف ووصول جيورجيا ميلوني إلى أبواب الحكم في إيطاليا، ليس مرده لعودة الحياة إلى الفاشية بقدر ما هو ناجم عن انجذاب الناخب الإيطالي إلى كل البرامج والمشاريع التي تناهض الوضع السياسي القائم وتدعو إلى تغييره بصورة جذرية.
وميلوني ليست سوى آخر حالة في سلسلة من القيادات الراديكالية والشعبوية التي نمت شعبيتها بسرعة في إيطاليا منذ تسعينات القرن الماضي.
يكفي إلقاء نظرة على حلفاء ميلوني في هذه الانتخابات: سيلفيو برلوسكوني الذي كان رائد الموجة الشعبوية، وماتيو سالفيني الذي تخلى عن مشروعه الانفصالي ليتزعم التيار اليميني المتطرف قبل أن تتراجع شعبيته مؤخراً لحساب منافسته وحليفته اللدودة جيورجيا ميلوني.
وإذا كان تحالف ميلوني مع شخصية متطرفة ومثيرة للجدل مثل سالفيني يكشف عن حنكة ومهارة في خوض المياه السياسية الإيطالية البالغة التعقيد، فإنه يظهر أيضاً الميل المتأصل لدى الناخب الإيطالي للتصويت إلى الذين لم يسبق أن تولوا الحكم، على اعتبار أنهم، على الأقل، غير فاسدين.
المنصب الحكومي الوحيد الذي تولته ميلوني حتى الآن كان حقيبة الشباب في إحدى حكومات برلوسكوني عام 2008، بحيث بقيت خارج دائرة الحروب والصراعات الداخلية المنهكة التي شهدتها الحكومات الإيطالية الأخيرة، وكانت المستفيدة الأولى من السخط المزمن الذي يكنه الإيطاليون للطبقة الحاكمة.
مع وصول اليمين المتطرف مؤخراً إلى الحكم في السويد، واقتراب العديد من الأحزاب الراديكالية المناهضة للنظام القائم من الحكم في الدول الغربية، لم تعد ميلوني خارج المنازع السياسية السائدة، خاصةً بعد أن أتقنت طرح الأفكار المتطرفة بحلة مقبولة.
برلوسكوني كان هو السباق عند وصوله إلى الحكم في العام 1994 رافعاً شعارات كالتي ترفعها اليوم ميلوني. وهو الذي كشف رسوخ الشعبوية في أوروبا، وجعل من الاستقطاب القاعدة الأساسية لاستراتيجيته السياسية التي بناها على إمبراطوريته الإعلامية المترامية، فاتحاً الباب واسعاً أمام الواقع البديل الذي تشكله اليوم وسائل التواصل الاجتماعي وما يتفرع عنها.
لكن ريادة برلوسكوني في هذا المجال تبعتها أجيال أخرى جعلت من إيطاليا المختبر الأوروبي بامتياز للحركات السياسية المناهضة للوضع القائم، التي كان لا بد أن تصل إلى خاتمتها المنطقية: الفاشية.
من هنا ينشأ القلق العميق الذي يسري في الأوصال الأوروبية اليوم إزاء احتمال وصول ميلوني إلى سدة الحكم في إيطاليا، وتزداد المخاوف من أن ما كانت تقوله في الماضي عن موسوليني، تسكت اليوم عنه لكنها ما زالت تؤمن به.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
TT

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

وقالت الوكالة إن هذه الحالة المتعلقة بالسفر مرتبطة بتفشي السلالة الفرعية 1 من المرض في وسط وشرق أفريقيا.

وأضافت الوكالة في بيان «سعى الشخص إلى الحصول على رعاية طبية لأعراض جدري القردة في كندا بعد وقت قصير من عودته ويخضع للعزل في الوقت الراهن».

وقالت منظمة الصحة العالمية أمس (الجمعة) إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة، وأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة عالمية بسبب جدري القردة للمرة الثانية خلال عامين في أغسطس (آب) بعد انتشار سلالة جديدة من الفيروس، هي السلالة الفرعية 1 بي، من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الدول المجاورة.

وقالت وكالة الصحة العامة الكندية إنه رغم أن المخاطر التي تهدد السكان في كندا في هذا الوقت لا تزال منخفضة، فإنها تواصل مراقبة الوضع باستمرار. كما قالت إن فحصاً للصحة العامة، بما في ذلك تتبع المخالطين، مستمر.