سجال نووي علني على المسرح الأوكراني

وجّه الرئيس بايدن منذ يومين تحذيراً للرئيس بوتين
وجّه الرئيس بايدن منذ يومين تحذيراً للرئيس بوتين
TT

سجال نووي علني على المسرح الأوكراني

وجّه الرئيس بايدن منذ يومين تحذيراً للرئيس بوتين
وجّه الرئيس بايدن منذ يومين تحذيراً للرئيس بوتين

ترتكز السياسة الأميركيّة تجاه روسيا على كيفيّة وعي وإدراك أميركا لروسيا. بكلام آخر، كيف ترى أميركا روسيا؟ وبأي منظار؟ وكيف تعيها كدولة عظمى؟
قال السيناتور الأميركي الراحل جون ماكين عن روسيا «إنها محطّة وقود، تتنكّر بشكل دولة». وقال الرئيس الأميركي الأسبق أوباما «إن روسيا دولة كبرى، لكن إقليميّة»، نافياً عنها صفات القوّة العظمى. وأخيراً وليس آخراً، وجّه الرئيس بايدن منذ يومين تحذيراً للرئيس بوتين بعدم استعمال النووي في أوكرانيا. والجدير ذكره هنا، هو لغّة التحذير؛ إذ كرّر الرئيس بايدن كلمة «إيّاك» ثلاث مرّات، قائلاً «إيّاك، إيّاك، إيّاك أن تستعمل النووي في أوكرانيا». وتعكس لغّة الرئيس بايدن النظرّة الفوقيّة تجاه روسيا، كما تعكس ثقة أكبر بالإنجازات الأوكرانيّة، ومن خلفها الأميركيّة.
في هذه المقاربة، تقع أميركا في خطأ بشري متجذّر في الطبيعة البشريّة، ومفاده «عند الحكم على سلوك الآخر، يعتمد الفرد على شخصيّة وخصال هذا الآخر، دون الأخذ بظروفه الموضوعيّة. فتقول أميركا مثلاً، إن بوتين مُجرم، وهو يكرّر في أوكرانيا ما فعله في الشيشان. في المقابل، عندما يحكم الفرد على أفعاله الخاصة، فهو يُبرّرها بظروفه الموضوعيّة». هذا ليس للدفاع عن أعمال بوتين، لكن ظروف بوتين الموضوعيّة هي ظروف متأصّلة في الوعي الروسي، خاصة الرسميّ؛ إذ لا مكان للضعفاء في الكرملين. فهل نسينا ما فعله ستالين بأوكرانيا في الثلاثينات (المجاعة)؟ وهل نسينا ما فعله ستالين بالأقليات في الاتحاد السوفياتيّ؟ وهل نسينا ما فعله بريجنيف في ربيع براغ؟ إذن، بوتين هو حلقة من سلسلة القيادات الروسيّة التي لا تريد كسر صورة القوّة والعظمة الروسيّة.
في المقابل، أميركا أيضاً تريد تغيير العالم وجعله على صورتها، ضاربة عرض الحائط بالظروف الموضوعيّة للشعوب التي حاربتها. ألم تحارب في فيتنام كي لا تصبح هذه الأخيرة في المعسكر الشيوعي؟ هذا مع العلم أن فيتنام كانت تحارب حرباً قوميّة ضدّ الاحتلال، حتى أنها كانت قد طلبت مساعدة من أميركا في هذا الشأن. ألم يُصعّد الرئيس لندون جونسون الحرب على فيتنام، فقط كي لا يكسر صورة القوّة الأميركيّة، وهو الذي قال «لا أريد أن أكون أوّل رئيس أميركي يخسر حرباً»؟

- العودة إلى النووي في أوكرانيا
يعتمد بوتين المعادلة التالية في حربه الخاصة على أوكرانيا «خوض الحرب التقليديّة بحماية وردع من المظلّة النوويّة من جهّة، ومن جهّة أخرى، استعمال السلاح النووي في حال ظهور خطر وجودي على روسيا في محيطها المباشر، حتى ولو كان هذا الخطر تقليديّاً». فهل وصل الأمر في أوكرانيا إلى هذا الحدّ بعد استرداد إقليم خاركيف؟ ولماذا حذّر الرئيس بايدن الرئيس بوتين؟
أتى الردّ الروسي على تحذير بايدن بالقول «راجعوا العقيدة النوويّة الروسيّة حول استعمال النووي». فماذا يعني هذا الأمر؟
• تتضمّن العقيدة الروسيّة، كيف ومتى تستعمل روسيا النوويّ. لكن العقيدة بشكل عام هي نصّ يشكّل خريطة طريق للاستعمال، وهي ليست منزّلة. والعقيدة الاستراتيجيّة هي رسالة غير مباشرة لمن يهمّهم الأمر، تُعلن فيها النوايا، وتطلق التحذيرات. على سبيل المثال، هل احترمت روسيا في حربها على أوكرانيا عقيدتها القتاليّة التقليديّة؟ بالطبع لا.
> تُرسم العقيدة عادة كردّ على استراتيجيّة الآخر، وما يملكه من إمكانيات، وكيف يرسم أهدافه. كذلك الأمر بالنسبة للعقيدة النوويّة الروسيّة، فهي مُعدّة أصلاً لحماية الأرض الروسية ووحدتها.
> وإذ كان الأمر كذلك، فهل يُعدّ إقليم الدونباس وشبه جزيرة القرم من ضمن الأراضي الروسيّة؟ وإذا كان الجواب بـ«نعم»، فهذا يعني أن المظلّة النوويّة الروسيّة تغطّي هذه المناطق، وأن العقيدة النوويّة الروسيّة صالحة هناك في المبدأ.

- إذن، لماذا التحذير الأميركي الآن؟
هل هناك مُخطّط أميركي – أوكراني لمزيد من الهجومات العكسيّة على غرار ما حصل في إقليم خاركيف؟ وهل ستستعمل أوكرانيا قوّاتها التي تحرّرت من الطوق في مدينتي سلوفيانسك، وكراماتورسك (وهي قوّات من النخبة)، للتقدّم باتجاه إقليم لوغانسك، أو باتجاه الجنوب نحو مدينة ماريوبول (ومعملها آزوفستال) لضرب الجسّر البرّي الذي يصل القرم بالشرق الأوكرانيّ؟ وإذا نجحت القوات الأوكرانيّة في هذه المهمّة الصعبة، فهل ستتابع إلى شبه جزيرة القرم لاستردادها؟
وإذا كان الجيش الروسي يعاني على كل مستويات، جواً وبرّاً وبحراً، عدّة وعديداً، وإذا كانت أميركا لا تزال تضخّ الأسلحة المتطوّرة والكاسرة لموازين القوى، فماذا تبقّى للرئيس بوتين فعله؟


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».