بات أمر هدر الطاقة في السعودية أمرا يستدعي الجهات المعنية للوقوف عنده، بهدف إيجاد سبيل لترشيد الطاقة، خصوصا أن قطاع المباني يستهلك قرابة 80 في المائة، من إنتاج السعودية من الكهرباء، منها 70 في المائة تستهلك في التبريد فقط.
وتبرز أهمية إشاعة ثقافة ترشيد استهلاك الطاقة والكهرباء، كإحدى أهم الاستراتيجيات التي يعمل عليها المركز السعودي لكفاءة الطاقة، من خلال إطلاقه عددا من الحملات المعنية بهذا التوجه، وآخرها حملة «شوري عليك» التي وجدت استجابة كبيرة، في ظل الدعوات لأهمية توظيف وسائط التواصل الاجتماعي لإيصال الرسالة المنشودة منها.
وينادي عدد من الاقتصاديين بأهمية ابتداع أساليب تدعم «حملة شوري عليك»، وتحقق الغاية التي أطلقت من أجلها، مشددين على ضرورة ربط إنشاء المباني بالعزل حراري، مع دعوات لأن يكون النقل العام أكثر وفرة من السيارات الخاصة في النقل والمواصلات.
وشدد الاقتصاديون على أهمية تغيير العادات الاستهلاكية، والالتزام بمواصفات كفاءة الأجهزة الكهربائية المنزلية ومواد العزل في المباني وأجهزة الإضاءة وترشيد استهلاك وقود السيارات والمصانع من خلال رفع تسعيرة الكهرباء والطاقة.
من جهته، قال لـ«الشرق الأوسط» المحلل الاقتصادي الدكتور صالح السلطان، إن «تحديات المرحلة واضحة وأفرزت معادلة صعبة تحتاج إلى شيء من الحصافة في سن السياسات التي تفضي إلى تعزيز ثقافة ترشيد الطاقة بين المجتمع، مع ضرورة مساهمة القطاع العام والخاص، لكي يتمكن المركز السعودي لكفاءة الطاقة من لعب دوره المنوط به في هذا الصدد».
ولفت السلطان إلى أنه مع أهمية الدور المحوري الكبير الذي يلعبه المركز السعودي لكفاءة الطاقة في ما يتعلق ببرامجه الموجهة نحو ترشيد الطاقة، إلا أنه في حاجة ماسة لإعانته في تحقيق شيء من التمتع بقدرة مرئياته وبرامجه، بسياسات وتشريعات تقررها الجهات العليا المعنية لدعمه في إنفاذ برامجه الرامية لترشيد الطاقة باقتدار وحرفية. وأكد السلطان أن المركز السعودي لكفاءة الطاقة قطع شوطا محمودا في سبيل تعزيز وإشاعة ثقافة ترشيد استهلاك الطاقة لدى المستهلك، من خلال حملاته التي أطلقها أخيرا، لا سيما حملة «شوري عليك» التي بلغت نسختها الرابعة عددا من المواقع التي تحتاج بالفعل إلى تثقيف بأهمية ترشيد الطاقة وحسن الاستهلاك.
وقال السلطان: «إن التحدي في إشاعة ثقافة ترشيد الطاقة لدى المستهلك تصطدم - في غالب الأحيان - بالثقافة التقليدية التي اكتسبها عبر أعوام طويلة في أسلوبه التقليدي الذي يعد المسؤول الأول في هدر الطاقة في كل استخداماتها»، مؤكدا أن التعود على الهدر يعد من أكبر تحديات الترشيد وحفظ الطاقة.
ولفت إلى أن الكثير من المستهلكين رسخت في عقليتهم مسألة هدر الطاقة من خلال ترك المصابيح مضاءة في كل الأوقات دون الحاجة لها، فضلا عن استخدامات الطاقة بلا مبالاة في التكييف والذي يهدر أكثر من 70 في المائة من استهلاك المباني للطاقة.
واقترح السلطان أن ينهج المركز السعودي لكفاءة الطاقة توظيف شتى وسائط التواصل الاجتماعي، لإيصال الرسالة المنشودة من حملة «شوري عليك»، في سبيل تعزيز ثقافة ترشيد استهلاك الطاقة، مشيرا إلى أن «تويتر» و«الفيسبوك» و«الواتساب» و«اليوتيوب» وغيرها من الوسائط العصرية الحديثة، من أكثر المؤثرات على ثقافة المستهلك وتوسيع مداركه بأهمية ترشيد الطاقة.
ونوّه السلطان إلى أن هناك أسبابا أسهمت في هدر الطاقة لدى المستهلك، من بينها انخفاض الطاقة والكهرباء، مقترحا زيادة أسعار الطاقة والبنزين والديزل، لجعل الإحجام عن هدر الطاقة وسيلة من وسائل الترشيد، مشيرا إلى أن المستفيد الأول من ذلك أصحاب السيارات الخاصة ذوو الدخل العالي.
ويعتقد أن من شأن ذلك التأثير بشكل مباشر لدى ذوي الدخل المنخفض، وبالتالي جعل وسيلة النقل العام هي الأنسب كبديل للسيارات الخاصة من جهة، وحفظ الطاقة من الهدر وخفض التكاليف لذوي الدخل المحدود من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية: «إن السياسات الاقتصادية السعودية الجديدة، تنهج أسلوب الحفاظ على الطاقة وترشيد الاستهلاك، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعزيز الاستثمار في الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، لمواجهة تحديات المرحلة».
ولفت باعشن إلى أن الحملات التي يطلقها المركز السعودي لكفاءة الطاقة كحملة «شوري عليك»، تتواءم مع السياسات الجديدة الداعية لترشيد الطاقة، مبينا أنه مع الاحتفاظ بحق البحث عن بديل الطاقة التقليدية، إلا أن مسألة تسعير الطاقة بشكل متوازن يساهم في تعزيز ثقافة الاستهلاك، مشيرا إلى أن المركز يستهدف تخفيض الاستهلاك بنسبة تصل إلى 30 في المائة بحلول 2030.
وزاد باعشن على ذلك، أن التوجه نحو تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار في سبيل التوسعات الضخمة في كل من مصادر الطاقة المتجددة والنووية، لا يغني عن أهمية ترشيد الطاقة في نفس الوقت، مشيرا إلى دور مهم آخر يتمثل في أهمية السيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري وتلوث البيئة.
وأكد أن مسألة ترشيد الطاقة أصبح أمرا حتميا، لأكثر من سبب اقتصادي، منها حفظ الطاقة بعدم هدرها، إلى جانب عدالة الإنفاق بين ذوي الدخل المحدود وذوي الدخل العالي، مشددا على ضرورة سنّ تشريعات صارمة وملزمة، للالتزام بمعايير الجودة لدى المستهلك والبائع عند شراء الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
من ناحيته، اتفق الباحث الاقتصادي الدكتور الصادق إدريس مع رؤية الدكتور صالح السلطان، بضرورة إعادة النظر في تسعيرة الكهرباء والطاقة، وسنّ تشريعات تمكّن من التزام المستهلك والقطاع الخاص من التعامل مع معايير كفاءة الطاقة في الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
وشدد إدريس على ضرورة الالتزام بتطبيقات العزل الحراري في المنازل والمباني؛ كون الأخيرة تستهلك 80 في المائة من الطاقة، والعمل على رفع تسعيرة الطاقة لتحد من الهدر، مشيرا إلى أن ذوي الدخل الأعلى هم الأكثر استفادة من انخفاض أسعار الطاقة والكهرباء.
ونوه إدريس بأهمية التشديد على الالتزام بمعايير كفاءة الطاقة في المكيفات بشكل خاص، كون التكييف يهدر 70 في المائة من الطاقة المستخدمة في المباني، سواء في القطاع العام أو الخاص، مشيرا إلى أن هناك حاجة ماسة لتضافر جهود كل الجهات ذات الصلة لجعل المستهلك صديق المركز السعودي لكفاءة الطاقة، ليكون أول من يلتزم بترشيد الطاقة.
«شوري عليك» خطوة تحتاج إلى تشريعات لوقف هدر الطاقة في السعودية
خطة لتخفيض الاستهلاك بنسبة 30 % بحلول عام 2030
«شوري عليك» خطوة تحتاج إلى تشريعات لوقف هدر الطاقة في السعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة