سنوات السينما

سنوات السينما
TT

سنوات السينما

سنوات السينما

(2006) Days of Glory
(جيد)
«أيام المجد» (العنوان العالمي) أو «البلديون» (العنوان الفرنسي) هو فيلم حول التضحيات المنسية للجنود المغاربة خلال الحرب العالمية الثانية. مساهمة هؤلاء في القتال ضد النازيين قبيل تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني. في الواقع، عرفت السينما الفرنسية العديد من الأفلام التي تحدّثت عن المقاومة الفرنسية وساندتها أفلام أخرى (غير فرنسية) متناولة تحرير فرنسا بدءاً من ساحل نورماندي، لكن فيلم رشيد بوشارب (وهو سينمائي جزائري يعيش ويعمل في فرنسا منتجاً ومخرجاً منذ عقود بعيدة) يبدو للباحث كأول فيلم طرح موضوع مساهمات جنود عرب في تحرير فرنسا... وإلى الآن، هو الأخير كذلك.
‫يبدأ الفيلم بتعريفنا بالشخصيات الرئيسية التي تلبي طلب الجيش الفرنسي الذي يحضّر لحرب التحرير. من بينهم العريف عبد القادر (سامي بوعجيلة) من المؤمنين بأن المساواة بين المستعمر الفرنسي وبين المواطن المغربي يبدأ بالانضمام إلى الجيش الفرنسي كقدوة. آخرون يعتقدون أن دخول الجيش الفرنسي هو الملاذ الوحيد المُتاح لهم هرباً من الوضع الاستعماري لفرنسا في بلادهم. البعض الثالث يعتبر أن تحرير فرنسا من النازية هو واجب تجاه فرنسا بغض النظر عن أي مسائل أخرى. إذ ينتقل الفيلم إلى الموقعة الحربية الأولى يدلل من البداية على شجاعة الجندي العربي، لكن المشهد الحربي الأول من الوهن - تنفيذاً - إلى درجة مؤثرة سلباً ولا يمكن القبول به إلا إذا كان المقصود البدء بمشاهد حربية عادية التنفيذ إلى أخرى أصعب ثم أخرى أكثر صعوبة. ‬‬
الاهتمام بالطرح الإنساني - السياسي للفيلم يبدأ باكراً حين نتعرّف إلى المشادات بين عبد القادر الذي يحاول دفع قائده مارتينيز (برنار بلانسان) لتبنّي حقوق الجنود العرب، لكن بلانسان، المؤلف من نصف فرنسي يحبه ونصف جزائري يزدريه، لا يفعل شيئاً حيال الوضع. الشخصيات الأخرى تجد نفسها في أتون من تجارب الصياغة النفسية والاجتماعية. مسعود (رشدي زم)، الذي يعيش قصّة حب مع فرنسية، وسعيد (جمال دبّوس)، الذي أجبرته الإعاقة (يده اليمنى مشلولة وهي في الواقع كذلك) على العمل مساعداً وخادماً (أحياناً) لرئيسه إلى أن يثور على وضعه وينتقل إلى الحرب ذاتها، مبرهناً عن جدارته.
كُتب ‫السيناريو بثلاثة فصول، وحمل إخراج بوشارب بصمات أفلام الخمسينات والستينات الأميركية الحربية. من تداول الشخصيات والمواقف ووجهات النظر المتضاربة. يدلف المخرج بمشاهد القتال بثقة (باستثناء المعركة الأولى) وكل معركة تنقل كل هذه الشحنات إلى خط أبعد وصولاً إلى الموقعة الأخيرة التي فيها تتجلّى المعاني بكاملها. يتسنى للكاتبين أوليفييه موريل ورشيد بوشارب توفير الدعم الكامل لمواقف تقودها الشخصيات ومشاكلها الإنسانية التي تطرح فيما تطرح مسائل العنصرية والتفاوت في التقدير والتصنيف وتجسيد المعنى الشامل المطلوب تعزيزه وهو أن تحرير فرنسا، وعلى عكس ما تجاهله غالبية السياسيين والسينمائيين، لم يعتمد على الجيش الفرنسي وحده، بل على المساهمات المنسية للمقاتلين الآتين من الجزائر والمغرب أساساً.‬‬



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.