«الشرق الأوسط» ترصد هدوءا حذرا بعد 76 يوما من الرعب في قرية «دلجا» بصعيد مصر

أهالي قرية دلجا بصعيد مصر تجمعوا ترحيبا بوصول قوات الأمن والجيش لفك الحصار عن قريتهم («الشرق الأوسط»)
أهالي قرية دلجا بصعيد مصر تجمعوا ترحيبا بوصول قوات الأمن والجيش لفك الحصار عن قريتهم («الشرق الأوسط»)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد هدوءا حذرا بعد 76 يوما من الرعب في قرية «دلجا» بصعيد مصر

أهالي قرية دلجا بصعيد مصر تجمعوا ترحيبا بوصول قوات الأمن والجيش لفك الحصار عن قريتهم («الشرق الأوسط»)
أهالي قرية دلجا بصعيد مصر تجمعوا ترحيبا بوصول قوات الأمن والجيش لفك الحصار عن قريتهم («الشرق الأوسط»)

أخيرا التقط هاني يوسف أنفاسه هذا اليوم، لأنه الأول الذي يستريح فيه من إجهاد حراسة الشارع الذي يقع فيه منزله بعد 76 يوما من هجمات المسلحين. واستراح مثله الآلاف من سكان قرية «دلجا» الواقعة في وسط مصر بمنطقة الصعيد، فوق نقطة فاصلة بين المزارع والصحراء، وتبعد عن القاهرة جنوبا بنحو 300 كيلومتر.
وفي الخلفية سمع رجال الأمن زغاريد الفرحة من السيدات في شرفات المنازل، بينما كان هاني يهتف مع الرجال والشباب في الشوارع ترحيبا بأرتال سيارات الجيش والشرطة المحملة بالجنود، وفي السماء حلقت مروحيات عسكرية.
إنها الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين الماضي. والمهمة تحرير القرية من سطوة المسلحين المتشددين الذين أرادوا - وفقا للتحقيقات الأمنية المبدئية - معاقبة سكان القرية من المسلمين والمسيحيين على عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي يوم الثالث من يوليو (تموز) الماضي، وفض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس (آب) الماضي. وبينما كانت السلطات تعالج الاضطرابات التي يثيرها أنصار مرسي مطلع الشهر قبل الماضي، خاصة في المحافظات الكبرى كالقاهرة والجيزة والإسكندرية، بدأت قصة العنف في «دلجا» بشكل متتال ومتصاعد منذ ذلك الوقت بعيدا عن أعين السلطات المركزية.
وتعد القرية ذات الطبيعة الآمنة والأغلبية المسلمة، من أكبر القرى في مصر، ويصل عدد سكانها إلى نحو 120 ألف نسمة بينهم نحو 20% من المسيحيين. ومنذ مطلع يوليو الماضي كانت الأجواء مشحونة، وتعرض المسيحيون في عموم البلاد لهجوم من أنصار الرئيس المعزول، مثلهم مثل غالبية المصريين الذين أيدوا خارطة طريق أدت للإطاحة بمرسي، وأعلن عنها الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، بحضور كل من شيخ الأزهر وبابا الأقباط وعدد من السياسيين.
ويقول شاهد من القرية يدعى محمد: «بعد أن انتهى الفريق أول السيسي من إعلان خارطة الطريق، هجم أنصار مرسي هنا على الكنائس وعلى قسم الشرطة، وضربوا حتى المسلمين الذين تظاهروا لتأييد الجيش. عشنا في رعب».
ووفقا لروايات شهود العيان، وفور إعلان السيسي، تجمهر المئات من الموالين لمرسي أمام مبنى خدمات تابع لكنيسة «مار جرجس» الخاصة بالأقباط الكاثوليك، وهو مبنى مكون من طابقين فوق دور أرضي. وبعد قليل تمكن المهاجمون الغاضبون من اقتحام المبنى الذي يضم مكتبة تغص بالكتب التاريخية والمراجع النادرة، وانضم إليهم لصوص، وبدأت عملية النهب.
وتقع القرية على حدود محافظتي المنيا وأسيوط، وهي منطقة يكثر فيها نشاط جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية المتشددة التي تحالفت مع مرسي للدفاع عن نظامه في أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى جماعات جهادية أخرى. وقال راعي الكنيسة، القس أيوب يوسف لـ«الشرق الأوسط» إن مهاجمي مبنى الخدمات التابع للكنيسة لم يتركوا شيئا لم يسلبوه «حتى لعب الأطفال والأسلاك الكهربائية نزعوها من الحوائط واستولوا عليها».
كان الحشد الساخط على عزل مرسي يتزايد في مناطق مختلفة من القرية وهم يرددون العبارات المناهضة للجيش والشرطة والمسيحيين والتيارات السياسية المدنية في القرية. وبعد نحو ساعة ارتفعت ألسنة النيران من مبنى الخدمات التابع لكنيسة «مار جرجس». وأوضح شاهد يدعى «عبد الله» الذي كان يراقب المشهد من شرفة منزله في ذلك اليوم: سكب المخربون البنزين على مراتب أسفنجية وكتب المكتبة، وبعد ذلك تصاعدت ألسنة النيران، بينما كان راعي الكنيسة، القس يوسف، يلوح طالبا النجدة وهو محبوس في الطابق الثاني العلوي من المبنى.
وفي هذه اللحظة قفز مالك لمقهى مجاور، يعرف أهل القرية شهامته، ويدعى أحمد توني سيف النصر، وتحدى ألسنة النيران وغضب الحشود، وصعد لإنقاذ القس يوسف.
وأوضح أحد الشهود: لقد انتشله ومرره لمنزله المقابل لمبنى الخدمات عبر السطوح. وحين حاولت قوات الأمن القليلة التدخل لحماية غالبية سكان القرية المناوئين لحكم مرسي، من خطر التخريب والحرق والقتل، هاجمها المسلحون وأحرقوا قسم الشرطة الوحيد في «دلجا».
وخلال الأيام الأولى من الفوضى التي ضربت القرية، تعرض 18 بيتا من بيوت الأقباط المجاورة للكنيسة ومبنى الخدمات لاعتداءات ما أجبر الكثير من المسيحيين على الاختباء في منازل أصدقائهم المسلمين أو النزوح بأطفالهم بعيدا عن موقع الأحداث. وتفاقمت الأوضاع في «دلجا» مع بداية فض اعتصامي أنصار مرسي في ساحتي رابعة العدوية بالقاهرة ونهضة مصر في الجيزة، يوم 14 الشهر الماضي. وخرج عدة آلاف من أهالي وشباب القرية في مظاهرات اعتراضا على فض الاعتصامين. ويقول أحد سكان القرية، ويدعى «ناصر»، إن «عناصر تخريبية» استغلت الفراغ الأمني والحشود الغاضبة في شوارع القرية، لتعود وتهاجم واحدا من أقدم المباني الكنسية بمصر، وهو «دير السيدة العذراء والأنبا إبرام»، وهو مبنى أثري يعود تاريخه للقرن الخامس الميلادي، ويزيد عمره عن 1600 سنة. ويضيف: «استمر البلطجية في النهب والسلب من الدير طيلة ثلاثة أيام متتالية». وبدأت نداءات تخرج من مكبرات الصوت بالقرية تطالب المسلمين بالخروج للجهاد ونصرة المسلمين بدعوى أن إخوانهم يقتلون في «رابعة» و«النهضة». وسريعا ما امتدت أعمال العنف إلى بيوت السكان المجاورة للكنيسة وجرى نهب وحرق نحو 20 منزلا من منازل الأقباط وسط اعتراض أكثرية المسلمين في القرية. وأدى الهجوم لمقتل رجل مسن، بسكين، حاول الدفاع عن منزله من هجوم المخربين، الذين قاموا بعد ذلك بسحله بواسطة جرار زراعي طاف الشوارع بجثته، وفقا لشهود عيان.
ووسط هذه الظروف الصعبة، ورغم إعلان السلطات المركزية في القاهرة فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد، فإن قرية «دلجا» كانت كأنها دولة خارج الدولة. وسريعا ما وجد مستغلو الفرص ضالتهم، وكونوا لجانا لحماية المواطنين من المخربين، لكن بمقابل مادي، ما أدى إلى انتشار المناوشات والرعب في عموم القرية.
وبعد نحو أسبوع من انشغال العالم والإعلام بفض اعتصامي رابعة والنهضة، بدأ العالم يسمع عن الأحداث الشنيعة التي تجري في «دلجا». وفي يوم 20 الشهر الماضي دفعت قوات الجيش بمدرعتين للسيطرة على العنف لكنها لم تتمكن من دخول القرية. وبعد ثلاثة أيام حاولت قوة من الجيش والشرطة تضم أربع مدرعات دخول «دلجا» عبر الطريق الصحراوي الغربي، لكن مئات الشبان بينهم مسلحون، قطعوا الطريق أمامها وأشعلوا النيران في إطارات السيارات. ويقول مسؤول أمني: «في ذلك اليوم تراجعنا.. لم نكن نريد وقوع خسائر في أرواح المواطنين».
وتتميز القرية بكثرة العائلات فيها. وتنقسم إلى 10 وحدات شمس «شياخات» تضم الشياخة الواحدة عائلات كبيرة، مثل شياخة أبو المكارم، وشياخة القاضي، وشياخة الشريف، وشياخة العوام، وشياخة عزور، وشياخة الغيتة، وشياخة الفرا، وشياخة الحرابوة، وشياخة البطرخانة وشياخة أولاد عباس.
وتتسم دلجا بالنشاط التجاري والاقتصادي الذي يفوق قدرات أي قرية وربما يفوق التعاملات الاقتصادية لبعض المدن وتتصدر إنتاج عدد من المحاصيل بالصعيد. ورغم ذلك تعاني القرية من فقر الخدمات، وهي سمة عامة في محافظات الجنوب منذ عقود. ولا يوجد في دلجا إلا مستشفى صغير ضعيف الإمكانيات، كما تعاني من انقطاع الكهرباء والإنترنت وخدمة الهاتف الأرضي.
والقرية، كثيفة السكان، يوجد بها 35 مدرسة فقط وأكثر من 100 مسجد وخمس كنائس ولا توجد فيها سوى نقطة أمنية واحدة. ويقول: «الحاج عبد الوهاب» من أبناء القرية، إن «دلجا» معروف عنها أنها «قرية مستقرة جدا، وكانت الأمور فيها منضبطة إلى أن تسلل إليها التردي الأمني خلال العامين الماضيين فقط، وهي الفترة التالية لثورة يناير (كانون الثاني) 2011. التي اتسمت بتخلي الشرطة عن الحزم في بعض الأمور»، مشيرا إلى أن «بعض مثيري الشغب والمحرضين على العنف كانوا يعانون من ضعف المستوى الاجتماعي لعائلاتهم وسط قرية معروفة بالاعتزاز بالعائلات الكبيرة.. عدد من هؤلاء وجدوا ضالتهم في أحضان تنظيمات وتيارات متشددة دينيا، خاصة خلال السنة التي حكم فيها مرسي، حيث كان القادم والذاهب ينادي كلا منهم بلقب يا شيخ أو يا مولانا، وكان من الطبيعي أن تكون صدمتهم النفسية بعزل مرسي فوق احتمالهم».
ويضيف مصطفى فتحي، وهو من أبناء القرية، أن بلطجية اندسوا وسط المظاهرات المؤيدة لمرسي واقتحموا الكنائس «ليس رغبة في إيذاء المسيحيين إنما لسرقة محتوياتها ولذلك بعدما انتهى المعتدون من الكنائس وبيوت الأقباط تحولوا لنقطة الشرطة واقتحموها وأحرقوها»، مشيرا إلى أن «كثيرين من المسلمين حاولوا التصدي للمندسين، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء بسبب المخاوف من نزاعات ثأرية بين عائلات القرية.. بعض الخارجين عن القانون من دلجا لهم عائلاتهم أيضا». وقبل أن تلجأ السلطات لاقتحام القرية يوم الاثنين الماضي، حاولت في البداية نزع فتيل الغضب والاحتقان وإجراء مصالحة بين جميع الأطراف، وهي خطة كانت قد نفذتها بنجاح في عدة مناطق شهدت اضطرابات أقل حدة. وبدأت محاولة الصلح يوم 28 الشهر الماضي، بمؤتمر حضره ممثلون عن رجال الدين الإسلامي والوعاظ وشيوخ وممثلين لعائلات أخرى، وغاب عنه أقباط القرية.
وتقرر تشكيل لجنة من عشرين عضوا تتولى المهام الإصلاحية لحين عقد مؤتمر عام يضم المسيحيين والمسؤولين في الدولة. وتقبلت الكنيسة الأرثوذكسية مساعي التهدئة، وأقام الأقباط قداسا يوم الرابع من الشهر الجاري، فيما تبقى من دير العذراء الأثري، بينما ظلت القرية في حالة من الترقب خوفا من اندلاع العنف هنا أو هناك، في وقت كان فيه المتورطون في أحداث العنف والمطلوبون للقانون، يقيمون المتاريس والحواجز والتحصينات، للتصدي لأي قوات حكومة قد تصل للقرية، وهو ما حدث فجر الاثنين الماضي.
وطوق آلاف الجنود من الجيش والشرطة مداخل ومخارج القرية. واستخدمت القوات مروحيات لتوفير مظلة تأمين بجانب 15 مدرعة وعشرات المركبات الخفيفة وست فرق أمنية قوامها عدة آلاف من الأفراد والضباط. وبدأ الاقتحام من كافة مداخل القرية، مع تنبيه القوات على السكان، عبر مكبرات الصوت، بالتزام البيوت وعدم ارتقاء أسطح المنازل ثم أطلقت القوات النيران بشكل تحذيري مع إلقاء قنابل الغاز في بعض المناطق كإجراء احترازي لتعطيل هرب العناصر المطلوبة ومنعها من الاشتباك مع الأمن. وقال مصدر أمني رفيع من إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن المنيا إن القوات انقسمت بمجرد دخولها القرية لفرق فصل وضبط وتأمين، قامت خلالها بتأمين دلجا وعزلها عن القرى المحيطة ومنع الدخول أو الخروج منها لضبط المطلوبين بالإضافة لفرق فرض السيطرة التي انتشرت في كل أركان القرية.
وبينما استمر تقدم القوات، حلقت مروحيات القوات المسلحة لتشكل ستار مسح جوي للتأكد من فرض السيطرة الأمنية. وكشف مصدر أمني أن القرية معروف عنها وجود أسلحة وهو ما أكدته تحريات أجهزة البحث الجنائي والأمن الوطني. وفسر المصدر أهمية استخدام الطائرات بخطورة بعض العناصر الموجودة بالقرية واحتمال لجوء الخارجين عن القانون لأسطح المنازل واستهداف القوات على الأرض. واستقبل أهالي القرية القوات الأمنية بالتهليل والفرحة، لعودة السيطرة الأمنية للقرية مرددين هتاف «الجيش والشرطة والشعب ايد واحدة». وضبطت الشرطة نحو مائة من سكان «دلجا» من أعمار مختلفة في أول يومين من المداهمة وأكدت أنه صدرت بشأنهم أوامر ضبط وإحضار من النيابة العامة لتورطهم بالفعل أو التحريض على اقتحام وحرق مركز شرطة ديرمواس ونقطة شرطة دلجا ودير السيدة العذراء والأنبا إبرام الأثري وبيوت أقباط بالقرية، بينما يتزايد السخط من جانب أهالي المقبوض عليهم، في الوقت الحالي، متهمين السلطات بتوجيه اتهامات لأبنائهم بناء على الخلفية السياسية دون جرائم حقيقية.
ويقول مصطفى فتحي، وهو محام بالقرية: كنا نتلهف لدخول الجيش والشرطة للتصدي للبلطجية الذين أرهبوا الأهالي وأحرقوا الكنائس.
ومن جانبه يقول الأب سلوانس لطفي، راعي كنيسة دير العذراء والأنبا إبرام لـ«الشرق الأوسط» إن «ثقافة البغض والحقد بين الأقباط والمسلمين ليست السائدة»، لافتا إلى أن الأسر المسلمة استضافت معظم الأسر القبطية بعد حالة الترهيب الأخيرة.
ويزيد أحمد عباس، وهو معلم من القرية: «نرحب كأهالي بالجيش والشرطة، فلا يوجد من الأهالي من يكره أن يعيش في أمن، لكننا لم نتوقع ما يحدث، فالأمن ترك البلطجية وتفرغ لضبط أئمة المساجد والشيوخ المحترمين وبعضهم ممن اختارتهم الأوقاف كوعاظ»، مشيرا إلى أن «البلطجية الذين يسيئون لسمعة القرية قد يزيد عددهم عن 100 ولم يضبط منهم إلا أفراد قليلون». وتنظر الجماعة الإسلامية بتشكك للحملة الأمنية على القرية التي وصفتها بأنها حملة «غير مناسبة» تستهدف المتظاهرين المعارضين للإطاحة بمرسي. واعتبر بيان الجماعة أن الحملة الأمنية على «دلجا» تثبت براءة التيار الإسلامي من تهم الاعتداء على المسيحيين متهمة «البلطجية» الذين قالت: «إنه تربطهم علاقات قوية بالأجهزة الأمنية، بالاعتداء على المسيحيين».
ومن جانبه قال اللواء أسامة متولي، مساعد وزير الداخلية لأمن المنيا، لـ«الشرق الأوسط»: «ما من شك أن قرية دلجا كان لديها مشكلة أمنية وكلنا نعرف ما حدث في دلجا بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، والتداعيات والأحداث المؤسفة»، واستطرد مدير الأمن قائلا: «إلا أنه كان لا بد لنا أن ندرس المكان دراسة جيدة ونعرف الطبيعة الجغرافية للمكان والتعداد السكاني لتأمين الأهالي وأن ندرس المداخل والمخارج للبلد».
وتابع أن «كل هذا جرى القيام به, قبل أن نقتحم مكانا أو ندخله لنضبط فيه عناصر إجرامية أو نضبط فيه ممنوعات». موضحا «هذا كله يستغرق وقتا، لأن تلك المواضيع تخضع للدراسة واعتبارات كثيرة جدا لنضمن أننا سندخل المكان ونسيطر ونضبط العناصر المطلوب ضبطها من قبل النيابة. وهذا ما حدث فعلا»، مشيرا إلى أن قوات الأمن لم تنه عملها وما زالت تواصل ضبط المطلوبين أمنيا في القرية، ومشددا على أن «تعداد سكان دلجا كبير جدا، وأغلبهم من الناس المحترمين والشرفاء الذين كانوا رافضين لما كان يحدث فيها». وبعد نحو ثلاثة أيام من دخول القوات الأمنية إلى القرية ما زال رجال الجيش والشرطة يبحثون عن المطلوبين، بينما توجد نقاط التفتيش على مداخل ومخارج القرية وفي عدة شوارع داخلها. ويشكو بعض السكان من صعوبة الحياة اليومية وإصابة التجارة والزراعة فيها بالشلل، إلا أن سوق القرية بدأ في العودة لطبيعته يوم الثلاثاء الماضي، والحركة فيه كانت طبيعية، بينما استأنفت المخابز عملها، لكن المواصلات من وإلى القرية متوقفة. لكن هاني يوسف، وبعد ليال من السهر في حراسة بيته، ذهب ليأخذ قسطا من الراحة وينام، على أمل أن تعود الحياة لطبيعتها في صباح اليوم التالي.



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.