يقف المستشار أحمد الزند، وزير العدل المصري الجديد، في منطقة رمادية؛ فرئيس نادي قضاة مصر منذ عام 2009 خاض ما يكفي من المعارك لكسب طيف واسع من الخصوم والأنصار، في مرحلة تحولات تاريخية بدت فيها دوائر الاستقطاب، على حدته، مراوغة إلى حد بعيد. وعكست تباينات ردود الفعل على اختيار المستشار الزند للمنصب الرفيع في أواخر مايو (أيار) الماضي طبيعة الاشتباك السياسي في البلاد.
جاء أحمد الزند إلى موقعه وزيرا للعدل في مصر أواخر مايو الماضي، قبل أن تهدأ تماما موجة الانتقادات التي وجهت لمؤسسة القضاء في أعقاب تصريحات عدت «مسيئة للطبقات الكادحة من المصريين»، حين أعرب سلفه المستشار محفوظ صابر، في حوار تلفزيوني، عن رفضه تعيين أبناء عمال النظافة في سلك القضاء، وهي التصريحات التي قادته إلى تقديم استقالته الشهر الماضي، واستدعت اعتذارا من رئيس مجلس الوزراء المصري.
لكن وبينما كان الزند، الذي تخرج في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1970، يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي في 20 مايو الماضي، بقي السؤال معلقا: إذا كانت تصريحات صابر هي سبب استبعاده من المنصب، فلماذا اختير رجل يشاطره الرأي نفسه؟ بحسب تعليقات عديدة لأحزاب وقوى سياسية.
وعلق أحد المراقبين على تعيين الزند قائلا إن الرئيس قَبِل «باستقالة الناطق باسم جمعية المنتفعين بالتوريث في مجال القضاء (في إشارة للوزير السابق)، وعين مكانه عراب التوريث (في إشارة للمستشار الزند)».
وأصدر حزب الدستور، الذي أسسه محمد البرادعي نائب الرئيس السابق، بيانا أعرب فيه عن «دهشته البالغة» من اختيار الزند. وقال الحزب إن «الوزير الجديد له تصريحات مسجلة وعديدة يدعو فيها إلى تقنين تعيين أبناء القضاة في مناصبهم عن طريق التوريث وحرمان أبناء الشعب من حقوقهم في تولي الوظائف العامة، بل إن سيادته ذهب بعيدا إلى حد اعتبار أن من يشغلون منصبه هم سادة الشعب بينما البقية عبيد».
لكن المستشار محمود الشريف، سكرتير نادي قضاة مصر، رفض هذه الاتهامات. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المستشار الزند لم يصدر عنه رأي في هذه القضية من قبل، ومن غير الممكن أن يستشف أنه كان يشاطر وزير العدل السابق موقفه». وتابع المستشار الشريف، وهو مساعد وزير العدل: «باعتباري عملت بالقرب من المستشار الزند خلال الأعوام السبعة الماضية، أستطيع أن أقول إنه يرى أن الانخراط في سلك القضاء يتطلب اقتران أمرين، الكفاءة والأهلية.. الكفاءة بأن يكون المتقدم حاصلا على تقدير جيد، والأهلية بأن يكون من بيئة صالحة بعض النظر عن أي اعتبار آخر».
ورغم الجدل حول حقيقة موقف المستشار الزند، المولود بقرية دمتنو بمحافظة الغربية (بوسط دلتا مصر) عام 1946، من قضية التعيينات في مؤسسات القضاء، وكل ما أثير حول مهنة والده، فإن تلك القضية لا تبدو هي الأبرز في سلسلة الأسباب التي دفعت عددا غير قليل من مؤيدي الرئيس السيسي لإعلان غضبهم من قرار تعيينه.
ويقول طيف واسع من المعارضين لاختيار الزند لحقيبة العدل إن له موقفا صريحا ضد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، التي أنهت حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. ويعتبرون أن اختياره للمنصب رسالة من السلطة تعلن فيها انحيازها لفصيل من الفصائل المشاركة في ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، التي أنهت حكم «الإخوان» صيف العام قبل الماضي.
وتحتج المستشارة تهاني الجبالي، نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا، على هذا التصنيف، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «المستشار الزند تعلم في مدرسة القضاء المصري أنه حين يحكم يحكم بالدستور والقانون، والحديث عن أي انطباعات أو آراء يسقط أمام هذا الرجل». وتضيف المستشارة الجبالي أن «الزند يعرف أكثر من أي أحد آخر أن اختياره يأتي في إطار دستور قال إن الشعب هو صانع ثورتي 25 يناير و30 يونيو المجيدتين.. هو يعرف أنه أتى في ظل شرعية الثورتين ولا يمكن لأحد أن ينكر على أي إنسان أن يكون في موضع المسؤولية في دولة القانون»، موضحة «حين يعبر المستشار الزند عن أي موقف مخالف لأي من مبادئ الثورتين سيجد من يطالب بإقصائه».
وفي لعبة الكراسي المعقدة التي شهدتها مصر خلال الأعوام الأربعة الماضية، جلست الأطراف جميعها تقريبا على موائد خصومها لحين. وقد مثل المستشار الزند للقوى المدنية، التي طالما اعتبرته أحد أبرز المحسوبين على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، رأس حربة في صراعهم ضد جماعة الإخوان، وعدّته بطلا في ميدان الدفاع عن استقلال القضاء.
ما يبدو مفارقا أن الظهور الأول للمستشار الزند على الساحة السياسية في مصر اقترن بـ«عداء الرجل لتيار استقلال القضاء»، بحسب المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق خلال حكم مرسي. فلم تعرف الأضواء طريقها إلى الزند قبل عام 2009، حينما خاض معركته على رئاسة نادي القضاة، في مواجهة تيار الاستقلال الذي دشن حضوره على الساحة المصرية في 2005، على أثر فضح وقائع تزوير جرت في الانتخابات البرلمانية حينها. وحظي التيار بدعم وشعبية كبيرة في أوساط القوى المتشوقة للتغيير في البلاد.
ويقول خصوم الزند إن نجاحه في انتخابات نادي القضاة في 2009 كان بدعم مباشر من ممدوح مرعي وزير العدل حينها، وسط مزاعم عن دور الوزير الأسبق في حشد غير مسبوق للقضاة من أجل إقصاء تيار الاستقلال عن مجلس إدارة النادي.
قبلها انتخب الزند عضوا بمجلس إدارة نادي القضاة لدورتين متتاليتين في حقبة الثمانينات، حيث أسهم في إنشاء نادي قضاة طنطا، لكن فترة الإعارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عمل هناك رئيسا للمحكمة الشرعية بإمارة رأس الخيمة خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 1996، أبعدته عن المشهد المصري.
ويبدي المستشار مكي عدم رضاه عن تعيين الزند وزيرا للعدل. ويقول أحد أبرز قيادات تيار الاستقلال، لـ«الشرق الأوسط»، إن الزند «صاحب موقف سياسي واضح فاقع، وفي خصومة واضحة مع فصيل سياسي بعينه، وهو واحد من خصوم تيار استقلال القضاء الذي كنت أنتمي إليه».
في المقابل، ترى المستشارة الجبالي أن الزند يحظى بدعم واسع في أوساط القضاة والشعب المصري، مشيرة إلى أن المعترضين على الرجل لا يعبرون إلا عن مجموعات ضيقة، فـ«البلاد لا تزال تفتقر إلى من يعبرون عن قوى اجتماعية معتبرة»، على حد قولها. وتعتقد الجبالي أن وصول المستشار الزند لمنصب وزارة العدل أمر طبيعي ومنطقي باعتباره واحدا من رموز ثورة 30 يونيو. وتقول: «للرجل موقف تاريخي في مواجهة جماعة الإخوان حين وقف في مواجهة تفكيك الدولة المصرية وحصار دولة القانون وحصار المحاكم وعزل القضاة، مما منحه مصداقية في أوساط القضاة وأوساط الشعب المصري، واختياره موفق ومبرر من القيادة السياسية، وكان محل ارتياح».
ومع الإعلان عن اختيار الزند في منصبه الجديد كوزير للعدل تحدثت تقارير إعلامية عن أن مهمته الأولى أن يطهر مؤسسة القضاء من عناصر «الإخوان»، بعد أن تكشف خلال العامين الماضيين حجم الاختراق الإخواني للوزارة، مما استدعى عزل عشرات القضاة.
لكن المستشار محمود الشريف قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا أمر بديهي لا يحتاج تكليفا من الرئاسة، كما أنه لا يتعلق بوزارة العدل فقط وإنما بكل مؤسسات الدولة التي اخترقتها الجماعة».
وتبدو مهمة الوزير الجديد مفهومة باعتباره أحد أبرز خصوم الجماعة، بل إن التحول الأبرز في حضور المستشار الزند على الساحة السياسية ارتبط بمعاركه ضد جماعة الإخوان، وكانت خطبه اللاذعة أمام الجمعيات العمومية المتتالية لنادي القضاة خلال عامي 2012 و2013 الباب الواسع الذي مر منه لموقع الصدارة وحظي بشعبية واسعة بين معارضي الجماعة.
وبدأ المستشار الزند أولى معاركه في عام 2012، حينما تصدى لمحاولات جماعة الإخوان تمرير قانون خفض سن تقاعد القضاة والذي كان من شأنه إقصاء أعداد كبيرة من قضاة مصر، وهو القانون الذي احتج عليه أيضا المستشار مكي حينها، وهدد بتقديم استقالته إذا ما مر القانون أمام برلمان كان الإخوان هيمنوا عليه بالفعل.
لكن المشهد الذي دشن جماهيرية الزند ودفع خصومه للاصطفاف خلفه هو موقفه الرافض للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الأسبق مرسي ليحصن من خلاله القرارات الصادرة عنه من رقابة القضاة.
وأصدر مرسي إعلانا دستوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، كان بين مواده إقالة النائب العام، وتحصين قرارات الرئيس التي يتخذها حتى انتخاب برلمان جديد، وتحصين الجمعية التأسيسية التي كانت تضع مشروع الدستور من الطعن أمام القضاء.
وفور صدور الإعلان الدستوري دعا المستشار الزند إلى عقد جمعية عمومية طارئة، كما دعا إلى تعليق عمل المحاكم والنيابات لحين إلغاء الإعلان دستوري، وقال إن تعليق العمل بالمحاكم مرهون بإزالة آثار العدوان على السلطة القضائية الذي أحدثه الإعلان الدستوري وما ترتب عليه من انتقاص لاستقلال القضاء.
وتعرض المستشار الزند، نهاية 2012، لـ«محاولة اغتيال فاشلة»، بعد أن قام مسلحون بإطلاق أعيرة نارية تجاهه أثناء خروجه من نادي القضاة بوسط القاهرة، بعد ساعات من كلمة له أمام الجمعية العمومية الطارئة لأعضاء النيابة العامة قال فيها إن «القضاء المصري لم يتعرض لإهانة ومؤامرة مثلما يحدث الآن»، مؤكدا حينها أن القضاة «لن ينحنوا إلا لخالقهم، ولن يكون القضاء مطية يصل بها من يشاء إلى التنكيل بالشعب». كما هاجم الزند بشدة ما أقدمت عليه جماعة الإخوان وأنصارها من حصار للمحكمة الدستورية العليا مطلع عام 2013، للحيلولة دون انعقاد جلساتها وإصدارها لحكم يتعلق بحل مجلس الشورى.
ورغم اصطفاف القوى المدنية خلف الزند في أعقاب الإعلان الدستوري فإنها لم تبتلع دفاعه عن النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود، الذي كان مطلب إقالته على أجندة ثورة 25 يناير، لكنه نجح في أن يجبر خصومه السابقين من أنصار ثورة 25 يناير على الاصطفاف خلفه ودعمه دون قيد، حينما أعلن مقاطعة القضاة للإشراف على الاستفتاء على دستور وضعته لجنة تأسيسية هيمنت عليها الجماعة إبان حكم مرسي، ودعت جبهة الإنقاذ الوطني التي تشكلت من معظم القوى المدنية في البلاد لمقاطعته.
وفي أعقاب نجاح ثورة 30 يونيو 2013، وعزل مرسي من منصبه بعد عام صاخب، بدا أن الحلفاء المؤقتين الذين غادروا ميدان التحرير للمرة الثانية في غضون ثلاثة أعوام مطالبون بإعادة تقييم تحالفاتهم مجددا على أسس جديدة. وفي ظل أجواء الاستقطاب التي تهيمن على الساحة السياسية في مصر غاب عن المناقشات الدائرة حول تعيين المستشار الزند في منصب وزير العدل ما يمكن أن يقدمه الرجل الذي يعد أول وزير للعدل يأتي من منصب منتخب.
وتقول المستشارة الجبالي إن «كون المستشار الزند أتى من موقع منتخب بعد أن حظي بتأييد مختلف الهيئات القضائية، وخبرة واسعة بمشكلات المؤسسة القضائية، يمنحه فرصة ذهبية ليصبح رجلا سياسيا بامتياز، لأن وراءه حالة رضا، وهو في ذلك يتفوق على كل من أتى إلى منصب وزارة العدل».
وبعيدا عن الصخب الذي رافق توليه المنصب، كانت أولى الخطوات التي أعلن عنها المستشار الزند «تقدمية لحد بعيد»، بحسب مراقبين. إذ أعلن الوزير الجديد عن قرب اعتلاء الدفعة الثالثة من القاضيات المصريات منصة القضاء. وقال في مؤتمر القاضيات في الوطن العربي الأسبوع الماضي إن «وزارة العدل المصرية ستشهد التحاق المرأة بالوظائف المختلفة دون تمييز».
وبينما تتزايد التكهنات حول قرب إجراء تغيير وزاري شامل، يقول مراقبون إن فرقاء المشهد السياسي سيدركون إلى أي مدى يتمسك الرئيس السيسي بالمستشار الزند. وحتى يتم ذلك التغيير المرتقب، يسير الزند بخطة ثابتة في اتجاه فخ السياسة الذي كان قد نصبه لنفسه على الأرجح.
* المستشار أحمد الزند.. في سطور
* من مواليد قرية دمتنو بمحافظة الغربية (وسط دلتا مصر) عام 1946
* تخرج في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1970
* تدرج في العمل بالمناصب القضائية المختلفة ما بين النيابة العامة، والقضاء في كثير من المحافظات، وقضى أطول فترات عمله بنيابات ومحاكم محافظتي أسوان (بصعيد مصر) والدقهلية (شمال الدلتا)
* انتخب عضوا بمجلس إدارة نادي القضاة لدورتين متتاليتين في الثمانينات من القرن الماضي
* أعير للعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عمل هناك رئيسا للمحكمة الشرعية بإمارة رأس الخيمة خلال الفترة بين عامي 1991 : 1996
* أنشأ خلال فترة وجوده بالإمارات النادي المصري بإمارة رأس الخيمة، والذي كان ملتقى للجالية المصرية والجاليات العربية هناك.
* عين رئيسا لنادي طنطا الرياضي خلال الفترة بين عامي 2001 و2004.
* انتخب رئيسًا لنادي قضاة مصر لدورتين متتاليتين منذ عام 2009.
* تولى منصب وزير العدل منذ 20 مايو (أيار) الماضي.