المستشار الزند في فخ السياسة

من صخب معاركه ضد «الإخوان» إلى حقيبة العدل

المستشار الزند  في فخ السياسة
TT

المستشار الزند في فخ السياسة

المستشار الزند  في فخ السياسة

يقف المستشار أحمد الزند، وزير العدل المصري الجديد، في منطقة رمادية؛ فرئيس نادي قضاة مصر منذ عام 2009 خاض ما يكفي من المعارك لكسب طيف واسع من الخصوم والأنصار، في مرحلة تحولات تاريخية بدت فيها دوائر الاستقطاب، على حدته، مراوغة إلى حد بعيد. وعكست تباينات ردود الفعل على اختيار المستشار الزند للمنصب الرفيع في أواخر مايو (أيار) الماضي طبيعة الاشتباك السياسي في البلاد.

جاء أحمد الزند إلى موقعه وزيرا للعدل في مصر أواخر مايو الماضي، قبل أن تهدأ تماما موجة الانتقادات التي وجهت لمؤسسة القضاء في أعقاب تصريحات عدت «مسيئة للطبقات الكادحة من المصريين»، حين أعرب سلفه المستشار محفوظ صابر، في حوار تلفزيوني، عن رفضه تعيين أبناء عمال النظافة في سلك القضاء، وهي التصريحات التي قادته إلى تقديم استقالته الشهر الماضي، واستدعت اعتذارا من رئيس مجلس الوزراء المصري.
لكن وبينما كان الزند، الذي تخرج في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1970، يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي في 20 مايو الماضي، بقي السؤال معلقا: إذا كانت تصريحات صابر هي سبب استبعاده من المنصب، فلماذا اختير رجل يشاطره الرأي نفسه؟ بحسب تعليقات عديدة لأحزاب وقوى سياسية.
وعلق أحد المراقبين على تعيين الزند قائلا إن الرئيس قَبِل «باستقالة الناطق باسم جمعية المنتفعين بالتوريث في مجال القضاء (في إشارة للوزير السابق)، وعين مكانه عراب التوريث (في إشارة للمستشار الزند)».
وأصدر حزب الدستور، الذي أسسه محمد البرادعي نائب الرئيس السابق، بيانا أعرب فيه عن «دهشته البالغة» من اختيار الزند. وقال الحزب إن «الوزير الجديد له تصريحات مسجلة وعديدة يدعو فيها إلى تقنين تعيين أبناء القضاة في مناصبهم عن طريق التوريث وحرمان أبناء الشعب من حقوقهم في تولي الوظائف العامة، بل إن سيادته ذهب بعيدا إلى حد اعتبار أن من يشغلون منصبه هم سادة الشعب بينما البقية عبيد».
لكن المستشار محمود الشريف، سكرتير نادي قضاة مصر، رفض هذه الاتهامات. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المستشار الزند لم يصدر عنه رأي في هذه القضية من قبل، ومن غير الممكن أن يستشف أنه كان يشاطر وزير العدل السابق موقفه». وتابع المستشار الشريف، وهو مساعد وزير العدل: «باعتباري عملت بالقرب من المستشار الزند خلال الأعوام السبعة الماضية، أستطيع أن أقول إنه يرى أن الانخراط في سلك القضاء يتطلب اقتران أمرين، الكفاءة والأهلية.. الكفاءة بأن يكون المتقدم حاصلا على تقدير جيد، والأهلية بأن يكون من بيئة صالحة بعض النظر عن أي اعتبار آخر».
ورغم الجدل حول حقيقة موقف المستشار الزند، المولود بقرية دمتنو بمحافظة الغربية (بوسط دلتا مصر) عام 1946، من قضية التعيينات في مؤسسات القضاء، وكل ما أثير حول مهنة والده، فإن تلك القضية لا تبدو هي الأبرز في سلسلة الأسباب التي دفعت عددا غير قليل من مؤيدي الرئيس السيسي لإعلان غضبهم من قرار تعيينه.
ويقول طيف واسع من المعارضين لاختيار الزند لحقيبة العدل إن له موقفا صريحا ضد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، التي أنهت حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. ويعتبرون أن اختياره للمنصب رسالة من السلطة تعلن فيها انحيازها لفصيل من الفصائل المشاركة في ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، التي أنهت حكم «الإخوان» صيف العام قبل الماضي.
وتحتج المستشارة تهاني الجبالي، نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا، على هذا التصنيف، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «المستشار الزند تعلم في مدرسة القضاء المصري أنه حين يحكم يحكم بالدستور والقانون، والحديث عن أي انطباعات أو آراء يسقط أمام هذا الرجل». وتضيف المستشارة الجبالي أن «الزند يعرف أكثر من أي أحد آخر أن اختياره يأتي في إطار دستور قال إن الشعب هو صانع ثورتي 25 يناير و30 يونيو المجيدتين.. هو يعرف أنه أتى في ظل شرعية الثورتين ولا يمكن لأحد أن ينكر على أي إنسان أن يكون في موضع المسؤولية في دولة القانون»، موضحة «حين يعبر المستشار الزند عن أي موقف مخالف لأي من مبادئ الثورتين سيجد من يطالب بإقصائه».
وفي لعبة الكراسي المعقدة التي شهدتها مصر خلال الأعوام الأربعة الماضية، جلست الأطراف جميعها تقريبا على موائد خصومها لحين. وقد مثل المستشار الزند للقوى المدنية، التي طالما اعتبرته أحد أبرز المحسوبين على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، رأس حربة في صراعهم ضد جماعة الإخوان، وعدّته بطلا في ميدان الدفاع عن استقلال القضاء.
ما يبدو مفارقا أن الظهور الأول للمستشار الزند على الساحة السياسية في مصر اقترن بـ«عداء الرجل لتيار استقلال القضاء»، بحسب المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق خلال حكم مرسي. فلم تعرف الأضواء طريقها إلى الزند قبل عام 2009، حينما خاض معركته على رئاسة نادي القضاة، في مواجهة تيار الاستقلال الذي دشن حضوره على الساحة المصرية في 2005، على أثر فضح وقائع تزوير جرت في الانتخابات البرلمانية حينها. وحظي التيار بدعم وشعبية كبيرة في أوساط القوى المتشوقة للتغيير في البلاد.
ويقول خصوم الزند إن نجاحه في انتخابات نادي القضاة في 2009 كان بدعم مباشر من ممدوح مرعي وزير العدل حينها، وسط مزاعم عن دور الوزير الأسبق في حشد غير مسبوق للقضاة من أجل إقصاء تيار الاستقلال عن مجلس إدارة النادي.
قبلها انتخب الزند عضوا بمجلس إدارة نادي القضاة لدورتين متتاليتين في حقبة الثمانينات، حيث أسهم في إنشاء نادي قضاة طنطا، لكن فترة الإعارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عمل هناك رئيسا للمحكمة الشرعية بإمارة رأس الخيمة خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 1996، أبعدته عن المشهد المصري.
ويبدي المستشار مكي عدم رضاه عن تعيين الزند وزيرا للعدل. ويقول أحد أبرز قيادات تيار الاستقلال، لـ«الشرق الأوسط»، إن الزند «صاحب موقف سياسي واضح فاقع، وفي خصومة واضحة مع فصيل سياسي بعينه، وهو واحد من خصوم تيار استقلال القضاء الذي كنت أنتمي إليه».
في المقابل، ترى المستشارة الجبالي أن الزند يحظى بدعم واسع في أوساط القضاة والشعب المصري، مشيرة إلى أن المعترضين على الرجل لا يعبرون إلا عن مجموعات ضيقة، فـ«البلاد لا تزال تفتقر إلى من يعبرون عن قوى اجتماعية معتبرة»، على حد قولها. وتعتقد الجبالي أن وصول المستشار الزند لمنصب وزارة العدل أمر طبيعي ومنطقي باعتباره واحدا من رموز ثورة 30 يونيو. وتقول: «للرجل موقف تاريخي في مواجهة جماعة الإخوان حين وقف في مواجهة تفكيك الدولة المصرية وحصار دولة القانون وحصار المحاكم وعزل القضاة، مما منحه مصداقية في أوساط القضاة وأوساط الشعب المصري، واختياره موفق ومبرر من القيادة السياسية، وكان محل ارتياح».
ومع الإعلان عن اختيار الزند في منصبه الجديد كوزير للعدل تحدثت تقارير إعلامية عن أن مهمته الأولى أن يطهر مؤسسة القضاء من عناصر «الإخوان»، بعد أن تكشف خلال العامين الماضيين حجم الاختراق الإخواني للوزارة، مما استدعى عزل عشرات القضاة.
لكن المستشار محمود الشريف قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا أمر بديهي لا يحتاج تكليفا من الرئاسة، كما أنه لا يتعلق بوزارة العدل فقط وإنما بكل مؤسسات الدولة التي اخترقتها الجماعة».
وتبدو مهمة الوزير الجديد مفهومة باعتباره أحد أبرز خصوم الجماعة، بل إن التحول الأبرز في حضور المستشار الزند على الساحة السياسية ارتبط بمعاركه ضد جماعة الإخوان، وكانت خطبه اللاذعة أمام الجمعيات العمومية المتتالية لنادي القضاة خلال عامي 2012 و2013 الباب الواسع الذي مر منه لموقع الصدارة وحظي بشعبية واسعة بين معارضي الجماعة.
وبدأ المستشار الزند أولى معاركه في عام 2012، حينما تصدى لمحاولات جماعة الإخوان تمرير قانون خفض سن تقاعد القضاة والذي كان من شأنه إقصاء أعداد كبيرة من قضاة مصر، وهو القانون الذي احتج عليه أيضا المستشار مكي حينها، وهدد بتقديم استقالته إذا ما مر القانون أمام برلمان كان الإخوان هيمنوا عليه بالفعل.
لكن المشهد الذي دشن جماهيرية الزند ودفع خصومه للاصطفاف خلفه هو موقفه الرافض للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الأسبق مرسي ليحصن من خلاله القرارات الصادرة عنه من رقابة القضاة.
وأصدر مرسي إعلانا دستوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، كان بين مواده إقالة النائب العام، وتحصين قرارات الرئيس التي يتخذها حتى انتخاب برلمان جديد، وتحصين الجمعية التأسيسية التي كانت تضع مشروع الدستور من الطعن أمام القضاء.
وفور صدور الإعلان الدستوري دعا المستشار الزند إلى عقد جمعية عمومية طارئة، كما دعا إلى تعليق عمل المحاكم والنيابات لحين إلغاء الإعلان دستوري، وقال إن تعليق العمل بالمحاكم مرهون بإزالة آثار العدوان على السلطة القضائية الذي أحدثه الإعلان الدستوري وما ترتب عليه من انتقاص لاستقلال القضاء.
وتعرض المستشار الزند، نهاية 2012، لـ«محاولة اغتيال فاشلة»، بعد أن قام مسلحون بإطلاق أعيرة نارية تجاهه أثناء خروجه من نادي القضاة بوسط القاهرة، بعد ساعات من كلمة له أمام الجمعية العمومية الطارئة لأعضاء النيابة العامة قال فيها إن «القضاء المصري لم يتعرض لإهانة ومؤامرة مثلما يحدث الآن»، مؤكدا حينها أن القضاة «لن ينحنوا إلا لخالقهم، ولن يكون القضاء مطية يصل بها من يشاء إلى التنكيل بالشعب». كما هاجم الزند بشدة ما أقدمت عليه جماعة الإخوان وأنصارها من حصار للمحكمة الدستورية العليا مطلع عام 2013، للحيلولة دون انعقاد جلساتها وإصدارها لحكم يتعلق بحل مجلس الشورى.
ورغم اصطفاف القوى المدنية خلف الزند في أعقاب الإعلان الدستوري فإنها لم تبتلع دفاعه عن النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود، الذي كان مطلب إقالته على أجندة ثورة 25 يناير، لكنه نجح في أن يجبر خصومه السابقين من أنصار ثورة 25 يناير على الاصطفاف خلفه ودعمه دون قيد، حينما أعلن مقاطعة القضاة للإشراف على الاستفتاء على دستور وضعته لجنة تأسيسية هيمنت عليها الجماعة إبان حكم مرسي، ودعت جبهة الإنقاذ الوطني التي تشكلت من معظم القوى المدنية في البلاد لمقاطعته.
وفي أعقاب نجاح ثورة 30 يونيو 2013، وعزل مرسي من منصبه بعد عام صاخب، بدا أن الحلفاء المؤقتين الذين غادروا ميدان التحرير للمرة الثانية في غضون ثلاثة أعوام مطالبون بإعادة تقييم تحالفاتهم مجددا على أسس جديدة. وفي ظل أجواء الاستقطاب التي تهيمن على الساحة السياسية في مصر غاب عن المناقشات الدائرة حول تعيين المستشار الزند في منصب وزير العدل ما يمكن أن يقدمه الرجل الذي يعد أول وزير للعدل يأتي من منصب منتخب.
وتقول المستشارة الجبالي إن «كون المستشار الزند أتى من موقع منتخب بعد أن حظي بتأييد مختلف الهيئات القضائية، وخبرة واسعة بمشكلات المؤسسة القضائية، يمنحه فرصة ذهبية ليصبح رجلا سياسيا بامتياز، لأن وراءه حالة رضا، وهو في ذلك يتفوق على كل من أتى إلى منصب وزارة العدل».
وبعيدا عن الصخب الذي رافق توليه المنصب، كانت أولى الخطوات التي أعلن عنها المستشار الزند «تقدمية لحد بعيد»، بحسب مراقبين. إذ أعلن الوزير الجديد عن قرب اعتلاء الدفعة الثالثة من القاضيات المصريات منصة القضاء. وقال في مؤتمر القاضيات في الوطن العربي الأسبوع الماضي إن «وزارة العدل المصرية ستشهد التحاق المرأة بالوظائف المختلفة دون تمييز».
وبينما تتزايد التكهنات حول قرب إجراء تغيير وزاري شامل، يقول مراقبون إن فرقاء المشهد السياسي سيدركون إلى أي مدى يتمسك الرئيس السيسي بالمستشار الزند. وحتى يتم ذلك التغيير المرتقب، يسير الزند بخطة ثابتة في اتجاه فخ السياسة الذي كان قد نصبه لنفسه على الأرجح.

* المستشار أحمد الزند.. في سطور

* من مواليد قرية دمتنو بمحافظة الغربية (وسط دلتا مصر) عام 1946
* تخرج في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1970
* تدرج في العمل بالمناصب القضائية المختلفة ما بين النيابة العامة، والقضاء في كثير من المحافظات، وقضى أطول فترات عمله بنيابات ومحاكم محافظتي أسوان (بصعيد مصر) والدقهلية (شمال الدلتا)
* انتخب عضوا بمجلس إدارة نادي القضاة لدورتين متتاليتين في الثمانينات من القرن الماضي
* أعير للعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عمل هناك رئيسا للمحكمة الشرعية بإمارة رأس الخيمة خلال الفترة بين عامي 1991 : 1996
* أنشأ خلال فترة وجوده بالإمارات النادي المصري بإمارة رأس الخيمة، والذي كان ملتقى للجالية المصرية والجاليات العربية هناك.
* عين رئيسا لنادي طنطا الرياضي خلال الفترة بين عامي 2001 و2004.
* انتخب رئيسًا لنادي قضاة مصر لدورتين متتاليتين منذ عام 2009.
* تولى منصب وزير العدل منذ 20 مايو (أيار) الماضي.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».