شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم
TT

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

شانجراجوبتا.. ملك الهند العظيم

تقول الحكمة، إن العجائب كثيرة، ولكن لا يوجد أعجب من الإنسان. ولو تأمّلنا معناها لوجدناها تنطبق على كثير من الشخصيات التاريخية العظيمة، ولكنها قد تكون الجملة التي تصف الزعيم العظيم شانجراجوبتا مؤسس إمبراطورية «موريا» في الهند، أكبر إمبراطورية عرفتها الهند في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، ليس فقط لأنها كانت أول تجربة لتوحيد أغلبية شبه القارة الهندية في كيان مركزي واحد، ولكنها كانت تجربة أصعب من تجارب الكثيرين غيره، نظرًا لعدم وجود تجانس كبير بين القبائل والمناطق الشاسعة التي وقعت تحت سيطرته، فضلاً عن صعوبة إدارتها في وقت كانت فيه الكتابة غير متاحة للسواد الأعظم، وكان شمال غربي القارة تحت الاحتلال. ولكن عظمة هذا الرجل تجسدت أيضًا بالتنازل الكامل عن مُلكه والدخول طوعًا في الروحانيات واعتزال الحياة سعيًا للوصول للسمو الروحي، كما وصل للسمو السياسي والإداري، وهو ما دفعه وفقًا لمعتقداته للموت جوعًا سعيًا للتطهر الروحي اتباعًا لعقيدة «الجاينية» التي كان يؤمن بها.
اختلفت المصادر التاريخية حول بداية حياة شانجراجوبتا، ولكنه بكل تأكيد كان من عائلة متواضعة سعت بعض المصادر إلى ربطها فعليًا بالنظام الحاكم في دولة «الناندا» شمال شرقي الهند، ولكنه أمر غير محسوم. فلقد كانت هذه الدولة من أقوى الدول في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت تسيطر على شمال غربي الهند في ذلك الوقت، ولكنها كانت مترددة في مواجهة قوات الإسكندر الأكبر. وتشير المصادر التاريخية إلى أن شانجراجوبتا سنحت له الفرصة للقاء الإسكندر الأكبر خلال حملاته، ولكن عظمة هذا الرجل بدأت بعد ممات الإسكندر الأكبر في 323 قبل الميلاد عندما قُسمت إمبراطوريته إلى ثلاثة أجزاء فضربت الفوضى في الدولة التي كانت تسيطر على الشرق، حيث سعى الرجل لاستعادة الأراضي التي كانت تحت قيادة اليونانيين، وقد نجح بشكل كبير في استغلال هذه الظروف واستعاد الجزء الشمالي الغربي من الهند بعد سلسلة من المعارك المتواصلة، وعندما اكتفى الرجل في الجبهة الغربية، بدأ يوجه جهوده نحو شبه القارة الهندية خاصة إمبراطورية «الناندا» والتي كانت تحت حكم أسرة قوية، ولكن الملك الطموح أراد أن يضمها إلى دولته البازغة، وكان مدركًا تمامًا أن هذه الإمبراطورية هي مفتاح أي فتوحات مستقبلية، فلو استولى عليها فإن الطريق أصبح ممهدًا أمامه من أجل العمل على إقامة دولة موحدة في شبه القارة الهندية بلا أي معوقات عملية، وبالفعل بدأ حملته بتأثير كبير من مستشاره وأستاذه «شاناكيا»، والذي كان له أكبر الأثر في تنشئته سياسيًا وعسكريًا، حيث دخل في تحالفات مع الكثير من القبائل في الهيمالايا واستعد بجيوشه لمواجهة هذه الدولة القوية.
ويقال إن القائد شانجراجوبتا استوحى خطته الهجومية على إمبراطورية (الناندا) عندما كان ينظر إلى أم تسعى لإقناع ابنها بتفادي البدء بالجزء الساخن من وجبته في وسط الطبق، وبالتالي بدأ حملته على أطراف الإمبراطورية، حيث كان جيشها القوي متمركزًا في الوسط، ولذلك هاجم أطراف الإمبراطورية من خلال سلسلة من الهجمات الجانبية، والتي كان من شأنها إخراج صلب الجيش من المركز إلى الأطراف، وهو ما أعقبه بسلسلة من المعارك موجهة نحو المركز بعدما فتت الجزء الأكبر منه، وقد نجح الرجل من خلال هذا التحرك في هزيمة جيوش هذه الإمبراطورية واستولى على العاصمة «باتاليبوترا» في عام 321 قبل الميلاد، وهنا لعب مستشاره وأستاذه «شاناكيا» دورًا كبيرًا في إعلان تلميذه وملّكه إمبراطورًا على دولة «مووريا»، مؤسسًا بذلك أكبر دولة عرفتها هذه المنطقة منذ مطلع التاريخ تحت حكمه المطلق.
واقع الأمر أن شانجراجوبتا وجّه كثيرًا من جهده بعد ذلك نحو الإصلاحات الداخلية في البلاد في ظروف صعبة للغاية، حيث كانت الدولة في حالة يرثى لها من الفقر والجهل وسوء الإدارة وعدم وجود نظام إداري منظم أو نظام ضرائبي متوازن أو سياسة نقدية موحدة، وهو ما دفعه لإحالة هذا الملف الداخلي إلى أستاذه «شاناكيا» مرة أخرى، والذي بدأ يُدخل التشريعات المالية وسك العملة ووضع النظام الضرائبي المناسب ومحاولة إدخال بعض التعديلات الاجتماعية كما فتح المجال أمام ازدهار التجارة في شبه القارة الهندية، وهو ما سمح له بهامش كبير من الثروة لبناء الدولة التي كان ينشدها.
وبعدما وجّه شانجراجوبتا جهوده نحو الإصلاحات الداخلية، بدأ في عام 305 قبل الميلاد في مواجهة الدولة اليونانية مرة أخرى في الغرب، والتي كانت تحت قيادة «سيليوكوس نيكاتور» أحد جنرالات الإسكندر الأكبر، والذي أصبح له أطماع في إمبراطورية «ماوورا». جهز حملته القوية وتوجه نحو الشمال الغربي ودخل في سلسلة من الصدامات بشكل مفتوح مع هذا القائد فاستطاع أن يهزم الجيوش اليونانية هزيمة نكراء مكّنته بعدها من الاستيلاء على الكثير من الأراضي بما فيها أجزاء مما هي معروفة اليوم بباكستان وأفغانستان، وهو ما وسّع إمبراطوريته بشكل كبير للغاية، وهنا برزت عظمة الملك الهندي المناور، حيث قبل الصلح مع غريمه اليوناني «سيليكيوس نيكاتور» وفتح له ذراعيه، بل إنه أخذ ابنته زوجة له، وفي المقابل أرسل له خمسمائة فيل كهدية، والتي كانت لها دورها الهام والحيوي في انتصارات هذا الرجل في العراق وفارس بعد ذلك.
وعقب هزيمة اليونانيين وتأمين الجبهة الشمالية الغربية تمامًا، بدأ شانجراجوبتا في التوجه نحو الجنوب لإخضاع باقي القبائل التي كانت خارجة على حكمه، وقد استطاع الرجل في زمن قياسي أن يخضع هذه المناطق بشكل تلقائي، ولكنه توقف دون إتمام المهمة، حيث بقيت المنطقة الجنوبية خارج نطاق حكمه، وهو بذلك يكون أول قائد عسكري وسياسي يستطيع أن يوحد الهند تقريبًا باستثناء الشريط الجنوبي منها، ويضعها تحت حكم موحد مركزه في الشمال الغربي.
ومع وذلك وهو في عنفوان مجده، فإن الرجل تنازل عن الحكم لصالح ابنه «بيندوسارا» واعتزل الحكم تمامًا لممارسة معتقداته، وتشير بعض المصادر التاريخية غير المؤكدة إلى أن هذا الرجل أشرف على ميلاد ابنه بنفسه بعدما سقطت أمه مغشيًا عليها وهي في الأيام الأخيرة من حملها جراء تجرع السم الذي كان مقصودًا به زوجها فشق بطنها لإنقاذ ابنه بعدما كانت الأم تلفظ أنفاسها الأخيرة، ومما يقال أيضًا إن هذا الملك كان يتجرع أقساطًا من السم تدريجيًا ليقوي مناعته ضد السموم، وهو ما لم يكن غريبًا في ذلك الوقت على بعض الملوك.
لقد وضع شانجراجوبتا مثالاً للعبقرية السياسية والمعنى الحقيقي لرجل الدولة الذي استطاع أن يوازن بين الفكر والحنكة والبطش والمناورة وحسن الإدارة، ويلاحظ أن الرجل لم يفتح جبهتين كبيرتين في آنٍ واحد، ولجأ لسياسة مواجهة الأخطار الواحدة تلو الأخرى، وخلق إمبراطورية متوازنة تحافظ على علاقاتها مع جيرانها بشكل محسوب وفقًا لمقولة «الأرثاشاسترا» الهندية الشهيرة المنسوبة إلى أستاذه «شناكيا» والتي تقول «.. إن الغازي يجب أن ينظر إلى الدولة المحيطة به كعجلة من الحلفاء وهو مركزها، يأتونه مثل المحاور المختلفة نحو المركز وهم غير ملتصقين».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».