«الخان»... مسرحية مصرية تفتش عن الرغبات الإنسانية «المتوحشة»

تعرض ضمن الدورة الـ15 من «المهرجان القومي»

مشهد من العرض المسرحي «الخان» (مسرح الطليعة)
مشهد من العرض المسرحي «الخان» (مسرح الطليعة)
TT

«الخان»... مسرحية مصرية تفتش عن الرغبات الإنسانية «المتوحشة»

مشهد من العرض المسرحي «الخان» (مسرح الطليعة)
مشهد من العرض المسرحي «الخان» (مسرح الطليعة)

جمهور يحبس أنفاسه وهو يجلس مسمراً في مقاعده تحسباً لما سيحدث، بينما الأنوار الملوّنة والظلام يتبادلان الأدوار، أما الدخان فيتصاعد على وقع طبول شرقية. هكذا يمكن وصف العرض المسرحي «الخان»، الذي يعرض حالياً على مسرح «الطليعة»، قاعة زكي طليمات، بحي العتبة بالقاهرة ضمن فعاليات الدورة الـ15 من المهرجان للمسرح الذي تستمر فعالياته حتى الثامن من أغسطس (آب).
تستعيد المسرحية أجواء الإثارة والتشويق التي غابت عن معظم عروض المهرجان بداعي التجريب والحداثة تارة، وبسبب الإغراق في الطابع الغنائي الموسيقي تارة أخرى، بحسب نقاد.

وتبدو القصة التي كتبها محمد علي إبراهيم، كما لو كانت تحتل مكاناً مركزياً في العمل الذي يبدأ بإعلان نشرته سيدة تدعى «سجايا» بـصحيفة «الوقائع المصرية» عام 1870 حول وجود تركة كوّنها أحد الأثرياء منذ 300 عام يدعى «ابن غانم» وتطالب كل من لديه «صك» بأن يثبت نسبه إلى المذكور التقدم للم شمل الورثة للحصول على حقهم في الميراث.
يلتقي الورثة الخمس في الفندق أو «الخان» بلغة ذلك العصر الذي بناه «ابن غانم» وسط الصحراء على طريق الفيوم ليكون مأوى لعابري السبيل والمسافرين.
سرعان ما يكتشف أحد الأحفاد وهو «إلياس»، الذي يعمل في السير والتراجم والبحوث اللغوية أن هناك سراً في الأمر تخفيه «سجايا» الوريثة الأولى وصاحبة الدعوة، فالجد لم يكن تاجر أنتيكات، بل كان أحد الأثرياء الذين بددوا ثرواتهم على نزواتهم وشهواتهم وحين أصبح على شفا الفقر، لجأ إلى التعاويذ السحرية بحثاً عن قوى خارقة تجلب له كنزاً سرياً مدفوناً تحت الأرض.
تستمر المفاجآت حين يتمكن «إلياس» من فك الرموز والكتابات الغريبة التي تحتويها غرفة غامضة في «الخان» ويطلع الجميع على الحقيقة المروعة: «ابن غانم تمكن من العثور على الكنز لكنه لم يستطع استخراجه من باطن الأرض بسبب وجود لعنة لن يتم كسرها إلا بسكب الدم البشري على البقعة التي تحتوي على الكنز»!.

هنا يتم رفع الغطاء عن بئر الرغبات الشريرة المظلمة القابعة في أعماق كل إنسان، فالثروة الهائلة تداعب خيال كل فرد من الورثة وتغويه بارتكاب أقدم جريمة في التاريخ وهي القتل حيث ينقلب الجميع ضد الجميع.
أعطى التنوع في مهن وأعمار الشخصيات حيوية شديدة للعمل، فهناك «كافور»، الضابط الذي قاد كتيبة مصرية في حرب المكسيك بالتحالف مع فرنسا وعاد كارهاً للحرب بسبب إجباره على قتل أسرى أبرياء. وهناك في المقابل، «سنمار»، المجرم الذي يستمتع بإيذاء الآخرين و«صالحين» تاجر الرقيق و«ميمون» المتسول الذي يعاني عرجاً بإحدى قدميه و«ديما» الجميلة التي ليست دون مستوى الشبهات، وتهوى غواية الرجال.
لم يكن غريباً أن يكون الفنان ياسر أبو العينين هو أكثر من حاز على تصفيق الجمهور الحار طوال العرض، فقد بدا شديد المصداقية والإقناع وهو يجسد شخصية «ابن غانم» عبر مونولوجات، أو حوارات ذاتية يتحدث فيها بلسان الجشع والطمع والرغبة الجارفة باستعادة ثروته حتى لو كان الثمن بيع روحه لقوى الظلام!
تميزت المسرحية بالإيقاع السريع والأحداث المتلاحقة والمفاجآت التي تتوالى، فلا تعطي فرصة للملل أو التثاؤب حيث تعد فكرة الكنز والتعاويذ السحرية والغرق في مستنقع الشهوات مع نهاية قاسية رادعة من «الثيمات»، التي تثير شغف الجمهور، فضلاً عن المزج بين الخرافات الشعبية والأساطير الفرعونية عبر الديكور الذي صممه روماني جرجس وموسيقى شادي الشيمي، وخالد شريف، وإضاءة محمود جراتسي.

وبشأن تقييمه لردود فعل الجمهور خلال العرض، يشير مخرج العرض حسام التوني إلى سعادته البالغة بردود الأفعال على العمل، حيث نال ثقة الجمهور وحاز على عدد من الجوائز مثل أفضل عرض مسرحي وأحسن ممثل وأحسن موسيقى عبر مواسمه السابقة ومشاركته في عدد من الفعاليات خارج وداخل مصر، موضحاً أن «المسرحية تكشف عن الوجه المظلم من النفس الإنسانية، لا سيما عندما يستبد بها الجشع».
ويكشف التوني في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» عن مفاجأة تتعلق بفرقة «كيميا»، التي أنتجت المسرحية، فأعضاؤها هم زملاؤه من خريجي جامعة عين شمس الذين جمعهم عشق المسرح وأعضاء فرقة «أصدقاء جامعة عين شمس» المسرحية، وبعد عشرين عاماً من التفرق في دروب الحياة في مهن مختلفة وحياة اجتماعية جديدة، تجمعوا مرة أخرى وكونوا تلك الفرقة وعادوا لعشقهم الأول والأخير بهذا العرض القوي، على حد تعبيره.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.