شبح التدخّل الروسي يخيّم على الحملة الانتخابية الإيطالية

تقاريرتشير إلى عقد سالفيني وبرلوسكوني محادثات مع دبلوماسيين روس

سالفيني وبرلوسكوني يخاطبان جمعاً انتخابياً بروما في 19 أكتوبر 2019 (أ.ب)
سالفيني وبرلوسكوني يخاطبان جمعاً انتخابياً بروما في 19 أكتوبر 2019 (أ.ب)
TT

شبح التدخّل الروسي يخيّم على الحملة الانتخابية الإيطالية

سالفيني وبرلوسكوني يخاطبان جمعاً انتخابياً بروما في 19 أكتوبر 2019 (أ.ب)
سالفيني وبرلوسكوني يخاطبان جمعاً انتخابياً بروما في 19 أكتوبر 2019 (أ.ب)

مع انطلاق حملة الانتخابات التشريعية الحاسمة المقررة في 25 سبتمبر (أيلول) المقبل في إيطاليا، عاد شبح الدور الروسي في إسقاط حكومة ماريو دراغي ليلقي بثقله على المشهد السياسي، منذراً بتحولات جديدة وإعادة خلط الأوراق أمام هذا الاستحقاق الذي تتابعه العواصم الغربية باهتمام شديد من حيث انعكاساته على الوضع السياسي العام في الاتحاد الأوروبي، وعلى الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث كان دراغي يشكّل رأس الحربة الأوروبية في المواجهة مع موسكو.
ويأتي ذلك بعد أن كشفت وسائل إعلام إيطالية، الجمعة، أن زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرّف ماتيو سالفيني عقد لقاءات مع مسؤول دبلوماسي روسي كبير في روما خلال الأيام التي سبقت سقوط الحكومة الإيطالية، وأن رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني أجرى اتصالاً مطولاً مع السفير الروسي عشيّة التحوّل المفاجئ في موقفه بعد أن كان أعلن تأييده الكامل لبقاء دراغي في رئاسة الحكومة حتى نهاية الولاية التشريعية.
وتجدر الإشارة إلى أن الناطق الرسمي باسم المفوضية الأوروبية صرّح يوم سقوط الحكومة الإيطالية بأن ثمّة معلومات مخابراتية تؤكد قيام موسكو بمحاولات لزعزعة الاستقرار في دول الاتحاد عن طريق التأثير في السياسات الداخلية للدول الأعضاء. وكان وزير الخارجية الإيطالية لويجي دي مايو صرّح من جهته بأن الذين أسقطوا الحكومة «قدّموا رأس دراغي على طبق من فضّة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين»، فيما تساءل الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف: مَن سيكون الزعيم الأوروبي التالي الذي سيسقط بعد دراغي ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون؟
وفي محاولة للرد على الاتهامات التي يتعرّض لها بالتواطؤ مع صديقه القديم فلاديمير بوتين، ظهر برلوسكوني على إحدى قنوات التلفزيون التي يملكها، في نفس البرنامج الذي كان استضاف منذ شهر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المقابلة الشهيرة التي أثارت عاصفة من الانتقادات لما ورد فيها من تصريحات، وقال: «تحدثت إلى السفير الروسي رازوف الذي شرح لي حقيقة الحرب الدائرة في أوكرانيا، وماذا فعل زيلينسكي.. وقال لي إن أوكرانيا هي التي تسببت في مقتل 20 ألف ضحية في المناطق المتنازع عليها، وإن الاجتياح كان ضرورياً لأن أوكرانيا كانت تخطط منذ فترة لمهاجمة روسيا».
ولمّحت المصادر الإعلامية الإيطالية إلى أن المخابرات الأميركية هي التي سرّبت أنباء الاتصالات التي أجراها برلوسكوني وسالفيني بالدبلوماسيين الروس في إيطاليا، التي يعتقد أنها كانت السبب في تغيير المواقف خلال الساعات الأخيرة التي سبقت سقوط حكومة دراغي بعد الاجتماع المطول الذي عقدته الأحزاب اليمينية في منزل برلوسكوني الذي قطع إجازته فجأة في جزيرة سردينيا وعاد إلى روما.
وتجدر الإشارة إلى أن برلوسكوني، الذي تربطه صداقة شخصية وطيدة مع فلاديمير بوتين منذ سنوات غالباً ما كان يتباهى بها، لزم الصمت التام طوال أسابيع بعد بداية الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أن يدلي بتصريح مقتضب يشجب فيه الحرب واستخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية. لكنه، بعد اتصالات عدة مع موفدين دبلوماسيين لبوتين حسب المصادر المخابراتية، عاد ليتبنّى موقف موسكو خلال كلمة ألقاها في مهرجان لحزبه في مدينة نابولي أواسط مايو (أيار) الماضي؛ حيث انتقد الحلف الأطلسي، وقال: «يجب على أوروبا أن تطرح تسوية سلمية تتضمّن تجاوب الأوكرانيين مع مطالب بوتين. إن الاستمرار في إرسال الأسلحة يعني المشاركة المباشرة في النزاع».
لكن مساعي موسكو للتأثير في السياسة الداخلية الإيطالية لم تقتصر على برلوسكوني، بل شملت أيضاً زعيم حرب الرابطة ماتيو سالفيني الذي اجتمع مع السفير الروسي في اليوم التالي لبداية الاجتياح الروسي، ثم عاد ليجتمع بعدد من الدبلوماسيين الروس عدة مرات منذ بداية الشهر الماضي. يذكر أن سالفيني درج في السنوات الماضية على امتداح الرئيس الروسي الذي وصفه بأنّه «قدوة لزعماء الاتحاد الأوروبي»، وبلغ به الأمر أن دخل مرة إلى قاعة البرلمان الأوروبي وهو يرتدي قميصاً يحمل صورة بوتين على صدره.
ولا شك في أن هذه التطورات تُشكّل مصدراً كبيراً للحرج بالنسبة لزعيمة حزب «إخوان إيطاليا»، الطرف الثالث في الائتلاف اليميني، الذي يتّخذ موقفاً حاسماً في تأييده للنهج الأطلسي ومواصلة تزويد أوكرانيا بالأسلحة، والذي ترجّج كل الاستطلاعات أن يكون الفائز في الانتخابات العامة المقبلة. وكانت زعيمة الحزب جيورجيا ميلوني، التي بدأت تستعد لتشكيل الحكومة الجديدة، سارعت إلى القول: «لا مجال للغموض في موقفنا الداعم للشعب الأوكراني البطل في معركته»، وطالبت بتوضيح عميق لموقف برلوسكوني وسالفيني من الحرب في أوكرانيا.
ومن التطورات الأخرى الدّالة على جهود موسكو للتأثير في الوضع الداخلي الإيطالي ما كشفته مصادر إعلامية، الجمعة، نقلاً عن مهاجرين غير شرعيين نزلوا على ساحل جزيرة لامبيدوسا، عن تورّط عناصر مجموعة «فاغنر» الروسية في دفع موجات من المهاجرين إلى الإبحار نحو إيطاليا من الشواطئ الليبية التي تقع تحت سيطرة اللواء خليفة حفتر بالقرب من طبرق.
وفي تعليق على هذا التطور الذي ينذر بتفاقم مشهد الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا خلال الأسابيع المقبلة، قال مسؤول أمني إيطالي: «ليبيا مدفع مصوّب نحو الحملة الانتخابية، والهجرة ستكون السلاح الأقوى بيد الذين لهم مصلحة في زعزعة الاستقرار والتأثير في الانتخابات المقبلة».
وتجدر الإشارة إلى أن شعبية ماتيو سالفيني كانت قد تضاعفت في الانتخابات العامة الأخيرة بفضل مواقفه المتشددة، والعنصرية غالباً، من الهجرة، قبل أن يتولّى حقيبة الداخلية في الحكومتين السابقتين لحكومة دراغي. وتقدّر مصادر المخابرات الإيطالية بأن عدد عناصر «فاغنر» في ليبيا يزيد على خمسين ألفاً، موزعين على أربع قواعد عسكرية.
وفيما أفادت المصادر الأمنية الإيطالية بأن عدد المهاجرين الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا منذ بداية الحرب في أوكرانيا يزيد على 38 ألفاً، مقابل 23 ألفاً طوال العام الماضي، نبّهت إلى أن إيطاليا التي كان لها دائماً دور بارز في بلد أساسي لمصالحها الاستراتيجية مثل ليبيا، توشك على الخروج كلياً من المشهد السياسي والأمني لهذا البلد.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
TT

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

وقالت الوكالة إن هذه الحالة المتعلقة بالسفر مرتبطة بتفشي السلالة الفرعية 1 من المرض في وسط وشرق أفريقيا.

وأضافت الوكالة في بيان «سعى الشخص إلى الحصول على رعاية طبية لأعراض جدري القردة في كندا بعد وقت قصير من عودته ويخضع للعزل في الوقت الراهن».

وقالت منظمة الصحة العالمية أمس (الجمعة) إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة، وأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة عالمية بسبب جدري القردة للمرة الثانية خلال عامين في أغسطس (آب) بعد انتشار سلالة جديدة من الفيروس، هي السلالة الفرعية 1 بي، من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الدول المجاورة.

وقالت وكالة الصحة العامة الكندية إنه رغم أن المخاطر التي تهدد السكان في كندا في هذا الوقت لا تزال منخفضة، فإنها تواصل مراقبة الوضع باستمرار. كما قالت إن فحصاً للصحة العامة، بما في ذلك تتبع المخالطين، مستمر.