مع انطلاق حملة الانتخابات التشريعية الحاسمة المقررة في 25 سبتمبر (أيلول) المقبل في إيطاليا، عاد شبح الدور الروسي في إسقاط حكومة ماريو دراغي ليلقي بثقله على المشهد السياسي، منذراً بتحولات جديدة وإعادة خلط الأوراق أمام هذا الاستحقاق الذي تتابعه العواصم الغربية باهتمام شديد من حيث انعكاساته على الوضع السياسي العام في الاتحاد الأوروبي، وعلى الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث كان دراغي يشكّل رأس الحربة الأوروبية في المواجهة مع موسكو.
ويأتي ذلك بعد أن كشفت وسائل إعلام إيطالية، الجمعة، أن زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرّف ماتيو سالفيني عقد لقاءات مع مسؤول دبلوماسي روسي كبير في روما خلال الأيام التي سبقت سقوط الحكومة الإيطالية، وأن رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني أجرى اتصالاً مطولاً مع السفير الروسي عشيّة التحوّل المفاجئ في موقفه بعد أن كان أعلن تأييده الكامل لبقاء دراغي في رئاسة الحكومة حتى نهاية الولاية التشريعية.
وتجدر الإشارة إلى أن الناطق الرسمي باسم المفوضية الأوروبية صرّح يوم سقوط الحكومة الإيطالية بأن ثمّة معلومات مخابراتية تؤكد قيام موسكو بمحاولات لزعزعة الاستقرار في دول الاتحاد عن طريق التأثير في السياسات الداخلية للدول الأعضاء. وكان وزير الخارجية الإيطالية لويجي دي مايو صرّح من جهته بأن الذين أسقطوا الحكومة «قدّموا رأس دراغي على طبق من فضّة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين»، فيما تساءل الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف: مَن سيكون الزعيم الأوروبي التالي الذي سيسقط بعد دراغي ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون؟
وفي محاولة للرد على الاتهامات التي يتعرّض لها بالتواطؤ مع صديقه القديم فلاديمير بوتين، ظهر برلوسكوني على إحدى قنوات التلفزيون التي يملكها، في نفس البرنامج الذي كان استضاف منذ شهر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المقابلة الشهيرة التي أثارت عاصفة من الانتقادات لما ورد فيها من تصريحات، وقال: «تحدثت إلى السفير الروسي رازوف الذي شرح لي حقيقة الحرب الدائرة في أوكرانيا، وماذا فعل زيلينسكي.. وقال لي إن أوكرانيا هي التي تسببت في مقتل 20 ألف ضحية في المناطق المتنازع عليها، وإن الاجتياح كان ضرورياً لأن أوكرانيا كانت تخطط منذ فترة لمهاجمة روسيا».
ولمّحت المصادر الإعلامية الإيطالية إلى أن المخابرات الأميركية هي التي سرّبت أنباء الاتصالات التي أجراها برلوسكوني وسالفيني بالدبلوماسيين الروس في إيطاليا، التي يعتقد أنها كانت السبب في تغيير المواقف خلال الساعات الأخيرة التي سبقت سقوط حكومة دراغي بعد الاجتماع المطول الذي عقدته الأحزاب اليمينية في منزل برلوسكوني الذي قطع إجازته فجأة في جزيرة سردينيا وعاد إلى روما.
وتجدر الإشارة إلى أن برلوسكوني، الذي تربطه صداقة شخصية وطيدة مع فلاديمير بوتين منذ سنوات غالباً ما كان يتباهى بها، لزم الصمت التام طوال أسابيع بعد بداية الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أن يدلي بتصريح مقتضب يشجب فيه الحرب واستخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية. لكنه، بعد اتصالات عدة مع موفدين دبلوماسيين لبوتين حسب المصادر المخابراتية، عاد ليتبنّى موقف موسكو خلال كلمة ألقاها في مهرجان لحزبه في مدينة نابولي أواسط مايو (أيار) الماضي؛ حيث انتقد الحلف الأطلسي، وقال: «يجب على أوروبا أن تطرح تسوية سلمية تتضمّن تجاوب الأوكرانيين مع مطالب بوتين. إن الاستمرار في إرسال الأسلحة يعني المشاركة المباشرة في النزاع».
لكن مساعي موسكو للتأثير في السياسة الداخلية الإيطالية لم تقتصر على برلوسكوني، بل شملت أيضاً زعيم حرب الرابطة ماتيو سالفيني الذي اجتمع مع السفير الروسي في اليوم التالي لبداية الاجتياح الروسي، ثم عاد ليجتمع بعدد من الدبلوماسيين الروس عدة مرات منذ بداية الشهر الماضي. يذكر أن سالفيني درج في السنوات الماضية على امتداح الرئيس الروسي الذي وصفه بأنّه «قدوة لزعماء الاتحاد الأوروبي»، وبلغ به الأمر أن دخل مرة إلى قاعة البرلمان الأوروبي وهو يرتدي قميصاً يحمل صورة بوتين على صدره.
ولا شك في أن هذه التطورات تُشكّل مصدراً كبيراً للحرج بالنسبة لزعيمة حزب «إخوان إيطاليا»، الطرف الثالث في الائتلاف اليميني، الذي يتّخذ موقفاً حاسماً في تأييده للنهج الأطلسي ومواصلة تزويد أوكرانيا بالأسلحة، والذي ترجّج كل الاستطلاعات أن يكون الفائز في الانتخابات العامة المقبلة. وكانت زعيمة الحزب جيورجيا ميلوني، التي بدأت تستعد لتشكيل الحكومة الجديدة، سارعت إلى القول: «لا مجال للغموض في موقفنا الداعم للشعب الأوكراني البطل في معركته»، وطالبت بتوضيح عميق لموقف برلوسكوني وسالفيني من الحرب في أوكرانيا.
ومن التطورات الأخرى الدّالة على جهود موسكو للتأثير في الوضع الداخلي الإيطالي ما كشفته مصادر إعلامية، الجمعة، نقلاً عن مهاجرين غير شرعيين نزلوا على ساحل جزيرة لامبيدوسا، عن تورّط عناصر مجموعة «فاغنر» الروسية في دفع موجات من المهاجرين إلى الإبحار نحو إيطاليا من الشواطئ الليبية التي تقع تحت سيطرة اللواء خليفة حفتر بالقرب من طبرق.
وفي تعليق على هذا التطور الذي ينذر بتفاقم مشهد الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا خلال الأسابيع المقبلة، قال مسؤول أمني إيطالي: «ليبيا مدفع مصوّب نحو الحملة الانتخابية، والهجرة ستكون السلاح الأقوى بيد الذين لهم مصلحة في زعزعة الاستقرار والتأثير في الانتخابات المقبلة».
وتجدر الإشارة إلى أن شعبية ماتيو سالفيني كانت قد تضاعفت في الانتخابات العامة الأخيرة بفضل مواقفه المتشددة، والعنصرية غالباً، من الهجرة، قبل أن يتولّى حقيبة الداخلية في الحكومتين السابقتين لحكومة دراغي. وتقدّر مصادر المخابرات الإيطالية بأن عدد عناصر «فاغنر» في ليبيا يزيد على خمسين ألفاً، موزعين على أربع قواعد عسكرية.
وفيما أفادت المصادر الأمنية الإيطالية بأن عدد المهاجرين الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا منذ بداية الحرب في أوكرانيا يزيد على 38 ألفاً، مقابل 23 ألفاً طوال العام الماضي، نبّهت إلى أن إيطاليا التي كان لها دائماً دور بارز في بلد أساسي لمصالحها الاستراتيجية مثل ليبيا، توشك على الخروج كلياً من المشهد السياسي والأمني لهذا البلد.
شبح التدخّل الروسي يخيّم على الحملة الانتخابية الإيطالية
تقاريرتشير إلى عقد سالفيني وبرلوسكوني محادثات مع دبلوماسيين روس
شبح التدخّل الروسي يخيّم على الحملة الانتخابية الإيطالية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة