ميرفت شاهين.. بعد ترجمة اللغة ترجمت هواية الطبخ في كتاب

«A Taste of LEBANON» يحافظ على إرث الوصفات اللبنانية

ميرفت شاهين خلال حفل توقيع كتاب «A Taste Of Lebanon»
ميرفت شاهين خلال حفل توقيع كتاب «A Taste Of Lebanon»
TT

ميرفت شاهين.. بعد ترجمة اللغة ترجمت هواية الطبخ في كتاب

ميرفت شاهين خلال حفل توقيع كتاب «A Taste Of Lebanon»
ميرفت شاهين خلال حفل توقيع كتاب «A Taste Of Lebanon»

من شبه المستحيل أن ينجح أي شخص في المطبخ إلا إذا كان المكون الأول والأخير في أطباقه هو الحب والشغف للطهي. فمذاق الطعام الذي تحضره أيادٍ معجونة بشغف الابتكار والطهي كفيلة أن تكون ألذ ما يمكن تذوقه على الإطلاق.
ومن حب الطهاة، إلى المطبخ، إلى هواة الطهي، الذين يترجمون غرامهم بالأكل والوصفات التقليدية والمعاصرة في كتب، تصاغ كل كلمة فيها بفكرة مبنية على الذكريات ومشاركة الآخرين وصفات خاصة بعائلاتهم.
ميرفت شاهين أمّ لبنانية هاجرت إلى لندن خلال الحرب الأهلية في لبنان، لتستقر هي وعائلتها في لندن. والدها الخطاط المعروف محمود شاهين، الذي عمل في جريدة «الشرق الأوسط» خلال تأسيسها. منذ صغرها، وهي تهوى الطبخ بمختلف أنواعه وأشكاله، فضلاً عن شغفها بالقراءة. عملت سنوات طويلة في مجال الطيران، وبسبب الظروف الصحية والاجتماعية اضطرت للتفرغ لتربية ابنها وابنتها.

ميرفت شاهين من دراسة الترجمة إلى ترجمة حبها للطهي في كتاب للطبخ

لم يمنعها ذلك من تطوير إمكاناتها، وشغفها بالقراءة، ومتابعة دراسة الترجمة، حيث نالت شهادة الماجستير، على أمل الحصول على عمل يتناسب مع أوضاعها، لكن ذلك لم يكن بالأمر السهل.
منتصف الشهر الماضي، احتفت ميرفت بإطلاق كتابها الأول «A TASTE OF LEBANON»، التقت «الشرق الأوسط» بميرفت أثناء توقيعها كتابها الأول، وبدأ حديثنا عن ولادة الفكرة التي أدت إلى ولادة الكتاب الذي اختارت كتابته باللغة الإنجليزية، فقالت ميرفت إنه عندما انتقل ابنها للدراسة في الجامعة خارج لندن، استغلت الفرصة، وبدأت تفكر في ترجمة حبها للمطالعة وللطبخ في كتاب، في مسعى لملء الفراغ الذي أحدثه غياب ابنها لفترات طويلة عن المنزل، فبدأت رحلة الكتابة عن الطبخ. وتضيف ميرفت: «لقد منحتني الكتابة روتيناً يومياً وعملاً منتظماً، كانت أبحث عنه، ما أشعرني براحة نفسية كبيرة رغم التحديات الكثيرة التي كنت أواجهها بسبب حالتي الصحية».
وعن التحديات التي واجهتها خلال عملها على الكتاب، تقول ميرفت إنها تعرضت لكثير من التحديات، لكن إصرارها على الاستمرار منحها الشجاعة لاستكمال المشروع، باتباع الروتين اليومي الذي وضعته. وأضافت: «كنت أبدأ يومي بالتمارين الفيزيائية والسباحة، التي كانت تأخذ وقتاً لا بأس به يومياً، وكانت أحد عوامل تعزيز الثقة بالنفس ورفع المعنويات، فضلاً عن المتعة التي توفرها هذه الرياضة».
ما يميز كتاب «تايست أوف ليبانون» هو القصص المرتبطة بوصفات كل طبخة. فلكل طبخة في الكتاب قصة شخصية، أو نكتة، أو قصة تاريخية، أو بعض العادات والتقاليد المرافقة لها؛ حيث حاولت ميرفت أن تستغل حبها للترجمة والنكتة كي تضيف بعض الفكاهة أحياناً، والابتعاد عن اللغة الجامدة قدر الإمكان. فالأسلوب مهم أيضاً، وهو أحد عناصر التشويق للقراءة.
وعن سؤالها عن اختيار اللغة الإنجليزية لكتابها، ردت بالقول: «لأنه موجه للأجانب أولاً، لاطلاعهم على بعض العادات والتقاليد إلى جانب الوصفات، كما هو موجه للعرب الذين يفضلون القراءة بالإنجليزية، مثل أولادي وغيرهم ممن ولدوا في بلاد الاغتراب وصارت الإنجليزية لغتهم الأم».

اختارت ميرفت شاهين اللغة الإنجليزية لكتابها لإيصال الوصفات التراثية اللبنانية للغرب

وأضافت: «لم تكن كتابة هذا الكتاب تجربة سهلة، واجهت صعوبات كثيرة كما قلت، صحية وغيرها. لكن شغفي بالقراءة وحبي للترجمة، فضلاً عن الدعم العائلي ساعدني كثيراً في تخطي هذه الصعوبات، لم يكن التحضير للطبخ فقط، بل تنظيم هذه العملية، والإعادة في أحيان كثيرة، ما يستنزف الجهد الكبير ذهنياً وجسدياً».
حب الطهي يكون عادة متعلقاً بشخص مهم في حياة الطاهي وكاتب الوصفات أيضاً، فأردنا التعرف على ملهم ميرفت شاهين في المطبخ، ووجدنا أن والدتها كانت الملهم الأول لها. فهي كانت تحب الطبخ، وكان طعامها مميزاً جداً. كل طبخة بالنسبة لها كانت عبارة عن لوحة فنية تتباهى بها أمام جيرانها وأفراد العائلة والجيران في تحدٍ لجميع النساء من حولها. فورثت هذا الشغف من والدتها التي رحلت باكراً، وكان لها تأثير كبير في حياتها.
المعروف أن المطبخ اللبناني مكون أساسي في تراث شعبه وأهله، وهو من أقدم المطابخ العالمية. ورغم تميز المطبخ اللبناني وانتشار كثير من كتب الطبخ اللبناني، فإنه لا يحظى بالشهرة التي يستحقها، باستثناء المختصين في عالم الطبخ. هذا هو باختصار رأي ميرفت التي قالت: «من هذا المنطلق وجدت أن هناك فرصة كبيرة للمساهمة في إيصال هذا المطبخ إلى العالمية باتباع أسلوب جديد وتسهيل طريقة التحضير لتناسب الجميع، وكيفية الاستعانة أو الاستعاضة عن المواد (Ingredients) وأدوات الطبخ غير المتوفرة».

وصفة البابا غنوج التقليدية

وعن الأشخاص الذين لعبوا دوراً مهماً في تحقيق حلم الكتابة وإطلاق هذا الكتاب بنسخته الأول، تقول ميرفت إنها عملت مع أحد الشبان، اسمه أندرو رووم، وهو خريج جامعة كامبريدج، كان يعاون ابنتها خلال الامتحانات الرسمية، فطلبت منه أن يقرأ بعض ما كنت أكتب، وقد أعجبه كثيراً. أخذت بعدها بإرسال المواد إليه لمراجعتها، ومن ثم تجميعها، واختيار الأنسب.
كما استعانت أيضاً بأليستير هيلتون، وهو مصور محترف لتصوير الأطباق، وهذه الحرفية مهمة جداً في كتاب مخصص للطهي، لأن الصور تلعب دوراً مهماً في عرض الوصفات بطريقة جيدة.
لكن بسبب التعب والإرهاق الذي يستغرقه العمل المتواصل، في الطبخ وما يرافق ذلك من إعداد وتحضير وشراء مواد وغيرها، وبسبب وضعها الصحي، كان لا بد من الاستعانة بجيش من المتطوعين، أولهم ولداها وشقيقتها منى، التي تعتبر طاهية من الطراز الأول، بالإضافة إلى بعض الأصدقاء.
وأشارت ميرفت إلى نقطة مهمة جداً حول سبب اهتمام الغرب بكتب الطهي، قائلة: «هناك دائماً مكان لكتاب وصفات الأكل، خاصة في بلاد الغرب، ويعتبر من أهم الهدايا في الأعياد والمناسبات العائلية أو العامة».
الكتاب في معظم الأحيان يروي القصة الخلفية للوجبة أو تاريخها أو علاقتها الشخصية بالكاتب. وهذه المعلومات لا تترافق دوماً مع مقاطع «اليوتيوب» و«التيك توك» وغيرهما من المنصات الرقمية المشابهة. إضافة إلى أن الكتاب يعتبر مصدر معلومات خاصة، إذ إنه عموماً يعكس ثقافة البلد، ويلبي الرغبة في التعرف على حياة هذا الكاتب من خلال كتاب الطبخ.
وشددت ميرفت على نقطة، مفادها أن كل ذلك لا يمنع برامج تعليم الطهي المنتشرة عبر التلفزيونات والفيديوهات على «يوتيوب» من إمكانية الاستفادة من كتب الطهي، وطرق صنع الأطباق المختلفة، بما يساهم في انتشار هذه الكتب.
وختمت حديثها معنا بالقول: «رغم التنافس التقليدي بين عالمي الكلمة (الكتاب) والصورة (البرامج المصورة) فإنه يمكن أن يتكاملا أيضاً».


مقالات ذات صلة

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

مذاقات الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (إنستغرام)

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

في جعبته أكثر من 30 عاماً من الخبرة في صناعة الطعام. مستشار هيئة اللحوم والماشية الأسترالية.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات «السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«جربت السوشي؟»... سؤال يبدو عادياً، لكن الإجابة عنه قد تحمل دلالات اجتماعية أكثر منها تفضيلات شخصية لطبق آسيوي عابر من ثقافات بعيدة.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعدادات افتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مذاقات البرغر اللذيذ يعتمد على جودة نوعية اللحم (شاترستوك)

كيف أصبح البرغر رمز الولايات المتحدة الأميركية؟

البرغر ليس أميركياً بالأصل، بل تعود أصوله إلى أوروبا، وبالتحديد إلى ألمانيا.

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون...

فيفيان حداد (بيروت)

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
TT

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)

في جعبته أكثر من 30 عاماً من الخبرة في صناعة الطعام. مستشار هيئة اللحوم والماشية الأسترالية.

يعدّ المصري طارق إبراهيم أول شيف عربي يحصل على لقب ماستر شيف من قبل «الجمعية العالمية للطهاة».

يدأب على زيارة بيروت باستمرار. ويجد في «صالون هوريكا» للضيافة والخدمات الغذائية، المناسبة الأفضل للقيام بهذه الرحلة.

يشتهر الشيف طارق بتحضير الأطباق الشرق أوسطية. ويعرف بتحضيره أشهى اللحوم المشوية. فهو يقدّمها في مطاعمه في مصر والساحل الشمالي ومناطق أخرى. يفتخر بما حققه حتى الآن في مجاله. ويرى أن هناك مواهب شابة جديدة واعدة في مجال الطبخ. ويتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن مدى تطور مطبخ البحر المتوسط: «كل شيء في الحياة يتطوّر من دون شك. ولكن بالنسبة لأطباق البحر المتوسط فهي في حالة تطور دائم. المكونات التي يتألف منها غنية وكثيرة، توفّر لنا بوصفنا طهاة قدرة على الابتكار».

يقول إن هذا المطبخ واسع جداً ويتنوع حسب البلد الأم. ويوضح في سياق حديثه: «يحضر هذا المطبخ في البلدان العربية كما في أوروبا. كل بلد يحضّر الطبق بأسلوبه فيأخذ خطّاً خاصاً به. نحن في مصر مثلاً نستخدم السمنة، وفي لبنان زيت الزيتون، وفي المغرب دهن اللحمة. فالطعام برأيي ليس اختراعاً بل ابتكار طعم مميز ومرغوب به من قبل الزبون، في الوقت نفسه».

التطور الذي يتحدث عنه الشيف طارق ينبع من البساطة. «ليس بالضرورة أن نبالغ في الابتكار، الأهم أن نحافظ على هوية الطبق. فبدل أن نضيف الليمون الحامض والزيت مثلاً على طبق سلطة، في استطاعتنا استبدال عصير البرتقال به. ويمكننا أن نلجأ إلى طعم مختلف مع عصير الفراولة أو الكرز. وبذلك نكون ابتكرنا طبق سلطة لذيذ الطعم يتألف من مكونات أساسية. ولكن فيما لو قدمنا صحن الحمص بالطحينة المخلوط مع الأفوكادو أو البروكلي والشمندر السكري، فإننا بذلك نشوه شهرة هذا الطبق».

من أطباق الشيف طارق إبراهيم (انستغرام)

يخبر «الشرق الأوسط» عن ابتكاراته التي يهمّه الحفاظ على طعمها الأصلي فيها.

«أحضر في مطعمي حساء الطماطم الأبيض اللذيذ، فنتعرّف إليه من طعمه وليس من شكله، أستخرج منه لون الطماطم الأحمر فيتحول إلى شفاف لا لون له، وأضيف إليه الحبق والكريمة. ويتفاجأ من يتذوقه بطعم الطماطم مع غياب لونها عن الطبق. وبذلك أكون قد اعتمدت التطوير وحافظت على الهوية في آن».

ملاحظاته على الساحة اليوم تقتصر على الفوضى التي تعمّها. برأيه هناك مواهب واعدة ولكنها بحاجة الى الخبرة. «ليس من السهل دخول مجال الطعام والنجاح فيه على الأصول. بعض المواهب الشابة تركن إلى إبراز مهارتها في أكثر من 20 طبق مرة واحدة، فتعتقد أن النجاح ركيزته إنتاج غزير ومنوّع. وفيما بعد، تكتشف تلك المواهب مع الوقت ضرورة اختصار ابتكاراتها بأطباق تعدّ على أصابع اليد الواحدة. فالزبون لا يهمه العدد بل الجودة والطعم. ولذلك تلك المواهب يلزمها الخبرة التي توصلها إلى مرحلة النضج فيما بعد».

الشيف طارق إبراهيم (إنستغرام)

الساحة اليوم كما يقول، تشهد مرحلة انتقالية بحيث تحاول العودة إلى الجذور. «الرجوع إلى الأصل ضرورة كي نحافظ على تاريخنا وتراثنا. وأنا سعيد بهذه العودة. لا بأس في اعتمادنا التطوير المقبول. ولكن في خضم هذه الفوضى التي نعيشها نحن معرّضون لخسارة هويتنا. فالعودة إلى الأصول أمر نلاحظه اليوم بشكل لافت. وصار المذاق الحقيقي للطبق هو الهدف الرئيسي للشيف بشكل عام».

يشدد الشيف إبراهيم على ضرورة استخدام المكوّن الطبيعي في الطعام. فالفرق يصبح واضحاً إذا ما لجأنا إلى مكونات نابعة من زراعات كيميائية. «إنهم يبحثون عن الربح السريع والوفير. وهذا الأمر أسهم في فقدان أصالة أطباق كثيرة من مطبخنا الشرقي».

يقارن بين الطبق والفنان، ويقول: «عندما يطلق الفنان أغنية يهمّه الانتشار والنجاح. ولكن بعدها يصبح قلقه مصدره إضافة النقاط إلى نجاحاته هذه. فتصبح خياراته أكثر دقة ويدرسها بشكل واف. وهواة الطهي الشباب يحاولون إبراز كل إمكاناتهم وطاقتهم في بداية المشوار. ومن ثم يحللون ويكتشفون أن الاستمرارية هي الأهم. فيأخذون بالتعاطي مع أطباقهم من باب الطبق اللذيذ والطويل الأمد».

الساحة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» تزخر بطهاة شغوفين بعملهم وبينهم من وصل إلى العالمية. «إنهم يشكلون مدرسة بابتكاراتهم. وعلى الشباب أن يتعلّموا منهم كي يحققوا تمنياتهم».

وعن الطبق اللبناني الذي يحب تقديمه يختم لـ«الشرق الأوسط»: «طبق البطارخ مع حبوب الثوم وزيت الزيتون. تخيلي على الرغم من شهرتنا الواسعة بهذا الطبق في مصر، لم يقدمه أحد بهذه الطريقة. وأنا تعلّمته في لبنان، أعجبت به وأنشره اليوم في مصر».