لبنان: «عرسال» والتعيينات الأمنية والعسكرية تشلان جلسات الحكومة

ريفي لـ {الشرق الأوسط}: الحل بنزع كل السلاح غير الشرعي

لبنان: «عرسال» والتعيينات الأمنية والعسكرية تشلان جلسات الحكومة
TT

لبنان: «عرسال» والتعيينات الأمنية والعسكرية تشلان جلسات الحكومة

لبنان: «عرسال» والتعيينات الأمنية والعسكرية تشلان جلسات الحكومة

انسحب الوضع الأمني المتفجّر في مدينة عرسال وجرودها في منطقة البقاع اللبناني، على جلسة مجلس الوزراء التي خيّمت عليها أجواء من التشنّج بين فريقي «8 آذار» المصرّ على دفع الجيش اللبناني إلى الحسم العسكري في هذه المنطقة وتنظيفها من «المسلحين التكفيريين»، فيما يرى فريق «14 آذار» أن الحل العسكري سيؤدي حتمًا إلى تفجير فتنة مذهبية تبدأ في عرسال وتمتد على مساحة لبنان كلّه. وقد أدخل هذا التباعد حكومة الرئيس تمام سلام في حالة من الشلل الطويل، من دون أن يقترب من تفجيرها والإطاحة بها.
وهو ما عكسته مواقف بعض الوزراء داخل جلسة مجلس الوزراء وبعدها. إذ أوضح وزير العدل اللواء أشرف ريفي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «طرحت خلال الجلسة ضرورة البت في نقطتين أساسيتين، الأولى أن تشمل الإجراءات الأمنية كل البقاع الشمالي وأن لا تقتصر على عرسال فقط. والثانية أن يعمد الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية إلى تنظيف هذه المنطقة من سلاح الإرهابيين ومن كل سلاح غير شرعي، هذا وحده الخيار الذي يشكل حماية فعلية للمواطنين وللبنان ككل». لافتًا إلى أنّ وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن، اعترض على النقطة الثانية التي تلمّح إلى سلاح حزب الله.
وبدا واضحًا أن حدّة الخلاف داخل مجلس الوزراء، لم تقتصر على عرسال والتعيينات، إنما جنح بعض الوزراء إلى فتح دفاتر الأزمة السورية، فأشار ريفي إلى أن الوزير الحاج حسن أدلى بمداخلة تحدث فيها بشكل سلبي عن الثورة معتبرا أنها بدأت مسلحة منذ انطلاقتها. كما اعترض على ما قاله (ريفي) قبل أيام عن أن الثورة تسلّحت من مخازن «حزب الله» وهو ما اعتبره غير دقيق. أضاف ريفي: «تحدثت خلال الجلسة بصراحة عمّا أملك من معلومات بحكم موقعي السابق كمدير عام لقوى الأمن الداخلي، وكيف أن حزب الله وزّع السلاح على حلفائه في كل المناطق اللبنانية، وكيف جرى فتح المستودعات وبيع السلاح إلى المعارضة السورية من قبل تجار قريبين من حزب الله». وتوجه ريفي إلى الحاج حسن قائلاً: «السلاح الذي قاتلت به المعارضة السورية بعد ثمانية أشهر من بدء الثورة السلمية، هو سلاحكم». وأشار وزير العدل إلى أن «رئيس الحكومة كان حريصًا على سحب موضوع عرسال من التداول كي لا يتسبب بأزمة حكومية، لكن في النهاية تم التفاهم على أن يتولى الجيش اللبناني معالجة الوضع الأمني في عرسال من دون الدخول في التفاصيل».
ورغم أن بيان مجلس الوزراء لم يتطرق للتعيينات الأمنية والعسكرية، نقلت الوكالة الوطنية للإعلام، بعد ظهر أمس، أنّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مدد خدمة اللواء إبراهيم بصبوص كمدير عام لقوى الأمن الداخلي لمدة سنتين. وفي هذا الإطار، أوضح ريفي «أنّ المشنوق اقترح خلال الجلسة تعيين رئيس شعبة المعلومات مديرًا عامًا لقوى الأمن الداخلي، خلفًا لبصبوص (الذي انتهت مهمته في هذا المنصب منتصف الليلة الماضية)، فرفض وزيرا التيار الوطني الحر (وزراء العماد ميشال عون) جبران باسيل وإلياس بو صعب، اللذان أصرا على تعيين مدير قوى الأمن وقائد الجيش في مرسوم واحد، وهو ما أدى إلى تأجيل بحث التعيينات إلى الخميس المقبل، كما تحفّظ وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن على اسم العميد عماد عثمان. وتابع ريفي: «مازحت وزير الداخلية وقلت له: يمكنك أن تطرح إعادة اللواء أشرف ريفي إلى مديرية قوى الأمن بدلاً من العميد عثمان. فسارع الوزير الحاج حسن إلى القول: نحن موافقون المهم أن نرتاح من وجودك في وزارة العدل».
مقاربة وزير الصحة وائل أبو فاعور للوضع الحكومي كانت أكثر تشاؤمًا، إذ كشف أن «الحكومة دخلت في حال من الشلل المفتوح بدءًا من اليوم (أمس) إلى أجل غير مسمّى». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الخلاف على مقاربة ملف عرسال ومسألة التعيينات الأمنية والعسكرية كانا سببين متلازمين في شلّ الحكومة، وإن كان ملف التعيينات أكثر حساسية وتعقيدًا». وقال أبو فاعور: «للأسف لم نتوصل إلى تفاهم واضح حول قضية عرسال، إنما كان ثمة حديث عام عن مسؤولية الجيش اللبناني ومهامه في حفظ أمن عرسال». وأشار إلى أن «النقاش عن وضع عرسال كمدينة مأهولة، مختلف كليًا عن وضع جرود عرسال لأن الحسابات مختلفة أيضًا».
أما في الجانب الميداني، فقد أعلنت وسائل إعلام «حزب الله» أن مقاتلي الحزب «أحكموا أمس سيطرتهم على نحو 50 كلم مربعًا من جنوب جرود عرسال على السلسلة الشرقية وبعرض 10 كلم وبعمق 6 كلم مربع، إضافة إلى تلال استراتيجية.
، والسيطرة بالنار على غالبية المعابر غير الشرعية أهمها الرهوة ووادي الدرب ووادي أطنين وجزء من معبر وادي الخيل، كما سيطروا بشكل كامل على وادي الرعيان». وأشار إعلام «حزب الله» إلى أن «المقاومة أصبحت موجودة من الجهة الجنوبية مقابل مواقع الجيش اللبناني المنتشرة في الجهة الشمالية». كما أعلنت الوكالة الوطنية للإعلام (الرسمية) أن «راجمات الجيش اللبناني استهدفت المسلحين في جرد رأس بعلبك عند الحدود الشرقية مع سوريا».
وفي المقلب السوري، فقد أفاد مراسل «جبهة النصرة» في القلمون على حسابه على «تويتر» أن «المجاهدين تمكنوا من إصابة مدفع 57 ملم تابع لـ(حزب الله) بصاروخ موجه نوع «كورنيت» في الرهوة بجرد عرسال». في حين أكد مدير مكتب القلمون الإعلامي ثائر القلموني، أن «الطيران الحربي السوري استهدف عدة مواقع في جرود القلمون وجرود عرسال في تغطية جديدة لتقدم ميليشيا حزب الله».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.