ألقت السلطات المصرية القبض على عضوي مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، محمود غزلان وعبد الرحمن البر الملقب بـ«مفتي الجماعة»، غرب القاهرة مساء أول أمس، في ضربة موجعة للحرس القديم من قيادات «الإخوان» الذين يخوضون صراعا لإبقاء خيوط التنظيم في قبضتهم. ويعزز توقيف غزلان والبر، على الأرجح، اصطفاف أنصار الجماعة خلف القيادة الجديدة التي تبدي مواقف أكثر تطرفا في مواجهة النظام. يأتي هذا في وقت قررت فيه محكمة أمس مد أجل النطق بالحكم في قضيتي «الهروب من السجون» و«التخابر» المتهم فيهما الرئيس الأسبق محمد مرسي وآخرون من قادة الجماعة إلى جلسة 16 يونيو (حزيران) الحالي.
وقالت مصادر أمنية إن الأجهزة الأمنية تمكنت من تحديد مكان اختباء غزلان والبر داخل شقة في منطقة 6 أكتوبر (غرب القاهرة)، مشيرة إلى أنهما كانا في طريقهما للهرب إلى السودان.
ويأتي القبض على غزلان والبر بعد ساعات من بث بيان غير تقليدي لـ«أجهزة أمنية» قالت فيه إنه تم الكشف عن خلية الإرهابية، تعمل بتكليف من قيادات جماعة الإخوان بالخارج، لجمع معلومات استخباراتية وتنفيذ عمليات معادية ضد مصر وشعبها ومؤسساتها وبخاصة رجال الشرطة والقضاة والإعلام وقيادات سياسية وشخصيات عامة.
وأظهرت بيانات وبيانات مضادة لقيادات في جماعة الإخوان، خلال الأيام القليلة الماضية، وجود انشقاق عميق في مركز صناعة القرار داخل التنظيم، في واحد من أعنف الانقسامات الداخلية في تاريخ الجماعة التي تأسست عام 1928.
وثار المصريون على جماعة الإخوان صيف العام قبل الماضي، بعد عام واحد من وصولهم إلى السلطة، ومنذ ذلك الحين تخوض الجماعة صراعا عنيفا مع السلطات. وألقي القبض على معظم قادة الجماعة بمن فيهم مرشدها العام محمد بديع، وأحيلوا إلى المحاكمات وصدرت بحقهم أحكام أولية بالإعدام.
وقالت مصادر أمنية وقضائية أمس إن غزلان والبر (المحكومين غيابيا بالإعدام) أحيلا إلى نيابة أمن الدولة العليا بعد إلقاء القبض عليهما، لاتهامهما في وقائع التحريض على العنف. ويلزم القانون المصري السلطات القضائية بإعادة محاكمة المدانين غيابيا فور القبض عليهم.
ويعد غزلان، الذي شغل منصب المتحدث الرسمي باسم الجماعة بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، أحد القيادات الرئيسية المحسوبة على جناح القطبيين (نسبة إلى سيد قطب القيادي الإخواني الذي أعدمته السلطات المصرية في ستينات القرن الماضي). وأزاح القطبيون خلال عامي 2010 و2011 معظم القيادات الإصلاحية داخل الجماعة.
ومع اشتداد الملاحقات الأمنية بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفرار عدد كبير من القيادات، أجرى التنظيم، الذي راكم خبرات طويلة في العمل السري، انتخابات داخلية في أبريل (نيسان) 2014، أسفرت عن انتخاب قيادة جديدة أكثر تطرفا من القطبيين الذين طالما وصفوا بالتشدد.
وقال قادة منشقون عن الإخوان لـ«الشرق الأوسط» إن القبض على غزلان والبر يعزز من فرص اصطفاف أنصار الإخوان خلف القيادة الجديدة.
وكانت السلطات المصرية قد ألقت الأسبوع الماضي القبض على القيادي الإخواني محمد طه وهدان غرب القاهرة أيضا. وتولى وهدان قيادة الجماعة خلال العامين الماضيين. وقال مصدر مطلع، لـ«الشرق الأوسط»، إن «زوجة وهدان كانت حلقة الوصل بين قيادات التنظيم داخل السجون والقيادة الميدانية الجديدة.. المعلومات والتكليفات كانت تمرر عبر زوجة الشاطر (خيرت الشاطر نائب المرشد) إلى زوجة وهدان وبالعكس». وأضاف المصدر أنه من غير المعروف حجم تأثير غياب حلقة الوصل بين القادة في السجون والقيادات الجديدة بعد القبض على وهدان.
وتفاقمت الأزمة الداخلية في قيادة «الإخوان» بعد نشر محمود عزت، نائب المرشد والرجل القوي داخل التنظيم، مقالا وقعه بـ«القائم بأعمال المرشد»، وهو ما ترفضه القيادة الجديدة في الجماعة. ويسعى القطبيون إلى لجم عناصر التنظيم بحثا عن «صفقة جيدة» في لعبة علاقتهم مع السلطات، التي طالما أجادوها، بحسب عدد من القادة المنشقين عن الجماعة، لكن الزمام يفلت من بين أيديهم.
وحرص بيان للمتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المحسوب على القيادة الجديدة على وصف غزلان والبر بـ«المجاهدين»، من دون أي إشارة لمواقعهما التنظيمية في مكتب الإرشاد (أعلى سلطة تنفيذية في الجماعة).
في غضون ذلك، قررت محكمة جنايات القاهرة، أمس، مد أجل النطق بالحكم في قضيتي «التخابر» و«اقتحام السجون» المتهم فيهما مرسي وقيادات أخرى، إلى جلسة 16 يونيو الحالي لإتمام المداولة مع استمرار حبس المتهمين. وأصدرت المحكمة منتصف مايو (أيار) الماضي قرارا بإرسال أوراق مرسي، والمرشد العام بديع، ونائبه الشاطر، والشيخ يوسف القرضاوي، وعصام العريان، ورشاد البيومي، ومحمود عزت، وسعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق، وصلاح عبد المقصود و99 آخرين، إلى المفتي لاستطلاع الرأي الشرعي في شأن إصدار حكم بإعدامهم.
وهذا هو ثاني حكم يصدر ضد الرئيس الأسبق مرسي، حيث قضت محكمة جنايات القاهرة في 21 أبريل (نيسان) الماضي بالسجن المشدد 20 عاما على مرسي في قضية «أحداث الاتحادية».
وأسندت النيابة العامة للمتهمين في قضية «اقتحام السجون» اتهامات بـ«الاتفاق مع هيئة المكتب السياسي لحركة حماس، وقيادات التنظيم الدولي الإخواني، وحزب الله اللبناني، على إحداث حالة من الفوضى لإسقاط الدولة المصرية ومؤسساتها، تنفيذا لمخططهم، وتدريب عناصر مسلحة من قبل الحرس الثوري الإيراني لارتكاب أعمال عدائية وعسكرية داخل البلاد، وضرب واقتحام السجون المصرية».
وفي قضية «التخابر» أسندت النيابة العامة إلى المتهمين اتهامات بـ«التخابر مع منظمات أجنبية خارج البلاد، بغية ارتكاب أعمال إرهابية داخل البلاد، وإفشاء أسرار الدفاع عن البلاد لدولة أجنبية ومن يعملون لمصلحتها، وتمويل الإرهاب، والتدريب العسكري لتحقيق أغراض التنظيم الدولي للإخوان، وارتكاب أفعال تؤدي إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها».
توقيف قياديين إخوانيين بارزين يعزز هيمنة المتطرفين على الجماعة في مصر
مد أجل النطق بالحكم في «الهروب من السجون» و«التخابر» المتهم فيهما مرسي
توقيف قياديين إخوانيين بارزين يعزز هيمنة المتطرفين على الجماعة في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة