بعد تسارع وتيرة الإصابات الجديدة بـ«كورونا» التي عادت تسجل أرقاماً تذكر بفترات الذروة التي بلغتها الموجات السابقة في أوروبا، ومع اتجاه بعض البلدان إلى التلويح بالعودة إلى تدابير الوقاية والإقفال الجزئي التي كانت تخلت عنها، عاد الجدل يحتدم في الأوساط العلمية حول أساليب مواجهة هذه الموجة الوبائية الجديدة التي تنذر بخريف صعب على معظم المنظومات الصحية التي كانت بدأت تستعيد مسارها الطبيعي بعد عامين من حصر الجهود في التصدي للفيروس والاضطرار لتهميش علاج العديد من الأمراض الأخرى.
ويقول خبراء المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض السارية ومكافحتها «إن الوقت ليس مناسباً لترك الفيروس ينتشر بسهولة في هذه المرحلة حيث تكثر التجمعات الحاشدة، لأنه ما يزال يتسبب في وقوع ضحايا بين المسنين والذين يعانون من أمراض مزمنة أو ضعف في جهاز المناعة، فضلاً عن أن متحور أوميكرون5 يتفشى بسرعة بين أفراد الطواقم الصحية ويضع المستشفيات تحت ضغط متزايد يجعلها تقترب من بلوغ أقصى قدراتها الاستيعابية».
وتفيد بيانات المركز أن «Ba5» هي الأسرع انتشاراً بين الطفرات الفرعية التي تولدت حتى الآن عن متحور »أوميكرون». وهي السائدة في جميع البلدان الأوروبية حالياً. وليس مستبعداً أن تتولد طفرات جديدة أسرع وأشد خطورة إذا ما استمرت وتيرة انتشار الفيروس على معدلاتها الراهنة.
وينصح الخبراء الذين يعتبرون أن العودة إلى فرض قيود متشددة للوقاية والعزل لن تؤدي إلى وقف انتشار الفيروس، بتركه يسري بين الشباب وتركيز العناية على الفئات الضعيفة والأكثر تعرضاً، لأنه بقدر ما يتفشى الوباء، يرتفع منسوب المناعة الجماعية والحماية من الأعراض الخطرة، سيما وأن «تصفير» الإصابات هو ضرب من المحال، كما يقول خبير العلوم الفيروسية ماتيو باسيتي. ويرى هذا الفريق من العلماء أن الوقت مناسب لإفساح المجال أمام الفيروس لينتشر على نطاق واسع نظراً لضعف المتحور الجديد مقارنة بالطفرات السابقة، وأن تدابير الحجر الصحي للمصابين لم تعد مجدية في هذه المرحلة.
ويستند هؤلاء في موقفهم إلى أن الوسائل المتاحة اليوم لرصد انتشار الوباء وما يطرأ عليه من تحور وراثي، مضافة إلى اللقاحات الفاعلة والعلاجات، من شأنها المساعدة على التحكم بمسار سريانه والتدخل بسرعة إذا اقتضت تطورات المشهد الوبائي العودة إلى فرض تدابير الوقاية والإقفال. لكنهم يشددون على أن المسؤولية المواطنية تبقى أساسية، وأن استخدام الكمامات الواقية والتباعد في الأماكن المزدحمة يساعدان على خفض الإصابات، مع إيلاء الاهتمام بشكل خاص للفئات الضعيفة.
وتفيد البيانات الأخيرة للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض السارية ومكافحتها أن من الخصائص التي يتميز بها المتحور الجديد، قدرته على إصابة المعافين من المرض، مرتين أو ثلاثا، وأن نسبة تعرض المصابين غير الملقحين للوفاة تضاعفت سبع مرات قياسا إلى نسبة التعرض عند الملقحين الذين تناولوا الجرعة المنشطة. ويعود ذلك في رأي الخبراء إلى أن المتحور الجديد قادر على الإفلات من الحماية المناعية بنسبة 50 في المائة، ما يزيد من عدد الإصابات المتكررة التي بلغت 11 في المائة من مجموع الإصابات في أوروبا خلال الأسبوع الفائت، وهو ما يثير القلق من حيث تأثيره المحتمل على أفراد الطواقم الصحية. كما يستفاد من البيانات الأوروبية أن الشريحة العمرية التي تتراوح بين 30 و40 عاماً هي التي تسجل أعلى نسبة من الإصابات بالمتحور الجديد.
لكن في المقابل ثمة أوساط علمية تحذر من أن إطلاق العنان للفيروس كي ينتشر بسرعة ومن غير قيود هو «ضرب من الجنون»، لأن ذلك سرعان ما سيؤدي إلى ارتفاع عدد الحالات الخطرة التي تستدعي العلاج في المستشفى، كما أنه سيتسبب في وقوع المزيد من الضحايا. ويستشهد هؤلاء بما حصل في المملكة المتحدة عند تطبيق هذه السياسة التي أسفرت عن أضرار كثيرة.
إلى جانب ذلك دعا المركز الأوروبي إلى متابعة المتحور الجديد الذي ظهر مؤخراً في الهند وما زالت مواصفاته الوراثية مجهولة حتى الآن، وحض حكومات الدول الأعضاء على تجهيز المنظومات الصحية لفصل الخريف المقبل وتأمين الكميات الكافية من اللقاحات. وأوضح المركز في تقريره الأخير أن التوصية باستخدام الكمامات من نوع «Ffp2» وليس تلك المستخدمة عادة في أقسام الجراحة، سببها أن هذه الأخيرة تقي فقط من نقل الفيروس إلى شخص آخر، بينما الأولى تقي من نقله ومن انتقاله إلى الشخص الذي يرتديها.
متحور سريع من «كورونا» يضرب أوروبا
متحور سريع من «كورونا» يضرب أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة