رسائل تسامح من «عرفات» إلى العالم

الشيخ محمد العيسى تاسع خطباء عرفة بمسجد نمرة خلال 44 عاماً (واس)
الشيخ محمد العيسى تاسع خطباء عرفة بمسجد نمرة خلال 44 عاماً (واس)
TT

رسائل تسامح من «عرفات» إلى العالم

الشيخ محمد العيسى تاسع خطباء عرفة بمسجد نمرة خلال 44 عاماً (واس)
الشيخ محمد العيسى تاسع خطباء عرفة بمسجد نمرة خلال 44 عاماً (واس)

على بُعد 22 كيلومتراً شرقاً عن العاصمة المقدسة، انتظم الحجاج الجمعة بمشعر «عرفات»، وشكّل ارتكازهم في مسجد «نَمِرة» الشهير ومحيطه لأداء ركن الحج الأكبر، وهو ثاني أكبر مسجد مساحة بمنطقة مكة المكرمة بعد المسجد الحرام، بأكثر من 110 آلاف متر مربع، ويستوعب نحو 400 ألف مصلٍّ. وإلى هناك اتجهت أبصار وآذان وأفئدة ملايين المسلمين حول العالم، عبر الشاشات ومنصات البث المباشر لمتابعة تفاصيل المشهد العظيم لضيوف الرحمن في أثناء الوقفة، وصلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والاستماع للخطبة، مستشعرين اللحظات الإيمانية التي تُظهر سماحة الدين وجمال قيمه.

ويمثل منبر «نمرة» مكانة دينية لدى المسلمين، ولِخُطْبَتهِ أهمية كبرى لا تقتصر عليهم وإنما تتجاوزهم إلى غيرهم من معتنقي الديانات الأخرى، ومنه تنطلق أعظم رسالة تؤكد حقيقة الدين الإسلامي الذي لطالما حاولت تنظيمات إرهابية وجماعات متطرفة تشويه صورته وإظهاره على خلاف واقعه. وينوّه الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، الرئيس العام لـ«شؤون الحرمين»، في هذا الصدد، بأن هذه الخطبة «تعد من الخطب ذات الأبعاد الإسلامية المهمة، ليس لشعوب الأمة فحسب بل للعالم، كونها تحمل رسالة الإسلام المبنية على التسامح والوسطية والاعتدال». ويضيف أن مشروع ترجمتها الذي بدأ منذ عام 1439هـ، يهدف لإيصال تلك الرسالة، وما تتميز به السعودية من تسامح وتحابٍّ ودعوة للوسطية والاعتدال إلى شتى بقاع العالم، وبلغات مختلفة.

وخطيب عرفة عالم شرعي يقوم بالمهمة بناءً على تكليف رسمي من ولي الأمر، ومنبره يعد أبرز رسالة دينية سنوية توجّه من أقدس بقاع الأرض إلى أرجاء المعمورة، حاملة السلام والمحبة والتسامح، وتنطلق من منبع الرسالة المحمدية إلى دول العالم وشعوبها، اقتداءً بخطبة الوداع التي ألقاها رسول صلى الله عليه وسلم، في الموضع المشيّد عليه «نمرة». ويستعرض هموم وتطلعات المسلمين، وإرشادات ربانية للتوادّ والتراحم والتكاتف فيما بينهم، والحثّ على الترابط العائلي والتحلي بالقيم الإسلامية الرفيعة في جميع المعاملات اليومية، والإحسان إلى المحتاجين.
وخلال 44 عاماً اعتلى هذا المنبر تسعة من المشايخ وعلماء الدين، ففي عام 1399هـ ألقى الخطبة الشيخ صالح اللحيدان، ومن 1402هـ حتى 1436هـ الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وبعده من 1437هـ الشيخ عبد الرحمن السديس، والشيخ سعد الشثري، والشيخ حسين آل الشيخ، والشيخ محمد آل الشيخ، والشيخ عبد الله المنيع، والشيخ بندر بليلة، على التوالي. وفي هذا العام، الشيخ محمد العيسى، الذي انتسب إلى عضوية هيئة كبار العلماء منذ سنة 1430هـ، وشارك مع زملائه برئاسة المفتي العام في إصدار عدد من قرارات وبيانات الهيئة ذات الشأن العام، التي تبيّن الدين الإسلامي وتوضّح مقاصده السامية، وتحافظ على اللُّحمة الوطنية واجتماع الكلمة حول ولاة الأمر، كما أشار إلى ذلك الدكتور فهد الماجد، الأمين العام للهيئة، مؤكداً اعتزازهم بـ«الثقة الملكية» التي توالت على اختيار أعضاء «كبار العلماء» عاماً بعد عام لتولي الخطبة.

واعتاد الشيخ العيسى الوقوف على المنابر لإلقاء الخطب والمحاضرات داخل السعودية وخارجها، في مختلف الموضوعات الشرعيّة والقانونيّة والفكريّة والحقوقيّة، وله جهود في إبراز الصورة الحقيقية للإسلام، وتعزيز قيم الوسطيّة والتعايش والسلام، والوئام بين أتباع الأديان والثقافات، ونضاله المؤثر في مكافحة الكراهية، ونشر الاعتدال. وواصل خلال خطبته اليوم نهج أسلافه في إيصال الرسالة السامية إلى مختلف البلدان الإسلامية والأقليات في أنحاء المعمورة باختلاف ألسنتهم، عبر مشروع الترجمة بشكل مباشر وآني، ويقول: «اعلموا عباد الله أن من المسارعة في الخير الحرص على امتثال قيم الإسلام التي صاغت سلوك المسلم فهذبته خير تهذيب»، مضيفاً: «حسن الخلق في (الوصف العام) قيمة مشتركة بين الناس كافة، يقدّرها المسلم وغيره؛ إذ هي سلوك رشيد في القول والعمل».
وحذّر من أن يأخذك أهل الجهل والسفه «إلى سجال المهاترة وتبعاتها»، مؤكداً أن «المسلم (براسخ قيمه) لا يلتفت لجاهل ولا لمغرض ولا لعائق، كما يعلم أن منازلة أولئك تسهم في إعلاء ذكرهم، ونجاح مشروعهم، وهو ما يسعدون به، بل إن الكثير منهم يعول عليه، غير أن مخاطر التدليس يتم كشفها، مثلما يتم التصدي للإساءة البينة، وكل ذلك يساق بحكمة الإسلام».

وشدد العيسى على أن «من قيم الإسلام البعد عن كل ما يؤدي إلى التنافر والبغضاء والفُرقة وأن يسود تعاملاتنا التواد والتراحم»، مبيناً أن «هذه القيم محسوبة في طليعة معاني الاعتصام بحبل الله، كما تمثل الوحدة والأخوة والتعاون السياج الآمن في حفظ كيان الأمة وتماسكه، وحسن التعامل مع الآخرين»، ولافتاً إلى أن هذا «يشهد على أن الإسلام روح جامعة، يشمل بخيره الإنسانية جمعاء. لذا سما التشريع الإسلامي بإنسانيته التي لا تزدوج معاييرها، ولا تتبدل مبادئها فأحب الخير للجميع وألّف قلوبهم».
ونوّه إلى أن «من تلك القيم انتشر نور الإسلام، فبلغ العالمين في أرجاء المعمورة، حيث تتابع على تبليغ هذا الخير رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأثمر هذا الهدي الرشيد أتباعاً مهديين، سلكوا جادة الإسلام». وزاد: «كان لأهل العلم الراسخين أثر مبارك في الاضطلاع بمسؤولية البيان، ومن ذلك التصدي للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن الإسلام».


مقالات ذات صلة

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

الخليج الأمير سعود بن مشعل أكد ضرورة تكثيف التنسيق بين كافة القطاعات لتهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات (إمارة منطقة مكة المكرمة)

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

نحو تهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات وتسهيل طرق الحصول عليها وتحسين المرافق التي تحتضن هذه الشعيرة العظيمة، أعلنت السعودية عن بدء التخطيط الزمني لحج 1446هـ.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».