وودي ألن قد يترك نيويورك إلى باريس

بعد سلسلة فضائح وخيبات أمل

وودي ألن
وودي ألن
TT

وودي ألن قد يترك نيويورك إلى باريس

وودي ألن
وودي ألن

ينتقل الممثل والمخرج وودي ألن، في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) المقبل إلى باريس للمباشرة بتصوير فيلمه الجديد (والأول له منذ عامين) الذي لم يعلن بعد عن عنوانه. ألن عادة ما يترك العنوان عالقاً في الغيب إلى أسابيع قليلة قبل التصوير لكنه عادة، كذلك، ما ينتهي من فيلم ليبدأ فيلماً آخر بعده على الفور تقريباً.
المختلف هذه المرّة أشياء عدّة أولها أن المخرج الشهير عالمياً ومنذ عقود، لن يصوّر الفيلم في مدينته المفضلة نيويورك بل في باريس. وهو رغم أنه صوّر فيها فيلماً سابقاً هو «منتصف الليل في باريس» Midnight in Paris (سنة 2010) فإنه لم يصوّر فيلماً غير ناطق بالإنجليزية مطلقاً من قبل. هذه المرّة سيحقق فيلمه بالفرنسية وبممثلين وممثلات فرنسيين.
شيء آخر مختلف هنا هو أنه إذ أعلن ذلك رسمياً في مقال نشرته صحيفة «لا جورنال ديمونش» (Le Journal du Dimanche) قبل أيام قليلة، أوحى بأنه يفكّر بالبقاء في باريس لبعض الوقت حتى من بعد انتهاء العمل على الفيلم. بما أن مرحلة ما بعد التصوير تستمر، عادة، من شهرين إلى ثلاثة، فإن احتمال بقائه في باريس لفترة إضافية يعني أنه قد يمضي بقية السنة خارجها.
يقول للصحيفة إنه زار باريس عدّة مرّات بعد تصويره «منتصف الليل في باريس» وجال فيها: «أحتفظ بذكريات عزيزة هنا في باريس منذ أن صوّرت فيلمي السابق. زرتها مراراً واكتشفت أماكن سحرية فيها في كل مرّة».
وعن الفيلم الجديد قال: «السيناريو جاهز. قسم كبير من التمويل (وهو أميركي) متوفّر، وعدد كبير من الممثلين الفرنسيين تم الاتصال بهم للاشتراك في هذا العمل».
المختلف الآخر هو أن فيلمه الجديد سيحمل الرقم 50 مخرجاً. رحلة بدأها قبل 53 سنة بفيلم «خذ المال واهرب» (Take the Money and Run). وهو يرى أن فيلمه المقبل قد يكون آخر عمل يريد تحقيقه، بعد ذلك يفكر جدياً بالاعتزال، مما يؤكد أكثر أن بقاءه في باريس قد يلتقي مع هذا القرار، رغم أنه أكد مراراً بأنه ابن نيويورك ولن يتركها. آخر هذه التأكيدات وردت في حديثه مع الإعلامي بيرس مورغن على قناة CBS حيث قال إنه يحب أوروبا لكنه لم يفكر بالانتقال إليها رغم زياراته المتعددة لها والذي نجم عنها نحو تسعة أفلام صوّرها ما بين فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا.

مع دايان كيتون في «آني هول»

- صفر جاذبية
ما يقف وراء هذا القرار ليس واضحاً إلا عبر قراءات مستنتجة أولها أن ألن بلغ من الكبر عتياً، ولد قبل 86 سنة (مواليد 30 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1935) وهو يشعر بأنه اكتفى من الأفلام والجهد الذي بذله فيها كاتباً ومنتجاً ومخرجاً وممثلاً.
في قراءة ثانية مستوحاة من حديثه مؤخراً مع الممثل أليك بولدوين يشعر ألن أن العمل في الأفلام اليوم يختلف، على نحو سلبي، مع ما كان عليه حتى وقت قريب: «عندما بدأت العمل في السينما كنت أقوم بحضور الفيلم في أنحاء الولايات المتحدة. كان العرض يستمر لأشهر دون انقطاع. الآن تحقق فيلماً فتجد أنه قد يبقى على الشاشة لأسبوعين أو أربعة، بعد ذلك سيتحوّل إلى الإنترنت. هذا ليس الأمر ذاته... ليس أمراً ممتعاً بالنسبة لي».
هذا الحديث نشره الممثل بولدوين على «إنستغرامه» الخاص (أكثر من مليوني متابع) في الثامن والعشرين من الشهر الماضي بعد مقدّمة أدان فيها قيام دار نشر أميركية بالانسحاب من اتفاق نشر كتاب ذكريات وضعه ألن تحت عنوان «صفر جاذبية» (Zero Gravity). بدوره كان الإعلامي مورغن هاجم فيها قرار حجب الكتاب الذي تم لأسباب لها علاقة بسلسلة فضائح جنسية أثارتها أولاً زوجة ألن السابقة ميا فارو التي اتهمته، في مطلع التسعينات، بالتحرش بابنتهما. القضية راوحت مكانها لعدة سنوات قبل أن يعترف ألن بأنه يحب ابنة ميا فارو (من زواج سابق) سوون - يي بريڤن: «أنا لست والدها ولست متبنيها. بالنسبة لها كنت بمثابة الأب وتحدّثنا كثيراً قبل أن نصبح زوجين».
هذا الاعتراف لم يخدمه مطلقاً، خصوصاً أن التهمة لم تكن الوحيدة، بل واحدة من قضايا عديدة واجهته قضائياً وإعلامياً تصدّى لها بالنفي وكثير منها لم يتم إثباته وبقي عالقاً.
في عام 2020 قام بتحقيق فيلم بعنوان «مهرجان رفكِن» (Rifkin‪›‬s Festival) توارى عن العروض بعد افتتاح مهرجان سان سابستيان به. شركة MPI الأميركية منحت ذلك الفيلم عرضاً موجزاً في الصالات الأميركية بعدما أعلنت شركة أمازون التي عرضت شراء الفيلم عن انسحابها من الصفقة بناءً على فيلم تسجيلي بثّته محطة HBO تناولت فيه فضائح ألن وقضاياه السابقة.‬
ما هو اعتقاد غالب أن وودي ألن ليس بريئاً من التهم التي وُجهت إليه. ربما لم يكن مذنباً فيها بالقدر الذي انتشر الحديث فيه، لكن ليس هناك دخان من دون نار والعديد من وسائل الإعلام صدّقت الأقوال التي أدلت بها ميا فارو وابنتها ديلان فارو وعاملت ألن كما عاملت هارفي ونستين ورومان بولانسكي قبله، مما أودى بالأول إلى السجن وبالثاني إلى الهرب من أميركا إلى باريس منذ السبعينات، حيث ما زال يعيش ويعمل في أوروبا.

مشهد من فيلمه الأخير «مهرجان رفكِن»

- حب وموت وكوميديا
أفلام ألن بحد ذاتها تشي بأفكار تلتقي وتلك التهم. شخصيات ألن، كما يكتبها ويصوّرها، غير أخلاقية ولا يدّعي المخرج أنه يريد الحكم لها أو عليها. لكن منواله وكثرة تناوله العلاقات الثنائية المبنية على أنه من الصعب الثبات على حب واحد، يوعز بأنه يؤمن بذلك فعلاً لدرجة أنه لا يجد مواضيع أخرى يتحدث فيها. صحيح أنه ما زال يدير ممثليه جيداً، ولديه حس كوميدي ساخر و- أحياناً - ساحر، إلا أنه لا يبحث عن الاختلاف بقدر ما يبحث في منح مشاهديه صوراً أخرى من النماذج ذاتها. أبطاله منذ «آني هول»ـ1977) و«دواخل»(1978) ولاحقاً «مانهاتن» (1979) و«هانا وشقيقاتها» (1986) و«امرأة أخرى» (1988) وصولاً إلى «ماتش بوينت» (2006) وانتهاءً بـ«ووندر ويل» (2017) دارت حول علاقات حب غير مستقرة يتداولها أبطاله كلعبة الكراسي.
بعد بداية سريعة كممثل سنة 1965 بفيلم What‪›‬s New Pussycat وWhat‪›‬s Up‪، ‬ Tiger Lily أدرك وودي ألن أنه سوف لن يتمتع بالحرية التي يطلبها لنفسه إلا إذا أتيح له استحواذ سلطة واسعة على أعماله تشمل الكتابة والإخراج و(لاحقاً) الإنتاج. وفي البداية امتهن الكوميديا وحدها وأنجز بعض أفضل هذا النوع من الأفلام في الستينات والسبعينات ومنها «خذ المال واهرب» (1969) و«موز» (1971) و«سليبر» (1973). في عام 1975 قرر ألن دخول الدراميات العاطفية ولو ميّـزها بلكنة كوميدية خفيفة فحقق على التوالي «حب وموت» (1975) و«آني هول» (1977) و«دواخل» (1978) و«مانهاتن» (1979) و«ذكريات شهابية» (1980)‪.‬‬‬‬‬
ومع أنه عاد للكوميديا لاحقاً (خلال الثمانينات)، إلا أنها كانت كوميديات تطرح مواضيع جادة ولو متكررة. ففيلم «ذكريات شهابية» قريب من «أيام الراديو» (1983) وفي «زلينغ» (1983) بحث فيما يعتبره هويته الذاتية الضائعة كما الحال لاحقاً في «ظلال وضباب» (1991).
قلق ألن الوجودي من الحب والحياة معبّـر عنه بكثافة في «دواخل» (1978) الذي عمد فيه، وفي «سبتمبر» (1987)، إلى معالجة برغمانية (نسبة للمخرج السويدي الشهير إنغمار برغمن) شبه كاملة، كما في أفلام أخف ثقلاً مثل «مانهاتن» (1979) و«هانا وشقيقاتها» (1986) و«امرأة أخرى» (1988) كما «جرائم وجُـنح» (1986) والعديد من أعماله الأخرى.
حكاياته العاطفية التي غالباً ما تدور حول عدم وجود شيء اسمه حب أبدي مع شخص واحد بدأت في التوارد عملياً منذ سنة 1977 عندما أخرج «آني هول» (الذي قام ببطولته مع دايان كيتون)، ثم تكرر في غالب أعماله اللاحقة مثل «ماتش بوينت» (2005) و«فيكي كرستينا برشلونة» (2008) و«سوف تلتقين بغريب داكن» (2010) و«منتصف الليل في باريس».
بالنظر إلى تلك الفترة التي كان فيها وودي كثير الظهور في أفلامه، كان يداوم على لعب الدور ذاته معظم الأحيان. إنه رجل قلق، يخشى على نفسه من نفسه. وحتى المرّة الوحيدة التي وجدناه فيها بعيداً تماماً عن هذه الصورة، وكانت في فيلم نال تقديراً أقل مما كان يستحق وهو «ظلال وضباب» (1991) نجده متّهماً بريئاً (كما كانت حال أعماله الأولى) تعيد إلى الذاكرة بحثه الأساسي حول هويّته الوطنية أو الدينية. عندما قل ظهوره على الشاشة في منتصف السنوات العشر الأولى من هذا القرن، من عام 2005 بدأ ألن مشواراً جديداً ومنعشاً إلى حد بعيد: انتقل لتصوير أفلامه في أوروبا. في ذلك العام أنجز «ماتش بوينت»، الذي صوّره في بريطانيا، تبعه بفيلمين آخرين صوّرهما في بريطانيا هو Scoop وCassandra‪›‬s Dream.‬
انتقل بعد ذلك بأفلامه إلى إسبانيا (Vicky Cristina Barcelona) وفرنسا (Midnight in Paris) وإيطاليا (To Rome with Love) من بين أفلام أخرى.
فيلمه الأخير «مهرجان ريفكِن»، هو أيضاً من أعماله الأوروبية، وبعد افتتاحه في مهرجان سان سابستيان الإسباني حصد ملايين قليلة من تسويقه في دول أخرى. وخلال وجود ألن في فرنسا، سيستطيع التمتع بالعرض الفرنسي الأول لفيلمه هذا، إذ سينتقل إلى الشاشات في الشهر الحادي عشر من هذا العام. هذا وقت طويل ما بين إنجازه أي فيلم سابقاً وبين عروضه. من قبل كان التهافت على أفلامه يدفع شركات التوزيع لإطلاقه سريعاً. لكن، وكما قال آنفاً، لم يعد الحال اليوم كما كان في السابق.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.