سلام لـ {الشرق الأوسط}: أخشى على لبنان وكل ما فيه.. والقوى السياسية على المحك

قال عشية زيارته للمملكة إن السعودية تخوض حربًا واضحة لا لبس فيها ضد الإرهاب

تمام سلام
تمام سلام
TT

سلام لـ {الشرق الأوسط}: أخشى على لبنان وكل ما فيه.. والقوى السياسية على المحك

تمام سلام
تمام سلام

أبدى رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أمله في أن تثمر المحادثات التي سوف يجريها اليوم، على رأس وفد رسمي موسع، مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، «مزيدا من التعاون السعودي - اللبناني في مجالات مختلفة»، مؤكدا أن السعودية هي من كبرى الدول العربية مكانة وقدرة، وهذا يتطلب التواصل معها وبحث كل هذه المستجدات التي ترخي بثقلها وسلبياتها على وضعنا العربي وشعوبنا العربية.
ورأى سلام أن المملكة العربية السعودية «تخوض حربا واضحة لا لبس فيها باتجاه الإرهاب وما يمثله من أذى وضرر على عقيدتنا ووطنيتنا وقوميتنا ومكانتنا كلنا. بالتالي علينا أن نتعاضد في مواجهة هذا الوضع». وعلق على تصريحات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بحق السعودية، معتبرا أن «لكل قوى سياسية أن تدلي بمواقفها ورأيها في أمر ما داخليا وإقليميا وخارجيا، لكن هذا لا يمنع أن نؤكد في كل مناسبة أنه على الرغم مما قد ينتج من أجواء غير مريحة لهذه المواقف، فإنه بالنسبة لنا، العلاقة مع السعودية هي علاقة عميقة ووثيقة وتتطلب مزيدا من التمتين والمتابعة».
وفي الملف الداخلي اللبناني، رأى سلام أن شغور موقع رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنة سبّب شللا جزئيا لعمل البرلمان، وأدى إلى تعثر في العمل الحكومي، وشدد على أن الوعي والإدراك مطلوبين من القوى السياسية كافة هما اليوم على المحك.
وقال سلام بخصوص بلدة عرسال إن «الجيش يعرف كيف يتصرف أمنيا لأن الحكومة والقرار الرسمي واضح، إذ هناك شعب لبناني وأراض لبنانية علينا جميعا أن نسعى للحفاظ عليهما وحمايتهما بكل الوسائل المتاحة». وفي ما يأتي نص الحوار:
*ما عنوان زيارتكم للمملكة العربية السعودية؟
- زيارة طبيعية تؤكد التواصل الدائم بين لبنان والمملكة العربية السعودية وتؤكد العلاقة العريقة والوثيقة الدائمة، التي تحتاج دائما إلى هذا التواصل وإلى هذه المتابعة. وصحيح أن هناك متابعة دائمة وحثيثة، خصوصا في ظل رعاية المملكة العربية السعودية للبنان في كثير من احتياجاته ومسائله وكثير من قضاياه، لذلك من واجبنا نحن اللبنانيين أن يكون لدينا عرفان بالجميل للمملكة، عبرنا وما زلنا نعبر عنه في كل المناسبات في ظل هذه الرعاية. بالتالي ستكون الزيارة مناسبة ليس فقط لتوطيد العلاقة، إنما لاستكشاف كل ما يمكن أن يساهم في تطوير هذه العلاقة وتثميرها بشكل نافع للبلدين وللشعبين وللمصلحة العامة وللمصلحة الوطنية والعربية العليا.
ونحن يهمنا أن نؤكد الموقف اللبناني الثابت، الذي يحظى بالتفاف لبناني واسع حوله، والذي يتلخص بالشكر العميق للمملكة لكل ما قدمته، وتقدمه – وستقدمه – للبنان. ونحن ندرك ونعي محبة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للبنان وشعبه، وحرصهم على تعزيز وضع لبنان ورعاية اللبنانيين، وهذا ما عهدناه منهم ومن المملكة على الدوام.
*سوف يرافقك وفد رسمي رفيع.
- صحيح، سوف يكون معي وفد مؤلف من 5 وزراء، لمتابعة قضايا ثنائية بينهم وبين أقرانهم من المسؤولين السعوديين، وهذا شيء عادة يحصل عندما تكون هناك زيارات رسمية على هذا المستوى إلى بلد شقيق. وسيكون معي هذه المرة وزراء الدفاع والخارجية والداخلية بالإضافة إلى وزير الصحة ووزير الشباب والرياضة، وأنا أحرص على أن تكون الحكومة ممثلة من خلال الوزراء الذين يرافقونني في رحلات مثل هذه، ويتوقف تشكيل الوفود المشاركة معي في هذه الرحلات على طبيعة الزيارة والبلد الذي نزوره والموضوع الذي نحن بصدده والقضايا التي سوف نثيرها.
*تزورون المملكة في ظل وضع إقليمي صعب، وفي ظل كثير من التطورات في اليمن وسوريا، وغيرها. والأمور الإقليمية تتجه إلى مزيد من التعقيد، فكيف ترون الأمور حاليا؟
- لا شك أن هناك همّا كبيرا اليوم يطغى على كل الهموم، وهو ما يتعلق بالأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب أينما كان، والمملكة العربية السعودية تخوض حربا واضحة لا لبس فيها باتجاه الإرهاب وما يمثله من أذى وضرر على عقيدتنا ووطنيتنا وقوميتنا ومكانتنا كلنا. بالتالي علينا أن نتعاضد في مواجهة هذا الوضع لأن الأمة العربية لها تاريخها ولها وجودها ومستقبلها ويجب تعزيز كل ذلك من خلال وضوح الرؤية والتعاطي مع كل الدول العربية في ظل الجامعة العربية بالإضافة إلى العلاقات الثنائية، والسعودية اليوم هي من كبرى الدول العربية مكانة وقدرة، وهذا يتطلب التواصل معها وبحث كل هذه المستجدات التي ترخي بثقلها وسلبياتها على وضعنا العربي وشعوبنا العربية.
هذه الشعوب تريد أن تحصل على ما يضمن كرامتها ويضمن حياتها واستمرارها، بشكل لائق كمجتمعات منتجة، وفي نفس الوقت تريد أن تعيش في راحة واطمئنان واستقرار، بالتالي كل الإجراءات والاتفاقات التي تحصل اليوم في عالمنا العربي بين الدول العربية هي مطلوبة لمواجهة هذا الواقع.
*مشروع القوة العربية المشتركة، هل وصل إلى لبنان؟ وما القرار اللبناني بشأنه؟
- ما زال في مجال البحث بين القيادات العسكرية. عُقد أول اجتماع وثاني اجتماع وسوف يكون هناك اجتماع ثالث بعد 10 أيام ربما، لتوضيح والاتفاق على صيغة لهذه القوة وبعض النقاط المتعلقة بالهدف من إنشائها وتحديد أدوارها، وكل هذا قيد البحث، لكن هذا أمر اتخذ فيه قرار في القمة العربية الأخيرة، ويجب أن يُعطى العناية الكافية لتعزيز الدور الأمني العربي في ظل هذه الأوضاع غير المستقرة.
*ماذا تحملون معكم من لبنان إلى المملكة، خصوصا بعد أن مرّت فترة شاهدنا فيها بعض التشويش على العلاقة اللبنانية السعودية من أطراف لبنانيين، كحال خطابات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله؟
- كما تعلم نحن في بلد ديمقراطي، وهناك حرية لكل جهة ولكل قوى سياسية أن تدلي بمواقفها ورأيها في أمر ما داخليا وإقليميا وخارجيا، وهذا لا يمنع أن نؤكد في كل مناسبة أنه على الرغم مما قد ينتج من أجواء غير مريحة لهذه المواقف، إلا أنه بالنسبة لنا العلاقة مع السعودية هي علاقة عميقة ووثيقة وتتطلب مزيدا من التمتين والمتابعة. وما سننقله إلى المملكة هو في غاية الوضوح، بأننا بداية سنشكر الملك سلمان بن عبد العزيز وكل القيادة السعودية على رعايتهم للبنان واللبنانيين، اللبنانيين الموجودين في المملكة الذين يساهمون في نهضتها، واللبنانيين في داخل لبنان الذي عانى وما زال يعاني من أخطار كثيرة. وقد حرصت المملكة دائما على تزويده بما لديها من دعم معنوي ومادي، ومؤخرا دعم عسكري بشكل غير مسبوق لتعزيز وجوده الشرعي ووجوده الرسمي وسيادة البلد.
*ملف الهبة السعودية للجيش اللبناني بدأنا نلمس نتائجه على الأرض.
- أجل، الهبة العسكرية متقدمة جدا في توقيتها وفي حجمها وفي حاجة الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية اللبنانية إليها، في ظل الظروف الراهنة التي نواجه فيها جميعنا الإرهاب والإرهابيين بشكل مباشر. وهذا يساهم في تعزيز وتمتين المؤسسات الوطنية، وهذا ينعكس مباشرة على وحدتنا الداخلية، ونأمل أيضا أن تتابع المملكة هذا الدعم، خصوصا في المجال المدني والمجال الإنمائي، ودعم المجتمع اللبناني ودعم الاقتصاد والبنى التحتية في لبنان التي تواجه حالة مستجدة وغير مسبوقة بسبب وجود مليون ونصف مليون نازح سوري في رحاب لبنان. لذلك نحن بحاجة إلى كثير من الدعم لمواجهة هذا الوضع ومواكبته، خصوصا أنه مضى عليه اليوم 4 سنوات، وقد يستمر لفترة أطول، فنحن ثقتنا أن المملكة العربية السعودية لن تغفل أهمية هذا البعد الإنساني والمدني الذي يحتاج إلى دعم غير مسبوق بالحجم وفي التوقيت.
*بعد مضي سنة على شغور موقع رئاسة الجمهورية، تبدو الحكومة كآخر المؤسسات التي تعمل، لكنها مهددة بالانفجار من داخلها، فما العمل؟
- لبنان محصن من خلال اعتماد سياسة التوافق بين كل أبنائه وكل مكوناته، والمتمثلة بمواقف توافقية تحرص عليها القوى السياسية في ظل هذا الاهتزاز أو هذه المخاطر التي تحيط بنا في المنطقة. سيبقى البعد الميثاقي لوحدة اللبنانيين هو المرتجى من خلال التمسك بمؤسساتنا وبقواعد العمل الشرعية التي يرعاها الدستور. فما دمنا نحرص على وحدتنا الداخلية ونتجاوز خلافاتنا فسوف نحصن لبنان ونحميه، وفي هذا المجال يجب القول إننا نمر بأزمة سياسية استفحلت وأتعبتنا وما زالت، وانعكست سلبا في ظل العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفي ظل الشغور الرئاسي، مما أدى بالتالي إلى شبه تعطيل للسلطة التشريعية، أي المجلس النيابي، وتعثر على مستوى السلطة التنفيذية، أي الحكومة وعملها، وهذا الأمر إذا ما استمر سيُراكِم كثيرا من الأجواء السلبية التي قد لا تساعد على الحفاظ على وحدتنا الداخلية في مواجهة الأخطار.
*هل تخشى على الحكومة؟
- أخشى على لبنان وكل شيء فيه، فالوعي والإدراك المطلوب من القوى السياسية كافة، هو اليوم على المحك، وكما يعلم الجميع هناك صراع سياسي يصب في أسماء وفي أشخاص وفي أمكنة بعيدة عما أنا شخصيا أراه في هذه المرحلة من ضرورة ممارسة سياسة التوافق، فلا مجال اليوم للمناكفات والصراع السياسي ولا لتسجيل مكسب من فريق على آخر أو انتصار من فريق على آخر، بل المطلوب اليوم التمسك بالتوافق الذي أفرج عن الحكومة منذ سنة ونصف، ويجب أن يفرج أيضا عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا التوافق في هذه المرحلة الصعبة هو السبيل والملجأ للخروج من الأزمة السياسة التي نتخبط فيها.
*ملف تعيينات القادة الأمنيين هو ما تلمح إليه، نحن نعلم أن وزراء تكتل العماد ميشال عون يطرحون تعيين قائد جديد للجيش، ويربطون مشاركتهم بالحكومة بهذا الموقف.
- أحد الملفات هو التعيينات، لكن يبقى الملف الأكبر والأبرز وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي رأيي هذا يجب أن يتم إخضاعه إلى مقياس توافقي وإجراءات توافقية للخروج بشيء يساعدنا في هذه المرحلة. كما كان التوافق في تشكيل هذه الحكومة من خلال تسمية وتكليف رئيسها ومن خلال طبيعتها الائتلافية بمشاركة القوى السياسية كافة فيها.
*هذا الطابع الائتلافي في ظل غياب رئيس للجمهورية يعرقل عمل الحكومة في أماكن كثيرة.
- في الحقيقة، ما يعرقل عمل الحكومة هو تصرف ومواقف القوى السياسية، وهذه المواقف تعرقل كثيرا من الأمور وليس فقط عمل الحكومة، إذا ما اتخذت منحى حادا ومنحى تصادميا ومنحى تصفية حسابات.
*وضع الحكومة وتهديد وزراء عون بالاستقالة أو الاعتكاف، إلى أين يمكن أن يوصل؟
- هذا ما نسمعه في الإعلام وما يتم التداول فيه، لكن أنا شخصيا لم ألمس أي شيء جدي أو عملي في هذا الشأن، ونأمل أن لا تصل الأمور إلى أي تعطيل أو عرقلة.
*ماذا يعني لو حصل؟
- هذا يعني مزيدا من التعثر والضعف في مواجهة مرحلة صعبة جدا، لن نحصد منه سوى الضرر الكبير على الجميع في لبنان. ليس هناك من سيستفيد أو من سيخسر في هذا الموضوع.
*كيف تتم مقاربة ملف الوضع في بلدة عرسال الحدودية وجرودها من قبل الدولة اللبنانية؟ خصوصا أننا نرى طرفا لبنانيا يأخذ الأمور على عاتقه بمحاربة المسلحين الموجودين هناك، بينما الحكومة تؤجل اتخاذ القرار؟
- عرسال بلدة لبنانية صادف وجودها على تخوم حدودنا الشرقية مع حالة متمثلة بالإرهابيين الذين يرتعون في هذه التلال، وهناك طبيعة معينة تتمثل في وجود 80 ألف نازح سوري في البلدة وخارجها إلى جانب 35 ألف أبناء البلدة، ما نشأ عنه حالة من الصعوبة فرزها بحدة لأن هناك ناسا ومجتمعا وأبرياء، لا يمكن التصرف بشكل عسكري قاسٍ. ومع ذلك الجيش اللبناني أخذ الإجراءات اللازمة التي ربما أخذت بعض الوقت لحماية البلدة وأهلها ووضع حد لتحرك الإرهابيين في جرود عرسال. الجيش يعرف كيف يتصرف أمنيا لأن الحكومة والقرار الرسمي واضح، حيث هناك شعب لبناني وأراض لبنانية علينا جميعا أن نسعى للحفاظ عليهما وحمايتهما بكل الوسائل المتاحة.
*كيف هو تصوركم لمعالجة ملف النازحين السوريين في عرسال؟
- هذا أمر سوف يتطلب جهدا مميزا لمحاولة تخفيف هذا الوجود في هذه البلدة بالذات، وتوزيعه أو تخفيفه لحين إعادة النظر في توزيع هؤلاء النازحين في أماكن أخرى لتخفيف العبء عن عرسال نفسها. نتابع هذا الموضوع في الحكومة ونأمل أن يكون هناك بعض الخطوات الإجرائية التي تحقق هذا الشيء.
*من الواضح أن حزب الله وبشكل علني يخير الحكومة بين أن تقوم هي بإزالة هؤلاء من الجرود أو هو سيقدم على هذه الخطوة.
- قد يكون هناك مطلب أو موقف سياسي لقوى سياسية أو أخرى في هذا الأمر تعبر عنه من وقت إلى آخر، ولكن الأمر اليوم هو قيد البحث في مجلس الوزراء، وبرأيي علينا أن نستخلص الموقف الأفضل الذي يحمي شعبنا وأرضنا ويحقق سيادتنا في أفضل طرق، معتمدين في ذلك على جيشنا وعلى قوانا الأمنية ومؤسساتنا الشرعية.
*هو ليس موقفا سياسيا، بل موقف عسكري.
- ليس هذا الموقف العسكري بجديد، بل أصبح له فترة في ما يتعلق بالوضع الناشئ من التطورات في سوريا، وخصوصا ما يخصنا نحن منه.
*هل تقصد مشاركة حزب الله في الحرب السورية؟
- طبعا، على حدودنا الشرقية، وهذا أمر قيد المعالجة بشكل دائم بالوسائل المتوفرة، دون أن ينعكس بشكل سلبي أو مضر للبنانيين.
*هناك نمو لحركة جماعات مثل تنظيم داعش وكلامهم عن الوصول إلى البحر عبر لبنان، ماذا يعني لك هذا الكلام؟
- هذا الكلام ليس بجديد، منذ سنتين ونحن نسمع بهذا الكلام والتهويل وإطلاق التهديدات والوعيد. وسمعنا هذا الكلام، خصوصا في ظل الموضوع الذي أخذ دورا كبيرا وهو موضوع العسكريين اللبنانيين المحتجزين عند «داعش» و«النصرة»، وتم اللجوء إليه ابتزازا وتهويلا وتهديدا، وأخذ هذا الأمر حجما معينا، ولكننا في موقع الاستعداد للتعاطي كل هذا الأمر، وأبرز عناصر مواجهتنا لهذا الواقع هو ما يجب أن يتمثل بوحدتنا الداخلية، لأن أي ضعف أو أي تفكك أو تباين لن يساعدنا في مواجهة هذه التهديدات.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.