«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

اتجاه نحو مرحلة جديدة مفتوحة على المجهول

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف
TT

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

«الدواعش الأفغان»... قلق من حرب جديدة في الطريق عنوانها التطرف

ترى حركة طالبان في «داعش» عدوا تقليديا لها في أفغانستان، وأنه يستهدف مصالحها ويتمدد على حسابها.. وبالتالي، قد تتحالف في هذا الأمر مع الحكومة الأفغانية لمحاربة عدو مشترك. ولقد تعزز هذا التوجه عندما طالب علماء أفغانستان، خلال اجتماع موسع، طالبان بالوقوف إلى جانب الجيش الأفغاني في حربه ضد «داعش»، واصفين التنظيم بأنه خطر يهدد أمن البلاد والمنطقة، ويدخل البلاد في أتون حرب جديدة هي في غنى عنها.
«أسسوا لنا أكثر من ثمانية أحزاب أطلقوا عليها (أحزاب المجاهدين) في ثمانينات القرن الماضي عندما هاجم (الجيش الأحمر) السوفياتي أفغانستان في نهاية السبعينات، وقدموا لها كل أنواع السلاح الفتاكة. ثم أنشأوا حركة مجهولة أطلقوا عليها اسم حركة طالبان للقضاء على أحزاب (المجاهدين) الذين تناحروا في ما بينهم وقتلوا عشرات الآلاف من المدنيين. ولكن، بعدما حكمت طالبان البلاد بالحديد والنار لمدة ست سنوات، وقعت فاجعة 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وكان هذا المفصل ذريعة وتبريرا للتدخل الأجنبي في البلاد بغطاء أممي وبوعود فضفاضة».. هذا ما يقوله ملك جان، سائق التاكسي في العاصمة الأفغانية كابل، عن حال السياسة الأفغانية خلال العقود الأخيرة، قبل أن يستطرد: «يومذاك قالوا إنهم سيغيرون واقع الأفغان، وستدخل البلاد مرحلة جديدة من البناء والديمقراطية، وتنفتح على العالم وينفتح العالم عليها. واليوم، بعد 14 سنة من الحضور العسكري الأجنبي والمؤسسات الأممية، يقال للأفغان بأن ظاهرة جديدة في الطريق... ويخوفوننا من المصير المجهول في حال انتشرت هذه الظاهرة التي يطلقون عليها اسم (داعش)..».
ملك جان، الذي عاصر عدة حروب بين «المجاهدين الأفغان»، حسب وصفه، يحمّل المسؤولية عن كل ما حدث في بلاده من حروب ودمار وخراب منذ أربعين سنة، ولا تزال تداعياتها الكارثية تتوالى في جميع المجالات، للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية ودول الجوار التي يقول إنها «لا تريد الخير والمصلحة لأفغانستان». ثم يتابع بحسرة أن البلاد تفتقر إلى زعامة سياسية واعية تستطيع توحيد كلمة الأفغان، الذين شتتتهم المصالح الإثنية والطائفية الضيقة. ويضيف أنه يتوقع أن تتجه البلاد نحو مزيد من الانهيار السياسي والأمني والمعيشي في حال استمر تمزق كلمة مواطنيها، وباتوا منقسمين على أنفسهم.
سائق التاكسي، أو الشاهد العيان على المآسي الأفغانية، يقول: «الدول لها أطماع ومصالح في أفغانستان، ولن تترك أوضاعنا تستقر»، وهو الآن يتحدث عما يصفه بمؤامرة خطيرة، وعن طبخة جديدة تطبخ لأفغانستان، بعدما سمع الأنباء التي تتحدث عن انتشار ظاهرة مقاتلي «داعش» في بعض المناطق الأفغانية، خصوصا في مناطق الشمال الأفغاني القريبة من حدود دول آسيا الوسطى (السوفياتية سابقا). وهو ينظر إلى الأوضاع من زاوية أن كل ما يجري في هذا البلد معد مسبقا، وأن أجهزة الاستخبارات الأجنبية هي التي تقف وراء كل هذه التوترات.
في هذه الأثناء، قال الجنرال الأميركي جون كامبل، قائد القوات الدولية في أفغانستان، في تصريح له مع بعض القيادات النسائية الأفغانية، إن تنظيم داعش يقوم حاليا بتجنيد مقاتلين أفغان ضمن صفوفه في بعض مناطق البلاد، واعتبر كامبل هذا الأمر تطورا مقلقا بالنسبة للملف الأمني. وعلى أثر هذا التصريح وتصريحات مماثلة من المسؤولين الأمنيين حول احتمال ظهور «داعش» في أفغانستان انقسم الشارع المحلي على نفسه، وكالعادة إلى أكثر من رأي بالنسبة لما يحدث لبلادهم.
فالبعض يرى أن أفغانستان متجهة إلى مرحلة جديدة من الصراعات الدموية على غرار ما جرى في تسعينات القرن الماضي عندما خاضت ما أطلقوا عليها «أحزاب المجاهدين» حربا أهلية استمرت أربع سنوات أتت على الأخضر واليابس، إلى أن ظهرت على الساحة حركة طالبان المتشددة فقضت على الجميع ولكن من دون أن يستتب الأمن والسلام في البلاد.
لكن هناك فئة ثانية ترى أن هناك مخططا دوليا يجري الإعداد له من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة، هدفه جرّ روسيا الاتحادية إلى «حرب استنزاف» مع مقاتلين متشددين ينتمون إلى دول آسيا الوسطى انطلاقا من أفغانستان. وكان الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي قد قال في آخر ولايته إن «هليكوبترات أجنبية (في إشارة منه إلى هليكوبترات قوات التحالف الدولي المساندة لحكومته) تقوم بنقل مقاتلين مجهولين إلى ولايات الشمال الأفغاني المتاخمة لحدود دول آسيا الوسطى». غير أن هذا الاتهام ووجه بنفي قاطع من القوات الدولية في حينه، ولكن بما أن اليقين بـ«نظرية المؤامرة» راسخ في أذهان عامة الأفغان فإن الغالبية مقتنعة بأن أفغانستان ستكون ميدانا لحرب جديدة بالوكالة تخطط لها وتنفذها أجهزة الاستخبارات الأجنبية ولكن بأدوات أفغانية.
وأخيرا، ثمة فئة ثالثة من الأفغان تعتقد أن ظاهرة «داعش» لا مكان لها في المجتمع الأفغاني المحافظ، وأن هذا الشعب لن يسمح لهذه الحركة بالتمدد إلى أراضيه، بل سيقف في وجه انتشار هذه الظاهرة مهما كلفه ذلك من أثمان. ويرجح أصحاب هذا الرأي اقتناعهم المتفائل هذا إلى كون أفغانستان دولة قبلية محافظة تحكمها العادات والتقاليد القبلية، بصبغة محلية خاصة بأفغانستان وحدها. وفي المقابل، فإن «داعش» ظاهرة دولية عالمية لا مكان لها في المجتمع الأفغاني. أضف إلى ذلك أن حركة طالبان المتشددة التي تتبع «المدرسة الديوبندية» في معتقداتها لن تقبل بتمدد التنظيم إلى أفغانستان، بل ستكون أول من يقف حجر عثرة في وجه تمدده في حال ظهر وحاول التمدد.
عبد الحسيب زازي، وهو كاتب صحافي أفغاني متابع للحركات المتطرفة، يؤمن بأن «داعش» سيواجه مشاكل كثيرة في حال فكر في التمدد داخل الأراضي الأفغانية وبأن «أول عقبة سيواجهها هي حركة طالبان التي سترى فيه عدوا تقليديا لها في أفغانستان، وأنه يستهدف مصالحه، وإن تمدد فسيكون تمدده على حسابها». وبالتالي، وفق زازي «فإن طالبان ستحث مقاتليها على مقاتلة (داعش)، وقد تتحالف في هذا الأمر مع الحكومة الأفغانية لمحاربة عدو مشترك بينهما في المستقبل». وفي إشارة إلى التجارب السابقة ومنها حضور تنظيم القاعدة في أفغانستان أيام طالبان، تابع «يتجلى بوضوح أن الأفغان يرفضون الحضور الأجنبي حتى لو كان ذلك تحت غطاء إسلامي».
من جهة ثانية، يرى عبد المجيد مجيد، وهو خبير أفغاني في الشؤون الاستراتيجية، أنه ليس بمقدور أفغانستان أن تكون بمنأى عن اللعبة الدولية الكبرى التي تجري وتمثّل فصولها تباعا في منطقة الشرق الأوسط بعد ظهور «داعش». ويتابع أن «أفغانستان أرض خصبة بالمقاتلين الشرسين، والتنظيم المتطرف سيفكر مليا في التمدد إلى هذا البلد للاستفادة من تجارب المقاتلين الأفغان في حروب الشوارع وحروب العصابات. (داعش) بحاجة إلى هذا النوع من المقاتلين في حروبه ضد الأنظمة في كثير من الدول».
وكانت التقارير الأمنية المستقلة التي أكد صحتها المسؤولون الأفغان، ولو بكثير من التحفظ، أفادت بأن بعض المقاتلين من حركة طالبان غير الراضين عن قيادة الملا عمر، زعيم طالبان، بسبب اختفائه لأكثر من عشر سنوات، أخذوا يغيرون ولاءاتهم وبدأوا ينضمون إلى صفوف «داعش» داخل أفغانستان، لأن التنظيم يدفع أموالا أكثر مما تدفعه قيادة طالبان. ثم إن الحديث عن عملية المصالحة مع الحكومة الأفغانية، وبحضور عسكري أجنبي، أزعج كثرة من قادة طالبان من الصف الثاني والثالث، فعبروا عن انزعاجهم بإعلانهم الولاء لـ«داعش».
ولقد شكلت معركتا ولاية قندوز وولاية بدخشان، وإن كانتا قصيرتين، باكورة النشاط الفعلي والرسمي التابع لفرع «داعش» في أفغانستان، إذ أشارت التقارير إلى أن نحو خمسة آلاف مقاتل من «داعش» غالبيتهم من جنسيات طاجيكية وأوزبكية، وكذلك من مسلمي تركستان الشرقية (الأويغور) التابعة للصين ومسلمي جمهورية الشيشان، بالإضافة إلى مقاتلين من طالبان، شنوا أكبر وأعنف هجوم لهم على نقاط حكومية ومقرات تابعة للجيش الأفغاني في هاتين المنطقتين القريبتين من الحدود الروسية. وبعد أسابيع من المواجهات الشرسة التي خاضها الجيش الأفغاني بدعم مباشر من قادة من يسمونهم «المجاهدين السابقين»، استطاع الجيش والقوات المتحالفة إلحاق الهزيمة بمقاتلي «داعش» وطالبان في تلك المناطق، لكن هذا لا يعني مطلقا أن «داعش» والفريق المؤيد له في طالبان لن يعيدا الكرّة من جديد.
إلى جانب ما تقدّم، فإن الأخبار ترد عن حرب شرسة تستعر بين مقاتلين أفغان انضموا إلى صفوف «داعش» ومقاتلين ينتمون إلى حركة طالبان في كل من ولاية ننغرهار، بشرق أفغانستان، وثمة أنباء عن مقتل العشرات من الطرفين خلال أسابيع من الصراع على النفوذ في بعض المديريات التابعة للولاية. وفي ولاية فراه الواقعة في شمال البلاد تفيد الأنباء بوجود معارك متقطعة بين مقاتلين ينتمون لـ«داعش» وآخرين من مسلحي طالبان. وفي العاصمة كابل طالب عدد من علماء أفغانستان، في اجتماع موسّع حضره علماء من مختلف المناطق الأفغانية، حركة طالبان بالوقوف إلى جانب الجيش الأفغاني في حربه ضد ظاهرة «داعش» في البلاد، واصفين التنظيم بأنه خطر يهدد أمن البلد والمنطقة ويدخل البلاد في أتون حرب جديدة هي في غنى عنها.
حركة طالبان لم تعلن موقفها بعد من الأخبار التي تتحدث عن معاركها مع مقاتلي «داعش»، لكنها صرحت بوضوح قبل أشهر، وعلى لسان المتحدث باسمها قاري يوسف أحمدي، بأن لا مكان لـ«داعش» في أفغانستان، وأن طالبان ستقف في وجه كل من يعبث بأمن المناطق التي تخضع لسيطرتها، مما يعني أنها لن تسمح بتمدد «داعش» إلى داخل الأراضي الأفغانية.
هذه الأجواء تسيطر على أفغانستان، بينما يتصاعد القلق إقليميا في دول عدة.
وفي هذا السياق، أظهرت إيران، القلقة من تعرّض حدودها المشتركة مع أفغانستان لاختراق مقاتلي «داعش»، مرونة في مواقفها السياسية من طالبان. إذ استقبلت طهران في الفترة الأخيرة وفدا طالبانيا زائرا التقى خلال زيارته بمسؤولين إيرانيين، وتركزت المباحثات حول قضية «داعش» واحتمال ظهوره في أفغانستان، والتأكيد على المصالح المشتركة في وجه الخطر الجديد. كذلك فإن وزير الداخلية الروسي أجرى زيارة سريعة إلى كابل بعد الأنباء عن تمدد «داعش» إلى شمال أفغانستان، والتقى خلالها بالرئيس الأفغاني ومسؤولين أمنيين، وأعربت روسيا عن رغبتها في تسليح ودعم قادة الميليشيا التابعة لأمراء الحرب في شمال أفغانستان في قتالهم ضد مقاتلي «داعش». الخلاصة أن تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان، وفشل القوات الدولية والحكومية على حد سواء في فرض استقرار الأوضاع وإلحاق الهزيمة بطالبان، رغم وجودها في البلاد لأكثر من 13 سنة، يفتحان المجال أمام «داعش» وجماعات متشددة أخرى للتمدد والانتشار، لا سيما في المناطق الجبلية الوعرة والنائية. ومن ثم قد تنتقل منها إلى مناطق أخرى.
الحكومة الأفغانية تقول إن ظاهرة «داعش» مشكلة عالمية وعلى جميع الدول أن تنظم مساعيها لمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى العالم الإسلامي وتشوه سمعة المسلمين في كل مكان. كذلك تقول الحكومة إنها بمفردها، وبإمكاناتها المتواضعة، عاجزة عن القضاء على المقاتلين الذين يعلنون الولاء لـ«داعش» داخل البلاد، وبالتالي فهي بحاجة إلى مساعدات دولية للقضاء على التنظيم المتطرف في حال أطلق عملياته القتالية في أفغانستان.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.