أوكرانيا في ميزان مفاهيم الحرب

منشأة مدمرة بمصنع آزوفستال في ماريوبول (رويترز)
منشأة مدمرة بمصنع آزوفستال في ماريوبول (رويترز)
TT

أوكرانيا في ميزان مفاهيم الحرب

منشأة مدمرة بمصنع آزوفستال في ماريوبول (رويترز)
منشأة مدمرة بمصنع آزوفستال في ماريوبول (رويترز)

هل تتبع الحرب الأوكرانية المفاهيم العسكرية التي رسمها المفكرون الكبار، مثل كارل فون كلوزفيتز، مثلاً؟ سؤال يطرحه كثير من الخبراء، سنحاول الإجابة عنه عبر المقارنة بين المفهوم والواقع الميداني في أوكرانيا.
أولاً: «الحرب هي السياسة بوسائل أخرى»... مفهوم أرساه كلوزفيتز، ويقصد به أن كلفة الحرب لا يجب أن تتعدى قيمة الأرباح. وإذا حصل أن تعدت كلفة الحرب أرباحها، لا بد عندها من إعادة الحسابات والخطط الاستراتيجية بشكل جذري.
حصل هذا الأمر في المرحلة الأولى من حرب بوتين على أوكرانيا، وذلك عندما هاجم على أربعة محاور، واضعاً أهدافاً كبيرة، لكن بوسائل متواضعة. وعاد بعدها الرئيس بوتين لتعديل الاستراتيجية والاكتفاء بالهجوم على المحور الأساسي في الشرق - إقليم دونباس.
إذاً، في كل حرب، لا بد من التوقف عند كل مرحلة فاصلة لإعادة التقييم. فالحرب ليست عملاً مستمراً في الزمان والمكان، ومقولة استراحة المقاتل تصب في هذا الإطار.
ولو سلمنا جدلاً بأن الرئيس بوتين نجح في تحقيق الأهداف في الشرق الأوكراني، ألا يستلزم الأمر مقارنة هذه الأرباح مع الثمن السياسي الذي يدفعه الرئيس بوتين وروسيا؟ ألا يجب السؤال عن دور روسيا في أي نظام عالمي يتخيله الرئيس بوتين للمستقبل؟
وإذا كانت الحرب هي السياسة بوسائل أخرى، ألا يعني هذا الأمر أن هناك فاصلاً، أو حداً ظاهراً بين السياسة والحرب؟ وإذا كانت الحرب تخدم السياسة، ألا يعتبر خطراً أن تُدمج السياسة بالحرب، وتُعسكَر السياسة الخارجية لبلد ما؟ ألا ينطبق هذا الوضع على روسيا اليوم مع الرئيس بوتين؟ ألم تُعسكِر أميركا سياستها الخارجية بعد 11 أيلول 2001؟ ألم تؤدي عسكرة السياسة إلى كوارث عسكرية وسياسية؟
ألا تُحدد عادة الإمكانيات وعناصر القوة لدى دولة ما دورها العالمي (Elements of Power)؟
يأخذنا هذا التساؤل إلى المفهوم الثاني.
ثانياً: «نقطة الذروة في الحروب» (Culminating Point)، هي تلك النقطة التي لا يجب تجاوزها في أي حرب. وإذا حصل هذا الأمر فقد يعني الانهيار والانكسار، على غرار مقولة «القشة التي قصمت ظهر البعير». وهنا تظهر العين الثاقبة للقائد لتحديد هذه النقطة والعمل على عدم تجاوزها.
فهل احتلال إقليم دونباس هو نقطة الذروة للرئيس بوتين؟ هذا أمر بعهدة الرئيس بوتين فقط. والسؤال الثاني الذي يمكن طرحه في هذا الإطار هو التالي: «هل لدى الرئيس بوتين الوسائل الكافية، خصوصاً في العديد، للذهاب أبعد من إقليم دونباس؟».
وهنا تظهر المفارقة الأولى: «كلما انتصر الرئيس بوتين وسيطر على مزيد من الأراضي الأوكرانية، ضعُف جيشه»، واقترب أكثر من نقطة الذروة. لكن، لماذا؟ لأن الحرب التي يخوضها الجيش الروسي هي حرب لم يتدرب عليها، فهي حرب مدن واستنزاف لم تشهد أوروبا مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الأولى.
أما المفارقة الثانية، فهي تتعلق بالجيش الأوكراني، وهي: «كلما تراجع الجيش الأوكراني أمام الضغط الروسي، متنازلاً عن الأرض والمساحة، كسب الوقت. وتؤدي هذه العملية إلى استنزاف الجيش الروسي في العديد والعتاد، كما تؤدي إلى أرباح معينة للجيش الأوكراني. لكن كيف؟
إن الصمود الأوكراني المُكلف، هو عامل يؤدي إلى مزيد من تراكم الخبرات لدى المقاتلين الأوكرانيين، كما يؤدي كسب الوقت إلى إتاحة الفرصة لوصول المزيد من الأسلحة الغربية لإكمال الترسانة الأوكرانية، والتي فرغت من السلاح والذخيرة الشرقية، وهي في طور الانتقال إلى السلاح الغربي. من هنا تصريح رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أن نتيجة تدفق السلاح الغربي ستظهر جلياً ابتداءً من شهر أغسطس (آب) القادم.
سقطت سفريدونتسك، والضغط الآن على مدينة لسيسيشانسك في إقليم لوغانسك، كما يتم «روسنة») من روسيا(جنوب أوكرانيا).
كما يعد الرئيس بوتين الرئيس البيلاروسي بصواريخ باليستية قادرة على حمل رأس نووي.
ومن بيلاروسيا ينطلق لقصف أهداف استراتيجية في أوكرانيا، رداً على قمة الدول السبع في ألمانيا، واستباقاً لقمة «الناتو» أواخر الأسبوع في مدريد.
فهل سيتبع الرئيس بوتين مفاهيم الحرب أعلاه؟ وهل نقطة الذروة ستكون إقليم الدونباس ككل، أو هناك قطب مخفية؟ وإذا كان الرئيس بوتين هو القائد العسكري، والزعيم السياسي في الوقت نفسه، فمن سيقول له بالتوقف؟ إن غداً لناظره قريب.


مقالات ذات صلة

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرقي أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».