بوتين: زمن الأحادية القطبية انتهى... والعالم لم يعد كما كان

أكد أن بلاده «لا يمكن عزلها» وهاجم بعنف محاولات «الهيمنة الأميركية»

بوتين يلقي كلمته أمام منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي أمس (رويترز)
بوتين يلقي كلمته أمام منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي أمس (رويترز)
TT

بوتين: زمن الأحادية القطبية انتهى... والعالم لم يعد كما كان

بوتين يلقي كلمته أمام منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي أمس (رويترز)
بوتين يلقي كلمته أمام منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي أمس (رويترز)

شكلت مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أعمال الدورة 25 لمنتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي، أول حضور له منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في مناسبة ذات طابع دولي واسع، كونها تعقد بمشاركة ممثلين من 100 بلد. لذلك، عمد بوتين إلى تقديم رؤيته للوضع بعد دخول الحرب شهرها الرابع وتداعياتها على روسيا والعالم، وتوقف مطولاً عند العقوبات المفروضة على بلاده، وقال إن الغرب يعاني منها أكثر من روسيا. كما جدد التأكيد على فشل محاولات عزل روسيا وركز على النتيجة الأساسية، من وجهة نظره، للتطورات الجارية والتي أجملها بعبارة أن «العالم لم يعد كما كان»، وأن «زمن الهيمنة الأميركية وأحادية القطبية قد ولّى».
ورغم التحضيرات الواسعة للمناسبة وحرص الكرملين على استضافة عدد من الرؤساء إلى جانب الوفود المشاركة من عشرات البلدان، وأبرزهم الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكلاهما شارك عبر تقنية الفيديو كونفرنس، فإن خطاب بوتين تأخر عن موعده نحو ساعة، بسبب مواجهة منظمي المنتدى هجوماً سيبرانياً قوياً على منصته الإلكترونية. وشدّد خطاب بوتين الذي بدا في جزء كبير منه موجّهاً إلى الغرب، خصوصاً الفقرات المتعلقة بانهيار «أوهام السيطرة الجيوسياسية» لأميركا، على أن «العالم أحادي القطب قد انتهى، لكن هناك محاولات مضنية لمحاولة استعادته».
وزاد أن الواقع الحالي يؤكد أن «العالم لم يعد كما كان»، في إشارة إلى التغيرات الكبرى التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا.
وقال بوتين إن واشنطن «بعد أن أعلنت نفسها طرفاً منتصراً في الحرب الباردة، توهمت أن مصالحها مقدسة (...) والآن ماذا نرى؟ سارت الأمور في اتجاه واحد، وازدياد عدم الاستقرار في العالم». وانتقد بقوة دول «المليار الذهبي» التي وصفها بأنها «ما زالت تعد كل الدول الأخرى مستعمرات من الدرجة الثانية». وقال بوتين إن روسيا فيها «شعب قوي قادر على التعامل مع التحديات مهما ازدادت، وهذا يتضح من تاريخ بلادنا الممتد على مدى ألف عام».
وفي إشارة إلى التداعيات الاقتصادية للعقوبات الغربية، قال بوتين إنها «هدفت إلى تدمير الاقتصاد الروسي، ولم ينجحوا لأن قطاع الاقتصاد الروسي عمل بكفاءة، والشعب الروسي كرس وحدة الصف... لقد اعتقدوا أن الدولار سيصبح 200 روبل، لكن التوقعات المتشائمة لأداء الاقتصاد الروسي في مطلع الربيع لم تتحقق، واليوم اتّضح أن أوهامهم لم تزد على كونها حملة دعائية». كما قال بوتين إن الاتحاد الأوروبي «فقد سيادته بالكامل، وبات يخضع بشكل أساسي للإملاءات الخارجية».
ومع إشارته إلى التداعيات الاقتصادية السلبية وبينها ارتفاع مستوى التضخم ليتجاوز 20 في المائة، وتراكم الخسائر الأوروبية بسبب العقوبات على روسيا لتزيد على 400 مليار دولار، هاجم بوتين في الوقت ذاته الحياة السياسية في أوروبا، وقال إن «العمليات الديمقراطية فيها تشبه ألعاب السيرك». وتابع أن «النتيجة المباشرة لتصرفات السياسيين الأوروبيين ستزيد من تفاقم عدم المساواة في هذه البلدان، ما سيزيد من انقسام مجتمعاتهم». ورأى أنه «من المتوقع تغير السلطة في أوروبا... نتوقع تفاقم مشكلات العدالة الاجتماعية وانقسام المجتمع بسبب أخطاء الاقتصاد، والوضع الراهن في أوروبا سيؤدي إلى تصاعد الراديكالية، وفي المستقبل إلى تغيير النخب الحاكمة».
ولم تسلم مجموعة الدول الصناعية الكبرى من هجومه، إذ رأى الرئيس الروسي أن «العالم وصل إلى هذا الوضع نتيجة للأنشطة التي قامت بها الدول الصناعية السبع الكبرى على مستوى الاقتصاد والسياسة».
ونفى بوتين صحة تأكيدات غربية بأن سبب تفاقم المشكلات الاقتصادية والأزمة العالمية يكمن في الحرب الروسية على أوكرانيا. وشدد على أن «جوهر المشكلة في السياسات الاقتصادية الغربية في السنوات الأخيرة، ولا علاقة لعمليتنا الخاصة في دونباس بما وصل إليه الوضع في أوروبا». كما أكد أنه «لا علاقة للعملية العسكرية الخاصة بارتفاع أسعار الغاز في أوروبا».
وحمّل بوتين واشنطن مسؤولية أزمة الغذاء وتراجع إمدادات الأسمدة في العالم، وقال إن اختفاء الأسمدة يعني انخفاض إنتاج السلع الغذائية، وهو ما ينذر بالجوع حول العالم، وهذا أمر تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة. وبرر ذلك بأن الأميركيين فرضوا «حصاراً على الأسمدة، تبعهم في ذلك الأوروبيون. ثم أدرك الأميركيون أن الحصار ضار، فرفعوه، أما الأوروبيون بسبب البيروقراطية لم يرفعوه بعد».
وفاخر بوتين بأن برغم الحصار والعقوبات، فإن الميزانية الروسية في 2022 تسجل فائضاً بقيمة 3 تريليونات روبل (51.7 مليار دولار)، وقال إن أداء الاقتصاد الروسي أظهر فشل الرهان على محاولات عزلها، واعتبر أن العقوبات تفتح مجالات واسعة أمام تطوير قطاعات روسية مهمة.
وفي شأن الحرب في أوكرانيا، قال بوتين إن «قرار شن العملية العسكرية كان صعباً، لكنه كان حتمياً»، مشيراً إلى أن «الغرب كان يسيطر عسكرياً على أوكرانيا، ويضخ الأسلحة هناك، وما زال يفعل ذلك». وأشار إلى أزمة الغذاء الحالية، وقال إن الغرب يتحدث عن منع السفن من الإبحار عبر موانئ البحر الأسود، و«هناك 5 أو 6 ملايين طن حبوب، و7 ملايين طن من الذرة، وهذه أرقام لا تغير شيئاً بالنظر إلى إجمالي الإنتاج البالغ 800 مليون طن». وجدد التأكيد على استعداد بلاده لتأمين عمليات الإمداد، لكنه اشترط لذلك أن يقوم الجانب الأوكراني بنزع الألغام التي زرعها قرب الموانئ.
وكان لافتاً تعمد بوتين التحذير من «استخدام القمح المصدر من أوكرانيا إلى دول الغرب، لدفع ثمن الأسلحة لكييف»، وهذه الإشارة الأولى من نوعها التي تصدر عن روسيا في هذا الشأن.
في غضون ذلك، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ في خطابه أمام المنتدى على ضرورة إزالة العوائق التجارية وتأمين سلاسل الإمداد العالمية. وقال إن نمو حجم التجارة بين الصين وروسيا، والذي بلغ منذ بداية العام 65 مليار دولار، يشهد على قدرة الطرفين على مقاومة الضغوط وزيادة إمكانات التعاون بين البلدين. وأضاف أن الصين تدعو إلى اتخاذ تدابير مشتركة لمكافحة أزمتي الطاقة والغذاء، مشدداً على ضرورة إزالة العوائق التجارية وتأمين سلاسل الإمداد العالمية. كما قال إنه لا بد من تعزيز علاقات التعاون بين دول الشمال والجنوب وتوسيع شبكة شركاء التنمية. ودعا إلى تدويل الموارد وتوسيع شبكة الشركاء الاقتصاديين.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.