لم تكتفِ بقتل زوجها طعناً وذبحاً، فبعد ذلك وضعته في التنور لإحراق جثته، ثم تناولت مبيداً حشرياً لتلحق به، منهية بذلك الخلافات المعقدة بينهما، إلا أن محاولة الانتحار فشلت، وهي الآن نزيلة سجن مديرية أمن الحدأ في محافظة ذمار جنوب صنعاء.
لم تكن هذه الجريمة الصادمة وحدها لليمنيين خلال الأسابيع الماضية. امرأة أخرى في قرية الجوالح التابعة لمديرية مذيخرة بمحافظة إب (200 كيلومتر جنوب صنعاء) أقدمت على قتل والدتها بإلقاء حجر على رأسها، ثم مثلت بجثتها.
تتناسل جرائم قتل الأقارب بشكل واسع وتؤرق اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين. ففي مدينة الشرق التابعة لمحافظة ذمار جنوب صنعاء، قتل رجل الأسبوع الماضي ابنه بفأس خلال مشاجرة بينهما من أجل ألفي ريال يمني، وهو مبلغ يزيد قليلاً عن الـ3 دولارات، ثم هدد الناس بالفأس نفسه، مانعاً إياهم من الاقتراب أو محاولة إنقاذ ابنه من الموت، وتركه ينزف حتى فارق الحياة.
سبقت ذلك، حادثة مروعة أخرى في محافظة عمران القريبة من صنعاء باتجاه الشمال، عندما عاد شاب مما يعرف بـ«الدورات الثقافية»، وهي دروس طائفية ينظمها الحوثيون لتعبئة الشباب واستقطابهم؛ ليقدم على تصفية أسرته بالكامل بعد مطالبته بحصته من الميراث؛ رغم أن والده لا يزال على قيد الحياة، إلا أنه أطلق النار على والده وزوجته وزوجة والده وشقيقه، قبل أن ينتحر.
وشهدت مديرية مذيخرة أيضاً، جريمة قتل أسرية أخرى، عندما أقدم شاب عائد من «دورات ثقافية» بدوره، على قتل والده الذي كان طالب إدارة الأمن باحتجازه بسبب تصرفات عدوانية بالرصاص والقنابل نحو منزل والده وأحد جيرانه، وبرغم أن إدارة الأمن استجابت للأب؛ إلا أن قيادياً حوثياً تدخل للإفراج عن الابن الذي غادر الحجز وذهب مباشرة إلى منزل والده ليطلق عليه النار ويرديه قتيلاً.
وتناولت «الشرق الأوسط» في الـ20 من مايو (أيار) الماضي جرائم قتل الأقارب التي ينفذها شباب عائدون من معسكرات التدريب والتثقيف الحوثية؛ إلا أن هذا النوع من الجرائم أصبح ظاهرة مجتمعية تتصاعد بسرعة في مناطق سيطرة الميليشيات.
- إفقار وضغوط
شهد الشهران الماضيان أبريل (نيسان) ومايو (أيار) حوادث قتل عائلي كثيرة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية؛ بدأها أبٌ في قرية الغراب ضمن منطقة السحول التابعة لمحافظة إب؛ أقدم على تعذيب ابنته البالغة من العمر 8 سنوات حتى الموت في أول أيام شهر رمضان.
وخلال الأسبوع الماضي، قتل شاب شقيقه الطفل في مديرية بني قيس بمحافظة حجة على بعد 90 كيلومتراً شمال غربي صنعاء، وفي مديرية كشر المجاورة قتل رجل طفلته ذات العامين بتهشيم رأسها، وقتل رجل شقيقه في عزلة الحيث في مديرية بعدان التابعة لمحافظة إب على بعد 190 كيلومتراً إلى الجنوب من صنعاء، وأطلق شاب متزوج حديثاً النار على زوجته في العاصمة صنعاء بسبب رفضها بيع ذهبها.
وفسر الباحث الاجتماعي في جامعة صنعاء سميح حزام، لـ«الشرق الأوسط»، تصاعد جرائم قتل الأقارب في هذين الشهرين؛ بالضغوط المعيشية الكبيرة التي واجهها اليمنيون خلالهما، حيث وافق أبريل شهر رمضان الذي اعتادت المجتمعات الإسلامية على الإنفاق الكبير فيه، ويتبعه عيد الفطر وما يتطلبه الاحتفال به من نفقات مكلفة، وهو ما ضاعف من المعاناة بعد هاتين المناسبتين، ونتج عن ذلك غضب تم إفراغه على هيئة جرائم خطيرة، منبهاً إلى أن جرائم القتل العائلي تتضاعف كلما ساءت الأحوال المعيشية، وارتفعت الأسعار، وتراجعت القدرة الشرائية، وهو ما يحدث في اليمن منذ سنوات بسبب الانقلاب والحرب.
وحذر من أن هذه الجرائم ستتضاعف باضطراد، فكلما فَسد القضاء والأمن، واتسعت دائرة الفقر؛ كما يحدث في اليمن؛ كلما زادت الجريمة بشتى أنواعها، وكلما تمزقت الأواصر الأسرية والعائلية وتحولت إلى خصومات، حسب رأيه.
وأكد على أن إحدى أهم تبعات الانقلاب وسيطرة الميليشيات على مؤسسات الدولة؛ كان الإفقار الجماعي الذي جرد المجتمع اليمني من التي كانت إحدى صفاته، وهي التكافل الاجتماعي؛ لتحل الأنانية مكانها ويغلب طبع الاستئثار.
- تعتيم وتوجس
أجهزة القضاء شهدت إحالة 18 حالة قتل أقارب إليها خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، حسب مصدر قضائي في صنعاء، فضل عدم نشر اسمه خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، مضيفاً أنه «لا توجد إحصائيات دقيقة وموثقة، وهناك ما يشبه التعتيم حول هذه الجرائم، خصوصاً أن للمخدرات دوراً كبيراً في وقوعها؛ وهناك حرص على إخفاء مثل هذه المعلومات».
لكن البيانات المتوفرة من خلال ملفات الأمن والقضاء، تشير إلى أن عام 2020 شهد أكثر من 115 جريمة قتل ضد أقارب، وأكثر من 50 بلاغاً بشروع في القتل، في 11 محافظة واقعة تحت سيطرة الميليشيات، أسفرت هذه الجرائم عن أكثر من 130 قتيلاً وأكثر من 70 جريحاً، لكن عام 2021 شهد سقوط أكثر من 180 قتيلاً، ولا توجد تقديرات لعدد الجرحى.
«هذه الظاهرة أحدثت توجساً لدى المجتمع، وتحسباً لتصاعدها» يكمل المصدر: «وصل الأمر إلى تقييد عشرات البلاغات ضد أشخاص هددوا أقاربهم بالقتل، لأن انتشار هذه الظاهرة، وشهرة الجرائم المرتكبة من هذا النوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ جعلت الكثير يشعرون بالقلق من امتلاك أقارب على خلافات أسرية معهم؛ السلاح وحمله باستمرار والاستعراض به، إضافة إلى مشاركتهم في الدورات الثقافية والمعسكرات الصيفية وانتمائهم إلى جماعة الحوثي أو مشاركتهم في القتال».
إضافة إلى ذلك، توجد قضايا خلاف أسرية جرى سحبها من القضاء، وانتهت بتسويات خارج المحاكم خوفاً من وقوع حوادث قتل، خصوصاً إذا كان أحد أطرافها من المقاتلين أو المسلحين الموالين للحوثيين، ويقول المصدر «إلا أن هذه الاحترازات المجتمعية لم تؤدِ إلى تراجع الظاهرة؛ ففي المقابل هناك حالات بادر فيها من شعروا بالتهديد بأعمال قتل أو شروع في القتل استباقاً لاحتمال إقدام أقاربهم على قتلهم».
- تحويل المراهقين إلى ألغام
من منظور نفسي؛ ترى الطبيبة النفسية آمال الريامي، أن أحد أسباب جرائم قتل الأبوين مثلاً، هو إحساس الولد أن والديه تخليا عنه، أو لم يقوما بتوفير حياة كريمة له، ويترافق ذلك مع التعبئة المتطرفة والطائفية التي يتلقاها بمعزل عنهما، وعند حدوث خلافات معهما يكون الولد مستعداً للاعتداء عليهما، بل وحتى قتلهما.
وتتابع الطبيبة التي تحدثت معها «الشرق الأوسط» عن دور الفقر ومتطلبات الحياة الكثيرة في «مفاقمة الإحساس بالضياع، إذ يجد أفراد أنفسهم في موقف بين إغراء تلبية هذه المتطلبات بوسائل خارج القانون بعد انعدام الفرص المشروعة؛ ومقاومة القيم المجتمعية التي تربوا عليها، وغالباً ما تنفجر هذه الضغوط في وجه أقرب الناس إليهم، وهذا غالباً ما يحدث على هيئة خلافات عائلية وخصومات قد تمتد إلى سنوات، لكن عندما يكون الوضع النفسي للفرد تفاقم إلى حد انفصام الشخصية؛ فإن النتائج تكون وخيمة، وتصل إلى حد قتل الأقارب».
«في هذه الحالة فإن الفراغ يصل بالفرد إلى مرحلة انعدام الأمان العائلي وغياب الإحساس بوجود بيئة ينتمي إليها، والإحساس بالخوف من كل محيطه والغربة عنه». وعند سؤالها عن دور الحرب في جرائم القتل العائلي، أشارت الطبيبة النفسية إلى أن هذا عامل مهم، «خصوصاً عندما تسيطر ميليشيات خارجة عن القانون على المشهد العام، وتمارس العنف أو تحوله إلى نهج؛ وتجعل من أفرادها أبطالاً، وتمنحهم السلطة والحصانة دون وجه حق، إضافة إلى ما يلاقونه مقابل خدماتهم للميليشيات من مكافآت وأموال، فيتحولون إلى نموذج للشباب وحتى الأطفال، ويصبح العنف هو الوسيلة للحصول على المكانة والمهابة، وهذا الأمر بقدر ما يدفع الشباب والمراهقين للحصول عليه؛ فإنهم يبدأون ممارسة العنف في محيطهم العائلي، وغالباً ما تكون النساء أو كبار السن ضحاياهم المفضلين».
ونوهت الريامي إلى أن فقدان الناس ثقتهم بأجهزة الأمن والقضاء، بعد تحولها إلى أدوات بأيدي نافذين، ويتم غسل جرائم القتل ونهب الأموال والاستقواء على الضعفاء في أروقتها؛ تنشأ لدى الأفراد قناعة أنهم أولى بإحقاق الحق لأنفسهم. وتتابع قائلة: هذه العوامل مجتمعة تحول المراهقين إلى ما يشبه الألغام التي تنفجر عند تعرضها للضغط... هؤلاء يتعرضون إلى ضغوط أسرية، فينفجرون في وجه أهاليهم بتلك الطريقة العنيفة».
جرائم قتل الأقارب تؤرق اليمنيين
مناطق سيطرة الحوثيين تسجل نسباً عالية من «الاعتداءات العائلية»
جرائم قتل الأقارب تؤرق اليمنيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة