في إطار التحضير للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا التي فاز فيها ريال مدريد على ليفربول بهدف دون رد على ملعب فرنسا، كان هناك الكثير من الحديث في إنجلترا حول عظمة ومكانة ليفربول، بسبب الموسم الاستثنائي الذي يقدمه الفريق. لكن بالنسبة للريدز بقيادة المدير الفني الألماني يورغن كلوب، دائماً ما كان الأمر ينقص شيئاً: نقطة واحدة، أو هدف واحد، أو الفوز في مباراة واحدة تمكن الفريق من تحقيق ما يصبو إليه في هذا الموسم المثالي! لكنّ المباراة النهائية التي أُقيمت في العاصمة الفرنسية باريس قد ساهمت في حل لغز واحد على الأقل، وهو ذلك اللغز المتعلق بـ«العظمة».
في الحقيقة، يستمر الأمر في الحدوث بنفس الطريقة طوال الوقت، حيث تظهر إمبراطوريات وتختفي أخرى، وتبرز خطط تكتيكية وأنظمة وقوى اقتصادية جديدة، لكن وسط كل هذا يظل هناك شيء واحد ثابت وعظيم وهو ريال مدريد. ويأخذنا هذا الأمر لطرح بعض الأسئلة: ما النموذج المتّبع في ريال مدريد؟ وماذا يعني هذا التاريخ العريق؟ وكيف يمكن لنادٍ آخر أن يستلهم التجربة من النادي الملكي؟ الرد ببساطة ووضوح هو أنه لا يمكن لأي نادٍ آخر أن يصبح مثل ريال مدريد، وهذا هو سر عظمة هذا النادي، حيث يؤمن تماماً بأنه النادي الأكبر والأقوى والأهم في العالم. إن مجرد الحديث عن تاريخ ريال مدريد وعن قدرته على تحقيق الفوز في أصعب اللحظات والظروف هو مصدر قوة كبيرة في حد ذاته.
وهناك شيء أسطوري في حقيقة حصول النادي على لقب دوري أبطال أوروبا خمس مرات في آخر ثمانية مواسم، حيث أصبحنا معتادين على نفس المشاهد ونفس تفاصيل القصة ونفس النتيجة، كأنه سيناريو مكتوب ولا يتغير. وكلما نروي قصة الانتصار هذه، فإنها تصبح أكثر واقعية، وتتكرر نفس المشاهد بنفس الطريقة وبأبطالها الملحميين وخصائصها الاستثنائية، بل بنفس الأغاني والاحتفالات. لكن بعد ذلك، بالطبع، يجب أن يتدخل المنطق أيضاً في مرحلة ما. الأمر لا يتعلق بالسحر أو الحظ كما قد يرى البعض، لكنّ هذا النادي العريق يحوّل لاعبيه إلى أساطير ويمنحهم القوة التي تجعلهم يتفوقون على المنافسين. قد لا تكون هناك خطة تكتيكية واضحة أو «نظام» لعب يعتمد عليه الفريق أفضل من الفرق الأخرى، لكنّ ريال مدريد يفوز لأنه يمتلك مجموعة من لاعبي كرة القدم الرائعين والأذكياء للغاية.
وتشير الإحصائيات الخاصة بالمباراة النهائية إلى أن ليفربول سدد 24 كرة، من بينها أربع كرات فقط على المرمى، في حين لم يسدد ريال مدريد سوى أربع كرات فقط طوال المباراة. لقد كان ليفربول هو الأكثر استحواذاً على الكرة، كما كانت له ركلات ركنية أكثر بثلاث مرات من عدد الركلات الركنية للنادي الإسباني. ومع ذلك، كانت النتيجة النهائية هي فوز ريال مدريد! لقد كان ريال مدريد دائماً هو الأكثر دقة وحسماً، والدليل على ذلك أن الثلاثي الهجومي للنادي الإسباني لم يخسروا الكرة فيما بينهم إلا ثماني مرات فقط، في حين خسر محمد صلاح الكرة ثماني مرات بمفرده! وفي وسط الملعب، كان لاعبو ريال مدريد هم الأكثر نشاطاً وحيوية. صحيح أن توني كروس لم يكن يركض كثيراً أو يضغط بشدة، لكنّ معدل تمريراته الصحيحة بلغ 93 في المائة. ولم يفقد كروس ولوكا مودريتش السيطرة على الكرة سوى مرة واحدة فيما بينهما طوال المباراة، وهي الأمور التي تعكس قدرات وإمكانيات هؤلاء اللاعبين، الذين يتمتعون بالذكاء الشديد والقدرة على التحكم في مقاليد الأمور في خط الوسط طوال الوقت، بالإضافة إلى مكر ودهاء وخداع المدير الفني الإيطالي المحنك كارلو أنشيلوتي.
بالمناسبة، يجب أن يتفاءل مودريتش كثيراً عندما يرى اسم جوردان هندرسون في قائمة الفريق المنافس، نظراً لأن هندرسون لعب خمس مباريات في مواجهة مودريتش، تعادل في واحدة منها وخسر الأربعة الأخرى، بما في ذلك مباراتان في نهائي دوري أبطال أوروبا، ومرة في نصف نهائي كأس العالم. الأمر لا يتعلق بالسحر أو الإيمان الداخلي الذي يجعل كروس ومودريتش وكاسيميرو -مزيج مثالي من المهارة والقوة والرؤية- أفضل من هندرسون وفابينيو وتياغو، الذي لم يكن سليماً بنسبة 100 في المائة في المباراة النهائية، لكن هناك بالطبع أشياء أخرى جعلت الفريق الإسباني يهيمن على كرة القدم الأوروبية بهذا الشكل خلال السنوات الثماني الماضية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك بالطبع شيء آخر، ربما يكون هو السبب الحقيقي في هذه الإنجازات خلال السنوات الثماني الماضية، وهو نموذج ملكية ريال مدريد. فبالنسبة للنادي الملكي، فإن روعة الفوز بدوري أبطال أوروبا هذه المرة تتمثل في حقيقة أن الأندية التي هزمها ريال مدريد في طريق الحصول على اللقب عبارة عن أندية ذات مشروعات كبرى وتمتلك موارد مالية هائلة: ناديان مملوكان لدولتين قوميتين، وناد آخر عوقب مالكه بسبب صلته بحرب برية على دولة أوروبية!
في الواقع، يمكن القول بأن ريال مدريد لديه ثقة كبيرة في نفسه وسط هذا النظام العالمي الجديد، الذي كان يهدده بفقدان قوته. إن هذه السلسلة من الانتصارات على باريس سان جيرمان وتشيلسي ومانشستر سيتي، وهي الأندية التي تمتلك إمكانيات مالية كبيرة، تثبت أن ريال مدريد ما زال النادي الأقوى والأفضل عالمياً. قد يكون ريال مدريد في حالة صعبة من الناحية الاقتصادية، لكنه يعمل بتركيز شديد ويضع نصب عينيه أهدافاً محددة يسعى لتحقيقها. وسيكون هذا دائماً، في الأساس وبأي شكل، هوساً بكرة القدم داخل هذا النادي العريق.
لقد تم اتخاذ خيارات جيدة خلال تلك السنوات. وحتى الفشل في التعاقد مع النجم الفرنسي كيليان مبابي قد يكون إيجابياً، نظراً لأنه بقي في ناديه الأصلي ولم ينضم إلى نادٍ من الأندية المنافسة بشكل مباشر. لقد استند نجاح ريال مدريد في الآونة الأخيرة إلى إبرام تعاقدات ذكية مع لاعبين لم يصلوا بعد إلى القمة، وخير مثال على ذلك التعاقد مع فينيسيوس جونيور، الذي يسير في طريقه لأن يصبح آلة لا تتوقف عن قيادة النادي لتحقيق الانتصارات. لكن من الواضح للجميع أن هذا الفريق العظيم يتقدم في السن الآن، وأن خط الوسط الرائع الذي يمثل المصدر الحقيقي للقوة، على وشك التفكك والانهيار. ومع ذلك، ورغم رحيل الكثير من اللاعبين فإن ريال مدريد يظل قوياً كما هو، وقد اتضح أن هذا هو المصدر الحقيقي لقوة النادي الملكي.
قوة ريال مدريد مدعومة بتاريخه وسجله الأسطوري
عظمة الفريق تكمن في إيمانه الراسخ بأنه النادي الأكبر والأقوى والأهم في العالم
قوة ريال مدريد مدعومة بتاريخه وسجله الأسطوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة