التحضيرات في لندن كانت تجري على قدم وساق مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، وفي الوقت نفسه كانت هناك تحضيرات بالأهمية نفسها بالنسبة للمهتمين بأخبار العائلة المالكة في بريطانيا، مع انتظار خبر إعلان ولادة كيت ميدلتون دوقة كامبردج وقدوم الأميرة شارلوت لتحتل المرتبة الرابعة في ترتيب العرش الملكي، ليس هذا فقط، بل كانت لندن أيضا على وشك الاحتفال بعيد العمال الذي صادف الرابع من مايو (أيار) الحالي، وبما أن هذا اليوم عطلة رسمية في البلاد، فكانت هناك تحضيرات من قبل البريطانيين لتمضية عطلة نهاية أسبوع طويلة تبدأ من السبت وتنتهي مع عودة الصغار إلى المدرسة يوم الثلاثاء، وهذه التحضيرات تتفوق في بعض الأحيان على صعوبة التحضير للانتخابات أو حتى على ولادة كيت التي بدت سهلة وسريعة بعدما أثبتت الدوقة أنها المرأة الحديدية الجديدة في بريطانيا بعد خروجها بكامل أناقتها من المستشفى بعد 12 ساعة من الولادة.
وبما أن الأجواء اللندنية كانت تدعو للاحتفال على عدة أصعدة، ركبت الموجة وقررت اكتشاف مدينتي على طريقة السياح الذين يأتون من كل بقاع العالم لاكتشاف جمال العاصمة التي ترضي كل الأذواق وكل الاهتمامات مهما كانت.
المعروف عن السياح الأميركيين أنهم من أكثر المواظبين على زيارة بريطانيا بشكل عام ولندن بشكل خاص؛ لأن فكرة وجود عائلة مالكة وملكة وأمراء وأميرات، واليوم أميرة جديدة، تشدهم وتجذبهم، فقررت أن أتبع خطى السياح لكي أتمكن من تقدير المدينة التي أمشي في شوارعها يوميا، أشاهد معالمها ولكني لا أراها.
وكان لا بد من أن يكون الـ«ويك إند» إنجليزيا بامتياز، وهذا يعني بالطبع الإقامة في فندق إنجليزي تاريخي محض، وتناول الشاي الإنجليزي، ولو أن الشاي في لندن ليس إنجليزيا أصلا ولا يتناوله البريطانيون يوميا في تمام الخامسة كما يظن البعض، وبالأحرى، وتحديدا في هذا الوقت، يبدأ وقت الذروة، ويكون البريطانيون المساكين عالقين في زحمة مترو الأنفاق في طريق العودة إلى المنزل بعد يوم عمل طويل.
من لندن إلى لندن
بدأت الرحلة من وسط لندن مرورا بقصر باكنغهام، وبما أنني كنت أتقمص شخصية السائح في مدينته، رأيت القصر بشكل مختلف، وهو كان بالفعل مختلفا، مع إعلان وصول الأميرة شارلوت؛ حيث امتد طابور طويل خارج القصر لرؤية اللافتة المعلقة على اللوح المذهب التي تعلن ولادة الأميرة بشكل رسمي، وهذا تقليد إنجليزي معروف.. رأيت بداية الطابور ولكني لم أرَ نهايته.
وبعدها تأملت روعة زاوية حديقة «هايد بارك» التي منها تتوجه إلى منطقة نايتسبردج أو تتجه نحو منطقة بارك لاين أو بيكاديللي، ووقع اختياري على الإقامة في منطقة مايفير المعروفة بإنجليزيتها الكاملة، فهي أشبه بقرية في وسط العاصمة، وكان عنوان الإقامة فندق «ذا كونوت» المعروف أنه من أعرق عناوين الإقامة الإنجليزية المرموقة في المدينة، ولا يمكن أن تكون الضيافة أكثر «إنجليزية» من هذا الفندق، فأول من تراه عند وصولك، إلى جانب الشجرة المضاءة العملاقة والبركة ونافورة الماء العصرية مقابل الفندق، هو البواب الذي يعرف باسم «Doormen أو Usher» بلباسه الإنجليزي التقليدي؛ قبعة سوداء ومعطف طويل وقفازات باللون الأبيض، وابتسامة دائمة توحي بإقامة رائعة.
توجد في لندن عدة فنادق تترجم تاريخ المدينة العريق، ولكن يبقى «ذا كونوت» من أعرقها، فهو معروف في الأوساط الإنجليزية، وكان ينظر إليه في الماضي، واليوم أيضا، على أنه واحة من الهدوء في مدينة نابضة، كما أن «ذا كونوت»، الذي بني عام 1897، فاز بعدة جوائز؛ من بينها جائزة «أفضل فندق في المملكة المتحدة» لعام 2013، بحسب «كوندي ناست».
تدخل إليه عبر باب دوار؛ لتشم رائحة العنبر المنبعثة من الشمع الذي تم تصميم رائحته خصيصا للفندق على يد العطار «روخا»، وبعدها يقع نظرك على الأرضية المزينة بالفسيفساء والسلم الخشبي الذي تزين جدرانه اللوحات الزيتية لأشهر الفنانين.
كل ما في الفندق يذكرك بالأناقة الإنجليزية، ولكي تكون الإقامة أكثر روعة، اخترنا «The Apartment» الواقع في الطابق الأخير من الفندق، فهو أشبه بشقة سكنية كبرى تناسب إقامة العائلات، وهذه الشقة مجهزة بكل ما يحتاجه الضيف من خدمة نادل شخصي «باتلر» إلى ألعاب «بلاي ستايشن».
شقة خيالية
أروقة الفندق تتشابه من حيث الألوان واستعمال الخشب الداكن فيها، ولكن بمجرد وصولك إلى الجناح السكني «ذا أبارتمانت» تشعر كأنك انتقلت إلى مكان آخر؛ باب عملاق ومنحوتة أسد ذهبية عملاقة عليه تستخدم لقرعه، وتقف وراء الباب ديكورات رائعة، وألوان هادئة، يسيطر عليها اللونان الأزرق الفاتح والأزرق الغامق.. أرائك مخملية مريحة، وطاولات باللون الذهبي، وجدران تزينها اللوحات الفنية فيخيل إليك بأنك داخل غاليري فني.
تتألف الشقة من غرفتي نوم وغرفة جلوس، وغرفة طعام ومطبخ مجهز.. وأجمل ما فيها شرفتان تطلان على روعة لندن من فوق، وأول ما طالعني هو برج «بي تي» للاتصالات، وكتبت عليه عبارة «It’s a girl» احتفاء بقدوم الأميرة الجديدة.
ومن الشرفة ترى بيوت «مايفير» تصطف جنبا إلى جنب، وتشاهد العظمة الفيكتورية في العمران والتفاصيل الصغيرة التي استغرقت سنوات لتنفيذها.
لمحبي الخصوصية التامة، يعتبر «ذا أبارتمانت» هو الأنسب؛ لأنه يضم أكثر من مدخل ومخرج، ومن الممكن أيضا تحضير المناسبات الخاصة فيه، فلن تشعر بالحاجة للخروج منه.
وقت الراحة
إذا كنت برفقة الصغار، وتريد قسطا من الراحة لنفسك، فأنصحك بزيارة المركز الصحي التابع للفندق، ويحمل اسم «أمان»، ويضم بركة سباحة يسمح للصغار باستخدامها في أوقات معينة، وأفضل ما يمكن أن يفعله الكبار هو تجربة أحد العلاجات المبتكرة في المركز مثل: علاج التقشير، والتدليك الذي يطلق عليه اسم Aman Signature Treatment، ويمكن أن أؤكد بعد التجربة أن الاختصاصي «بيتر» من أفضل الاختصاصيين الذين قابلتهم في حياتي، فالعلاج يمتد على مدى ساعتين ونصف الساعة، ويركز على تقشير البشرة والتدليك بالوقت نفسه (تكلفة العلاج نحو 280 جنيها إسترلينيا)، وقد يكون المبلغ مرتفعا بعض الشيء، ولكن الطريقة في تطبيق العلاج ستؤكد لك أن المبلغ غير مبالغ فيه.
الشاي الإنجليزي
يعد الفندق من الأماكن المميزة بتقديم الشاي الإنجليزي في مطعم «إيسبوليت»، كما يوجد في الفندق مطعم مميز آخر يحمل اسم الطاهية إيلين داروز الحاصلة على «نجوم ميشلان»، ولقب أفضل طاهية لهذا العام. ولكن إذا أردت أن تختبر عنوانا آخر لا يقل رقيا عن «ذا كونوت» ويقع تحت اللواء نفسه، فأنصحك بحجز الشاي الإنجليزي عن طريق الكونسييرج (نسبة للطلب العالي) في فندق «كلاريدجز»، ويمكن الوصول إليه مشيا على الأقدام، فهذا العنوان مميز أيضا بتقديم أجود أنواع الشاي والساندويتشات المرافقة على أنغام الموسيقى الهادئة وفي أجواء راقية جدا ترجعك إلى حقبة غابرة؛ حيث كان الزائرون يصلون إلى الفندق في عربات تجرها الخيول.
نبذة عن «ذا كونوت»
> يتبع «ذا كونوت» إلى «مجموعة مايبورن» Maybourne Hotel Group التي تضم ألمع عناوين الإقامة في لندن مثل: «كونوت»، «كلاريدجز» و«ذا باركلي»، والصفة المشتركة بين تلك الفنادق الثلاثة، هي سمة الرقي والتقليد الإنجليزي الأصيل وعدم التخلي عن العادات القديمة، وهذا واضح وجلي من خلال كيفية تقديم الشاي، واختيار الأطباق في المطاعم والتشديد على خدمة عالية الجودة والأناقة.
يوجد في «ذا كونوت» مقهى «كوبورغ» الحائز على جائزة أفضل مقهى في أوروبا، كما يضم الفندق أول سبا آسيوي «أمان» في أوروبا أيضا.
للمزيد من المعلومات: www.the - connaught.co.uk
زيارات خاصة
> في كل مساء، يضع الكونسييرج في الفندق لائحة بزيارات ومعالم يختارها لزواره، وكلها تتناسب مع عطلة نهاية الأسبوع الإنجليزية التقليدية التي اخترناها، وكان على رأسها:
- زيارة قصر هامبتون كورت Hampton Court Palace: التي تخولك اكتشاف مقر الملك هنري الثامن الذي كان مفضلا لديه، وستسحرك الحدائق المنمقة بجمالها وزهورها، وستتعرف على نمط حياة الملك من خلال رؤية غرفة نومه. ولا بد من زيارة المطبخ الضخم، وإذا كنت برفقة الصغار، فتمتع بوقتك في المتاهة الخضراء The Maze الشهيرة.
- معرض «تايت» Tate Britain: ويضم حاليا معرضا خاصا يوثق عمل المصمم البريطاني الراحل ألكسندر ماكوين وصديقه المصور نيك وابلينغتون.
- «ناشيونال بورتريه غاليري» National Portrait Gallery: وهذه الزيارة إلزامية لمحبي الفن والصور واللوحات؛ حيث تتعرف إلى ألمع الفنانين وتنهي زيارتك بإطلالة على ساحة «الطرف الأغر» من خلال تناول القهوة في المقهى المطل على الساحة في الطابق الأخير.
- المسرح Theatre: عندما تعيش في لندن أو تزورها، يجب أن تكون زيارة المسرح من بين أولوياتك، فهذا النوع من الفن يميز لندن عن باقي المدن الأوروبية الأخرى، فهي معروفة بانتشار المسارح، لا سيما في منطقة «كوفنت غاردن»، وترى المسرحيات تمتد لعشرات السنين، وهذا الفن تقليد إنجليزي يأبى البريطانيون التخلي عنه. (من أشهر المسرحيات المعروضة حاليا والمناسبة للصغار: «تشارلي إند ذا تشوكلات فاكتوري، وماتيلدا»).