«أولوية مطلقة للتوصل بأسرع وقت ممكن إلى اتفاق لإخراج الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود ومنع حدوث (تسونامي غذائي)»، تحذر وكالات الأمم المتحدة من عواقبه الكارثية التي قد تمتد لسنوات في العديد من البلدان النامية.
هذا هو الهدف الذي يستحوذ على القدر الأكبر من جهود العواصم الأوروبية وأجهزتها الدبلوماسية منذ أيام، والذي سيكون الطبق الرئيسي، وربما الوحيد، على مائدة القمة الاستثنائية للاتحاد الأوروبي التي تبدأ اليوم في بروكسل.
يدرك الأوروبيون جيداً مدى صعوبة انتزاع هذا الهدف من موسكو من غير مقابل، خصوصاً بعد أن ذهبوا بعيداً في العقوبات وتزويد أوكرانيا بشتى أنواع الأسلحة، لكنهم على يقين من أن عواقب الكارثة الغذائية المعلنة قد تكون أفدح من تداعيات الحرب التي دخلت شهرها الرابع من غير أن يلوح بصيص أمل حول نهايتها في القريب المنظور.
الاتصالات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولز، وقبلهما رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حول هذا الموضوع، ستعرض حصيلتها اليوم أمام القمة في شكل «وعد» من الكرملين بالسماح لسفن الشحن التجارية بإخراج الحبوب الأوكرانية من ميناء أوديسا، مع «استعداد» موسكو لعدم الاستفادة عسكرياً من نزع الألغام في المياه المحيطة به.
المزاج السياسي السائد في دوائر الاتحاد الأوروبي منذ أيام يدفع إلى السير في اتجاه التوصل إلى هذا الاتفاق، على الرغم من «الثقة النسبية» التي توليها الدبلوماسيات الغربية لوعود الكرملين «بعد أن لُدغت من الجحر الروسي عدة مرات»، كما يقول مسؤول أوروبي رفيع. وليسوا قلة في الاتحاد الذين يحذرون من أن هذه الوعود الروسية قد لا تكون أكثر من مجرد مناورة تستهدف وحدة الصف بين الشركاء الأوروبيين التي بدأت تظهر عليها علامات التصدع أمام الحزمة السادسة من العقوبات التي كان من المقرر اعتمادها في هذه القمة، واتساع دائرة المعارضين لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة الثقيلة أو الهجومية.
لكن بينما تتجه غالبية الحلفاء الغربيين نحو الاتفاق الذي تسعى روما وباريس وبرلين إلى إبرامه بين موسكو وكييف، ثمة أطراف أخرى مثل واشنطن ولندن ووارسو بدأت تبحث جدياً في تزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة لفك الحصار الذي يفرضه الأسطول الروسي حول أوديسا، حيث يخشى أن تتعرض للتلف ملايين الأطنان من الحبوب.
ويقول المسؤولون في الاتحاد، إنه حتى في حال التوصل إلى مثل هذا الاتفاق الذي من المؤكد أن موسكو ستسعى إلى مقايضته بتنازلات على جبهتي العقوبات والإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا، يحتاج تنفيذه لمراحل وضمانات واتفاقات جانبية تستغرق أشهراً قبل أن تصل الحبوب إلى مقاصدها.
الاتحاد الأوروبي يقترح أن يكون الاتفاق برعاية الأمم المتحدة وتنفيذه تحت إشرافها، على غرار ما حصل بالنسبة للاتفاق الذي أدى إلى إخراج المقاتلين الأوكرانيين من مصنع الصلب في ماريوبول. ثم هناك موافقة تركيا على عبور مضائق البحر الأسود التي كانت قررت إغلاقها منذ بداية الحرب، والتي يعود لها حق السماح لسفن الدول غير المطلة على هذا البحر بعبورها بموجب اتفاقية مونترو الموقعة عام 1936. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتصل بالرئيس التركي قبل أن يتحدث والمستشار الألماني إلى بوتين، وقال إنه حصل منه على تعهد بفتح معابر بحرية لنقل الحبوب بالتعاون مع الأمم المتحدة.
وفي حال وافقت موسكو وكييف على أن تتولى دول ثالثة مهمة نزع الألغام من ميناء أوديسا والمياه المحيطة به، أعربت عدة دول أوروبية عن استعدادها لإرسال كاسحات ألغام وقطع بحرية لمواكبة السفن التي تنقل الحبوب.
وكان الكرملين أشار في بيانه حول مكالمة ماكرون وشولز مع بوتين، إلى «خطورة استمرار الغرب بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، الذي من شأنه أن يفاقم الأزمة الغذائية»، ليشير بعد ذلك إلى «أن زيادة الصادرات الروسية من الأسمدة يساعد على تخفيف التوتر في الأسواق الدولية للحبوب، الأمر الذي يقتضي رفع العقوبات».
يضاف إلى ذلك أن الطرف الأوكراني لم يحسم موقفه بعد من الاتفاق الذي يسعى الأوروبيون للتوصل إليه حول الحبوب، خصوصاً أن كمية صواريخ «هاربون» التي تسلمتها كييف مؤخراً من الدانمارك «كافية لإغراق الأسطول الروسي في البحر الأسود بكامله»، كما صرح سيرغي براتشوك الناطق بلسان البحرية الأوكرانية في أوديسا.
كذلك، أبلغت كييف الحلفاء الغربيين خشيتها من نزع الألغام في المياه المحيطة بمدينة أوديسا، التي لها قيمة رمزية عالية بالنسبة للأوكرانيين، والتي ما زالت ضمن الأهداف العسكرية لموسكو. كان وزير الخارجية الأوكراني صرح بأن أي اتفاق لنزع الألغام من ميناء أوديسا لا بد أن يكون ضمن إطار من الضمانات الكافية بعدم لجوء روسيا إلى مهاجمة المدينة.
قمة أوروبية اليوم لبحث تدفق الحبوب الأوكرانية
قمة أوروبية اليوم لبحث تدفق الحبوب الأوكرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة