لم تهدأ الأوضاع المتوترة في ليبيا بعد، فمصير شعبها مُعلق بطموحات الساسة وآمالهم، كما أن الأجندات المتقاطعة تُعيق قطار السياسة أن يصل إلى نهاية الطريق، لذا كلما ذهبت حكومة أتت أختها، فتعلقت أكثر بأذيال السلطة، وتمسكت بكرسي الحكم، لتتجه البلاد لمزيد من الاضطراب والاستقطاب. يجري ذلك وسط تدخلات دولية تسعى لرسم خريطة البلاد على نحو يخدم مصالحها النفطية، بينما البسطاء المغلوب على أمرهم ينشدون الاستقرار والخلاص، بعد عقد ونيف من الفوضى والفساد. فالصراع بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة وخصمه فتحي باشاغا، وصل إلى مرحلة أوسع من «تكسير العظم»، والشحن والتحشيد، نتيجته الأولية توقف جزئي لإنتاج النفط، وتعطل أعمال اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» التي تُعد صمام أمان في مواجهة النزوع نحو إشعال فتيل الأزمة مجدداً. ولعل الحالة التي بدا عليها الفريق محمد الحداد، رئيس الأركان العامة للجيش الليبي بـ(غرب البلاد)، في أحد الاجتماعات الهامة بالعاصمة طرابلس، عكست بعضاً من كواليس ما يجري في دهاليز السياسة وكواليس الدبلوماسية الدولية، ونقلت خوفاً محدقاً من شبح الحرب، رغم نفي ذلك. الحداد، وبلهجة حادة غير معهودة وأمام الدبيبة، نأى بالمؤسسة العسكرية عن كل التجاذبات وفرض سياسة الأمر الواقع، متعهداً بأنها «لن تسمح باستغلالها، أو مسلحيها لتحقيق مشروعات أشخاص أو الوصول للمناصب». مكمن الخطر الذي يستشرفه الحداد، من جهة، وأعضاء اللجنة العسكرية الممثلون للقيادة العامة لـ«الجيش الوطني» في لجنة «5+5» من جهة ثانية، يتمثل في تعطيل قطار السياسة واستدعاء آلة الحرب ودفع البلاد إلى الهاوية، لكنه قال: «الحرب لن تقوم... أنا مستعد أن أجول ليبيا وأناشد أهلها وأستعطفهم بأننا مضحكوك علينا؛ كل الذين يحاولون مساعدتنا يضربون بعضنا في بعض»!
في خضم متلاطم من التعقيدات السياسية والحسابات الضيقة، تعلقت آمال الليبيين قليلاً بلقاء لجنة «المسار الدستوري» التي انعقدت قبل عيد الفطر في العاصمة المصرية القاهرة سعياً للتوافق على صيغة تُنهي الجدل حول «القاعدة الدستورية» للانتخابات الرئاسية والنيابية المُنتظرة، وتعيد ضخ النفط المتوقف في بعض الحقول والموانئ، إلا أن الانقسام السياسي والاستقطاب الحاد حول الحكومتين طغى على حالة التوافق، وألقى بظلاله على المباحثات التي رعتها بعثة الأمم المتحدة. ولذا تعثرت وأُرجئت حينها إلى ما بعد عيد الفطر، وحتى الآن البلاد مرتهنة لصراع الدبيبة وباشاغا، كما أن البعثة لم تضرب موعداً جديداً لاستئناف مباحثاتها المتعثرة بعد.
الآن يخشى عدد كبير من الليبيين أن أزمة بلادهم، التي لا تزال تراوح مكانها، قد تدخل مجدداً مرحلة الاقتتال في حال فشلت الجهود الدولية والإقليمية في إنهاء التنازع على السلطة، متسائلين عما تبقى في جعبة البعثة الأممية لتقديمه للبلد، الذي استُنزفت ثرواته في الصراعات السياسية منذ عام 2011، وتعمل ستيفاني ويليامز، المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، على أصعدة مختلفة، من خلال جولات مكوكية عدة للبحث عن حل يمكّن من إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، ويحول دون تفشي الفوضى السياسية في البلاد. لكن بعض المتابعين الليبيين يرون أن «تشتت المسارات السياسية»؛ و«تمسك كل فريق بما يراه مناسباً لأجندته»، زاد من تعقيد الأزمة، وأبقى عليها دون حلّ، مشيرين إلى أن «الهوّة تتسع بين جبهتي شرق ليبيا وغربها» بما يهدد باستمرار حكومة باشاغا.
وللتذكير، جدّد مجلس الأمن الدولي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، بالإجماع تفويض البعثة الأممية 3 أشهر إضافية حتى 31 يوليو (تموز) المقبل، وسط خلافات بين روسيا وبين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشأن مدة تجديد البعثة وتعيين مبعوث أممي جديد.
- «لا جنيف ولا باريس»
يلاحظ هنا أن المسار الذي تسير فيه البعثة الأممية يختلف كلياً عما تريده أطياف ليبية كثيرة ومتباينة في توجهاتها. فالهيئة التأسيسية لمشروع الدستور ترى أن ما تفعله ويليامز، بشأن مناقشة «القاعدة الدستورية»، وما أصدره مجلس النواب أخيراً من تشكيل لجنة لتعديل الدستور «محض افتئات على حقوق الهيئة»، لتظل آفة ليبيا في أصحاب «سلطة الأمر الواقع». إذ إن من أنيطت إليهم مهمة، ولو مؤقتة، لا يريدون مغادرة مناصبهم، بل يسعون للاحتفاظ بها ولو بسفك الدم، دفاعاً عما تحقق لهم من «مكتسبات»، حتى أضحوا جزءاً من المشكلة!
ويرى سياسيون ليبيون، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أنه «كان على الدبيبة ترك موقعه فور فشله في إجراء الانتخابات العامة بالبلاد؛ وليس الترشح لرئاسة ليبيا ناقضاً تعهده بألا يقدم على ذلك»، مشيرين إلى أن البلاد «تطوق للخلاص من أزمتها، بعيداً عن الطامعين في السلطة، أين كانت انتماءاتهم».
غير أن الدبيبة، المُتحصن بكتائب عسكرية وميليشيات مسلحة مموّلة داخل «بيت الحكم» في طرابلس بمواجهة غريمه باشاغا، يتمسك بمنصبه ويواصل تأدية عمله مرتاحاً إلى «حين تسليم السلطة لحكومة شرعية منتخبة». بل يرى الحديث عن التسلم والتسليم ودخول طرابلس «عبث ومضيعة للوقت وبيع للوهم»، في إشارة إلى باشاغا، الذي فشل هو الآخر في دخول العاصمة، حتى الآن.
ومن قبيل قطع الصلة مع خريطة الطريق الأممية، قال الدبيبة، خلال حديثه وسط جمع من مشايخ مدينته مصراتة، إن «الانتخابات البرلمانية سهلة وقوانينها موجودة، وسنصل إليها مهما كاد الكائدون»، متابعاً: «لا نملك جنيف ولا باريس ولا اجتماعات... أما من يمثلون أنفسهم فنقول لهم أُغلق الطريق، ونحن سنرجع للشعب ليختار من يخدمه». وبات الدبيبة أكثر تمسكاً بمنصبه، وحدّة مما سبق في وصف حكومة باشاغا، فها هو يتحدث عن أن «ما أنتجه برلمان طبرق تحت مسمى حكومة قد وُلد ميتاً»، وأرجع ذلك إلى ما أسماه «بنتاج التزوير وفقدان الشرعية والمشروعية»، بل إنه رأى أن حصر المشكلة في محاولة دخول العاصمة ما هو إلا «قفزة على الحقيقة التي تقول من وُلد بالتزوير لن تُحييه محاولات التسلل والاقتحام، وما بُني على باطل فهو باطل».
جدير بالذكر أن مجلس النواب، الذي يعقد جلساته في طبرق بأقصى شرق ليبيا، منح الثقة لحكومة «الاستقرار» الجديدة برئاسة باشاغا، مطلع مارس (آذار) الماضي، لتكون بديلة لحكومة الدبيبة، التي انتخبها «ملتقى الحوار السياسي» الليبي في فبراير (شباط) عام 2021. وجاء منح الثقة ليفتح رسمياً باب الانقسام السياسي في ليبيا، ويجدد الخلاف بشأن «الشرعية» المتنازع عليها، في بلد لا ينجح كثيراً في الخروج من دائرة الخلاف السياسي والانقسام والفوضى منذ إسقاط نظام معمر القذافي.
ولقد سبق للمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب أن صعّد باتجاه حكومة الدبيبة، وطالب جميع المؤسسات والإدارات والمصالح والشركات العامة والخاصة والبعثات الدبلوماسية بعدم التخاطب باسم حكومة «الوحدة الوطنية» لكونها «منتهية الولاية».
- باشاغا بين سبها وسرت
في هذه الأثناء، تسعى حكومة باشاغا إلى دخول العاصمة، لممارسة مهامها بشكل مركزي من هناك، لكن أمام تمترس حكومة «الوحدة» فشلت محاولتها الأولى، مع أنها استعانت هي الأخرى بمسلحين، فمضت تؤكد، غير مرة، أنها «لن تدخل طرابلس بقوة السلاح ولكن بسلاح القانون».
ومن مدينة سبها (جنوب البلاد) بدأ باشاغا تفكيك معضلة عجز حكومته عن ممارسة مهامها بالعاصمة، ليتجاوز جانباً من التحديات التي تراكمت في طريقها وتكاد تسقطها، وذلك بعقد أول اجتماع لها من هناك، مبرراً اختياره هذه المدينة بأن «حكومته لكل الليبيين»، وأنه «لا يمكن معالجة مشكلات المناطق عن بُعد». وغمز باشاغا من قناة خصمه الدبيبة، وقال إن «ليبيا ليست غنيمة كي يستولي عليها شخص أو حكومة أو عائلة بعينها تعتقد أنها تستطيع شراء الوطن بمال الليبيين، أو شراء الرجال مقابل التنازل عن الوطن». وللعلم، تتنازع حكومة «الوحدة» وقوات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، السيطرة على سبها التي توصف بأنها «عروس الجنوب». وسبق للأخير بسط سيطرته عليها في عملية عسكرية ضد قوات حكومة «الوفاق الوطني» السابقة مطلع عام 2019.
وسعياً لحلحلة الأوضاع المتأزمة، أطلق باشاغا مطلع الشهر الحالي، مبادرة للحوار الوطني بقصد «التواصل المباشر مع الأطراف كافة والوصول إلى توافق حقيقي». ورأى باشاغا أن حكومته «مدت يدها للجميع بلا استثناء، ولم ترفض الجلوس مع أي طرف يعتقد أنها أتت ضده أو بمواجهته ومحاربته»، وذهب إلى أن المبادرة تهدف إلى «ترسيخ مبدأ المشاركة الوطنية الواسعة في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب تضافر وتعاضد الجميع».
ولكن رغم مرور أسبوع على هذه المبادرة، فإنها لم تشهد تفاعلاً على الأرض من قبل الأطراف المتنافسة. وقال باشاغا إن حكومته يهمها ممارسة مهام عملها من العاصمة طرابلس «دون سقوط قطرة دم واحدة»، و«إن لم تستطع ذلك؛ يمكننا أن نفعل من أي مدينة أخرى، وسرت هي الأقرب». ورأى أن الخلاف في بلاده ليس خلافاً ليبياً – ليبياً، «بل هو نتيجة لتدخل بعض الأطراف والدول للحصول على مكاسب دولية»، وقال: «خلافنا لا يتعدى 20 في المائة مما يحصل في ليبيا، ونحن قادرون على تجاوزه».
- الملاذ الخارجي
من جهة ثانية، ركّز الطرفان المتصارعان جهودهما على خطب ودّ الأطراف الدولية، بحثاً عن دعم إضافي يكسر حالة الجمود السياسي التي تعانيها ليبيا، وسعياً للتمكين في مواجهة «الخصم». ومبكراً تحدثت تقارير أجنبية عن محاولة حكومة الدبيبة لعقد صفقة مع مجموعة ضغط في الولايات المتحدة، بقصد التسويق لها في مقبل الأيام بمواجهة حكومة باشاغا. وشمل تقرير نشره موقع «بوليتيكو» وثائق مقدمة إلى وزارة العدل الأميركية تظهر تعاقد الحكومة في طرابلس مع «مجموعة بوديستا»، التي ستعمل معها كمقاول من الباطن، من أجل «عرض رؤيتها دولياً»، و«للضغط من أجل إجراء انتخابات نزيهة».
هذا التحرك أثار استغراب سياسيين في شرق ليبيا، بالنظر إلى «انتهاء مهام» حكومة الدبيبة، فور تكليف البرلمان لأخرى جديدة، بحسب قولهم. وفي حين عيّر موالون لباشاغا حكومة «الوحدة» بهذا التصرف - الذي لم تؤكده أو تنفه - قرأ الليبيون مقالاً لباشاغا في صحيفة «التايمز» البريطانية، يعرض فيه رغبته على المسؤولين البريطانيين بـ«شراكة استراتيجية» في مجالات الأعمال والأمن والاستخبارات المشتركة، من أجل مساعدة ليبيا على إخراج مرتزقة مجموعة «فاغنر» الروسية. وقال: «كرئيس للوزراء، وعدت بإعادة (فاغنر) إلى وطنهم، لكننا بحاجة إلى مساعدة بريطانيا... وستكون بريطانيا حليفاً لا يقدر بثمن في حرب ليبيا ضد المرتزقة الأجانب».
ولكن بعد مضي 24 ساعة على نشر المقال، تبرأ باشاغا منه، وقال عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إنه فوجئ بالمقال، وتمنى على «التايمز» تحري الدقة «لتفادي التورط في نشر مقالات مكذوبة». غير أن ليبيين كثيرين استوقفهم انتظار باشاغا 24 ساعة قبل نفي ما نشرته الجريدة البريطانية، بدلاً من تكذيبه في حينه. وأرجعوا ذلك لغضب القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» مما أورده بشأن وجود عناصر «فاغنر» في ليبيا منذ عام 2014.
- البحث عن مبعوث
أخيراً، مع تعدد التجارب التي مرت بليبيا لم تعد كثرة من الليبيين تكترث بانعقاد جلسات مجلس الأمن، ولا تلتفت إلى ذهاب مبعوث أممي ومجيء آخر. ومع هذا من المرجح أن يلتئم المجلس خلال الشهر الحالي، بعدما أفاد في تقرير له أن الوضع السياسي في ليبيا يزداد تعقيداً، مع عودة شبح الحرب الأهلية، ومخاوف من تدفق السلاح والمقاتلين على البلاد. وأوضح التقرير أن أعضاء المجلس يمكنهم في جلستهم المقبلة النظر في اعتماد بيان لتوجيه رسالة موحدة لدعم جهود الوساطة التي تجريها البعثة الأممية هناك، وإعادة التأكيد على ضرورة المضي نحو إجراء الانتخابات. كذلك يمكن لأعضاء المجلس الإعراب عن دعمهم للجهود التي يبذلها الأمين العام أنطونيو غوتيريش في إيجاد مرشح مناسب لتولي قيادة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. والحاصل أن المعضلة الليبية، بقدر ما هي رهينة لتدخلات الأطراف الخارجية، التي تقف موقف المتفرج في أحايين كثيرة، فإن البلاد التي تنتظر الخلاص، مقبلة على تحديات عظيمة في ظل وجود حكومتين متنازعتين على السلطة، كل منهما يدعي لنفسه «الشرعية».
- تاريخ من صراعات «شرعية الأمر الواقع»
> مع غياب الدستور وشيوع حالة الفوضى منذ إسقاط النظام السابق، تعاني ليبيا من ظاهرة تمسك الأجسام السياسية المؤقتة بالاستمرار في عملها، على الرغم من انتهاء مدة ولايتها في واحدة من الظواهر التي يطلق عليها الليبيون مسمى «شرعية الأمر الواقع». وإذا كان هناك من غادر السلطة انصياعاً لمتغير سياسي جديد، فثمة من يتمسك بها بالنظر إلى ما حقّقه وفق ظنّه من «مكتسبات»، في ظل ما تكرس لديه من مؤيدين، ومنتفعين أيضاً. جانب من هذه الظاهرة حدث عقب اندلاع «ثورة 17 فبراير»، والبعض الآخر يتحقق راهناً...
ففي 11 مارس 2014، صوّت «المؤتمر الوطني العام» بحجب الثقة عن حكومة علي زيدان، وتكليف وزير الدفاع عبد الله الثني بمهام رئيس الحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء جديد.
وفي 12 مارس من العام ذاته، أدى الثني اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً للحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء دائم، غير أنه ظل في هذا المنصب حتى مطلع العام الماضي، مدعوماً بشرعية مجلس النواب في طبرق، علماً بأن حكومته ظلت طول هذه الفترة لا تحظى باعتراف دولي.
وجاء تولي الثني إدارة البلاد بعدما سحب «المؤتمر الوطني العام» الثقة من زيدان، على خلفية تصريحات لمسلحين في شرق البلاد، قالوا فيها إن ناقلة محملة بالنفط كانت راسية في ميناء خاضع لسيطرتهم، أفلتت من سيطرة البحرية الليبية ودخلت المياه الدولية. وتعهد نوري أبو سهمين، رئيس «المؤتمر الوطني العام» في جلسة أذاعها التلفزيون الحكومي حينها، بدعم رئيس الوزراء المؤقت والامتناع عن عرقلة عمله؛ لكن شيئاً من ذلك لم يحدث مع تصاعد الخلافات وتفاقم الأزمات بين غرب ليبيا وشرقها.
وفي 25 أغسطس (آب) 2014، أقال «المؤتمر الوطني العام» الثني، وكلّف بدلاً منه عمر الحاسي. والحاسي، المنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، كلف تشكيل ما سمي حينها بحكومة «الإنقاذ»، غير المعترف بها دولياً، التي أعلنتها «فجر ليبيا» بمدينة طرابلس، في الوقت الذي أعلن فيه النفير والتعبئة العامة بكل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
وفي مطلع أبريل 2015 سلّم الحاسي رئاسة حكومة «الإنقاذ» لنائبه خليفة الغويل، في خطوة وصفها بأنها دليل «على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة». وهو ما وُصف بـ«نكاية» في معسكر شرق ليبيا، والبرلمان المنتخب برئاسة عقيلة صالح. وظلت حكومة الثني، غير المعترف بها في شرق البلاد، على حالها مدعومة من مجلس النواب، تتنازع السلطة مع حكومة «الوفاق الوطني» التي تشكلت في فبراير عام 2016 بموجب «اتفاق الصخيرات». وهو الاتفاق الذي وقع في المغرب يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2015 بدعم أممي.
هذا، وواصل المجلس الرئاسي السابق ممارسة عمله هو الآخر، رغم أن الاتفاق نص على أن «مدة ولاية حكومة (الوفاق الوطني) عام واحد»، إلى أن غادرها في عملية تسليم وتسلم سلسة للسلطة مع حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة الدبيبة.
ولم تقتصر هذه الأجسام على المجلس الرئاسي ومجلسه فقط، بل وصلت إلى المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، ومجلس النواب في (شرق ليبيا)، بالإضافة إلى الميليشيات المسلحة، التي تنزع سلطتها بقوة السلاح. ولقد سبق للمستشارة الأممية ستيفاني ويليامز أن دعت النخبة السياسية في ليبيا إلى التوقف عن «لعبة الكراسي الموسيقية» للبقاء في السلطة، والتركيز بدلاً من ذلك على التحضير للانتخابات، مشيرة إلى انتهاء مدة التفويض الممنوح لمجلس النواب بموجب الانتخابات التي جرت قبل أكثر من 7 سنوات، وكذلك انتهاء صلاحية المجلس الأعلى للدولة المنتخب قبل 10 سنوات.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلن رئيس مجلس النواب انتهاء ولاية حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة الدبيبة. وقال إن ولايتها انتهت في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مطالباً ببدء التحقيق في الأموال التي صرفتها الحكومة؛ خصوصاً ما يتعلق ببندي الطوارئ والتنمية، لكن رئيسها الدبيبة لم يأبه لهذا الحديث، مؤكداً استمراره في مهامه لحين انتخاب سلطة منتخبة من الشعب بشكل «شفاف ونزيه».