«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة

تعزيز العنصرية ورفض «الآخر» يزيد من مخاطر التطرف

«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة
TT

«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة

«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة

في الوقت الذي تتعالى فيه الصيحات حول العالم منددة بالإرهاب كمنتج للأصوليات الدينية، أيًا كانت تلك الأديان، يبقى هناك خطر آخر متزايد، يتمثل في الإغراق في العلمانية، إلى الدرجة التي معها اكتسب المشهد تعبيرا جديدا: «الأصول العلمانية»، والتي باتت مخاطرها لا تقل ضراوة عن الأصوليات الأخرى. هل من تعريف أولي مبدئي لهذا الطرح الجديد من الطروحات الفكرية التي باتت ولا شك فيها تؤثر على سلامة الحالة الذهنية والنفسية للكثير من شعوب العالم؟
يحتاج الحديث عن الأصولية العلمانية إلى مباحث قائمة بذاتها فلسفيًا لا سيما وأن هناك تناقضا شكليا وجوهريا في المصطلح، فالأصولية عكس العلمانية، ذلك أن الأصوليين ينظرون للنسبي على أنه مطلق، بينما العلمانيون يقيسون النسبي بنسبيته وليس بمطلقيته.
ويعرف قاموس «اربن» الأصولية العلمانية بأنها: «التمسك بأيديولوجية معادية للدين، تسخر، وتزدري وتهجو فكرة وجود إله أو آلهة، أو الدين، ولا تهتم بمشاعر التزمت والتعصب والكراهية والاضطهاد التي يشعر بها الأتباع نتيجة ذلك».
ويمكننا القول إن العلمانية تنقسم إلى جزءين، علمانية كلية شاملة، وأخرى جزئية، ولأن الأوروبيين على نحو خاص قد عانوا من النار والمرار والدمار بعد الحرب العالمية الثانية، وفقدوا الكثير من قناعاتهم بالمطلقات وفي مقدمتها الأديان، لذا تسرب «فيروس» العلمانية الكلية إلى كافة منحنيات حياتهم لنصل إلى المشهد الحالي أوروبيًا.
على أن علامة الاستفهام في هذا المقام: «هل الإغراق في هذا الشكل من أشكال الأصولية العلمانية هو الطريق إلى مجابهة ومكافحة التطرف والإرهاب الأسود حول العالم؟».
لقد ارتفع هذا السؤال إلى عنان السماوات الأوروبية وعلى نحو خاص بعد حادثة «شارلي إبيدو» في فرنسا، بداية العام الحالي. وبعض الدوائر العلمانية المتشددة قد وجدت في المشهد المؤلم آنذاك فرصة تاريخية للربط بين الأصولية والإسلام بشكل كامل، وقد نسي أو وتناسى هؤلاء أن الأصولية الفاشية، والنازية كانتا السبب الأكبر في قتل نحو ستين مليون إنسان في الحرب الكونية الثانية فقط، دون الأولى، ودون بقية الحروب المشابهة.
ومؤخرًا تحدثت أستاذة العلوم السياسية في جامعة هوفسترا كارولين دوديك إلى موقع «ميدل إيست آي» عن شكل الأخطار، محللة المشهد، وموضحة إلى أي حد ومد يمثل هذا المنحى قنبلة موقوتة ومؤلا بل يعد مستودعا يستمد منه الإرهابيون الحقيقيون أعضاءه الجدد.
ترى البروفسور دوديك أن التعاطي مع الأقليات المسلمة في أوروبا بنظرة علمانية جافة مسطحة، بوصفهم مختلفين في الشكل ويتحدثون لغات مختلفة وينظر إليهم على أنهم غرباء، أمر يجعلهم مثل الثمار الناضجة التي يقطفها تنظيم داعش أو ما يشابهه. وهنا يقيم هؤلاء الشباب مجتمعهم على شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي، ويشعر بعض الشباب بأنه جزء من هذا المجتمع الإلكتروني ولا يشعرون بأنه جزء من المجتمع في فرنسا.
بتحليل دقيق للمشهد يمكن أن، يخرج المرء بنتيجة موضوعية مثيرة، ففي مواجهة القائلين بتهديد «الأصولية الإسلامية» للديمقراطيات والحريات الغربية، يبدو أن الأصولية العلمانية تقود إلى نفس المشهد، ولو بطريق آخر، عبر تعزيز العنصرية، وتعميق الأفكار العرقية، وتوسيع الشروخ الثقافية، والمذهبية، مما يجعل من الأديان والتدين في نهاية المشهد عوائق تحول دون التقدم البشري، عوضا عن أن تكون جسورًا للتواصل والتعارف بين الأمم والشعوب.
هل فرض العلمانية فرضًا عبر القوانين المشددة والرقابة الاستخباراتية تمثل الحل الأفضل في مواجهة الإرهاب الذي بات الجميع يخشاه؟
يبدو أن ذلك ليس هو الطريق الأكثر صوابًا، والعهدة هنا على العالم السياسي الفرنسي والمتخصص في الشؤون الإسلامية، أوليفييه روي صاحب مؤلف «الجهل المقدس»، والذي يرى أن «اللائكية الصلبة الاستبدادية» ليست الحل، بل ضرورة إعادة الثقافة إلى المدرسة وطرح نقاشات عقلانية في الصفوف المدرسية، فالعلمانية ليست الرد على الإرهاب.
ويبدو أن رؤية روي تتجاوز النقاش الجاري، إلى حال فئة من الشباب المسلم الذين ساروا نحو العدمية، وهؤلاء في تقديره لم تكن معضلتهم مع «الدين الإسلامي السمح»، بل مشكلة اجتماعية تتجاوز الدين، وعليه يجب تقديم نماذج مضادة. وهذا هو التحدي الذي تواجهه العلمانية في الغرب والأصولية في الشرق، مما يحتاج إلى الجهد المدرسي الأولي من بداية المشهد، فكما أن الخطاب الديني التقليدي ربما بات في حاجة ماسة للمراجعة، هكذا أيضا العلمانية السلطوية.
البعض يتساءل حول إذا كان المشهد العلماني المتطرف في الولايات المتحدة يختلف كثيرًا عن نظيره في «القارة العجوز» على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالدر رامسفيلد. المعروف تاريخيًا أن الولايات المتحدة دولة علمانية الهوية، وبها فصل كامل بين السلطات المدنية، والقيادات الروحية، غير أن الحقيقة تتمثل في أن الولايات المتحدة دولة مغرقة في الهوى الديني، ومرد ذلك ومرجعه أن المهاجرين الأوائل الذين أطلقوا على أنفسهم «البيوريتايين» أو المتطهرين، قد اعتبروا تلك الأراضي الجديدة المكتشفة في الغرب بمثابة «أرض كنعان الجديدة» للهاربين من عبودية الأصولية الدينية في القرون الوسطى في أوروبا.
في أوائل الشهر الحالي نشر مركز «بيو للأبحاث» في واشنطن، وهو أحد أهم مراكز الأبحاث، نتائج أحدث استطلاع رأي يتناول أحوال الأديان والعلمانية في الولايات المتحدة. وقد جاءت النتائج مثيرة جدًا، فبعد حالة المد الديني اليميني الأصولي التي عرفتها الولايات المتحدة بعد عام 1967 وبشكل خاص بعد حرب الأيام الست مع العرب، نرى حالة من الارتداد إلى العلمانية مع تبعاتها واستحقاقاتها السلبية على اتباع الأديان التوحيدية بشكل عام.
للذكرى والتاريخ، تصاعد التيار الديني المسيحي المتهود أو المتصهين، وإن كان البعض يطلق عليه خطأ المسيحية الصهيونية (لأنهما ضدان لا يجتمعان)، بعد حرب يونيو (حزيران) 1967، في حين كان الأميركيون يعانون الويلات في مستنقع فيتنام، ولهذا قالوا إن «يد الرب» مع إسرائيل و«روح الرب» قد فارقت بلادهم.
ومع عصر الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، صار الصراع بين معسكري الخير والشر على أشده، فقد وجد رجال من أمثال القس جاري فالويل وروبرت باتسون المغرقين في أصوليتهما الدينية واللذين صورا ريغان بأنه المنقذ والمخلص للعالم من شر الاتحاد السوفياتي والشيوعية البغيضة. وعليه بدأت الإدارة الأميركية حملة «حرب النجوم أو الكواكب». وقد وصل التجلي الأكبر لهذه النهضة الأصولية المسيحية في زمن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، الذي ربط بين الدين والسياسة وتحدث عن «الحروب الصليبية» تزامنا مع غزو العراق.
وتشير نتائج استطلاع «بيو» هذا الشهر إلى أن نسبة الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم مسيحيين في قد انخفضت بمعدل 8 نقاط مئوية خلال سبع سنوات، ووصلت هذه النسبة الآن إلى نحو 71 في المائة، وارتفع تعداد غير المنتمين للأديان من 16 في المائة إلى 23 في المائة خلال نفس الفترة الزمنية.
حكمًا، تؤشر النتائج لاتجاه خطير ذلك أن ما يعرف بجيل الألفية (أي المولودين بين عامي 1981 – 1989) باتوا أقل ارتباطا بالتدين عن أجيال الستينات، وأجيال الحرب العالمية الثانية.
النتيجة الثانية والمباشرة لحالة «الانفلات العلماني» التي انتقل فيروسها من أوروبا هي أن عدد الملحدين وغير المنتمين للأديان، بات يتجاوز طوائف دينية شديدة الأهمية في الترتيب الديني الأميركي مثل الكاثوليك، فالملحدون صاروا يمثلون 23 في المائة، أما الكاثوليك 21 في المائة.
غير أن الأرقام السابقة تحتاج إلى تدقيق أكثر، ذلك أن أولئك الذين يظهرون عدم ارتباط بالأديان، قد لا يكونون ملحدين بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكنهم يرون أن الدين وإن كان حقيقة بالنسبة لهم إلا أن مدى الارتباط الوجداني والعاطفي، وتأثيره على طرائق تفكيرهم، ومناحي حياتهم ضعيفة وتكاد تتلاشى. وعلى هذا الأساس هم مغرقون في علمانية أشد، ويعد الأميركيون البيض أكثر عرضة للقول إنهم لا دينيون بنسبة 24 في المائة مقارنة مع 20 في المائة من الأميركيين من أصل لاتيني، و18 في المائة من ذوي الأصول الأفريقية.
وقد يدفع المسلمون في الولايات المتحدة ثمنا لهذا التغير في المعادلة الدينية الأميركية، تحت ستار يربط بين العلمانية والحريات، ويخفي في ثناياه أصولية علمانية رافضة للآخر، لا تقل عن أصولية الفكر المتطرف الديني. على سبيل، هناك المثال الدور الذي تقوم به بعض المؤسسات الأميركية المغرقة في كراهتها للمسلمين تحت دعاوى الحرية الزائفة، ومنها ما يعرف بمبادرة «الدفاع عن الحرية الأميركية»، والتي لا هم ولا شاغل لها سوى تشويه صورة المسلمين في أميركا الشمالية. إذ إنها تروج بين الأميركيين لفكرة الخيانة التي يرتكبها المسؤولون الحكوميون على المستوى الوطني المحلي، وفي الولايات، ووسائل الإعلام، وغيرهم، في الاستسلام – على حد قولها – لحركة «الجهاد العالمي والتفوق الإسلامي».
ولعل تطرف مثل هذه المؤسسات هو ما دفع بمات دس المحلل السياسي السابق في مركز التقدم الأميركي، والرئيس الحالي لمؤسسة السلام في الشرق الأوسط إلى أن يصرح «بالتأكيد أصبح تشويه صورة المسلمين صناعة مربحة للمتعصبين ضد المسلمين حيث يتم إنفاق عشرات الملايين من الدولارات في هذه الصناعة»، والحديث عن هذه الجماعات أمر مستقل قائم بذاته ولنا معه عودة.
قد تكون الأصولية العلمانية هي اعتداء على الحرية الشخصية بنفس قدر انتهاك الأصولية الدينية لكرامة الإنسان، فالأصولي العلماني صاحب رؤية أحادية نسبية، يريد لها أن تنسحب على الجميع، حتى ولو كان العالم متعدد الأقطاب والمشارب وليس أحادي اللون.
ورغم أن الأصولية العلمانية لا علاقة لها بالنصوص المقدسة ولا تقرأها بعين التشدد والتعصب كالأصولية الدينية، فإنها تقع في الفخ نفسه عندما تتعاطى مع تراث التنوير الإنساني على أنه قوالب مقدسة وما عداها لا يعتد به.
وفي كتابه «الأنوار التي تعمي» يصل المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه، إلى الوصفة السحرية: «لا نريد عقلانية أو علمانية جافة مسطحة تستبعد الدين كليًا بحجة أنه ظلاميات وفي ذات الوقت لا نبغي أصولية متعصبة تكفر الآخرين وتدعو إلى ذبحهم». هل من طريق إلى الحسنيين؟



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.