بايدن يتعهد بالتفاوض مع «نظام الأسد» لإطلاق صحافي أميركي

رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق

TT

بايدن يتعهد بالتفاوض مع «نظام الأسد» لإطلاق صحافي أميركي

تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بالتواصل «مباشرة» مع «نظام الأسد»، لإيجاد حلول لإعادة الصحافي أوستن تايس المختطَف في سوريا عام 2012.
وعقد بايدن اجتماعاً مع والدي تايس، مساء الاثنين الماضي، في البيت الأبيض، تعهد بعده بخلق تحركات إيجابية، والضغط من أجل إطلاق سراح تايس، وهو ما يعني التواصل بين واشنطن ودمشق اللتين لا تربطهما علاقات دبلوماسية، بعد قطعها في أعقاب الحرب في سوريا عام 2012.
وأثار ستيفن بورتنوي، رئيس جمعية مراسلي البيت الأبيض، قضية تايس، في خطابه بحفل العشاء السنوي الذي شارك فيه بايدن، مساء الأحد الماضي، وشاركت فيه والدة تايس، وفي اليوم التالي اتصل مسؤولون في البيت الأبيض بوالدي تايس لمقابلة الرئيس بايدن والمسؤولين في فريق الأمن القومي، لمناقشة قضية تايس.
واستمر اللقاء الذي عقد في المكتب البيضاوي، مساء الاثنين، مدة 45 دقيقة، وعلق أحد المسؤولين في البيت الأبيض على اللقاء قائلاً إن الرئيس بايدن سيواصل كل السبل، بما في ذلك «المشاركة المباشرة» لتأمين عودة الرهائن الأميركيين والأشخاص المحتجزين ظلماً.
وقال والدا تايس بعد الاجتماع إلى بايدن إنهما تلقيا كلمات مشجعة للغاية من الرئيس، وأشارا إلى أنهما يعتقدان أن اجتماعهما إلى بايدن يمكن أن يحدث تغييراً جذرياً حقيقياً.
وأعطت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، المزيد من التفاصيل، وأشارت إلى أن «بايدن كرر التزامه بمواصلة العمل من خلال جميع السبل المتاحة لتأمين عودة أوستن إلى أسرته التي طال انتظارها»، وأوضحت أن فريق الأمن القومي سيقوم باتصالات منتظمة مع عائلة تايس ومع عائلات الرهائن الآخرين.
وكرر وزير الخارجية أنطوني بلينكن، يوم الثلاثاء، تعهد الإدارة الأميركية ببذل جميع الجهود لإطلاق سراح أوستن تايس، خلال تصريحاته بمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، وقال: «سنواصل السعي بكل السبل لإطلاق سراحه».
وكانت أنباء نجاح عملية إعادة جندي مشاه البحرية الأميركي، تريفور ريد، نهاية الشهر الماضي، الذي كان معتقلاً في روسيا، قد أثارت كثيراً من التفاؤل بإمكانية أن تثمر جهود الإدارة الأميركية نجاحات مماثلة، خصوصاً أن عملية تبادل السجناء تمت في خضم توتر عالي المستوى بين واشنطن وموسكو.
وكان التواصل بين الولايات المتحدة ونظام الأسد نادراً خلال سنوات إدارة الرئيس أوباما، ومن بعده الرئيس ترمب، خلال الحرب الأهلية السورية، خصوصاً مع تصريحات المسؤولين السوريين مراراً وتكراراً برفض التفاوض بشأن قضية أوستن تايس، سواء مع المسؤولين الأميركيين أو الوسطاء الآخرين.
لكن مرور عشر سنوات على اعتقال تايس يفرض تحديات جديدة؛ فإذا كان إطلاق سراح تريفور ريد، المحتجز في روسيا منذ عامين، جاء نتيجة شهور من المفاوضات الدبلوماسية المكثفة مع موسكو، فإن الولايات المتحدة لا تملك علاقات دبلوماسية رسمية مع نظام الأسد منذ عام 2012.
وتايس (41 عاماً) هو جندي سابق في مشاه البحرية، ويعمل صحافياً مستقلاً. وقد اختطفه متطرفون في أغسطس (آب) 2012، أثناء تغطيته الأحداث في مدينة داريا السورية، ونشاطات «الجيش السوري الحر»، لصالح جريدة «واشنطن بوست» وغيرها من المؤسسات الإخبارية.
وبعد خمسة أسابيع من اختفائه في سوريا، نُشر شريط فيديو مدته 43 ثانية على «الإنترنت» ظهر فيه تايس في قبضة مجموعة من المتطرفين الذين قاموا بتقييده وعصب عينيه. ومنذ ذلك الحين أطلقت أسرته حملة لإطلاق سراحه.
وخلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، تواصل وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، مع مسؤول في الحكومة السورية لإطلاق سراح تايس، لكن المفاوضات توقفت بعد أن شنت سوريا هجوماً بغاز الأعصاب في شمال سوريا، في يونيو (حزيران) 2017. وردت إدارة ترمب بضربة صاروخية، ما أدى إلى إفشال المفاوضات. وفي أبريل (نيسان) 2018، عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي مكافأة مليون دولار لمن يعطي معلومات تقود إلى الموقع الذي يوجد فيه أوستن تايس، من دون أن تسفر تلك الجهود عن نتائج واضحة.
وتجمع عشرات الأفراد من عائلات أميركيين محتجزين رهائن في دول مثل روسيا وأفغانستان ورواندا وإيران وفنزويلا، أمام البيت الأبيض، يوم الأربعاء، ورفعوا صور أفراد عائلاتهم المحتجزين، وطالبوا إدارة بايدن بإعادتهم إلى الوطن. وقال منظمو الحملة إن ما لا يقل عن 15 أميركياً من مجموع 55 أميركياً محتجزون في دول بالخارج، يمكن إطلاق سراحهم في عملية تبادل للأسرى، كما حدث مع روسيا.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.