بوروندي تعتقل قائد الانقلاب الفاشل.. وتعيد فتح الحدود

رئيس البلاد عاد برًا من تنزانيا.. ومظاهر الاحتجاج على ترشحه لفترة ثالثة لم تختفِ

أنصار الرئيس نكورونزيزا يحتفلون بعودته إلى البلاد وفشل الانقلاب عليه في بوجمبورا أمس (أ.ب)
أنصار الرئيس نكورونزيزا يحتفلون بعودته إلى البلاد وفشل الانقلاب عليه في بوجمبورا أمس (أ.ب)
TT

بوروندي تعتقل قائد الانقلاب الفاشل.. وتعيد فتح الحدود

أنصار الرئيس نكورونزيزا يحتفلون بعودته إلى البلاد وفشل الانقلاب عليه في بوجمبورا أمس (أ.ب)
أنصار الرئيس نكورونزيزا يحتفلون بعودته إلى البلاد وفشل الانقلاب عليه في بوجمبورا أمس (أ.ب)

أعلن رئيس بوروندي بيار نكورونزيزا أمس في أول كلمة يوجهها للمواطنين بعد محاولة انقلاب فاشلة ضده أن الهدوء يسود البلاد وأن حدودها مفتوحة الآن بالكامل. وأضاف عبر الإذاعة الرسمية: «الهدوء يسود البلاد بكاملها بما في ذلك العاصمة حيث كان يعمل مدبرو الانقلاب». وأضاف أن الذين يريدون استخدام العنف «لن ينجحوا أبدًا». وأشاد نكورونزيزا بقوات الجيش والأمن لـ«فعاليتها» و«سرعتها» في «وقف» الانقلاب، كما أعلن إعادة فتح حدود البلاد.
وأدلى نكورونزيزا بهذه التصريحات بعدما عاد إلى القصر الرئاسي في بوجمبورا أمس قادمًا عبر البر من تنزانيا، بعد يومين من محاولة الانقلاب عليه.
وجاءت هذه التطورات فيما أعلن متحدث باسم الرئاسة أن السلطات ألقت القبض على قائد الانقلاب الفاشل غودفروا نيومباري. وقال متحدث باسم الرئاسة إنه «تم القبض عليه ولم يستسلم». وكان المتحدث قد أعلن في وقت سابق اعتقال ثلاثة جنرالات آخرين لدورهم في محاولة الانقلاب.
لكن رغم إحباط الانقلاب فإن مظاهر الاحتجاج على ترشح الرئيس لفترة ثالثة لم تنته كليا، إذ نزل متظاهرون معارضون لترشح الرئيس إلى شوارع العاصمة وأقاموا حواجز أشعلوا فيها النار أمس، مما دفع الشرطة إلى الانتشار ومحاولة تفريقهم بإطلاق أعيرة نارية. وكانت التظاهرات التي استمرت أسابيع وشهدت أعمال عنف قتل فيها نحو عشرين شخصًا توقفت الأربعاء الماضي عندما أعلن نيومباري محاولته الانقلابية.
وقبل توقيفه في منزله في بوجمبورا، أتيحت الفرصة للجنرال ندابانيزي ليشرح أن الانقلابيين انقسموا إلى عدة مجموعات خلال الليل قائلا: «قررنا الاختباء بانتظار الفجر وتسليم أنفسنا حتى لا نتعرض للقتل». وأكد الضابط الكبير: «لن يكون هناك سوء تصرف لن نقتلهم، نريد توقيفهم ليصار إلى محاكمتهم».
وكان الرئيس البوروندي غادر إلى تنزانيا للمشاركة في قمة لدول شرق أفريقيا حول الأزمة السياسية التي اندلعت في بلاده بعد إعلانه عن ترشحه لولاية رئاسية ثالثة في 25 أبريل (نيسان) الماضي للانتخابات المقررة في 26 يونيو (حزيران) المقبل.
وأثار ترشحه موجة تظاهرات تخللتها أعمال عنف أسفرت عن مقتل نحو عشرين شخصا. واعتبر نيومباري رفيق السلاح السابق لنكورونزيزا خلال الحرب الأهلية (1993 - 2006)، هذه الاحتجاجات الشعبية ذريعة للانقلاب وقال إن الرئيس الذي انتخب في 2005 و2010 إنما يعبر من خلال ترشحه لولاية ثالثة عن «ازدرائه» لشعبه.
وجددت منظمات المجتمع المدني المعارضة لهذا الترشيح الذي تعتبره مخالفًا للدستور الدعوة للتظاهر. وقال فيتال نشيميريمانا رئيس الائتلاف المعارض للولاية الثالثة «إن المجتمع المدني يعارض الانقلابات من حيث المبدأ، لكننا نسجل أن البورونديين استقبلوا الانقلاب بالتهليل وهذا برهان على أن الشعب البوروندي بحاجة اليوم للتغيير». وأضاف: «ندعو البورونديين مجددا إلى التحرك واستئناف التظاهرات».
والليلة قبل الماضية، قال مسؤول في الشرطة إن «الانقلابيين كانوا في حالة انهزام بعد هجومهم الفاشل على مقر الإذاعة والتلفزيون».
وتعارض جمعيات المجتمع المدني وجزء من المعارضة ترشيح نكورونزيزا لكن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، وهو المجلس الوطني - قوات الدفاع عن الديمقراطية، منقسم بهذا الشأن. ويعتبر زعيم الانقلابيين رئيس الأركان السابق الجنرال نيومباري المنبثق من صفوف الحزب الحاكم رجل حوار وشخصية تحظى بالاحترام وقد دفع ثمن إسدائه النصح لنكورونزيزا بعدم الترشح. فبعد تعيينه في ديسمبر (كانون الأول) 2014 على رأس الاستخبارات الوطنية، قام الرئيس بعزله بعد ثلاثة أشهر.
ودانت الأسرة الدولية الانقلاب ولا سيما الولايات المتحدة والأمم المتحدة. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الهدوء. ويفترض تنظيم انتخابات تشريعية في بوروندي في 26 مايو (أيار) الحالي قبل الرئاسية في 26 يونيو المقبل.
وبعد فشل الانقلاب دعت واشنطن مواطنيها إلى مغادرة بوروندي بأسرع وقت، موضحة أن «حركة الشباب الإرهابية الناشطة في الصومال هددت بشن هجمات إرهابية في بوروندي وقد تستهدف المصالح الأميركية فيها». وأثارت الاضطرابات وأعمال العنف حالة من الهلع دفعت أكثر من مائة ألف شخص للفرار من بوروندي إلى الدول المجاورة. وقالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أمس: «خلال الأسابيع الماضية لجأ أكثر من 70 ألفا إلى تنزانيا و25300 إلى رواندا وأكثر من 9 آلاف إلى مقاطعة جنوب كيفو في جمهورية الكونغو الديمقراطية».



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.