لبنان: خطة الحكومة للتعافي المالي في مأزق

الأنظار تتجه إلى «مخارج» في البرلمان الثلاثاء

أكوام من الليرات اللبنانية لدى أحد الصرافين في بيروت مع انهيار قيمة العملة المحلية مقابل الدولار (رويترز)
أكوام من الليرات اللبنانية لدى أحد الصرافين في بيروت مع انهيار قيمة العملة المحلية مقابل الدولار (رويترز)
TT

لبنان: خطة الحكومة للتعافي المالي في مأزق

أكوام من الليرات اللبنانية لدى أحد الصرافين في بيروت مع انهيار قيمة العملة المحلية مقابل الدولار (رويترز)
أكوام من الليرات اللبنانية لدى أحد الصرافين في بيروت مع انهيار قيمة العملة المحلية مقابل الدولار (رويترز)

دخلت خطة التعافي المالي، ومعها مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي في مأزق، إثر إعلان جمعية المصارف في لبنان عن رفض الخطة «جملة وتفصيلاً». وكانت «الشرق الأوسط» نشرت تفاصيل الخطة نهار الأربعاء الماضي التي تحمل المودعين والمصارف الجزء الأكبر من الخسائر، وهو ما أربك المسارات القائمة لمحاولة وضع لبنان على سكة التعافي، وسط تعويل على اجتماع اللجان البرلمانية المشتركة يوم الثلاثاء المقبل لمحاولة إيجاد مخرج للأزمة الراهنة التي تهدد حصول لبنان على مساعدات دولية واستعادة الثقة بقطاعاته وخروجه من أزماته الاقتصادية.
وأعلنت جمعية «مصارف لبنان» في بيان أمس أنها «بعد اطلاعها على خطة التعافي المعروضة من الحكومة اللبنانية والآيلة إلى تحميل المصارف والمودعين القسم شبه الكامل من الخسارة التي نتجت عن السياسات التي اعتمدتها الدولة بحكوماتها المتعاقبة ومصرف لبنان، ترفض هذه الخطة الكارثية والمخالفة للدستور اللبناني، ولسائر القواعد القانونية المرعية الإجراء، جملة وتفصيلا».
وتقدر الحكومة خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار. وقالت الجمعية إنها «كلفت مستشاريها القانونيين دراسة وعرض مروحة الإجراءات القضائية الكفيلة بحماية وتحصيل حقوق المصارف والمودعين».
وبعدما رفضت جمعية مصارف لبنان مسودة سابقة للخطة في فبراير (شباط)، قائلة إنها ستؤدي إلى فقدان الثقة في القطاع المالي، رفضت أيضاً مسودة الخطة الجديدة. ويعد هذا الموقف التصعيدي، أول إعلان رسمي صادر عن الجمعية تؤكد فيه موقفها من خطة لم تُعلن رسمياً، ولا تزال مسودة وجرى تسريبها. وقالت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الإعلان «هو بمثابة تبليغ لجميع المعنيين بالمفاوضات مع صندوق النقد وخطة التعافي، بأن جمعية المصارف هي خارج أي اتفاق مع صندوق النقد، وأنها غير معنية بتلك الاتفاقات».
وتوصل لبنان في وقت سابق من الشهر إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من (تسهيل الصندوق الممدد) لمدة 46 شهرا، وطلب لبنان بموجبه الوصول إلى ما يعادل نحو ثلاثة مليارات دولار. لكن الوصول إلى هذه الأموال مرهون بتنفيذ عدد كبير من الإصلاحات الاقتصادية وإعادة هيكلة القطاع المالي.
ويفقد الاتفاق مع صندوق «النقد الدولي» اليوم لطرف أساسي كان معنياً في التفاوض معه للتوصل إلى خطة تضع لبنان على سكة التعافي من أزماته الاقتصادية والمالية والمعيشية، ولم يعد الفريق اللبناني موحداً، خلافاً لشرط صندوق النقد الذي طلب في وقت سابق من السلطات اللبنانية، أن يحظى أي اتفاق معه بـ«توافق عريض» يشمل رسمياً، السلطتين التشريعية ممثلة بالبرلمان، والتنفيذية ممثلة بالحكومة، كما يشمل الفئات الاقتصادية والاجتماعية، وتتمثل تلك بالقطاع الخاص والمجتمع المدني، وأيضا المصارف والهيئات الاقتصادية والفئات الشعبية.
ولا تعد موافقة جمعية المصارف ضرورية لكي تبدأ الحكومة تنفيذ الخطة، لكن الخبراء يقولون إن دعمها من القطاع المصرفي يمكن أن يساهم في حل الأزمة.
ويكشف هذا الانقسام اليوم عن «تخبط سياسي في التعامل مع ملف صندوق النقد»، وحذرت مصادر اقتصادية من أن يفقد لبنان الاتفاق المبدئي الذي وقعه مع صندوق النقد الدولي، مشيرة إلى أن خطة التعافي «فقدت غطاء جمعية المصارف، وستفقد غطاء الهيئات الاقتصادية التي تعتبر نفسها متضررة من تحميل الخسائر للمودعين، بعدما فقدت الخطة التغطية الشعبية والنقابات المهنية التي رفضت الخطة ودعا بعضها إلى تصعيد في مواجهة الخطة».
وتضع المسودة الحالية سلسلة من الإصلاحات المالية، تشمل إصلاح القطاع المصرفي ووضع حدود قصوى للمبالغ التي يمكن للمودعين استعادتها من حساباتهم.
ويُضاف هذا التأزم إلى أزمة سياسية أخرى، تمثلت في انقسام سياسي لبناني حول قانون «الكابيتال كونترول» الذي تجري مناقشته، وقد أحبطت جلسة الأربعاء الماضي في البرلمان على خلفية انسحاب نواب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» الذين أصروا على مناقشة «الكابيتال كونترول» بالتوازي مع خطة التعافي.
وقالت مصادر مواكبة لملف التأزم المتزايد حول خطة التعافي المالي والإجراءات التشريعية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي لتنفيذ الاتفاق المبدئي، إن الأنظار تتجه إلى جلسة «اللجان المشتركة» في البرلمان يوم الثلاثاء المقبل، لمعرفة المخارج المطروحة في ظل الصدام المتزايد، ودخول لبنان في مآزق على كل الجبهات. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الجلسة التي قد تكون الأخيرة قبل الانتخابات النيابية وانتهاء ولاية مجلس النواب الحالي وهي «تمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي».
في غضون ذلك، أكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان أن «المطلوب إقرار (الكابيتال كونترول) شرط أن يترافق مع رؤية إنقاذية للبلد تتضمن كل الإصلاحات، وهذا ما يجب أن يحصل الأسبوع المقبل»... وقال كنعان في حديث لمحطة mtv: «إذا منحني المتنيون ثقتهم في 15 مايو (أيار) المقبل، سأعطي من وقتي وجهدي لأهل منطقتي للسعي للتخفيف من أوجاعهم الكبيرة وأعبائهم جراء الأزمات واللامركزية الموسعة عنوان أساسي سأعمل له».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».