معركة القلمون تحول عرسال وجرودها لـ«قنبلة موقوتة» في وجه تيار المستقبل

الجيش اللبناني لم يهاجم المنسحبين باتجاه أراضيه خلافًا لما توقعه حزب الله

عناصر من حزب الله في قرية البابلية في صيدا جنوب لبنان يتحلقون حول كفن زميل لهم قتل في معارك القلمون(أ.ف.ب)
عناصر من حزب الله في قرية البابلية في صيدا جنوب لبنان يتحلقون حول كفن زميل لهم قتل في معارك القلمون(أ.ف.ب)
TT

معركة القلمون تحول عرسال وجرودها لـ«قنبلة موقوتة» في وجه تيار المستقبل

عناصر من حزب الله في قرية البابلية في صيدا جنوب لبنان يتحلقون حول كفن زميل لهم قتل في معارك القلمون(أ.ف.ب)
عناصر من حزب الله في قرية البابلية في صيدا جنوب لبنان يتحلقون حول كفن زميل لهم قتل في معارك القلمون(أ.ف.ب)

يطل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني مساء يوم غد لإعلان «انتصار» الحزب والنظام السوري في معركة القلمون، فيما تسود مخاوف في أوساط فريق تيار «المستقبل» من أن تكون المعركة التي ربحها «حزب الله» قد حولت منطقة عرسال اللبنانية وجرودها إلى «قنبلة موقوتة» قد تنفجر في وجه الجيش اللبناني والقوى السياسية المؤيدة للمعارضة السورية، بعد أن أدت النتائج الميدانية لهذه المعركة إلى حشر آلاف المقاتلين من الجيش السوري الحر، وجبهة «النصرة» وتنظيم «داعش» في هذه المنطقة اللبنانية، ما قد يعيد سيناريو المواجهات التي جرت صيف العام الماضي وأدت إلى مقتل الكثير من عناصر الجيش اللبناني واختطاف 25 جنديا ورجل أمن ما يزالون في قبضة «داعش» و«النصرة».
وشرح مصدر ميداني واسع الاطلاع أجواء معركة القلمون لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «حزب الله» حشد عددا كبيرا جدا من المقاتلين والعتاد لهذه المعركة التي أرادها – مع النظام – معركة لإعادة المعنويات، بعد نكستي بصر الحرير وجسر الشغور وإدلب. وأشارت المصادر إلى أن النتائج التي حققها الحزب خلال اليومين الأولين للمعركة أدت إلى عزل منطقة القلمون عن مدينة الزبداني، حيث تم قطع الإمداد العسكري واللوجستي عن مقاتلي «جيش الفتح».
وقال مصدر في «جيش الفتح» لـ«الشرق الأوسط» بأن ما زاد الطين بلة هو استغلال تنظيم «داعش» هذه التطورات الميدانية ليتحرك، مستغلا انشغال المقاتلين بالمعركة ليتحرك من خلفهم ما سبب إرباكا شديدا، واضطرهم إلى فتح معركة إضافية كلفتهم خسارة مواقعهم أمام الضغط الناري الهائل الذي نفذه الحزب والنظام السوري. وأشار المصدر إلى قرار تكتيكي اتخذ بالانسحاب، لكن مع استمرار المقاومة لإشغال المهاجمين وتقليل الخسائر، بانتظار إعادة جمع صفوف المقاتلين وإعادة تنظيمهم. وأوضحت المصادر أن تكتيكات الحزب شملت استهداف الآليات العسكرية في المرحلة الأولى بالصواريخ الموجهة التي يمتلكها الحزب، والتي أطلقت من على منصات أرضية، أو من الطائرات من دون طيار، بالإضافة إلى غارات الطيران السوري، ما أدى إلى تحييد معظمها من ساحة المعركة في وقت مبكر وساهم في إضعاف الخصوم.
وتشير المصادر المتابعة للمعركة ميدانيا، إلى أن حزب الله انطلق في معركته من الجهة اللبنانية والسورية في الوقت نفسه، فيما كان النظام يؤازره من الجهة السورية. وأوضحت أن الحزب استطاع السيطرة على كامل المناطق اللبنانية خارج مدينة عرسال وجرودها ذات الغالبية السنية التي تجنب الاقتراب منها، ما جعل هذه المنطقة المكان الطبيعي للمعارضين السوريين. وشددت المصادر على أن الجيش اللبناني لم يتحرك لقصف أو مهاجمة المنسحبين، خلافا لما كان يتوقعه منه «حزب الله»، الذي استمر في عملياته العسكرية أمس محاولا ترسيخ المواقع التي وصل إليها والتمدد أكثر في محيطها.
وأوضحت المصادر أن الحزب والنظام حققا من خلال هذه العملية الأهداف التي أرادوها، وأبرزها تأمين طريق دمشق – حمص – اللاذقية من جهة، وطريق بيروت – دمشق من جهة أخرى، بالإضافة إلى إبعاد خصومه عن مناطق نفوذه في البقاع اللبناني.
وأمنت السيطرة على تلة موسى موقعا استراتيجيا هاما للحزب والنظام اللذين باتا يسيطران على نحو 250 كيلومترا مربعا من الأرض، من أصل نحو 1000 كيلومتر مربع هي إجمالي المساحة التي كان يتمركز فيها «جيش الفتح» و«داعش»، منها نحو 500 كيلومتر هي مساحة جرود عرسال.
لكن هذا الواقع يجعل بدوره عرسال وجرودها، مشروع معركة ميدانية جديدة قد تحصل في أي لحظة بسبب فائض القوة الذي يمتلكه المسلحون في الجبال، وحاجتهم إلى الإمدادات والمنفذ الحيوي، مشيرا إلى أن للمقاتلين ممرا واحدا حاليا يقودهم من عرسال إلى البادية السورية وريف حمص، لكن هذا الممر محكوم بالنار نهارا من قبل حزب الله والنظام السوري.
ميدانيا، ذكرت وسائل إعلام تابعة لحزب الله اللبناني، أن مقاتلي الحزب واصلو تقدمهم في منطقة القلمون السورية، حيث سيطروا أمس على «كامل مرتفع ضهر الهوا شمال شرقي بلدة يونين اللبنانية والذي يشرف بشكل مباشر على جرود عرسال» الحدودية مع سوريا، إضافة إلى السيطرة على عدد من المعابر غير الشرعية بين جرود عرسال وجرود رأس المعرة في القلمون.
ويعتبر مرتفع ضهر الهوا استراتيجيًا لناحية إطلالته على الأراضي اللبنانية، ويشرف على خطوط الإمداد بين التلال اللبنانية والمناطق الجبلية في القلمون، وتبلغ مساحته 6 كلم مربع ويتضمن عدة تلال أهمها تلة الراية وارتفاعها 2330م عن سطح البحر.
ورغم تقدمه، تكبد حزب الله خسائر بشرية ناهزت الـ18 عنصرا على الأقل من حزب الله و31 عنصرا من قوات النظام والدفاع الوطني، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بينهم ثلاثة على الأقل في معارك أمس، فيما قتل 36 عنصرا على الأقل من جبهة النصرة والفصائل الإسلامية، منذ بدء المعارك المستمرة منذ الرابع من الشهر الحالي.
وأفاد ناشطون سوريون بأن مقاتلي جيش الفتح الذي يقاتل حزب الله في القلمون، استهدفوا جرافة عسكرية تابعة لحزب الله بصاروخين موجهين من نوع «ميلان»، أثناء تحركها باتجاه جرود رأس المعرة، حيث يعمل الحزب على تدشيم مواقعه، واستحداث مواقع جديدة له، مؤكدين أن العملية «تأتي ضمن خطط الكمائن التي ينفذها المقاتلون المعارضون في جبال القلمون».
وتكمن أهمية تلة موسى وهي الأعلى في سلسلة جبال لبنان الشرقية في إشرافها على مناطق حدودية عدة بين سوريا ولبنان يتحصن فيها مقاتلو النصرة والفصائل الإسلامية.
وبذلك، يكون حزب الله قد سيطر على مرصد الزلازل في القلمون وغالبية مرتفعات جبل الباروح، الذي يتألف من سلسلة جبال الباروح وترتفع نحو 2450 مترًا عن سطح البحر وهي عبارة عن مجموعة تلال تبلغ مساحتها التقريبية 20 كلم مربع ما يتيح لهم التقدم في جرود رأس المعرة وفليطا ويستهدفان نقاط تجمع المسلحين في المنطقة. وسيطرت قوات النظام وحزب الله في أبريل (نيسان) 2014. على مجمل منطقة القلمون وطردت مقاتلي المعارضة منها. لكن المئات من هؤلاء تحصنوا في مناطق جبلية في القلمون ينطلقون منها لشن هجمات على مواقع قوات النظام والحزب.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.