أوكرانيا: إلى النووي دُر

مسيرة في برلين أمس للمطالبة بوقف الحرب بأوكرانيا (د.ب.أ)
مسيرة في برلين أمس للمطالبة بوقف الحرب بأوكرانيا (د.ب.أ)
TT

أوكرانيا: إلى النووي دُر

مسيرة في برلين أمس للمطالبة بوقف الحرب بأوكرانيا (د.ب.أ)
مسيرة في برلين أمس للمطالبة بوقف الحرب بأوكرانيا (د.ب.أ)

أظهرت الحرب على أوكرانيا هشاشة الجيش الروسيّ التقليديّة في كلّ المجالات: في القيادة والسيطرة، في قيادة عمليات عسكريّة معقدّة، وحتى في إدارة المسرح الحربيّ والتنسيق بين القوى المتعدّدة، من قوى بر وبحر وجو، وغيرها من الأبعاد.
لقد حذّر الرئيس بوتين الغرب من التدخّل في الحرب الأوكرانيّة، وإلا فالعاقبة ستكون كبيرة وخطيرة. ولدعم تهديده، رفع مستوى الجهوزيّة النوويّة لخلق درع غير تقليديّة تحمي عملياته التقليديّة على الساحة الأوكرانيّة. وبالفعل، تلقّت أميركا الرسالة بوضوح، وحدّد الرئيس جو بايدن بناءً عليها خطوطه الحمر لمستوى التدخّل الأميركي في أوكرانيا؛ وهي: لا تدخّل أميركياً مباشراً، لا أسلحة تقلب الموازين بشكل كبير، من طائرات حربيّة وغيرها، وإنما إدارة الحرب تحت العنوان التالي: إطالة مدّة الحرب عبر الدعم العسكريّ والاستخباراتي، صمود الجيش الأوكراني، استنزاف الجيش الروسي، وحرب اقتصاديّة كونيّة على روسيا. والهدف هو خلق معادلة ردعيّة تراكميّة، بحيث تصبح كلفة الحرب على الرئيس بوتين أكبر بكثير من الأرباح الممكن تحقيقها، علّ ذلك يحدث تغييراً سياسيّاً في الداخل الروسي. فالرئيس بوتين هو المشكلة، وهو ليس من ضمن معادلة الحلّ المرتقب، والذي لا يلوح في الأفق حتى الآن. ومع مسار الحرب المُدمّرة، يطًلّ التهديد النووي برأسه من فترة إلى أخرى، ليُذّكر الكلّ بالخطوط الحُمر لهذه الحرب.
- فما الجديد في الأمر؟
أمران مهمان، هما: أوّلاً، سعي كلّ من فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف «الناتو». ثانياً، الردّ التهديدي على هذا الأمر من قبل الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف، وتصريح مدير الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وليم بيرنز، حول إمكانية استخدام بوتين للسلاح النووي. وعن هذين الأمرين، تبدو فنلندا مستعجلة أكثر من السويد للانضمام إلى حلف «الناتو». ويعود هذا الأمر إلى التجارب الدمويّة المرّة لفنلندا مع الاتحاد السوفياتي، خصوصاً مع جوزيف ستالين الذي شن «حرب الشتاء» عليها في عام 1939 لتغيير النظام وضمّها إلى منطقة نفوذ الاتحاد السوفياتي. خسر ستالين في تلك الحرب 130 الف جندي، لكنه ضم قسماً من أراضي فنلندا تحت جناحه. هذا مع التذكير بأن الحدود المشتركة بين فنلندا وروسيا تقارب 1300 كيلومتر.
لكن، لا بد من الإشارة إلى أن النموذج العسكري والاستراتيجيّة الفنلنديّة للدفاع عن البلاد في حال تعرّضها لهجوم روسيّ، يندرجان تحت اسم «الأمن الشامل». وهذا يعني: الكلّ مع الكلّ ضد المعتدي، وهو روسيا في هذه الحالة، والاستعداد لكلّ الحالات الطارئة، من حرب أو كارثة طبيعيّة أو جائحة معيّنة، أو حتى حرب سيبرانيّة.
هذا بالنسبة إلى فنلندا. أما السويد، فكانت ولا تزال تتعرّض لتحرشّات روسية، سواءً في الجو أو البحر، انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي المطل على بحر البلطيق والمقابل لجزيرة غوتلاند السويديّة التي تعد نقطة ضعف السويد، والتي كانت روسيا قد احتلّتها في عام 1808. ويبعد الإقليم عن الجزيرة مسافة 300 كيلومتر، وتبعد الجزيرة عن الداخل السويدي 90 كيلومتراً.
باختصار، تندرج مقاربة الدولتين للانضمام إلى حلف «الناتو» تحت الشعار التالي: «الأمن ضمن القطيع أو الجماعة»، على غرار شعار «مناعة القطيع» في التعامل مع جائحة «كوفيد - 19» (Herd Security, Herd Immunity)
- ماذا يعني انضمام الدولتين لـ«الناتو»؟
> يعني أن خطوط التماس مع روسيا لدول حلف «الناتو» ستصبح أطول. فبعد أن كانت 1200 كيلومتر مع 30 دولة في الحلف، سيُضاف إليها طول الحدود الفنلنديّة، وهو 1300 كيلومتر، كونه لا توجد حدود مشتركة لروسيا مع السويد.
> ستتغيّر البيئة الأمنيّة الاستراتيجيّة في محيط روسيا المباشر، وبدل الانحسار، سيتمدّد «الناتو» كما أشار الرئيس بوتين قبيل الحرب على أوكرانيا، عندما تحدث عن توسّع «الناتو».
> توسّع «الناتو» إلى فنلندا والسويد يعني أن احتواء روسيا في القرن 21 سيمتدّ من النرويج وفنلندا وحتى تركيا. هذا مع التذكير بأن لتركيا حالة خاصة تجاه علاقة «الناتو» بروسيا. فهي تريد الاستفادة من عضويّة «الناتو»، لكنها أيضاً تريد الاستفادة من الوضع الروسي. فتركيا قلقة من روسيا القويّة لأنها في محيطها المباشر، من الشمال في البحر الأسود والقرم، ومن الجنوب في سوريا، أي ما يشبه التطويق. وهي تعتمد على الطاقة الروسية بشكل كبير، وعلى التجارة مع روسيا، كما السياحة.
وحذّر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف من توسّع «الناتو» مجدّداً، فوجّه رسالة نوويّة للبلدين، فنلندا والسويد، قال فيها ما معناه: «لا يريد شخص عاقل تحمّل نتائج هذا السلوك... من زيادة التوتّرات على الحدود، إلى صواريخ إسكندر، وصواريخ فرط صوتيّة، وسفن مزّودة بسلاح نوويّ على مسافة قصيرة جداً من هذه الدول».
في مكان آخر، وفي الإطار نفسه، قال وليم بيرنز مدير الـ«سي آي إي»، وهو الخبير المتميّز في السياسة الروسية، إن الرئيس بوتين قد يلجأ إلى استعمال السلاح النووي من فئة «ما دون الاستراتيجي» (Low Yield Sub-Strategic) في حال فقدان الأمل في تحقيق نصر ما على الساحة الأوكرانيّة.


مقالات ذات صلة

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا ترمب وزيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: ترمب قادر على وقف بوتين

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الخميس إن بمقدور الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أن يحسم نتيجة الحرب المستعرة منذ 34 شهرا مع روسيا،

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)

زيلينسكي: عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب قد يساعد في إنهاء حرب أوكرانيا

اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد يساعد على إنهاء الحرب مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا صورة من مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية 7 نوفمبر 2024 يُظهر جنوداً من الجيش الروسي خلال قتالهم في سودجانسكي بمنطقة كورسك (أ.ب)

روسيا: كبّدنا القوات الأوكرانية خسائر جسيمة على محور كورسك

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، اليوم الخميس، أن الجيش الروسي استهدف القوات المسلحة الأوكرانية بمقاطعة كورسك، وكبّدها خسائر فادحة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.