زلزال الجولة الرئاسية الأولى يطيح التوازنات السياسية في فرنسا

صحيفة فرنسية تظهر المرشحين للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ، ماكرون ولوبن  ( إ ب أ)
صحيفة فرنسية تظهر المرشحين للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ، ماكرون ولوبن ( إ ب أ)
TT

زلزال الجولة الرئاسية الأولى يطيح التوازنات السياسية في فرنسا

صحيفة فرنسية تظهر المرشحين للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ، ماكرون ولوبن  ( إ ب أ)
صحيفة فرنسية تظهر المرشحين للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ، ماكرون ولوبن ( إ ب أ)

إنه زلزال سياسي من الدرجة الأولى... هكذا يمكن تلخيص تبعات النتائج النهائية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي شهدت تأهل الرئيس إيمانويل ماكرون (27.85 في المائة من الأصوات) ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن (23.15 في المائة)، فيما حصل مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون على 21.95 في المائة، بفارق أقل من 500 ألف صوت عن لوبن.
أهمية الزلزال ليست في تأهل الرئيس المنتهية ولايته ومنافسته من اليمين المتطرف، بل في التغير الجذري الذي أصاب المشهد السياسي الفرنسي مع الهزيمة الساحقة التي لحقت بالحزبين التقليديين في فرنسا: حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي بشخص مرشحته فاليري بيكريس، والحزب الاشتراكي بشخص آن هيدالغو. الأولى حصلت على 4.8 في المائة من الأصوات، والثانية التي حلت في المرتبة العاشرة (من بين 12 مرشحاً) حصلت على 1.8 في المائة من الأصوات، وهو أدنى مستوى حصل عليه مرشح اشتراكي إطلاقاً.
وبما أن النتائج جاءت على هذا الشكل، فإنها تعني عملياً أن ما اعتادت عليه فرنسا، منذ تأسيس الجمهورية الخامسة قبل 64 عاماً، لجهة تداول السلطة بين الحزبين المذكورين، حيث أرسل اليمين الكلاسيكي خمسة رؤساء إلى قصر الإليزيه والحزب الاشتراكي رئيسين، انقضى إلى غير رجعة، وحلت محله صيغة مستجدة قوامها قيام ثلاث كتل سياسية شبه متساوية: كتلتان، الأولى لليمين المتطرف والثانية لليسار المتشدد، والثالثة كتلة مركزية وسطية تضم شرائح من اليمين واليسار وخليط من الشخصيات يشد عصبها الرئيس ماكرون، الذي جاء إلى السلطة متسلحاً بفلسفة تخطي الأحزاب التقليدية وازدواجية اليمين واليسار.
ويكمن خطر الصيغة الجديدة في أن التداول على الحكم لن يتم بعد اليوم بين أحزاب لها ثقافة حكومية، بحكم تاريخها وتسلمها طيلة ستة قرون مسؤولية الدولة الفرنسية، بل بين كتلة مركزية وسطية، وكتلة تقع أقصى اليمين أو أقصى اليسار. وفي الحالتين، يشكل ذلك ما يشبه الثورة السياسية التي لها تبعاتها في الداخل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً كما على حضور فرنسا في الخارج وخصوصاً على دورها الرائد في إطار الاتحاد الأوروبي التي هي أحد مؤسسيه. كما أنها تشكل، مع ألمانيا، القاطرة التي تدفع به تقليدياً إلى الأمام.
منذ إعلان النتائج ليل الأحد - الاثنين، بدأت حملة انتخابية جديدة عنوانها إقناع أو إغراء ناخبي المرشحين العشرة الذين خرجوا من السباق بالتصويت لأحد المتأهلين، ماكرون أو لوبن. هذان المرشحان حصلا معاً على 51 في المائة من الأصوات. وبعد أقل من 24 ساعة، توضحت صورة المشهد السياسي: بيكريس وهيدالغو ومرشح الخضر (يانيك جادو) ومرشح الحزب الشيوعي فابيان روسيل دعوا إلى الاقتراع لصالح ماكرون يوم 24 الجاري، ليس حباً به وإعجاباً بسياسته، بل لقطع طريق الإليزيه على لوبن.
وفي المقابل، فإن المرشح اليميني الأكثر شعبوية ويمينية أريك زيمور الذي حلّ في المرتبة الرابعة بحصوله على 7.1 في المائة من الأصوات (2.442 مليون صوت) ونيكولا دوبون إينيان المرشح اليميني السيادي (2.1 في المائة و726 ألف صوت) دعيا للتصويت لصالح لوبن. وترك المرشح المستقل جان لاسال (3.2 في المائة من الأصوات) الحرية لناخبيه.
بيد أن بيضة القبان للدورة الثانية موجودة عند ميلونشون الذي منحه 7.605 مليون ناخب صوته. وفي كلمته لمناصريه بعد إعلان النتائج حرص على دعوتهم بقوة (وقد ردد ذلك أربع مرات) «لعدم إعطاء صوت واحد» لمرشحة اليمين المتطرف. بيد أن ميلونشون، كبقية المرشحين لا يمتلك أصواته وليس من المؤكد أن دعوته ستلقى آذاناً صاغية وسيعمل ناخبوه بوحيها. واللافت أنه لم يدع للتصويت لصالح ماكرون، ما يترك الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «أيبسوس - سوبرا - ستيريا» عقب إعلان النتائج أن 34 في المائة من أصوات ميلونشون يمكن أن تذهب إلى ماكرون و30 في المائة لصالح لوبن بينما 36 في المائة أعلنوا أنهم سيمتنعون عن التصويت.
يبين الواقع الجديد والأرقام والنسب المعروفة أن كلا المرشحين سيواجه صعوبة في تحديد الاستراتيجية التي سيتبعها لتوسيع قاعدته الانتخابية. وما برز حتى اليوم يظهر أن استراتيجية ماكرون تقوم على محاولة إحياء ما يسمى «الجبهة الجمهورية» التي يمكن أن تضم كل الرافضين، من جميع ألوان الطيف السياسي، لتمكين لوبن من الوصول إلى قصر الإليزيه.
وفي المقابل، تسعى الأخيرة لتعبئة صفوف كل الذين لم يصوتوا لصالح ماكرون (72 في المائة من المقترعين)، وهي تعبر أنهم اقترعوا ضده وبالتالي فإنها لم تتأخر في دعوتهم للانضمام للجبهة التي تقودها.
واضح أن ماكرون، كما منافسته، بحاجة لأصوات تأتيه من جميع التلاوين السياسية لاجتياز سقف الخمسين في المائة الضروري للفوز بالرئاسة. من هنا، الإشكالية الصعبة وبروز ميلونشون على أنه «الرقم الصعب» في المعادلة السياسية الجديدة. والصعوبة بالنسبة للرئيس الحالي تكمن في أنه يتعين عليه أن يعتمد خطاباً ويطلق وعوداً من شأنها أولاً تغيير صورته لدى الشرائح الوسطى والدنيا، علماً بأنه ينظر إليه على أنه «رئيس الأغنياء»، وأن يعدل برنامجه الانتخابي بحيث يأخذ في الاعتبار أوضاع هؤلاء.
وأكدت دراسة سوسيولوجية لنتائج الجولة الأولى أن الفئات الميسورة والكادرات العليا والمهن الحرة والمتعلمين من أصحاب الشهادات العليا، كل هؤلاء يشكلون عصب الكتلة الانتخابية لماكرون. وفي المقابل، فإن العمال والموظفين وذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل وسكان الأرياف يميلون أكثر لصالح لوبن (وأيضاً لصالح ميلونشون). ولذا، فإن ماكرون بكر أمس في زيارة لمدينة «دينان» الواقعة شمال البلاد التي تميل إلى اليمين المتطرف وحرص على تأكيد أنه يفهم تطلعات الناس، مؤكداً أنه يعي أن برنامجه الانتخابي «بحاجة إلى إثراء»، إذ ينظر إليه بشكل عام على أنه يميني التوجه. وقال «ماكرون»: «ثمة أشخاص صوتوا لصالحي أو امتنعوا عن التصويت لإقامة سد بوجه لوبن لكن هذا لا يعني أنهم يتبنون برنامجي وسأسعى معهم لاستكماله». وأخذ على ماكرون أنه لا يهتم بالشغل الشاغل للفرنسيين، وهو القدرة الشرائية والتضخم والخوف من المستقبل ومصير النظام الصحي والرعاية الاجتماعية وغلاء أسعار الطاقة. وكلها مسائل كرست لها لوبن الوقت الكافي. والصعوبة بالنسبة لماكرون تعود لحاجته لاجتذاب ناخبي اليسار من غير تنفير ناخبي اليمين. وما يصح عليه يصح على لوبن التي لم يدع للاقتراع لها سوى منافسها اليمين المتطرف أريك زيمور ودوبون أينيان. وتعول لوبن على اجتذاب أصوات اليمين الكلاسيكي، أي حزب أنصار حزب «الجمهوريون». والحال أن رئيس الحزب، النائب كريستيان جاكوب، أعلن أمس في مؤتمر صحافي أنه «لا يتعين أن يذهب صوت واحد لصالح مارين لوبن». وكانت مرشحته فاليري بيكريس أكدت ليل الأحد أنها ستصوت لصالح ماكرون الذي نجح منذ عام 2017 في اجتذاب العديد من أركانه. يضاف إلى ذلك أن العديد من قادة اليمين يشكلون عماد حكومة ماكرون الحالية، ومنهم رئيسها جان كاستيكس ووزيرا الاقتصاد والداخلية برنو لو مير وجيرالد درامانان وغيرهم. وينسب لماكرون رغبته، عقب الانتخابات الرئاسية وقبل التشريعيات المرتقبة في شهر يونيو (حزيران) القادم، في تشكيل حزب أو تجمع واسع تكون نواته حزب «الجمهورية إلى الأمام» الذي يملك الأكثرية في مجلس النواب، ويكون بمثابة الحاضنة التي تستقبل كل الذين يريدون مساندة برنامجه الرئاسي للسنوات الخمس القادمة أكانوا من اليمن أو اليسار ويكون الجهة التي ستسمي مرشحيها للانتخابات النيابية القادمة.
وفي أي حال، يراهن ماكرون على قدرته لاجتذاب نسبة من الذين قاطعوا الجولة الأولى (26 في المائة) ودفعهم للتصويت لصالحه.
يبقى أن استطلاعات الرأي تبين أن الرئيس الحالي يستطيع الاعتماد على خزان من الأصوات أكبر مما يمكن أن تحشده لوبن. ووفق آخر ما صدر، فإن فوز ماكرون مرجح يوم الأحد ما بعد القادم ولكن بفارق تقلص كثيراً عن التقدم الذي حققه على لوبن في عام 2017 والبالغ 32 نقطة.
ويرجح الاستطلاع الأخير أن يفوز ماكرون بنسبة تتراوح ما بين 51 في المائة و54 في المائة، فيما ستفشل لوبن في تخطي سقف الـ50 في المائة بحيازتها نسبة تتراوح ما بين 46 في المائة و49 في المائة. وبالنظر إلى تقارب النسبتين، فإن نتيجة المبارزة غير محسومة سلفاً.
ويترقب الفرنسيون المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي ستحصل بين المرشحين في العشرين من الشهر الجاري. ويقول المقربون من لوبن إنها «تحضرت لها بشكل جيد» وأن تركيزها سيكون على محصلة حكم ماكرون في السنوات الخمس المنقضية والتنبيه من مخاطر بقائه في قصر الإليزيه خمس سنوات إضافية.
وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2017، أظهرت المناظرة التلفزيونية تفوق ماكرون في التمكن من المواضيع كافة خصوصا الاقتصادية والمالية وإخفاق لوبن في إقناع المشاهد بجدية برنامجها الانتخابي. وكان من بين اقتراحاتها الخروج من العملة الموحدة اليورو لا بل من الاتحاد الأوروبي ومن اتفاقية شنغن... وكل ذلك غاب عن برنامجها الحالي.



«الجمعية العامة» تطالب بأغلبية ساحقة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة

من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

«الجمعية العامة» تطالب بأغلبية ساحقة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة

من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)

دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار غير ملزم صدر بغالبية ساحقة وصوّتت ضدّه خصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة.

والقرار الذي صدر بغالبية 158 دولة مؤيدة في مقابل 9 دول صوّتت ضدّه و13 دولة امتنعت عن التصويت، يدعو إلى "وقف لإطلاق النار فوري وغير مشروط ودائم" وكذلك أيضا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن"، وهي صيغة مشابهة لتلك التي وردت في مشروع قرار استخدمت ضدّه واشنطن في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الفيتو في مجلس الأمن الدولي.

واستخدمت الولايات المتحدة يومها حق النقض لحماية إسرائيل التي تشن منذ أكثر من سنة هجوما عسكريا في قطاع غزة ردا على هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس على جنوب الدولة العبرية. وعطّل الأميركيون في حينها صدور قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق نار "فوري وغير مشروط ودائم" في غزة، مشترطين من أجل إقرار أي هدنة إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في القطاع منذ هجوم حماس.

وقبيل التصويت على النصّ، قال نائب السفيرة الأميركية في الأمم المتّحدة روبرت وود إنّه سيكون من "المخزي" تبنّي مشروع القرار لأنّه "قد يوجّه إلى حماس رسالة خطرة مفادها أنّ لا حاجة للتفاوض أو لإطلاق سراح الرهائن"، في وقت تحدّثت فيه وزارة الدفاع الإسرائيلية عن "فرصة" لإبرام اتفاق لاستعادة الرهائن.

بدوره قال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون إنّ "تصويت اليوم ليس تصويت رحمة، بل هو تصويت تواطؤ" و"خيانة" و"تخلّ" عن الرهائن المحتجزين في القطاع الفلسطيني.