مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»

قائد «القيادة الوسطى » يشدد على أهمية «الوفاء بالتزامات » واشنطن تجاه حلفائها

مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»
TT

مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»

مايكل كوريلا... جنرال أميركي يواجه تحديات «عالم يتغيّر»

يكاد يكون قائد «القيادة الأميركية الوسطى» (سينتكوم)، أحد أبرز الشخصيات العسكرية الأميركية الممثلة والفاعلة والمؤثرة، في التعبير عن الموقف الأميركي في منطقة عمليات هذه القيادة. ولطالما حظيت «جولات» قائدها على دول المنطقة، بمتابعات دقيقة؛ لمعرفة اتجاهات بوصلة تلك القيادة، في أوقات السلم والحرب معاً.
وإذا كان الموقف الأميركي الرسمي، غالباً ما تعبر عنه وزارة الخارجية، سواء بشخص وزيرها أو ممثليه ومساعديه، أو من الموفدين الخاصين والشخصيين من البيت الأبيض، فإن خصوصية منطقة العمليات التي تغطيها «سينتكوم»، كانت تعطي قائدها موقعاً متقدماً في تقديم «ضمانات»، عن مدى التزام الولايات المتحدة بتعهداتها السياسية والأمنية في تلك المنطقة. غير أن التبدلات الاستراتيجية التي توالت على نظرة الولايات المتحدة إلى أولوياتها السياسية والتحديات التي تواجهها، في ظل صعود الصين كأكبر «منافس» استراتيجي لها، ألقت بشكوك عميقة على تلك الالتزامات. وأدت في السنوات الأخيرة إلى حصول تغييرات وتداعيات على دور القيادة المركزية وعملياتها في المنطقة، وأولويتها بالنسبة إلى العقيدتين العسكرية والسياسية لأميركا.

اليوم، مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، بدا أن «المناقشات العميقة» التي يجريها قادة البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، ويعبّرون عنها بشكل علني، تشير إلى أن «إعادة» نظر جارية، لتقييم مدى صوابية الاستمرار في سياسة الابتعاد عن المناطق «الهامشية» وصلاحيتها، في الرد على التحديات التي عادت لتفرض نفسها بقوة. هذا ما عبر عنه الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، في شهادته قبل أيام أمام مجلس النواب، عندما حذّر من أن المرحلة المقبلة، قد تشهد «احتمال نشوب صراع دولي كبير بشكل متزايد».
ومع تولي الجنرال مايكل كوريلا مقاليد قيادة منطقة عمليات القيادة الوسطى، تطرح تساؤلات عمّا إذا كانت قيادته ستحدث فارقاً، وتحمل تغييراً في نظرة الولايات المتحدة إلى المنطقة؟ فالرجل جاء إلى مقر الاحتفال في تامبا بولاية فلوريدا، (مقر القيادة الوسطى)، آتياً مباشرة من مهمة الإشراف على نشر القوات الأميركية في أوروبا، بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
من نافل القول، أن الاستراتيجية الأميركية التي جرى تبنيها مبكراً، منذ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وحافظ عليها الرئيس دونالد ترمب، كانت تشير إلى أن القارة الأوروبية ومنطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، لم تعد أولوية. وبالتالي، تتحول الطاقات والموارد نحو مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهادي والهندي. ورغم أن الرئيس الحالي جو بايدن، لا يزال حتى اللحظة، ملتزماً بتلك الاستراتيجية، فإن المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، أعلن الجمعة الماضية أن «الأحداث الأخيرة في أوروبا، غيرت الكثير من الأمور، بما في ذلك كيفية تفكير الولايات المتحدة في وضع قوتها الحالي». وقال إن «التغيير في الوضع الأمني في أوروبا قد يعني وجود قوة أميركية في أوروبا مختلفة عما كان متصوراً في البداية قبل غزو روسيا لأوكرانيا». وأردف «البيئة الأمنية مختلفة الآن. وأعتقد أننا نعمل على افتراض أن أوروبا لن تكون كما هي «بعد الآن»... «لذلك؛ ربما لا ينبغي أن يكون لدينا النظرة نفسها إلى وضعنا في أوروبا».

- من هو مايكل كوريلا؟
في بطاقة تعريفه المنشورة على موقع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ومواقع إلكترونية أخرى، فإن اللواء مايكل «إريك» كوريلا، القائد الخامس عشر للقيادة الأميركية الوسطى، المولود عام 1966 في ولاية كاليفورنيا، نشأ في إلك ريفر بولاية مينيسوتا، وخدم في سلاح المشاة بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت عام 1988، وحصوله على درجة البكالوريوس في هندسة الطيران. وبعدها حصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ريجيس، ودرجة الماجستير في دراسات الأمن القومي من الكلية الحربية الوطنية.
وخلال حياته المهنية، قاد كوريلا وحدات العمليات الخاصة المحمولة جواً، والميكانيكية، وقوات «سترايكر»، ووحدات العمليات الخاصة المشتركة في القتال وحفظ السلام وعمليات النشر التشغيلية. وشارك في الهجوم المظلي في بنما، وخدم في عملية «عاصفة الصحراء» في العراق، وعملية «استعادة الأمل» في هايتي، والعملية المشتركة في كوسوفو ومقدونيا، وعملية «العزم المشترك» في البوسنة والهرسك، وعملية «حرية العراق»، وعملية «الحرية الدائمة» في أفغانستان، وعملية «العزم المتأصل» في العراق أيضاً.
لقد أمضى كوريلا نحو عقد من الزمن من 2004 إلى 2014 في قيادة العمليات التقليدية والخاصة في العراق وأفغانستان، التابعة لمنطقة القيادة الوسطى. فعام 2005، عيّن في العراق قائداً لكتيبة «سترايكر» في فرقة المشاة الخامسة والعشرين. وحصل على «النجمة البرونزية» بعد معركة في مدينة الموصل، التي «أصيب فيها ثلاث مرات، لكنه واصل إطلاق النار على المتمردين أثناء توجيه قواته». وكان قائداً سابقاً للفوج 75 (راينجر).
ومن العام 2012 إلى 2014 كان مساعد القائد العام لقيادة العمليات الخاصة المشتركة. وشغل من العام 2016 حتى 2018، منصب القائد العام للفرقة 82 المحمولة جواً، التي نشرت الشهر الماضي في الجناح الشرقي لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو). ومن العام 2018 وحتى 2019 شغل منصب رئيس أركان القيادة الوسطى، ليتولى بعدها قيادة الفيلق 18 المحمول جواً في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ومسؤولية الإشراف على نشر القوات الأميركية في ألمانيا، استجابة للأزمة الروسية – الأوكرانية نهاية عام 2021 وبداية 2022.
في احتفال تسليم وتسلم مقاليد القيادة الأميركية الوسطى الجديدة، بين كوريلا والقائد السابق الجنرال كينيث ماكينزي، في أول أبريل (نيسان) الحالي، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إن «المنطقة التي تغطيها قيادة (سينتكوم)، هي المكان الذي نحمي فيه الممرات المائية لكي تتدفق التجارة العالمية». وأضاف «إنها المكان الذي نحارب فيه الإرهابيين الذين يهددون مواطنينا، والمكان الذي نعمل فيه مع شركائنا لمواجهة الاضطراب من إيران ووكلائها».
وتابع أوستن «إن القيادة الوسطى أمر أساسي لأمننا، وأساسية لاستعداداتنا ولتنفيذ مهمتنا». وشدد على أن «الشراكات التي تعقدها (سينتكوم) في المنطقة، بالغة الأهمية وتركز عليها»، في إشارة إلى العلاقات التي تربطها مع دولها، خصوصاً بعد ضم إسرائيل إليها.
هذا، وعُدّ كلامه عن إيران و«دورها المزعزع للاستقرار» مع وكلائها في المنطقة، مؤشراً على «تحفظات» العسكريين الأميركيين عن السياسات المتبعة معها، والصعوبات السياسية التي تواجهها إدارة الرئيس جو بايدن في «تسويق» العودة إلى اتفاق نووي مع إيران، في ظل استبعادها مناقشة كل من برنامجها الصاروخي الباليستي وسياساتها الإقليمية، وعلاقاتها المتوترة مع دول المنطقة المعترضة.
ولفت أيضاً كلام الجنرال كوريلا، القائد الجديد لـ«سينتكوم»، الذي قال إن «خصومنا يبحثون عن أي مؤشر على تذبذب التزام أميركا بالأمن الجماعي في المنطقة... أعداؤنا مستعدون للاستفادة من أي فرص تظهر، يجب ألّا نمنحهم أياً منها». وذلك في ترداد لكلام سلفه الجنرال ماكينزي عن ضرورة «إظهار التزاماتنا تجاه حلفائنا». وأردف كوريلا «إن القيادة الوسطى يجب أن تشارك في ضمان استمرار التجارة العالمية في المنطقة، ويجب أن تضمن أيضاً ألا تؤدي التهديدات هناك، إلى تطوير القدرة على إلحاق الضرر بالوطن الأميركي».
للعلم، توالت تصريحات مسؤولي «البنتاغون» خلال الأيام الماضية، التي تتحدث عن دور الولايات المتحدة في منطقة عمليات القيادة المركزية الوسطى، لتعلن نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، دانا سترول، أن إيران هي المصدر الرئيس للاضطراب في المنطقة، في حين لا يزال تنظيم «داعش» يشكل أيضاً تهديداً، على الرغم من عدم سيطرته على أراض في العراق وسوريا. وبينما لفتت إلى أن وزارة الدفاع «تدعم الجهود الدبلوماسية» لوزارة الخارجية لتهدئة النزاعات الجارية في المنطقة، أكدت أن منطقة الشرق الأوسط «تعد مسرحاً رئيسياً للتنافس» مع الصين.

- نظرة جديدة للمنطقة
في الآونة الأخيرة، بدأت بعض الأصوات تتحدث عن ضرورة تغيير النظرة إلى منطقة عمليات القيادة الوسطى، «التي ارتبطت تاريخياً بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة المبنية على خريطة ذهنية ضيقة، موروثة عن حقبة سنوات الحرب الباردة الأولى». ويقول تقرير لمجلة «فورين أفيرز»، إن واشنطن، بإداراتها ومؤسساتها السياسية وجامعاتها ومراكز فكرها، نظرت إلى الشرق الأوسط على أنه العالم العربي، بالإضافة إلى إيران وإسرائيل وتركيا، استناداً إلى الاستمرارية الجغرافية، والتفاهمات المنطقية للمنطقة، وتاريخ القرن العشرين. إلا أن هذه الخريطة أصبحت قديمة بشكل متزايد، حيث تعمل القوى الإقليمية الرائدة خارج الشرق الأوسط التقليدي، بالطريقة نفسها التي تعمل بها داخله. ثم إن العديد من المنافسات الأكثر أهمية فيها، تلعب الآن خارج تلك الحدود المفترضة.
ويضيف التقرير، أن «البنتاغون» لطالما عرفت هذا الأمر؛ وهو ما أدى إلى فصل القارة الأفريقية عن منطقة عمليات «سينتكوم» عام 2007، وإنشاء القيادة الأميركية في أفريقيا. ورغم ذلك، لا تزال المنطقة التي تغطيها القيادة الوسطى، تشمل أيضاً جيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، وباكستان، والصومال، والسودان.
أيضاً يقول التقرير، إن هذا الاختلال الدراماتيكي في النظر إلى المنطقة، يشير إلى خطورة التمسك بنموذجها «القديم»، على صنع السياسات والمؤسسة العسكرية الأميركية. فهو ليس فقط خارج نطاق السياسة الحالية والممارسة العسكرية، بل إنه يعوق أيضاً محاولات مواجهة العديد من أكبر التحديات اليوم... من أزمات اللاجئين المتسلسلة إلى حركات التمرد الإسلامية، إلى الدور الذي تقوم به الدول الإقليمية الكبرى، كإيران وتركيا وحتى إسرائيل، التي باتت تساهم بشكل متنامٍ في إعادة تشكيل المنطقة.
ومع تحول إيران إلى واحدة من أكثر القوى الإقليمية خطورة على استقرارها، في ظل طموحاتها الإمبراطورية وتزايد علاقاتها مع الصين وروسيا، يتساءل البعض عمّا إذا كان لا يزال ممكناً احتواء خطرها من دون اعتماد سياسات تستلهم ما يجري تنفيذه في مواجهة طموحات روسيا «القيصرية»؟
وغني عن القول، أن في طليعة أهداف السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط إبان «الحرب الباردة»، كانت الحفاظ على الوصول إلى النفط في شبه الجزيرة العربية، وحماية إسرائيل وإبعاد النفوذ السوفياتي. ورغم الاضطرابات التي شهدتها المنطقة منذ الثورة الإيرانية، وأحداث «11 سبتمبر (أيلول)»، حافظت سياسة واشنطن لعقود عديدة على تدفق النفط وعلى الاستقرار، وعلى تعريفها القديم للمنطقة.
ولكن مع تراجع واشنطن عن الاهتمام بها، وتعميق الدول الخليجية الغنية لاستثماراتها وروابطها العميقة مع دول أخرى في الغرب، وتنامي روابطها مع آسيا، وتكثيف إيران نشر شبكاتها بالوكالة ونفوذها في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن، وخوضها منافسة متزايدة مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وبناء شراكات مع دول في آسيا، وخاصة الصين... صار على واشنطن أن تتعامل مع بكين أيضاً. فالصين تفكر في الشرق الأوسط بشكل مختلف عنها. وهو ما ضاعف من فرص سوء التفاهم الخطير، ناهيك عن المبالغة في تقدير آثار «الانسحاب الأميركي».
أيضاً في تقييم للنتائج الأولى للحرب في أوكرانيا، قال مسؤول دفاعي الأسبوع الماضي، إن قادة «البنتاغون» باتوا «يشعرون بثقة جديدة في القوة الأميركية». وأردف «منذ عقد من الزمن، كان قادة البنتاغون يراقبون بقلق متزايد الحصار في أفغانستان، وصعود الصين كقوة عالمية وبرنامج التحديث العسكري الروسي الطموح، وتحديات القوى الإقليمية الأخرى»... «كان الإجماع في بكين وموسكو وحتى بين البعض في واشنطن أن حقبة (الهيمنة الأميركية العالمية) تقترب بسرعة من نهايتها». ولكن اليوم عادت الثقة بالقوة الأميركية، مدفوعة بالفاعلية المفاجئة للقوات الأوكرانية المدعومة من الولايات المتحدة، والخسائر الفادحة لروسيا في ساحة المعركة، والدروس التحذيرية التي يعتقد أن الصين «تأخذها في الاعتبار» من هذه الحرب. ونقل عن وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، تقييماً مشابهاً قائلاً إن كلاً من (الرئيسين الصيني والروسي) شي (جينبينغ) و(فلاديمير) بوتين وصفا الولايات المتحدة بأنها «في حالة انحدار»، ومشلولة سياسياً ومتشوقة للانسحاب من بقية العالم. قبل أن يضيف «إلا أن بعد الذي جرى في أوكرانيا على شي أن يتساءل عن جيشه في هذه المرحلة (...) مقاومة الأوكرانيين يجب أن تجعله يتساءل عمّا إذا كان قد قلل من أهمية عواقب هجوم عسكري على تايوان». وهو ما قد يكون مؤشراً على احتمال أن تخضع سياسات واشنطن في منطقة عمليات القيادة الوسطى لإعادة نظر هي الأخرى.



عهدة ماكرون الثانية على المحكّ

الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

عهدة ماكرون الثانية على المحكّ

الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)

مع تفاقم الأزمة السياسية التي تتخبط فيها فرنسا، يشتدّ الضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون لدفعه إلى الاستقالة باعتباره المسؤول الأول عن هذه الوضعية بعد قراره حلّ البرلمان، بل إن البعض بدأ يتكلّم عن أزمة نظام أكثر من أزمة سياسية. إذ لا رئيس الوزراء فرنسوا بايرو ولا غيره يستطيع حلحلة الوضع لأن المجموعات النيابية الكبرى (الكتلة الوسطية وائتلاف اليسار واليمين المتطرف) تتبنى قناعات سياسية شديدة التباين ولن تجد أرضية للعمل معاً.

وانطلاقاً من هذا المبدأ، انطلقت مطالبات الاستقالة، أولاً مع المعارضة وحزب «فرنسا الأبية» الذي رفض أعضاؤه المشاركة في المباحثات مع بايرو ودعوا إلى استقالة ماكرون. ثم امتدّت إلى أطراف أخرى بما فيها «الخضر» واليمين واليمين المتطرف.

فرنسوا كوبي، أحد كوادر اليمين الجمهوري وعمدة ضاحية مو، اعتبر أنه لا يوجد حل آخر للمشكلة سوى تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة لأن ماكرون هو الوحيد الذي لم يدرك بعد أنه لن يستطيع الاستمرار حتى 2027. أما شارل دو كورسون، مقرّر الموازنة العامة المنتمي للوسط، فقد رأى أن استقالة ماكرون قد تحل «الأزمة المؤسساتية» الناجمة عن حل الجمعية الوطنية، وأضاف في حديثه على قناة «إل سي آي» أن الرئيس هو «أصل الفوضى السياسية». النغمة نفسها رددها اليمين المتطرف إذ صرّح النائب سباستيان شنو بأن الرئيس «سيضطر إلى الرحيل إذا وصلت البلاد إلى طريق مسدود».

في هذه الأثناء، تشير التقارير الصحافية أيضاً إلى «ضربات من الداخل»، أي بين صفوف تيار ماكرون نفسه لإضعاف موقفه وحمله على الاستقالة، وهذا بمناسبة سلسلة تحقيقات نشرتها صحيفة «لوموند» عن كواليس قصر الإليزيه، وتقول إنها من «مصادر مقربة من الإليزيه». وهي تنسب للرئيس تصرفات «غير لائقة»، زاعمة أن ماكرون أطلق على مكتب رئيس الوزراء السابق غابريال آتال لقب «لاكاج أو فول»، وهي مسرحية هزلية تسخر من المثليين، في إشارة إلى آتال المعروف بميوله المثلية. وأيضاً ادّعت أنه أطلق على زعيمة حزب «الخضر» مارين توندولييه واليسارية لوسي كاستيتس ألقاباً مهينة للنساء، وأنه تفوّه بتعليقات عنصرية حول مشاكل المستشفيات في جزيرة مايوت.

وفي مداخلة صحافية شرح المحلّل الصحافي ريجيس دو كاستولنو أن «هذه التحقيقات التي تنشرها صحيفة لوموند، والتي تمثل النخبة، تدل على أن ماكرون بات معزولاً، فحتى حاشيته المقربة أضحت توجه له الضربات... وقد يكون هذا نوعاً من الانتقام لأنه أنهى مهام معظمهم بحل البرلمان من دون استشارتهم، لكنه بالتأكيد مؤشر على اقتراب نهاية عهدته».

وبالفعل، تأزم الوضع يتجسد أيضاً في تدني شعبية الرئيس، إذ كشفت آخر دراسة لمعهد «أودوكسا» أن 61 في المائة من الفرنسيين يتمنون استقالة الرئيس بارتفاع 7 نقاط عن شهر سبتمبر (أيلول)، و71 في المائة منهم قالوا إن الرئيس بات مصدر قلق بالنسبة لهم. في المقابل، ماكرون نفى نيته الاستقالة، مقترحاً تنظيم استفتاء، علماً بأنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الدستور الفرنسي يتيح له حق اللجوء إلى استخدام المادة 16 التي تعطيه كامل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية. وكانت صحيفة «ماريان» قد كشفت عن أن ماكرون استشار خبراء في القانون الدستوري بهذا الشأن، بيد أن المعارضة تتوعد الرئيس بمصير مشابه لنظيره في كوريا الجنوبية (العزل) إذا لجأ للمادة 16.