«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن

تنتشر الجماعات المتطرفة في الأردن بشكل رئيسي في خمس مناطق ومدن أساسية

«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن
TT

«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن

«فقه الدماء» عابر الحدود.. حالة الأردن

يبدو أن نجاح الأجهزة الأمنية الأردنية في القبض على خلية تنظيم داعش داخل مخيمات اللجوء السوري في الأردن، تثير الكثير من التساؤلات حول خطورة استثمار الجماعات المسلحة مخيمات اللجوء الإنساني لتحقيق عمليات اختراق وتجنيد للحواضن الشعبية المختلفة. وهذا ما يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل تشكل «داعش» تهديدًا حقيقيًا للأردن في ظل التهديدات المتواصلة التي تطلقها له، ما حجمها وطبيعتها؟
لا شك أن العالم أصبح اليوم بأسره ساحة مفتوحة لانتقال مَن يحلو لهم أن يتسموا بـ«المجاهدين» عبر الحدود، بأفكارهم وأجسادهم وأفعالهم غير مكترثين بالحدود التي يصفونها بـ«صنيعة الاستعمار / سايكس بيكو». ولقد كسروها بالآيديولوجيا عبر مختلف الحواضن (الاجتماعية والفكرية والدينية والأمنية والعسكرية) مستخدمين العالم الافتراضي، ثم الواقعي، لنشرها واعتبارها ساحة مشروعة لأعمالهم العنيفة، حتى باتت آيديولوجيا «فقه الدماء» معولمة عبر انتشار مؤيديها وأنصارها وفروع الجماعات التي تؤمن بها وأفعالها في مختلف أنحاء العالم.
تعتبر الساحة الأردنية كغيرها من ساحات الدول، عرضة لتهديدات الجماعات المسلحة، إذ أحبطت الأجهزة الأمنية عددا كبيرًا من المحاولات الفاشلة في تنفيذ هجمات «إرهابية»، في حين نجح تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» في تنفيذ ثلاث هجمات في الماضي غير البعيد استهدفت فنادق مدنية، ذهب ضحيتها نحو 60 شخصًا وجرح العشرات.
إلا أن الساحة الأردنية خصوصية تختلف عن غيرها من الدول الأخرى، حيث ارتبطت الكثير من القيادات الفكرية والميدانية بها، وهذه القيادات حاضرة بقوة إلى يومنا في المشهد العسكري والأمني والسياسي في المنطقة.
وبالتالي، فإن المعركة الأمنية بين أجهزة الدولة والناشطين من الجماعات المسلحة في أوجها. والمقاربة تتخذ مسار الرصد والمتابعة والملاحقة الأمنية والقانونية، إذ نشهد كيف أن الاعتقالات مستمرة وترتفع وتيرتها مع تجدد التهديدات أو المحاولات الفاشلة في تنفيذ هجمات أو عمليات تجنيد واستقطاب، كما تشهد أروقة محكمة أمن الدولة عشرات القضايا المتعلقة بالتنظيمات «الإرهابية».
ونشير هنا، إلى أن الأردن شكّل بالفعل حاضنة للأفكار وصناعة القيادات المتطرّفة، ويعزا ذلك إلى عوامل جيو - سياسية واجتماعية ودينية وغير ذلك. فالأردن من الدول المجاورة للأراضي الفلسطينية المحتلة، ولديها ارتباط قانوني إداري بفلسطين منذ «مؤتمر أريحا» عام 1949م، واستمر لفترة طويلة امتدت حتى لمرحلة ما بعد الاحتلال الصهيوني، جرى فكه عام 1988م بقرار من الملك الراحل الحسين بن طلال، بناءً على طلب من الدول العربية، على اعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
فضلاً إلى ذلك، ثمة جملة من الأسباب المولّدة للعنف والإرهاب التي تزامنت مع الدولة القطرية والنظم الشمولية، في فترات طويلة وصفت بالاستبداد والقمع والتنكيل، واستئثار السلطة والثروة بأيدي شريحة صغيرة تتوارثها.
وفي حقبة الثّمانينات أسهم «الجهاد الأفغاني» ضدّ الاحتلال السوفياتي في إعطاء زخمٍ كبير للمدارس المتطرفة، التي شارك فيها عبد الله عزّام، أحد أهم أقطاب ومنظّري التطرف، وهو الأردني المتحدّر من أصلٍ فلسطيني، وعمل على تأسيس «مكتب الخدمات»، منذ وصوله الى أفغانستان عام 1984.
تمكَّن عزام من استقطاب عدد كبير من الراغبين في «الجهاد» من شتى أنحاء العالم الإسلامي ومنها الأردن حيث بلغ عدد الأردنيين نحو الألف، وشكلت هذه الأعداد نواة حركية التطرف المعاصرة في الأردن. ثم، عقب حرب الخليج الثانية جاء من الخليج عدد من أتباع التيارات المتشددة، وبالنتيجة شهد عقد التسعينات انطلاقة التطرف الحركي الأردني. وهنا لا بد من ذكر أنه سبق أن أسّس محمد سالم الرحّال في بداية الثمانينات تنظيم «الجهاد الإسلامي» في الأردن، الذي يعدّ امتدادا للتنظيم الذي أسس في مصر. إلا أن الأجهزة الأمنية أقدمت على اعتقال أعضائه وتفكيك التنظيم وحله عام 1984م، وكانت بداية انتشار كتب مثل «الفريضة الغائبة» لمحمد عبد السلام فرج، وغيره من أدبيات تنظيمي «الجهاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية» في الأردن.
ويعتبر أبو محمد المقدسي، أحد أهم منظري التطرف الحركي في الأردن، بالاشتراك مع أبو قتادة الفلسطيني، إذ تبلورت على يديهما هذه المدرسة في الأردن بعدما كانت مشتتة من دون روابط آيديولوجية واضحة، وتنظيمية صريحة. ولقد شهد الأردن عشرات الخلايا المتطرفة في مطلع عقد التسعينات، وفي مقدمتها جماعة «جيش محمد» و«الأفغان الأردنيين»، إلا أن الولادة الحقيقيّة لهذا التيار كانت مع ما عرف بقضية «بيعة الإمام» عام 1994م، وكان من أبرز أعضائه «أبو محمد المقدسي» و«أبو مصعب الزرقاوي» اللذين التقيا في باكستان في أوائل التسعينات، واتفقا على بدء العمل في الأردن فور عودتهما. وهو ما تحقق من خلال الدروس وتوزيع الكتب والنشرات التي كان يكتبها المقدسي، والتي تدعو إلى إقامة «الدولة الإسلامية» وفق منهجٍ ثوريٍّ، يستند إلى تكفير النّظام، والتحضير لتغييره عن طريق العنف الثوري، وقد نجحت هذه الحركة في استقطاب عددٍ من الأعضاء وتجنيدهم في صفوف الحركة، فشهدت التسعينات انتشارًا واسعًا للتيار المتطرف في معظم المدن الأردنيّة، كعمّان والزرقاء والسّلط وإربد ومعان.
وعلى الرغم من العداء الظاهر والتنافر الواضح بين النظام السياسي الأردني الجماعات والتيارات المتطرفة الأردنية، استطاع الطرفان تبني علاقة على نحو ما في التعامل أحدهما مع الآخر. ومعلوم أن ما أسهم في انتشار التيارات المتطرفة ونموها مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي أثرت على جملة من التحولات الأساسية في طبيعة النظام السياسي الأردني، ففي نهاية الثمانينات (1989) دخل الأردن أزمة اقتصادية خانقة أسفرت عن تدني سعر صرف الدينار ورفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، الأمر الذي أدخل الأردن في برنامج التصحيح الاقتصادي الهيكلي، وإخضاعه المباشر لسياسات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. وهو ما أفضى بالتالي، إلى إلحاق الاقتصاد السياسي في الأردن بالسوق الرأسمالية العالمية، وحلول عصر العولمة. وكان الأردن قبل هذه الأزمة يعيش حالة من الأحكام العرفية (الطوارئ) التي تتسم بمنع التعددية السياسية وغياب الحياة البرلمانية والديمقراطية.
وتزامن مع حرب الخليج الثانية عودة مئات الأردنيين الذين شاركوا في «الجهاد الأفغاني» لإخراج السوفيات من أفغانستان، وهو ما أطلق عليه ظاهرة «الأفغان العرب»، حيث ظهر في هذه الفترة عدد من الجماعات المتطرفة المسلحة، كـ«جيش محمد» و«الأفغان الأردنيين» وصولاً إلى حركة «بيعة الإمام» 1994، التي مثلت ذروة التطرف الحركي في الأردن، وضمت في صفوفها يومذاك أبو محمد المقدسي وكذلك أبو مصعب الزرقاوي.
خلال التسعينات حوّلت عشرات الجماعات المتطرفة إلى محكمة أمن الدولة، إلا أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، شكّلت تحولاً في مسار الحركة المتطرفة في البلاد تمثل بظهور تيارين أساسين: الأول، يسعى إلى الاندماج في تيار التطرّف العالمي ويعتبر الزرقاوي أبرز ممثليه، وكان يتبنى استراتيجية قتالية لا مجال فيها للتصالح مع النظام الأردني والنظم العالمية. والثاني، اتجاه يميل إلى انتهاج مسار سلمي في الدعوة، ولا يرى ضرورة الدخول في مواجهة مسلحة مع النظام في الوقت الحالي ويمثله أبو محمد المقدسي، على الرغم من اشتراك التيارين في مجمل الآيديولوجيا النظرية المتعلقة بالواقع الاجتماعي والسياسي، كتكفير الأنظمة بآيديولوجياتها المختلفة، سواء كانت ديمقراطية أو اشتراكية أو قومية.
وتنتشر الجماعات المتطرفة في الأردن بشكل رئيسي في خمس مناطق ومدن أساسية، هي: ضواحي العاصمة عمّان وبخاصة المناطق الشرقية، والمدن ذات الصفة الشعبية، مثل الزرقاء والرصيفة - التي سكنها الزرقاوي والمقدسي - والسلط ومعان وإربد، حيث كان ينتمي معظم الذين اعتقلوا على خلفية الانتماء لهذه الجماعات إلى هذه المناطق أو المدن.
ثم إن مثل هذه التيارات ظهرت في عمّان قديمًا، وبخاصة في المناطق الشعبية وبعض المخيمات الفلسطينية وبالذات، مخيم الوحدات ومخيم البقعة، حيث أبصر النور خلال فترة الثمانينات والتسعينات بعض التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها ما عرف باسم تنظيم «جيش محمد»، الذي شكله أشخاص كانوا عادوا من المشاركة في القتال في أفغانستان، وقاموا بالتخطيط وتنفيذ عدة عمليات متفرقة استهدفت بعض دور السينما وأماكن بيع الخمور، واستهدفوا قساوسة وضابط مخابرات في منطقة بيادر وادي السير. وبرز من مدينتي عمّان المسؤول الشرعي في تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» عمر جمعة الذي اشتهر باسم «أبو أنس الشامي»، الذي قتل عام 2004م في غارة أميركية في العراق، كما اشتهر أيضا رئيس الهيئة الشرعية لدى تنظيم «جبهة النصرة لأهل الشام»، الدكتور سامي العريدي، الذي كان يسكن في عمّان الغربية، وبالتحديد في منطقة بيادر وادي السير.
أما عن مدينتي الزرقاء والرصيفة، من أبرز المدن التي ينشط فيها هذا الفكر المتطرف وانطلقت منهما جماعة «بيعة الإمام» التي أسسها المقدسي والزرقاوي. ويذكر أن الزرقاوي اسمه الحقيقي أحمد فضيل نزال الخلايلة واختار لقب «أبو مصعب الزرقاوي» كناية عن أن أصله من مدينة الزرقاء. ثم إن معظم الذين قتلوا في العراق كانوا يسكنون هاتين المدينتين، كما أن الذين قتلوا الدبلوماسي الأميركي كانوا يقطنون الرصيفة، ومحاولة «الخلية» التي خططت لاغتيال عدد من ضباط المخابرات منها أيضا.
وأما ما يتعلق بالشمال، وتحديدًا محافظة إربد وبعض القرى المحيطة بها، كان عدد من المنظّرين الثانويين يقطنونها. وعلى رأس هؤلاء عبد القادر شحادة الطحاوي، المعروف باسم «أبو محمد الطحاوي»، وكذلك الشيخ عمر مهدي زيدان، وأشقاؤه، وهو يتولى حاليًا مسؤولية هيئة المعاهد الشرعية في تنظيم داعش ومقره الموصل، وكان شقيقه محمود قد قتل في وزيرستان (بغرب باكستان) بواسطة الطائرات الأميركية، وكان عضو مجلس الهيئة الشرعية في جماعة طالبان باكستان، وله شقيق آخر اسمه إبراهيم مكث في سجن غوانتانامو ست سنوات على خلفية اعتقاله في أفغانستان بتهمة الانتماء لـ«القاعدة». أضف إلى هؤلاء محمد الزهيري، الذي يطلق عليه لقب «شاعر القاعدة» وهو يسكن في إربد.
أما عن العلاقة التي تربط المتطرفين في الأردن، الذين يصفون أنفسهم بـ«مجتمع الموحدين» من ناحية، والجماعات المتطرفة المسلحة في العراق وسوريا وفي مناطق أخرى من ناحية ثانية، لا تعدو في أغلب الأحوال أن تكون علاقة تلتقي في الأفكار ومنهجية العمل، ولا يوجد أي علاقة تنظيمية.
وبالنسبة لهذه المجموعات قد يصح أن توصف بأنها شبكة علاقات اجتماعية منتشرة في بعض المحافظات والمدن، وتصبح علاقة الفرد تنظيمية فور أن يقرر الالتحاق بالجماعات خارج الأردن، لأن من يتولى عملية التجنيد وتقديم الدعم اللوجيستي، لا بد وأن يحظى بعلاقة تنظيمية تنسق وترتب العملية، ونسبتهم لا تتجاوز الواحد في المائة من مجموعهم.
إن آيديولوجيا «فقه الدماء» أصبحت بالفعل عابرة للحدود دون قيود على حركتها وسط تنامي نشاطاتها عبر العالم الافتراضي في الشبكة العنكبوتية.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.