خوف وقلق... كيف تؤثر الحرب على الصحة العقلية لكبار السن؟

سيدة مسنة تبكي بعد زراعة نبتة داخل منزلها في ميكولايف الأوكرانية وسط ضربات روسية على البلاد (رويترز)
سيدة مسنة تبكي بعد زراعة نبتة داخل منزلها في ميكولايف الأوكرانية وسط ضربات روسية على البلاد (رويترز)
TT
20

خوف وقلق... كيف تؤثر الحرب على الصحة العقلية لكبار السن؟

سيدة مسنة تبكي بعد زراعة نبتة داخل منزلها في ميكولايف الأوكرانية وسط ضربات روسية على البلاد (رويترز)
سيدة مسنة تبكي بعد زراعة نبتة داخل منزلها في ميكولايف الأوكرانية وسط ضربات روسية على البلاد (رويترز)

تعتبر الصور الواردة من أوكرانيا هذه الأيام محطمة للقلوب، حيث تظهر بها مجمعات سكنية مدمرة، وأشخاص يائسون، ومشاهد للموت والفرار. وبالنسبة للكثير من المسنين حول العالم، وفي ألمانيا على سبيل المثال، تعيد تلك الصور إلى أذهانهم ذكريات الحرب المؤلمة التي شهدتها بلادهم.
ومن جانبها، تقوم يوليا ميشيل، وهي طبيبة نفسية في برلين متخصصة في العلاج السلوكي، بتقديم استشارات ومعالجة كبار السن. وفي مقابلة معها، وصفت كيف يمكن للخوف من الحرب أن يعبر عن نفسه، ومتى ينصح بأن يطلب المرء المساعدة النفسية.
كيف يمكن للحرب في أوكرانيا أن تؤثر على الصحة العقلية لكبار السن؟ تقول يوليا ميشيل: إن الأمر يختلف كثيرا بحسب ما أراه حاليا مع المرضى الذين أتعامل معهم. فالبعض يكون قلقا وغير مستقر، أو غاضبا أو مستاء. من ناحية أخرى، هناك آخرون لا يبالون بالأمر ويستمرون في ممارسة أنشطة حياتهم اليومية. وتعتبر ردود الفعل المختلفة هذه ببساطة، جزءا من الشخصيات الإنسانية.
قد يجد الأشخاص الذين عاشوا بأنفسهم تجربة الحرب ومروا بمخاطرها المميتة، صعوبة في التعامل مع الصور الواردة من أوكرانيا هذه الأيام، إلا أن ذلك لا ينطبق بالضرورة عليهم جميعا.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1506995499739590659
ويستطيع المخ أن يكتشف وجود أوجه للتشابه بين الصور والتجارب المخزنة في ذاكرتهم، ثم يعمل على تنشيط الأفكار والمشاعر المرتبطة بتلك الذكريات. وقد يجد شخص لديه ذكريات مؤلمة مرتبطة بالحرب صعوبة في التحكم في رد فعله على تلك الصور القادمة من أوكرانيا. وفي حال كانت هذه الذكريات تحدث في الكثير من الأحيان وتتداخل مع تفاصيل حياتهم اليومية، فإنهم يجب أن يفكروا في الحصول على مساعدة نفسية.
ما الذي يمكن أن يساعد كبار السن على التعامل مع الموقف، إلى جانب حصولهم على المساعدة النفسية المهنية؟
تقول ميشيل: أعتقد أنه من المهم رؤية المشاعر غير السارة مثل الخوف ورد الفعل الجسدي المصاحب لذلك، كأمر طبيعي. فمن المنطقي أن تجعلنا صور الحرب - سواء كنا كباراً أو صغاراً - خائفين.
قد يكون من المفيد التأمل في كل الأمور التي مر بها المرء بالفعل. وكبار السن على وجه التحديد لديهم ثروة مخزنة من ذلك، نظرا لأنهم مروا بمواقف صعبة وصاروا قادرين على التعامل مع الأزمات.
كما يمكنهم تحليل مدى عقلانية مشاعرهم، إذا رغبوا في ذلك. ما هي تداعيات الوضع القائم في أوكرانيا عليهم؟ هل هو خطير بالفعل بالقدر الذي تعتقده مشاعرهم؟ وبهذه الطريقة يمكنهم تجنب الانفعالات الشديدة.
ومن الممكن أن يساعد الحديث عن الأمر أيضاً، وذلك لا يجب أن يتم فقط مع الأشخاص الذين لديهم أسلوب تفكير مماثل لهم بالطبع، ولكن ربما أيضاً مع أولئك الذين يعانون من قلق أقل منهم. وسيعطيهم ذلك فكرة عن طرق أخرى للنظر إلى الموقف. وتعتبر العلاقات الاجتماعية المنتظمة مفيدة، سواء كانت عبر الهاتف أو من خلال الرسائل أو المقابلة وجها لوجه.
ما الذي يمكن أن يساعد كبار السن الذين يشعرون بالخوف من أن تؤثر الحرب على سير حياتهم اليومية؟
تقول ميشيل: من الممكن أن يفيدهم أن يدركوا حجم استحواذ الحرب (القائمة في أوكرانيا) على أذهانهم. وفي حال كانوا يميلون إلى الشعور بالخوف أو الاضطراب، فربما يجب عليهم أخذ استراحة من الأخبار المتعلقة
بالحرب - بمرور الوقت - فالمشاعر الأليمة المستمرة ليست جيدة لنفسيتنا.
وتضيف «وبشكل عام، أوصي باتباع روتين يومي وطقوس ثابتة، حيث إنها تبقينا متوازنين. ومن تجربتي، فإن كبار السن خبراء بالفعل في تنظيم حياتهم. وأخيرا، يعتبر التركيز على الأشياء الصغيرة من المهدئات النفسية، إلى حد ما».


مقالات ذات صلة

احذروا حَمْل الإيصالات الورقية لـ10 ثوانٍ!

يوميات الشرق كم حملناها وأطلنا ولم ننتبه (غيتي)

احذروا حَمْل الإيصالات الورقية لـ10 ثوانٍ!

حذَّر باحثون صحيون من مادة كيميائية تُستخدم في الإيصالات الورقية، وهي مادة مثبطة للغدد الصماء، مؤكدين أنَّ الجلد يمتصّها بسرعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك التنكس البقعي يصيب ملايين الأشخاص حول العالم (رويترز)

حقن الذهب في العين قد يكون مستقبل الحفاظ على البصر... ما القصة؟

قد يبدو غبار الذهب في العين علاجاً غير مألوف، لكن دراسة جديدة أُجريت على الفئران في الولايات المتحدة تُظهر أن هذا النهج قد يُعالج التنكس البقعي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك ما أفضل طرق الصيام؟ (بابليك دومين)

الصيام المتقطع لإنقاص الوزن... ما أفضل الطرق وكيف تختار ما يناسبك؟

يحظى الصيام بتأييد المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي واختصاصيي التغذية، ولا يزال يكتسب شعبيةً واسعةً كنظام غذائي صحيّ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الدراسة كشفت عن صلة مُقلقة بين استهلاك الدجاج ومعدل الوفيات الإجمالي وسرطان الجهاز الهضمي (أ.ب)

دراسة تحذر: تناول هذه الكمية من الدجاج أسبوعيا يزيد خطر الوفاة بـ27%

لطالما أُشيد بالدجاج كبديل صحي للحوم الحمراء والمصنعة، التي رُبطت بمرض السكري وأمراض القلب والعديد من أنواع السرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك متسابقون يركضون أثناء تنافسهم في ماراثون بوسطن بالولايات المتحدة (أ.ف.ب)

خاصة بمنتصف العمر... لماذا يُعد الجري أسوأ طريقة لإنقاص الوزن؟

تتكرر القصة كل عام جديد؛ حيث يُطلق لقب «عدّاءو يناير» على من يقررون ممارسة الجري في الأسبوع الأول من يناير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«قاع البحر» للتشكيلية اللبنانية ندى عيدو: نداء لمراجعة مشاعر دفينة

تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)
تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)
TT
20

«قاع البحر» للتشكيلية اللبنانية ندى عيدو: نداء لمراجعة مشاعر دفينة

تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)
تحمل لوحات عيدو حركة فرشاة تُشبه «قاع البحر» (الشرق الأوسط)

تعكس لوحات الفنانة التشكيلية اللبنانية ندى عيدو، في معرض «قاع البحر»، مشاعرها الدفينة؛ إذ تصوّرها مرآةً تتلألأ فيها أفكارٌ عميقة، فتنتابها حالة من الحلم الواقعي، وتخرجها في جرعات ملوّنة بأحاسيسها الشخصية. تتلفّت يميناً ويساراً لتبدأ رحلتها مستكشفةً أقاصي الهاوية.

يُقام المعرض في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة في بيروت. وفي صالة شاسعة تتوزّع الأعمال الـ15. فبأحجام كبيرة وجولات وصولات بفرشاة سميكة مشبَّعة بالألوان الزيتية، تنثر الفنانة موضوعاتها. ويطبع هذه الأعمال صدى عمق التجربة مُترجَمة بألوان داكنة، ومرات أخرى بالأبيض الطاغي لتولّد حالات اعتراف صريحة.

النور في اللوحات ينساب من عتمة الأعماق (الشرق الأوسط)
النور في اللوحات ينساب من عتمة الأعماق (الشرق الأوسط)

توضح ندى عيدو لـ«الشرق الأوسط»: «جميع لوحاتي تُحاكي مشاعري الخاصة في أعماقي. كلّ منّا يملك هذه المشاعر التي علينا محاكاتها بين وقت وآخر. نُخرج ما نخاف أن نجاهر به علناً، ونحاول من خلالها تفريغ هذا الداخل من أحمال ثقيلة».

من عناوين لوحات ندى عيدو، تستطيع تكوين فكرة عن كلّ منها: «الباطن»، و«رقصة الطحالب»، و«انعكاس الليل»، و«هاوية ليلية»، وغيرها. جميعها تستوقفك بأشكالها وألوانها المُبهمة، فتحاول إدراك هذا العالم الباطني الذي تُجاريه بفرشاتها. وقد يُخيّل إليك أنّ بعضها يعجّ بزحمة ناس تُصوّرهم على هيئة أشباح متجمّدة. فيما أخرى تجمع الأطفال والكبار في السنّ يلوّحون لك من بعيد. تفرش ندى عيدو مساحات لوحاتها الشاسعة بالحلم، فيغرق ناظرها بموجات وذبذبات تُشبه التنويم المغناطيسي. تقول: «لا بدَّ أن يشعر مُشاهدها بأنه يسبح؛ لأنها تنبع من أعماق عالم مياه البحار. في داخلنا محيطات شاسعة، كلّما تعمّقنا بها، أدركنا حقيقتنا. وأرتكز في رسوماتي على الشفافية، لأسهِّل وصول رسائلي. في داخل أعماقنا حياة وعالم آخر تماماً مثل عالم البحار. واللافت فيها أنها غير مرئية من الآخر». وتضيف: «أنْ نغطس في هذا العالم هو قصة في ذاتها، وما علينا سوى اكتشاف حناياها».

الأبيض يطغى على عدد من لوحات عيدو (الشرق الأوسط)
الأبيض يطغى على عدد من لوحات عيدو (الشرق الأوسط)

تتفرّج على لوحات الفنانة من دون ملل. يستلزمك الوقت لتستقي منها العبرة والرسالة: «الرسالة التي أرغب في إيصالها من خلال لوحاتي، هي أنّ أحداً لا يمكنه سبر أعماقنا. إنها مساحة حرّة وخاصة في آن معاً. ويلزمنا القرار لسبرها بدورنا».

وعن التقنية التي تستخدمها، ردَّت: «أحمل فرشاتي وأغطّسها بالألوان الزيتية، وأولّد لها مساحتها. أختار لها طرقاتها ومسارها فتتملّكني حالة استكشاف. في النهاية القرار لي؛ فأنا مَن يعرف أي طريق سأسلك».

أما الألوان، فتنتقيها وفق مزاجها: «ألوان كلّ لوحة تتحدّث عنها بأسلوب مباشر أو بالعكس. لا أخطّط في خياراتي مسبقاً، وإنما تنساب تلقائياً من فرشاتي».

النزول إلى الهوّة ليس بالأمر السهل، وفق ندى عيدو. فعندما نمارس هواية الغطس في البحار نصل إلى مستوى معيّن مسموح لنا، «لكنني، في لوحاتي، تجاوزتُ هذه الحدود لأصل إلى الأعمق. فالعالم هنا فيه كثير من الهدوء والسكينة. وكلّما غصنا فيه، اكتشفنا ذاتنا بشكل أوضح».

ندى عيدو أمام إحدى لوحاتها (الشرق الأوسط)
ندى عيدو أمام إحدى لوحاتها (الشرق الأوسط)

ترفض الفنانة عدَّ أسلوبها في الرسم من نوع الفنّ التجريدي: «لا ينتمي إليه؛ لأنّ كل لوحة تروي قصة، ويمكننا رؤية خطوطها بوضوح. فعندما نُجري هذه الرحلة في داخلنا، نكتشف بأنّ الأمر لا يقتصر على الهدوء فقط؛ فهو عالم متحرّك بشكل أو بآخر، ويولِّد الاختلاف بالمشاعر».

تتخيَّل ندى عيدو عالم أعماق البحار وتنقله إلى حالات إنسانية، فتُصوّره في إحدى لوحاتها، «شمس الليل»، على خلفية تمزج بين النور والعتمة. وفي لوحة «النور في الظل»، ينساب الأزرق بين طبقات ألوان زيتية داكنة.

وتختم متحدّثة عن تأثير فنّ الرسم عليها: «إنه علاج يشفيني من هموم الحياة. وأعدّ لحظة انتهائي من رسم لوحة إنجازاً لا يشبه غيره. أحياناً، أضطرّ إلى قَلْب معادلة كاملة للوحة ما، فألغيها لأُكوّن أخرى جديدة. هذا التجاذب بيني وبين كل لوحة متعة في ذاتها».