الدروس المستقاة من حرب أوكرانيا

الدروس المستقاة من حرب أوكرانيا
TT

الدروس المستقاة من حرب أوكرانيا

الدروس المستقاة من حرب أوكرانيا

يقول المستشار الألماني الراحل أوتو فون بسمارك: «الغبيّ وحده يتعلّم من أخطائه. والرجل الحكيم يتعلّم من أخطاء غيره».
وما يُميّز بسمارك عن غيره من السياسيّين أنه عرف بدقّة حدود استعمال القوّة، كما عرف تركيبة النظام الأوروبي في ذلك الوقت بحسٍّ سياسي مُرهف. عرف نقاط ضعف النظام، كما نقاط القوّة. وعليه، تسلّل بين نقاط ضعف النظام الأوروبيّ، وتلاعب بالتوازنات في القارة العجوز لتحقيق الأهداف الألمانية العليا. لكن، يقول بعض المؤرّخين إن إنجازات بسمارك في ألمانيا حضّرت أوروبا لحربين عالميتين: الأولى والثانية.
إذن، إنجاز من هنا وردّات فعل من هناك، الأمر الذي يأخذنا إلى فكر الفيلسوف الأميركي كارل بوبر، الذي يقول: «لا حلول في الحياة بشكل مُطلق. يتعلّق الأمر بإدارة المشاكل لا حلّها، إذ إن كلّ حلّ يُستنبط، يخلق بدوره مشكلة جديدة لا بد من حلّها. وهكذا دواليك».
لكلّ حرب أهداف سياسيّة، ولأجلها تُخاض الحروب. أفلا يمكن اتّباع نصيحة صان تسو الذي يُحدّد النصر عبر هزيمة العدو لكن من دون قتاله؟
أين الدروس المًستقاة من تاريخ الحروب؟ وأصلاً، ماذا تعني «الدروس المُستقاة»؟
يقول الخبراء إن الدروس تؤخذ من الحرب بعد إسدال الستارة عليها. وهذه الحرب المنتهية، هي بدورها كانت قد استفادت من الدروس المستقاة من الحروب التي حصلت قبلها. وإذا كانت الدروس تُؤخذ، فلماذا يُعاد تكرار الأخطاء؟ وإذا كان لكل فريق من المحاربين استراتيجيّته التي تأخذ بعين الاعتبار دروس الماضي، فلماذا هناك استراتيجيّة ناجحة وأخرى فاشلة؟ تأخذنا هذه الأسئلة إلى جدليّة مفهوم الدروس المُستقاة. فماذا عنها؟
السيناريو: تُخاض الحرب. يأخذ كلّ فريق الدروس المستقاة، يحلّلها، ويُدخلها في جاهزيّته الفكريّة والتنفيذيّة، وذلك بغض النظر عمّن انتصر أو انهزم.
وهنا تخلق عمليّة إدخال الدروس في الجاهزيّة واقعاً جديداً لدى كلّ الأفرقاء المعنيين بالحرب. وعليه، لا بد من رسم استراتيجيّات جديدة مُحدّثة.
فهل فعلاً إدخال الدروس المستقاة في الجاهزيّة سيؤدي إلى النصر؟ لكن نصر من؟ وفشل من؟ إذ من المفترض أن تُحسّن هذه الدروس الأداء، وتؤدّي إلى إنجازات أفضل.
في بعض الأمثلة:
• في الحرب الكوريّة عام 1950، أخطأ كيم إيل سونغ عندما اجتاح كلّ كوريا وصولاً إلى أقصى الجنوب - مدينة بوسان. وبذلك جعل كيم خطوط مواصلاته طويلة وهشّة ومعرّضة لكل أنوع الهجمات. وردّاً على كيم، قام الجنرال ماك آرثر بتنفيذ إنزال بحري في مدينة إنشون بوسط كوريا ليقطّع كوريا إلى شمال وجنوب، وضرب خطوط مواصلات كيم. لكن خطأ ماك آرثر كان في متابعة الهجوم الأميركي إلى أقصى الشمال الكوري حتى الحدود الصينيّة، مكرّراً خلال فترة وجيزة خطأ كيم، أي أنه لم يأخذ الدروس من أخطاء غيره. وعليه، تدخّلت الصين بقوّة. وأراد ماك آرثر استعمال النووي، فأُطيح به لأنه لم يتأقلم مع مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية، وأراد خوض الحرب الجديدة بعقليّة الماضي.
• راقب الجيش الروسي أداء الجيش الأميركي في كلّ من العراق وأفغانستان، واستنتج من ذلك أنه لا يمكن للجيش الروسي مقارعة الجيش الأميركيّ في حرب تقليديّة. وشكّلت الحرب على جورجيا عام 2008 نقطة تحوّل في الفكر العسكريّ الروسي بسبب الأداء السيّئ، فقرّر عندها رئيس الأركان الروسي، نيكولا ماكاريف، تحديث الجيش الروسي وبدء ما يُسمّى «الثورة في الشؤون العسكريّة». وتناولت هذه الثورة الأبعاد التالية: التنظيم، التسليح والتدريب. تمّ بعدها تجربة الجيش الروسي مع عقيدته الجديدة في كلّ من القرم، ودونباس وسوريا. وعليه، اعتبرت القيادة الروسية أن هذا الجيش أصبح قادراً على خوض حروب القرن 21. كانت كلّ هذه التجارب تحت قيادة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وهو أصلاً مهندس وليس عسكريّاً، بالإضافة إلى رئيس الأركان فاليري غيراسيموف وعقيدته القتاليّة الشهيرة حول كيفيّة خوض الجيش الروسي حروب القرن 21. لكن أهمّ ما ورد في عقيدته هو: استعمال الوسائل العسكريّة وغير العسكرّيّة، والحرب الهجينة، والقتال في المناطق الرماديّة، أي بين حالتي الحرب والسلم، والاستعمال الواسع والمستمر لحرب المعلومات ضدّ العدو لخلخلة وضعه الداخلي.
أين نحن من كلّ هذه الدروس المستقاة؟
يُقال في العلم العسكري ما يلي: «تحتاج القوّة العسكريّة إلى واقع وظروف معيّنة ملموسة كي تُعبّر عن ذاتها، كونه لا يمكن قياس هذه القوّة في العالم المُجرد.
وتشكّل أوكرانيا اليوم الواقع الملموس للجيش الروسي. فماذا عن الدروس المستقاة قبل الحرب؟ وهل طابقت الواقع المُتخيّل؟ وماذا عن الدروس التي تُؤخذ حالياً من أرض المعركة، ومما عسكه الواقع؟ باختصار، نحن في مرحلة التجربة والخطأ والتأقلم. فالمسرح جغرافيّ بالطبع، لكن الوقود هو الإنسان. وقد نكون في بداية الطريق.



الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025، في وقتٍ تتنامى فيه الحاجات بسبب النزاعات والتغير المناخي.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة عن العمل الإنساني لعام 2025»، إن الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والفقراء، يدفعون الثمن الأعلى «في عالم مشتعل».

سودانيون فارُّون من المعارك بمنطقة الجزيرة في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

وفي ظل النزاعات الدامية التي تشهدها مناطق عدة في العالم؛ خصوصاً غزة والسودان وأوكرانيا، والكلفة المتزايدة للتغير المناخي وظروف الطقس الحادة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 305 ملايين شخص في العالم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، العام المقبل.

أطفال يحملون أواني معدنية ويتزاحمون للحصول على الطعام من مطبخ يتبع الأعمال الخيرية في خان يونس بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأوضح «أوتشا»، في تقريره، أن التمويل المطلوب سيساعد الأمم المتحدة وشركاءها على دعم الناس في 33 دولة و9 مناطق تستضيف اللاجئين.

وقال فليتشر: «نتعامل حالياً مع أزمات متعددة... والفئات الأكثر ضعفاً في العالم هم الذين يدفعون الثمن»، مشيراً إلى أن اتساع الهوة على صعيد المساواة، إضافة إلى تداعيات النزاعات والتغير المناخي، كل ذلك أسهم في تشكُّل «عاصفة متكاملة» من الحاجات.

ويتعلق النداء بطلب جمع 47.4 مليار دولار لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لسنة 2025، وهو أقل بقليل من نداء عام 2024.

وأقر المسؤول الأممي، الذي تولى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الأمم المتحدة وشركاءها لن يكون في مقدورهم توفير الدعم لكل المحتاجين.

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا... الصورة في كييف يوم 8 أبريل 2023 (رويترز)

وأوضح: «ثمة 115 مليون شخص لن نتمكن من الوصول إليهم»، وفق هذه الخطة، مؤكداً أنه يشعر «بالعار والخوف والأمل» مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة»، للمرة الأولى من توليه منصبه.

وعَدَّ أن كل رقم في التقرير «يمثل حياة محطمة» بسبب النزاعات والمناخ «وتفكك أنظمتنا للتضامن الدولي».

وخفضت الأمم المتحدة مناشدتها لعام 2024 إلى 46 مليار دولار، من 56 ملياراً في العام السابق، مع تراجع إقبال المانحين على تقديم الأموال، لكنها لم تجمع إلا 43 في المائة من المبلغ المطلوب، وهي واحدة من أسوأ المعدلات في التاريخ. وقدمت واشنطن أكثر من 10 مليارات دولار؛ أي نحو نصف الأموال التي تلقتها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن عمال الإغاثة اضطروا لاتخاذ خيارات صعبة، فخفّضوا المساعدات الغذائية 80 في المائة في سوريا، وخدمات المياه في اليمن المعرَّض للكوليرا. والمساعدات ليست سوى جزء واحد من إجمالي إنفاق الأمم المتحدة، التي لم تفلح لسنوات في تلبية احتياجات ميزانيتها الأساسية بسبب عدم سداد الدول مستحقاتها. وعلى الرغم من وقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب بعض الإنفاق في إطار الأمم المتحدة، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فإنه ترك ميزانيات المساعدات في الأمم المتحدة بلا تخفيض. لكن مسؤولين ودبلوماسيين يتوقعون تقليل الإنفاق في ولايته الجديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، قال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: «الولايات المتحدة علامة استفهام كبيرة... أخشى أننا ربما نتعرض لخيبة أمل مريرة؛ لأن المزاج العام العالمي والتطورات السياسية داخل الدول ليست في مصلحتنا». وكان إيغلاند قد تولّى منصب فليتشر نفسه من 2003 إلى 2006. والمشروع 2025، وهو مجموعة من المقترحات المثيرة للجدل التي وضعها بعض مستشاري ترمب، يستهدف «الزيادات المسرفة في الموازنة» من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولم تردَّ الإدارة التي يشكلها ترامب على طلب للتعليق. وأشار فليتشر إلى «انحلال أنظمتنا للتضامن الدولي»، ودعا إلى توسيع قاعدة المانحين. وعند سؤال فليتشر عن تأثير ترمب، أجاب: «لا أعتقد أنه لا توجد شفقة لدى هذه الحكومات المنتخبة». ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أحد التحديات هو استمرار الأزمات لفترة أطول تبلغ عشر سنوات في المتوسط. وقال مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، إن بعض الدول تدخل في «حالة أزمة دائمة». وحلّت المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، وألمانيا في المركزين الثاني والثالث لأكبر المانحين لميزانيات الأمم المتحدة للمساعدات، هذا العام. وقالت شارلوت سلينتي، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، إن إسهامات أوروبا محل شك أيضاً في ظل تحويل التمويل إلى الدفاع. وأضافت: «إنه عالم أكثر هشاشة وعدم قابلية على التنبؤ (مما كان عليه في ولاية ترمب الأولى)، مع وجود أزمات أكثر، وإذا كانت إدارة الولايات المتحدة ستُخفض تمويلها الإنساني، فقد يكون سد فجوة الاحتياجات المتنامية أكثر تعقيداً».