دعوة لتأسيس مكتبة عالمية لأصوات البحار والمحيطات

الاحتفاظ بقاعدة بيانات للكائنات البحرية سوف يتيح للعلماء دراسة سلوكياتها بالتفصيل (أرشيفية - رويترز)
الاحتفاظ بقاعدة بيانات للكائنات البحرية سوف يتيح للعلماء دراسة سلوكياتها بالتفصيل (أرشيفية - رويترز)
TT

دعوة لتأسيس مكتبة عالمية لأصوات البحار والمحيطات

الاحتفاظ بقاعدة بيانات للكائنات البحرية سوف يتيح للعلماء دراسة سلوكياتها بالتفصيل (أرشيفية - رويترز)
الاحتفاظ بقاعدة بيانات للكائنات البحرية سوف يتيح للعلماء دراسة سلوكياتها بالتفصيل (أرشيفية - رويترز)

قد لا يعرف الكثيرون أن أعماق المحيطات ليست هادئة على الإطلاق، وإنما هي أماكن صاخبة يعلو فيها الضجيج، وإن كان علماء البحار لا يعرفون على وجه التحديد مصادر كل هذه الضوضاء.
ومن هناك جاءت فكرة «غلوبز» أي المكتبة العالمية للأصوات الحيوية في الأعماق. وقد ظهرت هذه الفكرة للمرة الأولى في إطار مشروع «التجربة الدولية للمحيطات الهادئة»، وهي مبادرة تستهدف تنسيق جهود استخدام شبكة عالمية للميكروفونات غير العسكرية للإنصات إلى ما يحدث تحت سطح الماء.
ورغم أن مبادرة غلوبز لم تستكمل بعد في طورها النهائي، إلا أن فريقا من الباحثين يعكف على إرساء القواعد التي سوف يستند إليها هذا المشروع العلمي العملاق.
ويرى العلماء أنك إذا تركت جهاز ميكروفون يعمل تحت صفحة المياه، فإنك سوف تعرف الكثير عن طبيعة الحياة في الأعماق من خلال فك شفرات التناغمات الصوتية التي تستمع إليها.
ويقول جيسي أوسوبل الباحث في مجال البيئة بجامعة روكفيلر الأميركية ومدير برنامج «التجربة الدولية للمحيطات الهادئة»: «يمكنك أن تستمع إلى أصوات قطرات الأمطار وتكسر الأمواج الهادرة والبراكين التي تنفجر تحت الماء، فضلا عن صخب السفن ومراكب الصيادين وهي تسحب شباك الصيد، فضلا عن أصوات الكائنات البحرية بالطبع».
https://soundcloud.com/user-272519502/7801800m-bearded-seal?utm_source=clipboard&utm_campaign=wtshare&utm_medium=widget&utm_content=https%253A%252F%252Fsoundcloud.com%252Fuser-272519502%252F7801800m-bearded-seal

صوت إحدى الفقمات في ألاسكا، وهو مأخوذ من قاعدة بيانات صوت الثدييات البحرية (بوبيلر ساينس)

وأضاف في تصريحاته التي أوردها الموقع الإلكتروني «بوبيولار ساينس» المتخصص في الأبحاث العلمية أن «الصوت له قوة كبيرة تحت الماء، حيث إنه ينتقل بشكل جيد بعكس الضوء، ومن ثم، فإن الصوت يمثل عنصرا رئيسيا في نمط حياة كثير من الأشكال البحرية».
وفي ربيع 2020، وبسبب تفشي جائحة كورونا، انحسرت أنشطة الشحن البحري حول العالم وتراجعت أعمال الحفر والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في البحار والمحيطات، وكانت هذه الفترة بمثابة فرصة مثالية للعلماء لاكتساب مزيد من المعلومات بشأن توزيع وتنوع الحياة البحرية، عن طريق مجرد الاستماع إلى أصوات الشعاب المرجانية وهمسات أعشاب البحر.
وعندما أدرك الباحثون أهمية هذه الأصوات ودورها في خدمة البحث العلمي، وجدوا أنهم بحاجة إلى مكتبة صوتية لأصوات البحار والمحيطات تكون بمثابة مرجعية بالنسبة لهم. ويوضح أوسوبل: «بصرف النظر عما إذا كانت المرجعية هي بصمة أو صورة فوتوغرافية أو صوت، فإنك دائما بحاجة إلى عنصر تستخدمه للمقارنات».
https://twitter.com/fishsoundsweb/status/1499906975852687361
وأطلق الباحث آران موني من معهد أبحاث المحيطات في وودز هول بالولايات المتحدة بالتعاون مع ميلز بارسون خبير الأصوات الحيوية في المعهد الأسترالي للعلوم البحرية ومشاركة أكثر من عشرة باحثين في مختلف أنحاء العالم في فبراير (شباط) الماضي دعوة لتأسيس مكتبة عالمية للأصوات، وأطلقوا عليها اسم «غلوبز».
ويعقب أوسوبل على هذه الفكرة قائلا: «علماء أفيال البحر يجمعون أصوات أفيال البحر، وعلماء الدلافين يجمعون أصوات الدلافين، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الباحثين في شتى مجالات العلوم، وبالتالي فإن الباحثين لديهم بالفعل العديد من الكتب الصوتية، ولكن فكرة تأسيس مكتبة صوتية لم تتبادر إلى ذهن أحد».

وانضمت الباحثة ليلى صايغ من معهد علوم المحيطات في وودز هول إلى الفريق البحثي المكلف بتأسيس المكتبة، وشرعت بالتعاون مع زملائها في جمع قواعد البيانات الصوتية المتاحة. وتقول ليلى إن «مشروع جلوبز هو جهد جماعي هائل يهدف إلى تطوير الاستفادة من الأصوات السلبية في الأعماق في مجالات البحث العلمي». وأضافت: «هذه بالطبع ليست المرة الأولى التي تقترح فيها هذه الفكرة، لكنها المرة الأولى التي تطرح فيها على نطاق عالمي أوسع».
ويعتقد الباحثون أن آفاق الاستفادة العلمية من مشروع غلوبز هائلة الاتساع، فالاحتفاظ بقاعدة بيانات للكائنات البحرية سوف يتيح للعلماء دراسة سلوكياتها بالتفصيل وتعقب التغييرات التي تطرأ عليها بمرور الوقت، فضلا عن إمكانية رسم خرائط لمسارات هجرة الكائنات البحرية وطريقة تعاملها مع بيئاتها الطبيعية واستجابتها المختلفة حيال الأنشطة البشرية وتغير المناخ، علما بأن بعض العلماء بدأوا بالفعل في الاستفادة من التسجيلات الصوتية السلبية في مراقبة تأثير تغير المناخ على نمو الطحالب البحرية.
وتقول صايغ إن المكتبة الصوتية سوف تسمح للمسؤولين في مجالات إدارة الموارد الطبيعية في تحديد الأماكن الغنية بالأسماك، وتحديد الأنواع السمكية التي تنتشر في كل منطقة على وجه التحديد، وتضيف أن بعض الثدييات البحرية تتنادى فيما بينها إلى مواقع الغذاء، وبالطبع يمكنك أن تتخيل الفائدة الكبيرة التي سوف تعود من هذه المعلومات».
ويقترح الباحثون إطلاق منصة على الإنترنت بحيث يستطيع العلماء والباحثون من مختلف أنحاء العالم تغذيتها بالأصوات البحرية التي بحوزتهم، ثم يقوم الخبراء المتخصصون بتحليل هذه الأصوات وتصنيفها مع وضع مقترحات تفسيرية مع كل تسجيل صوتي، وبالتالي سوف تتحول المكتبة إلى قاعدة بيانات مدمجة للأصوات من مختلف أنحاء العالم، بحيث يستطيع العلماء الرجوع إليها بحثا عن التسجيلات الصوتية التي تخص الكائنات البحرية المختلفة.
ومن الممكن أيضاً استخدام هذه المنصة الإلكترونية لتدريب المعادلات الخوارزمية الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي على تحليل الأصوات البحرية وتمكينها من تصنيف هذه الأصوات بشكل أكثر دقة. ويهدف الفريق البحثي أيضاً إلى إطلاق تطبيق علمي لخدمة العامة بحيث يستطيع أي شخص تحميل التسجيلات الصوتية الخاصة به على المكتبة الجديدة.
ويعتزم فريق إطلاق مشروع جلوبز عقد ورشة عمل موسعة لضم مزيد من الشركاء والكوادر لتقديم يد العون، بما في ذلك فريق بحثي من جامعة كورنيل كان قد نجح في إطلاق مكتبة مماثلة لجمع أصوات الطيور في الحياة البرية.



«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
TT

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

ضمن مشروع الأفلام الذي يعدّه «مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري» في «مكتبة الإسكندرية» بعنوان «عارف»، يروي فيلم الأقصر التسجيلي الوثائقي تاريخ واحدة من أقوى العواصم في تاريخ الحضارات القديمة، ويستدعي ما تمثّله هذه المدينة من كنز حضاري منذ أن كانت عاصمة مصر في عهد الدولة الوسطى.

في هذا السياق، قال مدير المركز التابع لـ«مكتبة الإسكندرية»، الدكتور أيمن سليمان، إنّ «سلسلة أفلام (عارف) تقدّم القصص التاريخية عن الأماكن والمدن والمعالم المهمة في مصر، بصورة أفلام قصيرة تُصدّرها المكتبة»، موضحاً أنه «صدر من هذه السلسلة عدد من الأفلام ضمن منظور غير تقليدي هدفه توعية النشء والشباب بأسلوب سهل ومبسَّط؛ ولا تتعدى الفترة الزمنية لكل فيلم 3 دقائق، وهو متاح باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «فيلم (الأقصر) يتناول قصة واحدة من أقوى عواصم العالم القديم، عاصمة الإمبراطورية المصرية. طيبة أو (واست) العصية كما عُرفت في مصر القديمة، التي استمدت قوتها من حصونها الطبيعية. فقد احتضنتها الهضاب والجبال الشاهقة من الشرق والغرب، مثل راحتَي يد تلتقيان عند مجرى نهر النيل. وكانت رمز الأقصر عصا الحكم في يد حاكمها الذي سيطر على خيرات الأرض، فقد منَّ الله عليها بنعمة سهولة الزراعة، كما وصفها الإغريق».

«بوستر» الفيلم الوثائقي عن الأقصر (مكتبة الإسكندرية)

ولم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة. فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد كلما عانت التفكك والانقسام. ومن أبنائها، خرج محاربون عظماء، مثل منتُوحتب الثاني الذي أعاد توحيد الدولة المصرية وجعل الأقصر عاصمةً لها، وأحمس الذي صدَّ عدوان الغزاة، وفق ما يشير الفيلم.

وأوضح سليمان أنه «مع استقرار البلاد، تهيّأت الظروف لازدهار الثقافة والحضارة التي تحترم الإنسان وقدراته، رجالاً ونساءً. فقد تركت حتشبسوت نماذج فريدة في العمارة والفنون والثقافة والاستكشاف. وفي ساحات معابد الكرنك، اجتمع الأمراء والطلاب للعلم والعبادة معاً، مُشكّلين بذلك طابعاً خاصاً للشخصية المصرية. وسجّل تحتمس الثالث الحياة اليومية في الإمبراطورية المصرية، جنباً إلى جنب مع الحملات العسكرية، على جدران معبد الكرنك، في حين شيّد أمنحتب الثالث نماذج معمارية مهيبة شرق النيل وغربه».

جانب من الفيلم الوثائقي عن الأقصر (مكتبة الإسكندرية)

وتابع: «الأقصر تحتفظ بدورها الثائر ضدّ المحتل عبر عصور الاضطراب والغزو، مثل حائط صدّ ثقافي حافظ على الهوية المصرية. ودفع هذا الإسكندر والبطالمة والأباطرة الرومان إلى تصوير أنفسهم بالهيئة المصرية القديمة على جدران المعابد، إجلالاً واحتراماً. وقد احتضنت معابد الأقصر الكنائس والمساجد في وحدة فريدة صاغتها الثقافة المصرية، لتشكّل جسراً جديداً من جسور التراث والفكر».

ولفت إلى أنّ «شامبليون طاف بها 6 أشهر كاملةً ليملأ عينيه بجمال آثارها. فهي قبلة الباحثين من شتى أنحاء العالم، الذين يأتون إليها آملين أن تبوح لهم أرضها بأسرار تاريخ البشر، وأن تكشف لهم مزيداً من كنوز الفنون والآداب والعلوم».

وتهدف سلسلة «عارف» إلى تقديم نحو 100 فيلم وثائقي، وأصدرت أيضاً أفلام «توت عنخ آمون»، و«بورتريهات الفيوم»، و«هيباتيا»، و«سرابيوم الإسكندرية»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«القاهرة التاريخية».