تطوير نظام إدراكي يمكِّن الروبوت من التفاعل مع البشر

دراسة جديدة لباحث مصري تهدف إلى خلق علاقة اجتماعية فعالة بين الإنسان والروبوتات

د. أمير علي يدرس الروبوت
د. أمير علي يدرس الروبوت
TT

تطوير نظام إدراكي يمكِّن الروبوت من التفاعل مع البشر

د. أمير علي يدرس الروبوت
د. أمير علي يدرس الروبوت

كيف يمكن للروبوت فهم مشاعر وشخصية ونوايا الإنسان وتوليد سلوك متلائم معه، كما يحدث بين البشر وبعضهم؟ كانت هذه المعضلة العلمية الشغل الشاغل للباحث المصري أمير علي، الذي حصل أخيرا على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف العليا وتقدير لجنة التحكيم من المدرسة القومية العليا للعلوم المتقدمة بباريس. والذي قدمت دراسته نتائج هامة حول تطوير «الإنسان الروبوتي» المحاكي للبشر.

* تفاعل المشاعر
تتعمق الدراسة في تفاعل الإنسان والروبوت وليس تفاعل الإنسان والكومبيوتر، ويؤكد د. علي لـ«الشرق الأوسط» أن «تفاعل البشر مع الروبوت يحتوي على درجة من التعقيد مختلفة عن الكومبيوتر، حيث إن تمثيل السلوك الحركي المتولد على جسم الروبوت (أي باستخدام الذراعين والأرجل والوجه) ينطوي على صعوبات ميكانيكية كبيرة لجعله قابلا للتصديق من قبل الإنسان». ويشير إلى أن العلوم الإدراكية بفروعها المختلفة تعمل على تيسير هذا التفاعل الإنساني الروبوتي، وهي تشمل: علم تفاعل الإنسان مع الروبوت أو الكومبيوتر، وعلم الخلايا العصبية، وعلم النفس، وعلم اللغة، بالإضافة إلى علم النفس اللغوي، الذي يجمع بين علوم النفس واللغة، مثلا، وكما هو متعارف عليه، فإن الإنسان الانطوائي يختلف عن الإنسان الاجتماعي سلوكيا، وهو ما يشمل خصائص السلوك اللغوي (فالانطوائي لا يتحدث أو يتحرك كثيرا) فيعمل علم النفس اللغوي على قياس هذا الفرق، ما يجعل الروبوت قادرا على فهم إذا ما كان الإنسان انطوائيا أو اجتماعيا عن طريق تحليل كلامه، ومن ثم التصرف حركيا ولفظيا، ما يؤدي إلى زيادة درجة الألفة والقبول الاجتماعي بينهما.
توصل الباحث المصري في دراسته إلى عدة نتائج يراها «تشكل خطوة بسيطة على طريق بحثي طويل يهدف لصنع الروبوت الآلي ذي الخصائص الإدراكية والشكلية البشرية والتي ستمكنه من استبدال الإنسان بشكل واسع في مجالات عدة مستقبلا».

* تعلُّم العواطف البشرية
وتتركز نتائج الدراسة في إمكانية قياس أبعاد الشخصية الخمسة من السلوك اللفظي للإنسان، وهي: (الأولى، الانفتاح - الفضول - التحفظ، ثم التنظيم - عدم الاهتمام، ثم الاجتماعية - الانطوائية، ثم الودية - التعاونية، وأخيرا العصبية - الثقة)، وتخليق سلوك مركب جسدي لفظي متزامن وملائم لشخصية الإنسان المتفاعل وسياق التفاعل.
كما توصلت الدراسة إلى «إمكانية بناء نظام لتعلم وتحديد العواطف البشرية بشكل يحاكي البشر، وذلك لتوليد سلوك حركي عام للروبوت معتمدا على الخصائص الصوتية للإنسان ما يساعد الروبوت على تحديد حالة العاطفة المرصودة، سواء كانت معروفة لديه من قبل ما يسهل توليد سلوك (لفظي - حركي - وجهي) ملائم بناء على ذاكرة التفاعل الخاصة بالمواقف السابقة، أو جديدة بحيث يكون محتواها العاطفي غير واضح في بداية الأمر، وهو ما يتطلب من الروبوت إصدار رد فعل متعادل (بلا عاطفة) لكي يتجنب إصدار رد فعل غير متوافق مع سياق التفاعل، إلى أن يستطيع نظامه الإدراكي فهم محتوى العاطفة الجديدة، ثم تخليق سلوك مركب ملائم. إذ تتسع الخبرات التعليمية المستمرة للروبوت من المواقف التفاعلية للبشر المحيطين».
وأكدت الدراسة «إمكانية بناء نظام عام يدمج بين نظام يمنح سلوك الروبوت اللفظي المتولد حسا عاطفيا، مع نظام لتخليق تعبيرات وجه عاطفية تلائم سياق التفاعل، مع نظام آخر لتوليد سلوك جسدي للروبوت؛ بغرض رصد التأثيرات المتبادلة بين هذه الأنظمة على المصداقية العامة للسلوك المتولد بالإضافة للتأثير الإيجابي على التفاعل بشكل عام».
وحول إمكانية أن يحل الروبوت محل الإنسان في كل شيء، يقول د. علي: «ما زال الطريق طويلا ومعقدا ويحتاج لعقود من البحث المتواصل المشترك بين فروع العلوم الإدراكية، ولكن يبقى الهدف دائما، جعل الروبوت قادرا على الإدراك والتفاعل مثل البشر على نطاق عام، كما هو الحال الآن. ولكي نصل إلى تلك المرحلة نحتاج لمزيد من التطور في علوم الخلايا العصبية الصناعية لكي تصبح قادرة على محاكاة التكوين العصبي العقلي البشري الذي يستطيع معالجة المعلومات الحسية بسرعات وكميات خرافية، إذ يحتوي على ما يقرب من مائة مليار خلية عصبية». إن تطوير آليات تفاعل الروبوت اللفظية والجسدية مع الإنسان، وهو ما يتعلق بأبحاثي، يشكل الخطوة المباشرة نحو علاقة اجتماعية فعالة بينهم.
ويلفت الباحث المصري إلى أنه «إذا كنا نتحدث عن إحلال الروبوت محل الإنسان؛ يجب التفكير في الصورة الشكلية التي سيكون عليها الروبوت، هل هي الصورة النمطية للروبوت المصنوع من مواد معدنية أو بلاستيكية؟ أم الصورة غير النمطية للروبوت والتي يأخذ فيها شكلا بشريا خالصا؟» ويضيف «لكل منهم هدف صنع من أجله، فالنوع النمطي الأكثر شيوعا والأرخص نسبيا، يستخدم في أبحاث تفاعل الإنسان والروبوت بشكل عام في العالم أجمع، وهو يختلف من حيث إمكانياته الفنية وأحجامه وكلفته. أما النوع الآخر (جيمينويد Geminoid) وهو باهظ التكلفة ويتطابق شكلا مع الإنسان وصنع بهدف خلق هوية روبوتية للإنسان تماما مثل بطاقة الهوية الشخصية».

* الروبوت - الإنسان
ويوضح د. علي أن «ما يراه أو يسمعه هذا الروبوت يراه ويسمعه الإنسان الذي يمثله الروبوت في نفس الوقت عبر أي مسافات بوسائل الاتصال الحديثة، وعند توليد الإنسان لسلوك لفظي، تنتقل إحداثيات حركة الفك والشفتين مع المحتوى الكلامي للإنسان للروبوت بشكل فوري (نفس الشيء يحدث مع أي سلوك حركي يولده الإنسان)، فيبدو الروبوت كبديل حقيقي للإنسان. بالتالي يمكن تصور إمكانية أن يرسل الإنسان مستقبلا هذا الروبوت بديلا عنه في مهمات في دول بعيدة في حين أنه لم يغادر منزله مطلقا! ويمكن إذن تخيل تطور هذا الجيل من الروبوتات، حين يتم تصنيعها ليس بغرض استنساخ الإنسان وإنما بغرض خلق (إنسان روبوتي) جديد مع إضافة كل آليات الإدراك والتفاعل قيد التطوير بحيث يكون قادرا على التفاعل بشكل مستقل عن الإنسان».
وحول زرع شرائح إلكترونية في جسد الإنسان، قال: «أعتقد أن البشر يعبرون تدريجيا الحد الفاصل بين البشرية والآلية الروبوتية، فبرغم أن زرع الشريحة قد يحد من نسبة الجرائم، ويساعد الأطباء في إنقاذ المرضى بإلقاء نظرة على تاريخه المرضي المسجل على الشريحة المزروعة، فإن هناك حاجزا نفسيا عند أي إنسان للقبول بهذا الزرع. ولا أتوقع أن تجبر السلطات في دولة ما مواطنيها على زرع الشرائح».
نالت أبحاث د. علي في مجال تطوير الروبوت تقديرا على المستوى العالم، ففي عام 2014. أشارت إليه موسوعة Who's Who وموسوعة «2000 من المثقفين البارزين في القرن 21» 2000 Outstanding Intellectuals of the 21st Century التابعة لجامعة كمبردج، باعتباره أحد شباب الباحثين الواعدين على مستوى العالم في مجال أبحاث الإنسان الآلي التفاعلي. وعن طموحاته المستقبلية، قال «أتمنى دائما أن أصل لمدى بحثي أعمق وأن أجعل الروبوت جزءا من حياة العامة خصوصا في المجتمعات الفقيرة».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً