بعد عزلة لعقود... السياح الأجانب يبدأون استكشاف العراق مجددا

بعد عزلة لعقود... السياح الأجانب يبدأون استكشاف العراق مجددا
TT

بعد عزلة لعقود... السياح الأجانب يبدأون استكشاف العراق مجددا

بعد عزلة لعقود... السياح الأجانب يبدأون استكشاف العراق مجددا

في يوم ربيعي من مارس (آذار)، وقفت الأميركية إليانا أوفاييه لالتقاط صورة أمام بوابة عشتار بموقع بابل الأثري العريق وسط العراق مع 14 سائحا أجنبيا من بين كثيرين بدأوا بالتوافد إلى بلد فتح للتوّ أبوابه أمام العالم.
قبل عام، باتت تأشيرة الدخول تُمنح عند الوصول الى بغداد للعديد من الجنسيات الأجنبية، بعد عزلة لعقود فرضتها الحروب، أنست العالم مواقعه الأثرية المهمة المدرج بعضها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي والتي تنافس دولا مثل مصر وسوريا والأردن.
يأتي بعض السياح بشكل فردي بينهم صانعو محتوى يستكشفون البلاد وينشرون على «يوتيوب» فيديوهات عن الطعام والسكان والآثار لعشرات الآلاف من متابعيهم. فيما يأتي آخرون ضمن مجموعات سياحية مع شركات محلية خاصة تنظم جولات من بغداد إلى البصرة جنوباً ثم الموصل شمالاً، وذلك حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وعدا السياحة الدينية التي تعاني من المشاكل نفسها، القطاع جديد نسبياً على البلاد ولا يزال يفتقر للتنظيم والتمويل والبنى التحتية اللازمة واهتمام الحكومة، كما يقول أصحاب شركات خاصة يجهدون بشكل ذاتي لجذب السياح.
تروي إليانا المقيمة في كاليفورنيا والتي تجول العراق مع شركة «بالعطلة» لتنظيم جولات سياحية، أنها تحلم بزيارة العراق منذ أن تلقّت عنه دروساً في تاريخ الفنون قبل 20 عاماً. وتقول للوكالة «حين علمت أنه بإمكاننا الحصول على تأشيرة الدخول عند الوصول، جئت حالما استطعت...أنا متحمسة لأرى كل ما يرتبط بمهد الحضارات». وتضيف «أول ما لاحظته هو دفء وكرم وطيبة الشعب العراقي. يرحّبون بك بابتسامة وهم مهذبون جداً وفخورون جداً ببلدهم».
ورغم حماسها وشغفها بتاريخ العراق، لاحظت إليانا البالغة 50 عاماً وتعمل بشركة «غوغل»، تهالك البنى التحتية.
ولا تزال بابل التي تحولت إلى قاعدة عسكرية للتحالف الدولي إبان الغزو الأميركي، تحمل ندوب الماضي، وكأنها لم تعتد على الزوار. يبدو الموقع مهجوراً. الأعشاب تتصاعد من بعض التفسخات في الأرض والمقاعد المتهالكة المخصصة لجلوس الزوار.
في الجهة الأخرى من الموقع، أعمال بناء وصيانة، عمال بخوذ صفراء وسترات فوسفورية، يحضّرون قطعاً حديدية وإسمنتية. النفايات تتراكم في الأرجاء، الأعشاب البرية والأشواك عرّشت على بعض جدران المدينة الأثرية.
يتحدث الأميركي جاستن غونزاليس (35 عاما) بابتسامة عن تجربته في العراق ويقول «على موقع حكومتي يوجد تحذير من الذهاب إلى العراق بسبب خطر (الخطف) و(العنف)، لكنني لم أر أيا من ذلك».
وفي تسعينيات القرن الماضي في زمن الحصار والعقوبات الدولية، أصبح العراقيون في عزلة تامة عن العالم، ولم تنكسر هذه العزلة بعد عام 2003 عقب الغزو الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين، فقد تلتها سلسلة من الحروب، جعلت صورة العراق في العالم تقتصر على مشاهد الدمار.
ولا تزال العديد من الحكومات الغربية رسمياً تحذّر رعاياها من السفر إلى العراق، مثل الولايات المتحدة وفرنسا التي يشير موقع وزارة خارجيتها إلى «الخطر الإرهابي» و«خطر الخطف».
مع ذلك، تسعى بغداد إلى الإقلاع بقطاعها السياحي رغم تحدي النقص في البنى التحتية.
يقول علي المخزومي صاحب «بالعطلة» التي تنظم منذ 8 أشهر جولات للأجانب «لكي تتطور البنى التحتية لا بد من استثمار للقطاع الخاص في الفنادق ووسائل الراحة والحافلات». تستقبل شركته 30 إلى 40 سائحا شهرياً يجولون البلاد لمدة تناهز العشرة أيام.
وفي عام 2021، دخل أكثر من 107 آلاف سائح العراق، بينهم أكثر من 300 من فرنسا والنرويج وبريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة وتركيا وغيرها، مقابل نحو 30 ألفاً في 2020، بحسب أرقام زوّدت بها هيئة السياحة الحكومية الوكالة.
ويعمل العراق تدريجياً على ترميم مواقعه الأثرية. فقد أعيد تجديد شارع المتنبي في بغداد بمبادرة مصارف خاصة. أما الشارع الموازي له (شارع الرشيد الذي يحمل الأهمية التاريخية نفسها في قلب المدينة القديمة) فهو عبارة عن ركام ونفايات.
بيوت بغداد القديمة المشيّدة بالطوب العراقي الأصفر متهالكة في معظمها ومعرّضة للانهيار. فتح المتحف الوطني في بغداد أبوابه أيضاً في مارس بعدما كان مغلقاً لثلاث سنوات، فيما ينوي العراق افتتاح أكثر من متحف جديد.
ومدينة أور الأثرية الواقعة جنوب العراق حيث صلى البابا فرنسيس العام الماضي، طالتها حملة الترميم لمناسبة الزيارة فقط.
في نينوى ومركزها الموصل، دمر تنظيم «داعش» الارهابي العديد من المواقع الأثرية المهمة.
مع ذلك، تسعى هيئة السياحة إلى «تأهيل المواقع الأثرية سياحياً»، كإنشاء محطات استراحة، من ضمن أهداف أخرى.
ورغم ذلك، يبقى غياب البنى التحتية والخدمات والتنظيم عائقاً بالنسبة لآية صالح وزوجها أحمد اللذين أطلقا شركتهما «سفراتي» قبل نحو عام.
تقول آية «قاموا بفتح تأشيرات الدخول عند الوصول لكنهم أبقوا كل شيء آخر معقدا». وتضيف «نصف رحلة السائح تنقضي في الطريق وعلى نقاط التفتيش. رغم أننا نحمل الموافقات اللازمة، لكن لا فرق، التعب نفسه والانتظار نفسه...ولا توجد جهة نشتكي إليها».
على «يوتيوب»، تتنوع العناوين «أفضل بيتزا في العراق»، «اكتشاف بغداد، كم هي خطيرة؟»، «إيما في حديقة الزوراء».
إيما الاسكتلندية، واحدة من العديد من صانعي المحتوى الذين بات العراق وجهتهم المفضلة، مع أكثر من 73 ألف متابع على «يوتيوب». زارت العراق مرتين وقضت في زيارتها الأخيرة شهرين متواصلين في البلاد، من بغداد إلى الفلوجة والرمادي والبصرة. تتحدث بشغف عن تجربتها «تعتقد أنهم بعد كل ما مروا به، بعد عقود من العزلة والحروب، سيكونون شعباً تعيساً...لكنهم طيبون وكرماء مع الغرباء».



فرص وتحدّيات الذكاء الاصطناعي في الصحافة الحديثة من خلال معرض فني

متحف مجلس الإعلام
متحف مجلس الإعلام
TT

فرص وتحدّيات الذكاء الاصطناعي في الصحافة الحديثة من خلال معرض فني

متحف مجلس الإعلام
متحف مجلس الإعلام

يقدم معرض «الذكاء المُصطنع اي أو لا؟» المقرر افتتاحه في متحف مجلس الإعلام بجامعة نورثويسترن في قطر يوم 15 يناير (كانون الثاني) الحالي تأملات في العلاقة المتطوّرة بين التعلّم الآلي والإبداع البشري، مع تسليط الضوء على الفرص والتحدّيات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الصحافة الحديثة. يضم العرض أكثر من 20 عملاً فنياً لفنانين إقليميين وعالميين تستخدم فيما بينها وسائط متعدّدة تشمل الفنون البصرية، والتركيبات الفنية. كما يضم المعرض تجارب رقمية مميّزة، وأعمال جديدة مفوضة خصوصاً للمعرض، بالإضافة إلى قطع مستعارة من مؤسسات مرموقة مثل متحف تاريخ الحاسوب (كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأميركية)، مؤسسة بارجيل للفنون (الشارقة، الإمارات العربية المتحدة)، ومتاحف قطر (الدوحة، قطر).

تحت إشراف القيّم الفني جاك توماس تايلور، المشرف على الفنون والإعلام والتكنولوجيا في متحف مجلس الإعلام، يدعو المعرض الزوّار للتساؤل حول تقاطعات التعلّم الرقمي والإنساني مع التركيز على كيفية استغلال الصحافة المعاصرة للإمكانيات المتنوّعة للذكاء الاصطناعي وفرصه وحدوده.

من جانبه قال مروان م. كريدي، العميد والرئيس التنفيذي لجامعة نورثويسترن في قطر: «بصفتنا مؤسسة مكرسة لتعزيز التميّز في مجال الإعلام والاتصال، يقدّم هذا المعرض فرصة للتفكير حول كيفية تشكيل الذكاء الاصطناعي للإعلام والخصوصية والهوية والتمثيل ويجعلنا نفكّر بإعادة النظر في علاقتنا المتطورة بالتكنولوجيا... هذا المعرض هو مثال قوي على كيف يمكن للفن والابتكار أن يلهما حواراً هادفاً حول مستقبل وسائل الإعلام».

القيّم الفني جاك توماس تايلور (تصوير: كريستوف فيسو)

يتمحور المعرض حول 4 موضوعات، وهي: بالماضي، عن قرب، الاستشراف، النظرة العامة. ويدعو الجمهور للتأمل في كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على مفاهيم الخصوصية والهوية والتمثيل.

في المعرض سيرى الزوار أعمالاً تركيبية مميّزة ورسومات تتحوّل إلى أعمال فنية رقمية (آلة الأحلام للفنان جان زويديرفيلد)، وأذرع روبوتية ترسم صور الشخصية (وقت للقراءة للفنان باتريك تريست)، وأنف ثلاثي الأبعاد يروي القصص من خلال الروائح (أدنوز للفنان عدنان أيوب آغا). ويدفع المعرض الجمهور إلى التساؤل وإعادة التفكير في علاقتهم الحتمية مع عالم الذكاء الاصطناعي المتطور باستمرار.

كما يتضمن المعرض أيضاً أعمالاً جديدة لفنانين على مستوى إقليمي ودولي، تتناول تأثير الذكاء الاصطناعي على الخصوصية والهوية والتمثيل. من بين هذه الأعمال: عمل بعنوان «الهدف الاصطناعي» للفنان اليمني عمرو النجمة المقيم في القاهرة، الذي يستكشف العلاقة المعقدة بين البرمجيات والأجهزة والإنسانية. كما يبرز العمل التفاعلي للفنانة البنغلاديشية المقيمة في الدوحة، فرجانا صلاح الدين، بعنوان «حلويات منقوشة»، الذي يتناول مواضيع التأليف واللمس. والعمل التعاوني الرقمي كيف «نرى الحاسوب <> كيف يرانا الحاسوب» تقدّم المصمّمة القطرية هند آل سعد والفنانة المصرية المقيمة في الدوحة هدير عمر استقصاءً بصرياً حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإدراك البشري. ساهمت الفنانة التركية المقيمة في برلين بيلجي امير، والمعروفة بأسلوبها في القصص المصورة، برسوم توضيحية للهوية البصرية للمعرض والتي تربط بين الفن والتكنولوجيا.

متحف مجلس الإعلام

ترافق هذه الأعمال الفنية تركيبات رقمية أنتجها متحف مجلس الإعلام مثل «هل هو حقيقي؟»، وهو مقال رقمي يمزج بين مواد توليدية بالذكاء الاصطناعي واللقطات الموجودة. بالإضافة إلى «بناء الذكاء الاصطناعي والصحافة»، وهو عمل تفاعلي يدرس العلاقة المتطورة بين الصحافة والذكاء الاصطناعي، و«أين يقفون؟»، وهو محادثة محاكاة تسلط الضوء على إمكانيات وحدود نماذج اللغة والصحافة الاستقصائية.

يرافق المعرض أيضاً قاموس شامل ومصوّر بالكامل للمصطلحات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والصحافة، متوفّر باللغتين العربية والإنجليزية وتم نشره من قبل دار سيلفانا للنشر. حرّر القاموس القيّم الفني جاك توماس تايلور، والصحافية كاثي جيليت المقيمة في دبي، ويتضمن مقدمة كتبها مروان م. كريدي، عميد والرئيس التنفيذي لجامعة نورثويسترن في قطر، بالإضافة إلى مقدمة بقلم القيّم الفني للمعرض جاك توماس تايلور وكلمة ختامية من مدير المتحف ألفريدو كراميروتي.