جهود أميركية ـ أوروبية لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي

قادة أوروبا يتبنون «بوصلة استراتيجية» جديدة

بايدن وفون دير لاين في مؤتمر صحافي ببروكسل أمس (أ.ب)
بايدن وفون دير لاين في مؤتمر صحافي ببروكسل أمس (أ.ب)
TT

جهود أميركية ـ أوروبية لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي

بايدن وفون دير لاين في مؤتمر صحافي ببروكسل أمس (أ.ب)
بايدن وفون دير لاين في مؤتمر صحافي ببروكسل أمس (أ.ب)

خطت أوروبا، أمس، خطوة أقرب نحو تقليل اعتمادها على موارد الطاقة الروسية، من دون أن تتفق على فرض حظر فوري عليها في قمة على مستوى القادة تعقد في بروكسل منذ يومين. وأعلن الاتحاد الأوروبي عن خطة طموحة مع الولايات المتحدة لتحقيق الاستقلالية عن موارد الطاقة الروسية في غضون السنوات الخمس المقبلة. وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الذي شارك في الاجتماع الأوروبي، مع ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن الخطة المشتركة صباحاً. واتهم بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «باستخدام الغاز للتلاعب بجيرانه وعائدات الغاز لتمويل حربه» في أوكرانيا. وأشار بايدن الذي أعلن قبل بضعة أيام حظر استيراد موارد الطاقة الروسية، إلى «تفهمه» لعدم اتخاذ الدول الأوروبية قراراً مماثلاً، مضيفاً أن بلاده دولة مصدرة للطاقة، وهذا مكّنها من اتخاذ قرار حظر مواد الطاقة الروسية، «ولكن أوروبا في موقع مختلف عنا».
في الوقت ذاته، شدّد الرئيس الأميركي على أن الخطة التي تم الاتفاق عليها في بروكسل مع القادة الأوروبيين ستجعل أوروبا قادرة على التحرر من الطاقة الروسية في السنوات المقبلة. وقال: «أعلم أن التخلي عن الغاز الروسي لن يكون سهلاً بالنسبة لأوروبا، ولكنه الأمر الصحيح وسيضعنا في موقع استراتيجي أقوى». وأضاف أن الولايات المتحدة ستساعد أوروبا في تخفيف اعتمادها على الطاقة الروسية في السنوات المقبلة، لتصبح مستقلة عنها تماماً. وقال: «هذه الخطوات ستزيد من الأمن الاقتصادي والسياسي لأوروبا».
وتحث الولايات المتحدة أوروبا منذ سنوات على تقليل اعتمادها على الغاز الروسي وتنويع مصادر الطاقة عبر شراء مزيد من الغاز المسال منها، ولكن أوروبا خصوصاً ألمانيا قاومت ذلك لسنوات ولم تغير موقفها إلا بعد الحرب في أوكرانيا.
واعتبرت فون دير لاين من جهتها، أن مشاركة بايدن في القمة الأوروبية «يبعث برسالة قوية للعالم بأن الشراكة عبر الأطلسي أقوى من أي وقت مضى»، مشيرة إلى أن أوروبا والولايات المتحدة تصران على الوقوف معاً «في وجه بوتين وحربه»، التي قالت «إنها ستكون فشلاً استراتيجياً مريعاً». وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل مع الولايات المتحدة «لتجفيف منابع بوتين التي يمول بها حربه».

وأعلن الطرفان في بيان مشترك عن خطة لاستقدام كميات إضافية من الغاز الأميركي المسال لكي تصل كمية الغاز الأميركي المستورد سنوياً بدءاً من العام الحالي إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز المسال حتى عام 2030، على أن تزيد الولايات المتحدة صادراتها من الغاز إلى أوروبا «بحسب الحاجة»، وبهدف إنهاء أوروبا اعتمادها على الطاقة الروسية «بحلول عام 2027». واتفق الطرفان على تشكيل خلية عمل مشتركة أميركية - أوروبية حول أمن الطاقة لوضع أطر التعاون وتطبيق الخطوات المتفق عليها، على أن يرأسها ممثل من البيت الأبيض وممثل لرئاسة المفوضية الأوروبية. وتعهدت أوروبا في المقابل بالتسريع في بناء معامل جديدة لتخزين الغاز المسال فيها، ليوزع منها الغاز على الدول الأعضاء.
ولن يتوقف التعاون الأميركي - الأوروبي في مجال الطاقة على استيراد الغاز الأميركي المسال، بل يتجاوزه للتعاون في مجال تسريع العمل على تطوير تصنيع الطاقة المتجددة، ما سيسمح نظرياً لأوروبا بأن تصبح مستقلة عن الغاز الروسي بشكل كامل.
ولكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي توجه للقمة الأوروبية في يومها الأول، الخميس، بعد أن كان بايدن غادر الاجتماع، انتقد تأخر الغرب بفرض عقوبات على روسيا، وانتقد كذلك عدم فرض حظر فوري على الطاقة الروسية. وقال في الفيديو الذي وزّع شريطه يوم أمس، إن «العقوبات جاءت متأخرة»، وإنها «لو فرضت كخطوة استباقية» لربما كانت أكثر تأثيراً. وقبل أيام من بدء العملية العسكرية في 24 فبراير (شباط) الماضي، طالب زيلينسكي الغرب بفرض عقوبات فورية استباقية على روسيا في كلمة ألقاها أمام مؤتمر ميونيخ للأمن الذي حضره شخصياً، واتهم فيه الغرب بالاكتفاء بالكلام وليس الأفعال.
وبدا في كلمته أمام المجلس الأوروبي وهو ينتقد الرئيس المجري فيكتور أوربان شخصياً، ويطلب منه اختيار الطرف الذي يريد الوقوف معه. ويعرف أوربان بصلاته المقربة من الكرملين، ولكنه رغم ذلك لم يعترض على العقوبات الأوروبية التي فرضت على روسيا، إلا أنه من الرافضين لفرض حظر على استيراد الطاقة الروسية. ويرفض أوربان أيضاً تقديم أسلحة إلى أوكرانيا كما تفعل الدول الغربية، كما يرفض السماح بأن تمر تلك الأسلحة عبر أراضيه. وفي الشريط الذي تم توزيعه، يبدو زيلينسكي وهو يقول: «ليتوانيا تقف معنا. لاتفيا تقف معنا. إستونيا تقف معنا. بولندا تقف معنا». وتابع يقول: «فرنسا - إيمانويل - أنا أثق حقاً أنك ستدافع عنا، ألمانيا… متأخرة قليلاً. المجر، أريد أن أتوقف هنا وأكون صادقاً. للمرة الأخيرة، عليكِ أن تقرري أنتِ تقفين مع من». وتبدو انتقادات زيلينسكي الموجهة إلى فرنسا وألمانيا بسبب عدم دعمهما لضم أوكرانيا بسرعة إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك رفض برلين لفرض حظر فوري على الطاقة الروسية. وتابع الرئيس الأوكراني متوجهاً إلى رئيس الحكومة المجرية أوربان ويقول: «اسمع، فيكتور، هل تعرف ما الذي يحصل في ماريوبول؟»، في إشارة إلى المدينة الأوكرانية المحاصرة من روسيا. ولكن أوربان بقي مصراً على عدم دعم حظر للطاقة الروسية ونشر شريط فيديو له يوم أمس يقول فيه إن عقوبات كهذه «تعني أن اقتصاد المجر سيتباطأ ثم يتوقف»، مضيفاً أن هذا الأمر «غير مقبول، وأنه لا يصب في مصلحة المجريين».
وليست المجر فقط من يعارض عقوبات على الطاقة الروسية، بل أيضاً ألمانيا والنمسا وهولندا التي تتخوف أيضاً من تبعات اقتصادية كارثية عليها وعلى أوروبا. وكان المستشار الألماني أولاف شولتز أكد رفضه عقوبات كهذه قبل يومين، وقال إن حظر الطاقة الروسية سيؤدي إلى ركود اقتصادي في أوروبا وخسارة آلاف الوظائف.
وكان بايدن قد ناقش أيضاً مع الزعماء الأوروبيين قبل مغادرته إلى بولندا، تنسيق وتوحيد الرد الغربي على روسيا، واتفق الرئيس الأميركي مع القادة الأوروبيين الذين استثنوا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من اجتماعهم، على الاستعداد لاعتماد خطوات وعقوبات إضافية على روسيا «والتصدي لأي محاولات للالتفاف على العقوبات». وتناول النقاش كذلك قضايا أخرى تتعلق بالحرب في أوكرانيا منها مساعدات للاجئين ومراقبة وضع الأمن الغذائي العالمي، واتفق الزعماء الغربيون على تعزيز الشراكة الدفاعية عبر الأطلسي، بما في ذلك علاقة أوروبية أقوى مع حلف شمال الأطلسي، بحسب ما نصت عليه «البوصلة الاستراتيجية» الأوروبية الجديدة التي تبناها القادة الأوروبيون أمس.
ورغم أن هذه البوصلة الاستراتيجية ليست وليدة الحرب على أوكرانيا، بل تعود إلى عامين، فإن التطورات في الأسابيع الماضية سرعت من وتيرة اعتمادها، ودفعت الدول للالتزام بانفاق أمني ودفاعي أكبر بحسب توصيات حلف الناتو للدول الأعضاء. وكانت ألمانيا قد أعلنت بعيد بدء روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، رفع إنفاقها العسكري لكي يصل إلى نسبة 2 في المائة بعد أن قاومت ذلك لسنوات متحججة بتاريخها.


مقالات ذات صلة

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».