تبون: «جرائم الاستعمار» الفرنسي في الجزائر لن تسقط بالتقادم

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)
TT

تبون: «جرائم الاستعمار» الفرنسي في الجزائر لن تسقط بالتقادم

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)

عد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس، أن «جرائم الاستعمار» الفرنسي في الجزائر «لن تسقط بالتقادم»، داعياً إلى «معالجة منصفة» لملف الذاكرة المؤلم، كما جاء في خطاب نشرته الرئاسة بمناسبة الذكرى الستين لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار (19 مارس/ آذار 1962)، أبرم بين الثوار الجزائريين والحكومة الفرنسية، الذي مهد لاستقلال الجزائر.
وجاء في خطاب الرئيس تبون، الذي نشرته وسائل الإعلام العمومية، أمس، أن قضية الذاكرة وجرائم الاستعمار «لن يطالها النسيان، إذ لا مناص من المعالجة المسؤولة المنصفة والنزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء من المصارحة والثقة».
وقال تبون إن «هذه المسألة ستظل في صلب اهتماماتنا... وسنواصل بدون هوادة وبلا تفريط استكمال مساعينا، بالإصرار على حق بلادنا في استرجاع الأرشيف (أرشيف فترة الاستعمار 1830 - 1962)، واستجلاء مصير المفقودين أثناء حرب التحرير المجيدة، وتعويض ضحايا التجارب النووية، وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف... صوناً للأمانة وحفظاً لوديعة الشهداء الأبرار»، مبرزاً أن أحداث وقف إطلاق النار، التي تسمى رسمياً «عيد النصر» واستفتاء تقرير المصير، الذي تبعها «استمد منها الشعب الجزائري القوة والعزيمة لمجابهة آثار دمار واسع ومهول، وخراب شامل فظيع، يشهد على جرائم الاستعمار البشعة».
وحسب رئيس الجمهورية، فإن «عيد النصر» لحظة تاريخية في مسيرة الأمة المظفرة، وما كانت لتكون بذلك الصدى المدوي العظيم، الممتد إلى أصقاع الدنيا، لو لم تكن تتويجاً ساطعاً لثورة ملحمية مجيدة، ومحصلة حتمية لتضحيات سخية مريرة، توالت منذ أن وطأت أقدام المستعمر أديم وطننا المفدى، عبر مقاومات شعبية بطولية، ترسخت في سجلات الذاكرة والتاريخ لتستلهم منها الأجيال اليوم وغداً الوفاء للشهداء، وتبعث في نفوس شبابنا الهمة والنخوة وإرادة البناء والنماء».
كما أوضح تبون أن «الدولة الوطنية المستقلة، التي صمدت وانتصرت بمرجعية نوفمبر (تشرين الثاني) (الشهر الذي اندلعت فيه ثورة التحرير) أمام الهزات والمحن، هي اليوم مدركة للتحوّلات العميقة على الصعيد الإقليمي والدولي، وتتجه في كنف الأمن للعمل على تهيئة الأسباب التي تحفظ للجزائر مكانتها وموقعها في سياقٍ عالميٍ، تطبعه التقلبات والاضطرابات».
وتعهد الرئيس في خطابه بـ«بناء جزائر صاعدة تعيد الاعتبار لقيمة الجهد والعمل، مع الحرص على تعزيز أمننا القومي بتعدد جوانبه وفي كل أبعاده، من العوارض والطوارئ المحتملة، والسهر على وحدة صفنا وتكاتف جهودنا، وتعميق الشعور بالواجب الوطني، والاضطلاع بالمسؤوليات على أتمِ وجه، فـي مختلف القطاعات، وفي كل المواقع تجاه الأمة والوطن».
كان المؤرخ الفرنسي الشهير بنجامان ستورا، قد رفع مطلع 2021 تقريراً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تضمن خطوات في «ملف الذاكرة»، من بينها إحياء ذكرى التواريخ الرمزية للنزاع (اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962، واليوم الوطني للحركيين الجزائريين الذين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي في الجزائر، وذكرى قمع مظاهرات الجزائريين بفرنسا في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، وإعادة سيف الأمير عبد القادر قائد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في القرن 19 إلى الجزائر، واعتراف فرنسا باغتيال المحامي والناشط السياسي علي بومنجل خلال معركة الجزائر عام 1957، التي أقر بها الضابط الفرنسي بول أوساريس في مذكراته، ونشر دليل للمفقودين الجزائريين والأوروبيين خلال النزاع)، وتم تجسيد بعض هذه المقترحات خلال العام الماضي ومطلع العام الحالي. وأعلن قصر الإليزيه عند تسلم التقرير استبعاد أي مبادرة في اتجاه الاعتذار عن «حرب الجزائر»، الأمر الذي أزعج الجزائريين، لكن من دون أن يصدر رد فعل رسمي عنهم. وتم الاتفاق بين الطرفين، على أن يعد عبد المجيد شيخي، مستشار الرئيس الجزائري لشؤون التاريخ، مقترحات ترفع إلى الرئيس الفرنسي تتضمن رؤية الجزائر لطي «آلام الماضي المشترك المليئة بالأحزان».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.