عمال السكك الحديدية في السودان يبدأون إضراباً مفتوحاً

TT

عمال السكك الحديدية في السودان يبدأون إضراباً مفتوحاً

دخل عمال السكك الحديدية في مدينة عطبرة بشمال السودان إضراباً مفتوحاً عن العمل، احتجاجاً على تأخر الرواتب، وفي ذات الوقت خرج آلاف المواطنين في مظاهرات حاشدة احتجاجاً على الغلاء الطاحن الذي يضرب المدينة وسوء الأحوال المعيشية وانقطاع خدمة الكهرباء والمياه من المدينة لعدة أيام، وطالبوا خلالها بعودة الجيش لثكناته واستعادة الحكومة المدنية، ونددوا بسيطرة الجيش على السلطة في البلاد وحمّلوه المسؤولية عن سوء الأوضاع في مدينتهم.
وتعدّ مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل، واحدة من المدن الثائرة طوال تاريخها، ففضلاً عن أنها تضم أكبر تجمع عمالي في البلاد يتمثل في عمال السكة الحديد، درجت المدينة على قيادة الاحتجاجات التي تنتقل منها للمدن الأخرى طوال الثورات السودانية الثلاث الماضية، ما جعل المدينة «أيقونة» للثورات السودانية.
وكانت عطبرة قد شهدت أول احتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، أحرق خلالها المحتجون دار حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم وقتها والذي كان يرأسه الرئيس المعزول عمر البشير. وسقط من المدينة عدد من الشهداء مما جعلها تعد في السودان بمثابة الشرارة التي أشعلت ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين بقيادة البشير. ويعاني سكان المدينة العمالية بشكل لافت من الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الرئيسية والاستهلاكية، إلى جانب انقطاع خدمات الكهرباء والمياه عن المدينة لعدة أيام، ولم تسارع السلطات لإصلاح الأعطال التي أدت لانقطاعها.
وميدانياً أغلق المحتجون الجسر الرئيسي في المدينة، وأشعل طلاب المدرسة الصناعية الذين انضموا للاحتجاجات، إطارات السيارات في طرق رئيسية، وهم يرددون هتافات مناوئة للعسكريين في مجلس السيادة، وطالبوا بإسقاط حكومة «انقلاب البرهان»، فضلاً عن تسريع إعادة خدمة الكهرباء والمياه. واستخدمت السلطات العسكرية والشرطة الغازَ المسيل للدموع بإفراط لتفريق المحتجين، وطاردت العشرات منهم داخل طرقات وأحياء المدينة.
وقال شرف سيمت –وزير سابق– عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط»، إن عمال السكة الحديد أغلقوا جسر الحرية للمطالبة بمتأخرات رواتبهم، فيما ثار طلاب المدرسة الصناعية وطلاب مدارس أخرى ضد الغلاء وانقطاع خدمة الكهرباء والمياه.
وفي السياق، أعلن عمال السكة الحديد عن إضراب مفتوح عن العمل بسبب تأخر المرتبات وعدم اهتمام السلطات بمطالبهم، وقال عبد الهادي محمد حمزة –أحد عمال السكة الحديد– إن الإضراب المفتوح سيستمر حتى الإيفاء بمطالب العاملين، موضحاً أن العمال لم يتسلموا رواتبهم، وأضاف: «لم نتسلم مرتب فبراير (شباط) حتى اليوم، رغم الظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة، خرجنا أول من أمس، وحين لم يحدث جديد خرج العمال وتجمعوا في موكب».
وأوضح حمزة أن المحتجين نددوا بقرارات وزير المالية تجاه هيئة السكة الحديد، التي أدت تدهور أوضاعها، وفشل الوزارة في إنفاذ الإجراءات التي اتخذتها «حكومة الثورة» لإعادة إنشاء السكة الحديد التي قضى عليها نظام الرئيس المعزول عمر البشير. وأضاف: «رغم الالتزامات لم تتسلم الهيئة أي قطارات أو قطع غيار، بما في ذلك 27 قطاراً تم الاتفاق عليها في عهد الوزيرة السابقة»، وذلك بسبب الحصار الذي فُرض على البلاد بعد تولي الجيش السلطة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتساءل حمزة: «لماذا لا يفي وزير المالية بالتزامات الوزارة تجاه العاملين، لا سيما أن رمضان على الأبواب»، وتابع: «بعد انقلاب 25 أكتوبر أصبح وضع السكة الحديد بائساً، وسيستمر الإضراب مفتوحاً إلى أن تُحل مشكلات العاملين».
وهذا ليس أول إضراب لعمال السكة الحديد، فقد اشتهرت المدينة بإضراباتها المدوية التي تهزّ النظم السياسية الحاكمة، وآخر إضراب تشهده المدينة كان العام السابق، للمطالبة بإقالة وكيل وزارة النقل الذي كان يعرقل إصلاح السكة الحديد، ولعدم الجدية في إصلاح الهيئة التي تعرضت لتخريب وتشريد طوال فترة حكم البشير.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.