أمل علم الدين... نداء الإنسانية والحب

اختارتها «تايم» ضمن 12 سيدة لُقبن بـ«امرأة العام»

أمل علم الدين... نداء الإنسانية والحب
TT

أمل علم الدين... نداء الإنسانية والحب

أمل علم الدين... نداء الإنسانية والحب

12 سيدة منحتهن مجلة «تايم» لقب «امرأة العام» لسنة 2022، بينهن ابنة بعقلين الشوفية من لبنان، أمل علم الدين كلوني. بعينيها الثاقبتين وقلبها المتّسع، تتطلع المحامية والناشطة الحقوقية إلى عالم ينشد العدالة. في الحياة، بشر يختارون تبنّي قضايا تمنحهم وجوداً عميقاً، فينحازون للمستضعفين والمقهورين والمُهانة كرامتهم. في إمكان زوجة النجم الأميركي التفرّغ للأزياء وأغلفة مجلات الموضة، أو تمضية أوقات رائعة في أماكن اللهو ومباهج الدنيا. تلبية النداء الإنساني مسألة أخرى، والخيارات كذلك، هي أن يكون لديك كل شيء، وتصرّ على وضع نفسك في تصرّف مَن ليس لديه أحد، وأن تسعى إلى عالم منصف وتناضل من أجل القانون، ضمير البشرية.
«القوية التي لا تتراجع عن قضاياها»، تصفها المجلة. أمل علم الدين ليست نجمة هوليوودية تمضي معظم الوقت على السجادة الحمراء، ولا هي وجه سينمائي أو جزء من المشهد الترفيهي العالمي، هي محامية في خدمة الإنسانية، يمر العمر في المحاكم وعلى المنابر وبين الموجوعين.
تكرّس «نجوميتها» للخير الكوني، وهو يتضاءل بفعل التوحّش والآلة الحربية، لذا، تكرّمها «تايم» باختيارها ضمن نساء العام. تُقدّرها لرفضها الاستسلام للأمر الواقع، حيث للقوة معايير مزدوجة وللعدالة أنصاف حلول، ولعملها مع ضحايا «داعش» الإيزيديين في العراق ودفاعها عن نساء واجهن العنف الجنسي والفضائح الجماعية.
ليست المحامية الحاصلة على الجنسية البريطانية، والآتية بعمر السنتين إلى لندن هرباً من حرب لبنان الأهلية، ممن يهرعن إلى التحدث عن أنفسهن كلما لمحن كاميرا. لديها مسائل أخرى توجّه الأضواء إليها حين تحضر في مؤتمر أو مناسبة، من دون الاستغناء عن أناقة الأنثى والتنازل عن الإطلالة اللافتة. تتأكد في الرابعة والأربعين قدراتها الهائلة في شحن البشرية بقوة من نوع آخر، تدعى القانون. تكتب عنها الصحافية الحاصلة على «نوبل السلام» ماريا ريسا كلمات من صميم سيرتها. تقول إنها المرأة القادرة على اصطحاب الآخرين في جولة إلى أسوأ أماكن العالم، حيث يمكن للطغاة ممارسة القتل، لكنها تلهم نساء في تلك الأماكن المؤلمة على تحدي السلطة، ومعهن تُعلي شأن القوانين وتجعل أصداءها مدوّية.
لم تخترها «تايم» فقط لأنها محامية، والأهم أنها لم تخترها بصفتها زوجة نجم، اختارتها لأنّ لديها الضمير لتقول وتفعل، لم تغرها شهرة زوجها وتدفعها في اتجاه الاتكال. بعكس الرخاء، اتخذت لنفسها دروباً وعرة. وعوض التمتع بأشعة الشمس ومراقبة تساقط المطر من النافذة، تقرر الانهماك في تحقيق العدالة للهاربين من الجحيم بأشكاله كافة.
أمل كلوني هي خلاصة ثلاث مزايا: شغفها حيال دفع الوعي في سبيل تحسين أوضاع حقوق الإنسان، ونضالها من أجل عدالة كونية، وأمومتها لطفلين يبلغان أربعة أعوام. ثلاثية تشكّلها فتضعها في الوسط، لا على مسافة، وفي قلب كل قضية، لا على أطرافها، فتدخل التاريخ من بابه الإنساني.
سيرتها الذاتية مشرّفة كمحامية متخصصة في القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان. خلف استدعائها إلى نقابة المحامين في لندن (2010) ونيويورك (2002)، وتعيين المحكمة الجنائية لها مستشارة خاصة للنزاع في دارفور، وعملها مستشارة أولى لكوفي أنان حين عُيّن مبعوثاً أممياً في سوريا؛ وخلف تبنّيها قضايا حقوقية في العراق وبورما، وقضايا جنائية في دول بينها لبنان، روحٌ نبيلة تمتلئ بالحب وتشاء تقاسمه مع بشر يقبعون في الظلمات. وهو حب يتأجج منذ الأمومة، ويتغذّى بقيمها ويصبّ في منابعها العصية على الجفاف.
يهبّ في المرأة قلق حيال مصير أطفالها، فتفعل ما في وسعها لصدّ الهبوب. تكترث لشكل الجواب عندما يكون سؤال التوأمين، ألكسندر وإيلا، يوماً ما، «ماذا كنتِ تفعلين؟». وتُراكم تجربة عظيمة لتمنحهما رداً مؤثراً. أمل كلوني تتصدّر العناوين في النضال الإنساني الذي تمنحه للبشرية. يضيف الحب إلى حياتها دافعاً للتفاني. ففي داخلها كأم، خوف يتعاظم من وحشية العالم وانحرافه نحو العنف والاستغلال والاستباحة.
استغرق جهداً تأليف كتابها «الحق في محاكمة عادلة في القانون الدولي»، مع زميلتها فيليبا ويب، من ألف صفحة. وتطلّب من أستاذة الحقوق بجامعة كولومبيا متابعة شاقة مع مركز جامعة أوكسفورد الإعلامي ونقابة المحامين الدولية. يستطيع الحب تذليل المشقات، فبالنسبة إلى أمل، لم يكن جورج كلوني الذي تزوجته في عام 2014 صبوراً فحسب، تقول إنه كان ملهماً ومشجّعاً. لا تزال تذكر يوم جثا على ركبته ليسألها الموافقة على عرض الزواج، لم يكن أحد أكثر الرجال العازبين جاذبية مستعداً للإقدام على هذه الخطوة قبل أن يدق القلب للصبية اللبنانية. هما اليوم أمٌ وأب لتوأمين يحاولان إحاطتهما بالحب والخصوصية.
انتظرا ثلاث سنوات قبل إنجابهما. ذات مرة، تحدّث إلى «صنداي مورنينغ» عن الأبوة المؤجلة، وقال إنه وأمل لم يبحثا في مسألة الإنجاب. ثم بدل النعمة، نعمتان. أدرك أنّ حياته فارغة، فملأتها العائلة، ولم يعلم أنّ كل ما هو متعلق بأمل سيضاهي أهمية أي شيء آخر يخصه. غيّرته، وفي طريقتها تحاول تغيير العالم.



من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
TT

من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)

تكبُر أحلام الشاب اللبناني المهندس هشام الحسامي يوماً بعد يوم، فلا يتعب من اللحاق بها واقتناص الفرص ليُحقّقها. منذ نحو العام، أطلق إنجازه الأول في عالم التكنولوجيا، فقدّم سيارة «ليرة» الكهربائية العاملة بالطاقة الشمسية، لتكون المنتج النموذج لتأكيد قدرة اللبناني على الابتكار.

اليوم، يُطوّر قدراته مرّة أخرى، ويُقدّم أول تاكسي طائرة، «سكاي ليرة»، من صنع محلّي؛ تأتي ضمن سلسلة «ليرة» ومزوَّدة بـ8 محرّكات. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها أول طائرة من نوعها في العالم العربي مصنوعة محلّياً. فمعظم طائرات التاكسي في الإمارات العربية وغيرها، تُستَورد من الصين. رغبتُ من خلالها التأكيد على إبداعات اللبناني رغم الأزمات المتلاحقة، وآخرها الحرب».

يتمتّع هذا الابتكار بجميع شروط الأمان والسلامة العامة (هشام الحسامي)

أجرى الحسامي دراسات وبحوثاً ليطّلع بشكل وافٍ على كيفية ابتكار الطائرة التاكسي: «بحثتُ بدقّة وكوّنتُ فكرة كاملة عن هذا النوع من المركبات. خزّنتُ المعلومات لأطبّقها على ابتكاري المحلّي. واستطعتُ أن أقدّمها بأفضل جودة تُضاهي بمواصفاتها أي تاكسي طائرة في العالم».

صمّم ابتكاره ونفَّذه بمفرده: «موّلتها بنفسي، وهي تسير بسرعة 130 كيلومتراً في الساعة، كما تستطيع قَطْع مسافة 40 كيلومتراً من دون توقُّف».

يهدف ابتكاره إلى خلق مجال صناعي جديد في لبنان (هشام الحسامي)

لا يخاطر هشام الحسامي في إنجازه هذا، ويعدُّه آمناً مائة في المائة، مع مراعاته شروط السلامة العامة.

ويوضح: «حتى لو أُصيب أحد محرّكاتها بعطل طارئ، فإنها قادرة على إكمال طريقها مع المحرّكات الـ7 الأخرى. كما أنّ ميزتها تكمُن في قدرتها على الطيران بـ4 من هذه المحرّكات».

ولكن مَن هو المؤهَّل لقيادتها؟ يردّ: «قيادتها بسيطة وسهلة، ويستطيع أيٌّ كان القيام بهذه المَهمَّة. الأمر لا يقتصر على قبطان طائرة متخصّص، ويمكن لهذا الشخص أن يتعلّم كيفية قيادتها بدقائق».

يحاول هشام الحسامي اليوم تعزيز ابتكاره هذا بآخر يستطيع الطيران على نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس»: «سيكون أكثر تطوّراً من نوع (الأوتونومايس)، فيسهُل بذلك طيرانها نحو الموقع المرغوب في التوجُّه إليه مباشرة».

صورة لطائرة تاكسي أكثر تطوّراً ينوي تصميمها (هشام الحسامي)

صمّم المهندس اللبناني الطائرة التاكسي كي تتّسع لشخص واحد. ويوضح: «إنها نموذج أولي سيطرأ عليه التطوُّر لاحقاً. إمكاناتي المادية لم تسمح بالمزيد».

من المُنتَظر أن يعقد الحسامي اجتماعاً قريباً مع وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، جورج بوشيكيان، للتشاور في إمكان الترويج لهذا الابتكار، وعمّا إذا كانت ثمة فرصة لتسييره ضمن ترتيبات معيّنة تُشرف عليها الدولة؛ علماً بأنّ الطائرة التاكسي ستُطلَق مع بداية عام 2025.

أطلق هشام الحسامي عليها تسمية «سكاي ليرة»، أسوةً بسيارة «ليرة»، وأرفقها بصورة العلم اللبناني للإشارة إلى منشئها الأصلي: «إنها صناعة لبنانية بامتياز، فكان من البديهي أن أرفقها بالعَلَم».

وهل يتوقّع إقبال اللبنانيين على استخدامها؟ يجيب: «الوضع استثنائي، ومشروعات من هذا النوع تتطلّب دراسات وتخصيصَ خطّ طيران لتُحلِّق من خلاله؛ وهو أمر يبدو تطبيقه صعباً حالياً في لبنان. نصبو إلى لفت النظر لصناعتها وبيعها لدول أخرى. بذلك نستطيع الاستثمار في المشروع، وبالتالي رَفْع مداخيلنا وأرباحنا بكوننا دولة لبنانية»، مؤكداً: «من خلال هذا الابتكار، يمكن للبنان أن ينافس نوعَها عينه الرائج في العالم. فكلفة صناعتها تتراوح بين 250 و300 ألف دولار عالمياً، أما في لبنان، وبسبب محلّية صناعتها وتجميع قطعها، فكلفتها أقل. نستطيع بيعها بأسعار لا تزيد على 150 ألف دولار».

المواد الأولية لصناعة «الطائرة التاكسي» مؤمَّنة في لبنان. وحدها القطع الإلكترونية اللازمة تُستَورد من الخارج: «بذلك يكون بمقدورنا تصدير التكنولوجيا الخاصة بنا».