16 ألف متطوع أجنبي للقتال دفاعاً عن أوكرانيا

ينتمون إلى جنسيات غربية عدة... وموسكو تهدد بملاحقتهم قانونياً كـ{إرهابيين»

جنود أوكرانيون يتجهون إلى جبهة القتال من لفيف أمس (د.ب.أ)
جنود أوكرانيون يتجهون إلى جبهة القتال من لفيف أمس (د.ب.أ)
TT

16 ألف متطوع أجنبي للقتال دفاعاً عن أوكرانيا

جنود أوكرانيون يتجهون إلى جبهة القتال من لفيف أمس (د.ب.أ)
جنود أوكرانيون يتجهون إلى جبهة القتال من لفيف أمس (د.ب.أ)

عندما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية في العام 1936 بين الجيش الموالي للنظام الجمهوري القائم يومذاك والقوات المتمردة بقيادة الجنرال فرنسيسكو فرنكو، تهافت آلاف المتطوعين من عشرات البلدان للقتال دفاعاً عن الجمهورية فيما أطلق عليه «الكتيبة الأجنبية» التي وقع عدد كبير من الضحايا في صفوفها قبل أن يدخل فرنكو ظافراً إلى مدريد ويقيم فيها نظـاماً ديكتاتورياً استمر حتى وفاته عام 1975.
نفس الظاهرة تتكرر اليوم بعد أكثر من أسبوع على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا حيث دعت حكومة كييف الراغبين في التطوع لمساعدتها على صد القوات الروسية إلى الاتصال ببعثاتها الدبلوماسية وقنصلياتها في الخارج لترتيب نقلهم إلى الأراضي الأوكرانية وتنظيم التحاقهم بالقوات المسلحة والمقاومة الشعبية.
وتقول الحكومة الأوكرانية إن عدد المتطوعين حتى الآن تجاوز 16 ألفاً ينتمون إلى جنسيات عدة، من المملكة المتحدة إلى أستراليا وبولندا وإيطاليا واليابان، وإنها مستعدة لتزويدهم بأسلحة أوتوماتيكية وتدريب الذين لا يملكون خبرة قتالية سابقة.
وكانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس صرحت مؤخراً أن حكومة بلادها على استعداد لدعم المواطنين البريطانيين الراغبين في الذهاب إلى أوكرانيا للقتال ضد القوات الروسية الغازية «لأن الشعب الأوكراني لا يقاتل من أجل الديمقراطية والحرية في أوكرانيا فحسب، بل في كل أوروبا».
لكن الإطار القانوني الدولي الذي ينظم اليوم ظاهرة «المقاتلين الأجانب» في الصراعات المحلية والإقليمية يختلف كثيراً عما كان عليه في ثلاثينيات القرن الماضي، ويعرض هؤلاء المتطوعين للملاحقة بتهمة الإرهاب كما ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخراً عندما أعلن أن المقاتلين الأجانب في الصراع الدائر سيلاحقون كإرهابيين في روسيا والخارج.
ويذكر أن الحكومة البريطانية سبق أن وجهت نفس التهمة إلى مواطنيها الذين التحقوا بتنظيم «داعش» للقتال في سوريا والعراق، وفي بعض الحالات أسقطت عنهم الجنسية البريطانية. وهذا ما دفع برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الإعلان مؤخراً خلال زيارة له إلى إستونيا «نتفهم مشاعر الناس إزاء هذه الحرب، لكن ثمة قوانين تحكم النزاعات الدولية تدعونا إلى عدم النصح بالتطوع للقتال في أوكرانيا».
وكان خبراء في القانون الدولي حذروا من أن المقاتلين الأجانب الذين يتطوعون للقتال في أوكرانيا سيتعرضون حتماً للملاحقة القانونية الدولية، ويذكرون بسابقة بعض البريطانيين الذين ذهبوا للقتال ضد «داعش» في صفوف الميليشيات الكردية.
تعود ظاهرة المقاتلين الأجانب في صفوف القوات النظامية إلى فترة بلوغ الإمبراطورية الرومانية في أوج توسعها الجغرافي واحتياجها إلى أعداد متزايدة من الجنود لإحكام سيطرتها على المناطق التي احتلتها، حيث قررت تشكيل «الكتيبة الأجنبية» من مواطني البلدان والمناطق التي أخضعتها لسلطتها، وكانت تكلفها مهام قتالية صعبة وتدفع بها في الصفوف الأمامية على جبهات المعارك.
في العصور الحديثة تشكل «الفيلق الأجنبي» الفرنسي الظـاهرة الأبرز من حيث إدارته الذاتية ضمن الجيش الفرنسي، وكونه فرقة القوات الخاصة بامتياز تضم وحدات برية ومدرعة وهندسية ومجوقلة.
ويزيد عدد أفراد هذت الفيلق حالياً عن تسعة آلاف، معظمهم من الألمان والإيطاليين والبلجيكيين والإسبان والسويسريين. تأسس هذا الفيلق في العام 1831 بهدف إتاحة التحاق الجنود الأجانب بالجيش الفرنسي، وحتى نهاية حرب الجزائر عام 1962 كان النواة الأساسية لما أطلق عليه «جيش أفريقيا» في القوات المسلحة الفرنسية. وكان الانخراط في صفوفه يتأثر عادة بالنزاعات الدولية والأزمات الاقتصادية والسياسية: الإسبان بعد الحرب الأهلية، الألمان بعد الحرب العالمية الثانية والهنغاريون في العام 1956. وفي العقد الأول كان مواطنو بلدان البلقان يشكلون غالبية أفراده بعد الصراعات العسكرية التي نشبت في تلك المنطقة.
لكن تبقى ظاهرة «الكتيبة الأجنبية» التي تشكلت خلال الحرب الأهلية الإسبانية السابقة الأشهر، إذ بلغ عدد المتطوعين فيها أكثر من 55 ألف مقاتل ينتمون إلى 53 جنسية مختلفة، من فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وكندا وسويسرا وآيرلندا والبلدان الاسكندنافية فضلاً عن أفريقيا وأميركا اللاتينية.
وقد التحق خمسة آلاف منهم بالجيش الجمهوري النظامي، فيما انخرط عشرون ألفاً في طواقم الخدمات الصحية واللوجيستية، وانضم الباقون إلى وحدات المقاومة الشعبية. وبلغ عدد الضحايا في هذه الكتيبة 13 ألفاً.
ومن المشاهير الذين قاتلوا في صفوفها الكاتب البريطاني جورج أورويل الذي وضع كتابه «تحية إلى كاتالونيا» عن تلك التجربة، والروائي الأميركي الحائز على جائزة نوبل أرنست همنغواي الذي خلد مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية في رائعته «لمن تقرع الأجراس».
وتجدر الإشارة أنه عند اندلاع الحرب في الأقاليم الانفصالية، تطوع أكثر من 17 ألف روسي للدفاع عنها ضد القوات الأوكرانية.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».