في قاعة تلوّنت بالأصفر والأزرق، ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاب «حال الاتحاد» أمام كونغرس اتّحد لأول مرة منذ أعوام بوجه سيد الكرملين.
الخطاب الذي عادة ما يخصص لقضايا داخلية تُهم الناخب الأميركي، تطرق هذه المرة وفي كلمته الافتتاحية إلى الأزمة الأوكرانية، ليهيمن الملف بشكل بارز على حديث بايدن الذي استمر نحو ساعة، في إشارة إلى أهمية هذه الأزمة ودلالاتها.
وبدأ الرئيس الأميركي بجملة حصدت تصفيقاً حاداً: «الحرية ستفوز دوماً بوجه الطغيان»، لينتقل بعدها إلى الإعلان عن سلسلة من الخطوات التي اتخذتها إدارته للتصدي للغزو الروسي، والتكاتف مع الحلفاء الأوروبيين.
خطوات جديدة
أعلن بايدن أن الولايات المتحدة قررت إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران الروسي، وقال: «الليلة، أعلن أننا سوف ننضم إلى حلفائنا ونغلق الأجواء الأميركية أمام كل الرحلات الروسية، وبذلك نعزل روسيا أكثر ونضغط على اقتصادها».
إلى ذلك، أعلن الرئيس الأميركي أن وزارة العدل بصدد تأسيس مجموعة عمل تابعة لها لملاحقة جرائم «الأوليغارك» الروس، وخاطبهم، قائلاً: «سننضمّ إلى حلفائنا الأوروبيين للعثور على يخوتكم وشققكم الفاخرة وطائراتكم الخاصة، ومصادرتها».
وفي خطوة استباقية لمحاولة احتواء تأثير الأزمة على أسعار النفط، أكد بايدن أن بلاده بالتعاون مع 30 بلداً، ستفرج عن 60 مليون برميل نفط من الاحتياطي الاستراتيجي، موضحاً أن حجم المساهمة الأميركية ستبلغ 30 مليون برميل أي نصف الكمية.
ومن الواضح أن بايدن قلق من تأثير هذه الأزمة على الشارع الأميركي، الذي يدعم بأغلبيته استراتيجيته لاحتواء الأزمة، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة «رويترز» بالتعاون مع «إيبسوس»، أن 43 في المائة من الأميركيين يدعمون استراتيجية بايدن، وهو ارتفاع ملحوظ في الدعم الذي كان 34 في المائة الأسبوع الماضي.
وتوجه بايدن بالحديث مباشرة إلى الأميركيين، فقال: «هذه الخطوات سوف تساعد على السيطرة على أسعار النفط هنا. لكني أعلم أن الأخبار قد تبدو مقلقة للأميركيين. وأريدكم أن تعلموا أننا سنكون بخير».
وحدة «الناتو»
عكس خطاب بايدن تكراراً مستمراً لوحدة «الناتو»، والتعاون مع الحلفاء، وهو ملف شدد عليه منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية، حين وعد باسترجاع ثقة الحلفاء التي، بحسب وصفه، غابت في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي هاجم «الناتو» باستمرار، وهدد بالانسحاب منه.
وكان لافتاً الهجوم المكثف الذي شنه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فوصف الحرب في أوكرانيا بـ«حرب بوتين»، قائلاً: «حرب بوتين كانت مدروسة مسبقا، ومن دون استفزاز. لقد رفض المساعي الدبلوماسية. وظن أن دول الغرب و(الناتو) لن تستجيب. ظن أن بإمكانه تقسيمنا هنا. بوتين كان مخطئاً. وكنا مستعدين».
وتابع بايدن في إشادة واسعة بالشعب الأوكراني، الذي جلست سفيرته أوكسانا ماركاروفا في واشنطن إلى جانب السيدة الأولى جيل بايدن لمشاهدة الخطاب وملامح التأثر بادية على وجهها: «بوتين ظن أنه يستطيع الدخول إلى أوكرانيا وأن العالم سيتقاعس، لكنه واجه حاجزاً من القوة لم يتخيّلها من قبل: واجه الشعب الأوكراني».
وأضاف الرئيس الأميركي على وقع التصفيق الحاد من الحزبين: «قد يطوّق بوتين كييف بالدبابات، لكنه لن يفوز أبداً بقلوب الأوكرانيين»، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي «معزول أكثر من أي وقت مضى».
وحدة مؤقتة
وفيما أظهر الديمقراطيون والجمهوريون وحدة نادرة للغاية خلال الجزء المتعلق بأوكرانيا في الخطاب، سرعان ما عاد الانقسام الحزبي ليطفو على السطح. وعمد الجمهوريون إلى توجيه انتقادات حادة للرئيس الأميركي في تعاطيه مع الأزمات الدولية والداخلية، فأصدر كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جيم ريش، بياناً قال فيه: «من الانسحاب الخطر من أفغانستان، مروراً بالفشل في الدفع ضد تأثير الصين الخبيث، ووصولاً إلى الحرب الحالية في أوكرانيا، فشلت إدارة بايدن مراراً وتكراراً في التخطيط والتنسيق لرد واضح بمواجهة التحديات الخارجية التي تتصدى لأمتنا».
من ناحيته، غرّد السيناتور الجمهوري تيد كروز قائلاً: «إن حال الاتحاد في عهد الرئيس بايدن يمكن اختصاره بكلمة واحدة: أزمة. أزمة التضخم، وأزمة الحدود، وأزمة أفغانستان، وأزمة كوفيد، وأزمة أوكرانيا، وأزمة الجرائم».
ودعا الجمهوريون الإدارة الأميركية إلى زيادة إنتاج النفط والغاز الأميركي لمواجهة تضخم أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، كما حثّ السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، بايدن على فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي، متسائلاً: «لا أفهم لماذا لا نقوم بذلك الآن؟».