معدّو البرامج التلفزيونية في لبنان أمام تحديات صعبة

بين تغير الظروف وتراجع الموارد

بلال ليان مع المغني الجزائري الشاب خالد
بلال ليان مع المغني الجزائري الشاب خالد
TT

معدّو البرامج التلفزيونية في لبنان أمام تحديات صعبة

بلال ليان مع المغني الجزائري الشاب خالد
بلال ليان مع المغني الجزائري الشاب خالد

يشكل معدّو البرامج همزة الوصل غير المباشرة بين المقدم التلفزيوني والمشاهد. صحيح أنهم يعملون في الظل وراء الكواليس، ويسرق وهجهم مذيعة أو مذيع، لكن مع ذلك فإن الشهرة رفيقتهم.
غالباً ما تثير أسماؤهم حشرية المشاهد، لا سيما أنها تتصدر شارات البرامج التي يعدونها. عددهم يكاد لا يتجاوز أصابع اليدين في لبنان، أما مهمتهم فترتكز على جملة من العناصر. فهم يكتبون محتوى البرنامج، ويحددون المعلومات والأسئلة التي يستخدمها المقدم في حواره مع ضيوفه. ثم إنهم يعتبرون العقل المدبر، وعين المقدم وأذنه، فهم يهمسون في أذنه، ويوجهونه ويقومون بمداخلاتهم معه طيلة عرض الحلقة مسجلة كانت أو مباشرة. وباختصار معد البرنامج هو ظل المقدم التلفزيوني والمتحكم بخيوط اللعبة، ومعه ممنوع الغلط لأنه الواجهة الخفية للبرنامج.
في واقع الأمر، يرتبط مصير معد البرامج ارتباطاً مباشراً بمحطات التلفزيون. فكلما طال عمرها، طال عمر مهنته. غير أنه في الفترة الأخيرة بات بعضهم عاطلين عن العمل في ظل نقص الإنتاجات التلفزيونية الجديدة. كما فضل غيرهم الهجرة من لبنان، والالتحاق بمحطات فضائية سعياً وراء تأمين رزقهم. وفقط قلة منهم بقيت من باب «أنا موجود، إذا ما احتجتم إلي».

مشاهير ومشاكل
«الشرق الأوسط» التقت بعض معدي البرامج المشهورين في لبنان والعالم العربي، ووقفت على مشاكلهم ودخلت كواليس أعمالهم، فتعرفت إلى طبيعة مهمتهم وعلاقتهم مع المقدم التلفزيوني والمحطة بشكل عام. ومعنا باحوا بما يزعجهم اليوم مقارنة بالأمس، وبأسرار نجاحهم... كانوا بمثابة نماذج منوعة، لكل منهم هواجسه ومطالبه واعتزازه بما يقوم به لشغفه الكبير بمهنته.
قد يختلف معدو البرامج على نقاط عدة، إلا أنهم يتفقون على أن الزمن الذهبي للتلفزيونات ولى. إذ ذهبت معه رموز تلفزيونية كانت تشكل قدوة في التقديم. وفي تلك الأيام كان المذيع صاحب مسؤولية أكبر، يتقن اللغة العربية ويهمه المحتوى الذي يقدمه أكثر من شكله الخارجي.
تقول نتالي نعوم لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معها: «اللافت أن جيل اليوم من المذيعين لا يعرف العربية ولا يجيد قراءتها. وتفاجأت بأحدهم يطلب مني أن أكتب له محتوى برنامجه بلغة الـ«تشات» كي يستطيع فهمها واستيعابها».
تملك نتالي خبرة طويلة في مهنة الإعداد، فهي عملت مع عدة تلفزيونات محلية كالـ«إل بي سي آي» و«الجديد» والـ«إم تي في»، وهي تعمل حالياً في محطة «إم بي سي» الفضائية. ومن البرامج التي أعدت محتواها «حلوة الحياة» و«غني مع غسان» و«لايف ستايل» و«ببيروت» و«تاكسي أبو شفيق» وغيرها. تتحدث نتالي عن الصعوبات التي تواجهها اليوم في مهنتها، فتقول «كنت من الأشخاص الذين يفضلون أن يعد المقدم التلفزيوني برنامجه. فهو بذلك يستطيع أن يتحكم أكثر في كيفية معالجته وطرحه لمواضيعه. اليوم نعاني من قلة معدي البرامج. والأسوأ أن المقدم نفسه لا يعير المحتوى أي اهتمام، لأن كل ما يهمهم هو الشهرة فقط... والبقية تأتي مع أو من دون معد».
المعد التلفزيوني بلال لبان يشارك نتالي نعوم الرأي قائلاً «كان المذيعون في الماضي يملكون الـ«كاريزما» والثقة بالنفس نظراً لثقافتهم العالية. اليوم إذا غبت لحظة عن أذن المقدم، من الممكن أن يضيع ويحدث الفوضى في البرنامج. ما يهم المذيعات، خاصةً، هو إطلالتهن وشكلهن الخارجي ليس أكثر، مع أننا كمعدين نعتبر المذيع شريكاً في الإعداد، ولو بصورة غير مباشرة». وللعلم، تنقل بلال في مجال الإعداد التلفزيوني بين برامج مختلفة منها «أراب أيدول» و«بروجكت راناواي» على قناة «إم بي سي». كذلك أعد برامج تلفزيونية في محطات محلية وبينها «سوبر ستار» على «المستقبل» و«حوار العمر» على الـ«إل بي سي آي». وأعد أيضاً برامج أخرى تتنوع مواضيعها بين الرياضة والمرأة والترفيه وغيرها. ويشير في سياق حديثه بأن التلفزيونات تشهد تراجعاً ملحوظاً في إنتاجاتها، ولا سيما منذ انتشار جائحة «كوفيد - 19».

البحث عن الأرخص
معد البرامج عماد موسى سبق له العمل في عدة محطات لبنانية، وفي برامج سياسية وترفيهية ووثائقية، بينها «ستار أكاديمي» و«حوار العمر»، كما أعد لسبع مواسم متتالية برنامج «نهاركم سعيد» الحواري أيضاً على قناة «إل بي سي». ومن البرامج الأخرى التي أعدها «الرقص مع النجوم» و«هيدا حكي» و«ديو المشاهير» على «إم تي في».
عماد موسى، صاحب الخبرة التي تتجاوز الـ30 سنة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مهنته تعتمد على العرض والطلب. وأردف «المعد صار يفضل أن ينال أجره بالعملة الصعبة. ولذلك هاجر كثيرون إلى الخارج، كي يعملوا في قنوات الإمارات العربية والسعودية وغيرها». ثم تابع «هنا أقفلت الأبواب أمامهم وما عادت فرص العمل متاحة». ثم يوضح أن محطات التلفزيون تشهد تراجعاً كبيراً بإنتاجاتها، وكلما انخفض مستوى الإعداد، نزل مستوى الإنتاج. ويتابع «بعض المحطات كالـ«إم تي في» تجتهد كي تحافظ على استمراريتها. ونلاحظ أن هناك فقراً بصرياً، يسود اليوم الشاشة الصغيرة».
ما يعنيه موسى هو أن البرامج باتت تدور في ديكورات متواضعة، أحياناً لا تليق لا بالمحطة ولا بمقدم البرنامج. ثم يشرح «في الماضي كانت المحطات تتنافس على شراء فورمات هذا البرنامج أو ذاك. وهو ما كان يجعل سوق الإعداد أعلى شأناً، وكذلك قالب البرنامج بأكمله. فمن شروط شراء حقوق هذه البرامج هو تصويرها بنفس مستوى نسختها الأصلية».
هذا التراجع الذي تشهده التلفزيونيات حالياً في مستوى برامجها تسببت في تدني نسب مشاهديها. وهنا تعلق نتالي نعوم «أنا الآن واحدة من هؤلاء... إذ لم أعد أتابع أي برامج محلية لأنني لا أستمتع بأي منها. بالنسبة لي انتهى عصر التلفزيون، وأعتقد أن المنصات الإلكترونية هي المستقبل. الأمر يطبق أيضاً على الإذاعات فما عاد هناك من شرائح كبرى تستمع إليها، وحل الـ«بودكاست» مكانها، وأنا حالياً أحضر برنامجاً من هذا النوع سيذاع على إحدى المنصات».

مزايا المعد المطلوبة
بماذا يجب أن يتمتع المعد التلفزيوني؟ البعض يصف المعد التلفزيوني بأنه صحافي من نوع آخر، لأن عمله يتطلب البحث والاتصال والعودة بالزمن إلى الوراء للوقوف على المعلومة الصحيحة.
وفي رأي بلال لبان «أهم ما يجب أن يتمتع به معد البرامج الثقافة العامة». ويضيف: «هناك مادة ذكية وجذابة تجلب الانتباه، وهذه تتطلب جهداً من المعد. أحياناً يتطلب مني إعداد برنامج فني مثلاً، الاتصال بأحدهم في أستراليا كي أحظى بالمعلومات اللازمة. ففي مهنتنا ممنوع الغلط، لأن ملايين الناس تتابعك وتثق بمعلوماتك. وأي عملية أعداد لبرنامج ترتبط ارتباطاً مباشراً بشخصية المقدم. فهي تختلف إذا ما كان المذيع جدياً لا يتحمل المزاح مثلاً. فيما نلون الإعداد بكلمات قريبة إلى القلب ومساحات حرة يتصرف بها المقدم الظريف».
ومن خلال خبرته الطويلة يلحظ عماد موسى أن «الأفكار الجديدة باتت مفقودة اليوم» على الشاشة، ولذلك على المعد أن يتجدد ويبحث عن المواضيع اللافتة والقريبة من الناس. ثم يقول «هناك تشابه كبير في برامج اليوم حتى أنهم يسرقون الضيوف من بعضهم. بتنا نرى الفنان أو السياسي يطل في اليوم نفسه في برنامجين، على محطتين مختلفتين. المطلوب أيضاً من المعد أن يطلع على مختلف البرامج، ويعرف من هو الضيف الذي يجب أن يتصل به، أو أن يحضر له الأسئلة اللازمة».

«السوشيال ميديا»
من ناحية أخرى، لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) تركت أثرها الكبير على عملية إعداد البرنامج التلفزيوني. فهي السباقة في الإعلان عن حدث ما يتعلق بفنان أو سياسي وحتى بمجتمع بأكمله. ومن هذا المنطلق تقول نتالي نعوم أن «ثقافة السوشيال ميديا هي المسيطرة اليوم على الإعلام، بشكل عام. تخيلي أننا أحياناً نضطر أن نعد لظهور شخصيات لا تاريخ عندها سوى الألوف من متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي. إن التلفزيونات بمجملها متجهة نحو أعداد البرامج واستقبال الضيف النجم على هذه الوسائل. وهنا نفقد المحتوى الدسم والجذاب، وأحيانا أشعر بأني أقدم محتوى سخيفاً. أنا عملت كمذيعة، وفي أفلام وثائقية وبرامج اجتماعية، ولكن المحور الأساسي لما أعده اليوم اختلف وصار يتعلق بالسوشيال ميديا». ورداً على سؤال هل ما زلت تستمتعين بعملك؟ قالت «بالتأكيد لا، لأنني محكومة بسرعة الإعداد، ولأن كل ما يجب أن أقوم به يجب أن يستوحى من الوسائل الاجتماعية. وهو ما سرق مني شغف المهنة».
ولكن متى ينسحب المعد التلفزيوني من برنامج معين؟ يرد بلال لبان «حدث معي هذا الأمر في إحدى المرات. يومها صادفت مذيعة لا تقرأ محتوى برنامجها سوى قبل 5 دقائق من موعد التصوير، فشعرت أنها لا تقدر الجهد الذي أبذله كي أقدم لها المحتوى الجيد. ثم إن وتيرة العمل يومها كانت سريعة، وتسودها ضغوط كثيرة ففضلت الانسحاب».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.