باميلا الكيك تصطحب «المجهول» إلى «كوكبها»

حلقة مع رودولف هلال تحسب لها وعليها

باميلا الكيك ورودولف هلال خلال الحلقة
باميلا الكيك ورودولف هلال خلال الحلقة
TT

باميلا الكيك تصطحب «المجهول» إلى «كوكبها»

باميلا الكيك ورودولف هلال خلال الحلقة
باميلا الكيك ورودولف هلال خلال الحلقة

مَن هي هذه الإنسانة المُبحرة في أفكارها المتلاطمة؟ أحقاً هي باميلا الكيك الغائبة مؤخراً عن اللقاءات الصحافية، والمراكمة نضوجاً مكثفاً كثمار مستوية؟ لافت مسار المرء حين يقوده داخله نحو السلالم العالية. تطل النجمة اللبنانية مع رودولف هلال كأنها تهبط عن «كوكب آخر». تتكلم من دون تمهل، كأن دواماتها تدور بما يفوق طاقة الوقت على اللحاق بجريانها. صحيح أنها طليقة اللسان وفنانة في الخطابات، لكن تصريحاتها النارية في الحلقة تحسب لها وعليها.
يستضيفها رودولف هلال في برنامجه «المجهول» عبر «إل بي سي آي» ومنصة «صوت بيروت إنترناشونال»، وهما على معرفة منذ أن كانت في سن الثامنة عشرة، بأحلامها وصخبها وجموحها. المرأة في ثلاثينها فصل من مغامرات القدر. تلفحها هبات الإدراك وتعيد تشكيل وعيها. باميلا الكيك تبلغ أشواطاً في فهم ما يجري حولها. إطلالتها «جدلية» بالمعنى الأنيق عند البعض والمفتعل عند الآخر. الأكيد أنها تحرك مياهاً راكدة وتنتزع لحماً ميتاً. إنسانها في داخلها، والشمس تشرق من أعماقها فتتلاشى ظلمة الخارج.
يسألها محاورها، هل يخيفها المجهول؟ ويتوقف مندهشاً أمام شجاعة أجوبتها. يختار وصفاً قد يبدو مضخماً، لكن من يشاهد الحلقة يلمس فيه جزءاً من الحقيقة: «انتحارية»! تصور له نجمة «عالحلوة والمرة» المعروض أخيراً عبر «إم بي سي 4»، المشهد: «أنا صديقة الخوف، أغمره وأنفخ في وجهه، فيخاف مني!».

جريئة، تفرض اعتراف الجميع بجرأتها. ثمة حلقات تلفزيونية للمشاهدة وأخرى للأثر. الضيف واتساعه، والمسافات الفكرية التي يقطعها. لافتة الضيفة في ضبطها إيقاع الحوار. يحاول رودولف هلال استفزازها ليخرج منها ما لا يخرج عادة حين تكون الأمور في موضعها. يتهمها بالبرجوازية والتعالي ويمارس عليها دور المتربص على المفترق. ومع ذلك تتصدى لانقضاضه: «أنا في مكان آخر. لا تحاول».
الصراحة باهظة، تكلف باميلا الكيك سوء الظن بها. فهي حين تتحدث عن القشور والسطحيات، لن ينجو كثيرون من مقصدها. لسانها أحد أسلحتها. تتركه، تقريباً، على راحته في الهجوم والدفاع. يسبقها نحو إعادة الآخرين إلى أحجامهم الطبيعية. هو الناطق باسمها، وحصانها الذي تدرك متى تصونه ليصونها ومتى تطلقه لينتصر لها.
تحضر باميلا الكيك فتحضر معها مواضيع مختلفة: فن وسياسة وإنسان. تحاجج والقلق لا يفارقها: «سيساء فهمي والأفضل الصمت». يطرح محاورها أسئلته مع تنبيه: «أجيبيني من دون فلسفة». تذكره بأنها آتية من غير كوكب، أو من على غيمة، ولا تكترث لمحدودي المعرفة. وهم كثيرون في نظرها، ملوثون بالزيف والأقنعة.
أمكن أن تقول كلمتها وتمشي، من دون تصنيفات فوقية ليست في مصلحتها، لكن باميلا الكيك لا تقيس الحياة بمعيار المصلحة. ينصحها «المجهول»، ممازحاً، الاكتفاء بالتمثيل واعتزال المقابلات. فخلف الوجه الآلي الذي يرتديه، صوت يمثل فئة من الناس ستسارع لاتهام خطابها بالتشاوف. ليست الكيك سيئة النية. تريد أن يثور الآخرون حين تلهمهم أفكارها، ويتسلقوا معها مرتفعاتها. هفوتها في إدانة من يسيرون على الأرض غير آبهين باللحاق بها.
يعاملها رودولف هلال معاملة كل الضيوف، فيطبق عليها قوانين اللعبة. تعرف ماذا ينتظرها، فمحاورها صياد له أساليبه، يسقط كثيرين في شباكه. يواجهها بتواريخ ومواقف، ويرمي أمامها مجموعة أسماء شكلت يوماً صداقات فحلت الخصومة. تتعدد حولها وجوه بيضاء يضعها على طاولتها؛ «وجه السلطة»، «وجه الضحية»... وبذريعة كل وجه، يطول النقاش. تصر على التأكيد بأنها تأتي بوجهها الحقيقي إلى الحلقة، بلا تمثيل ولا شخصيات. وجهها مواجهاً غابة من الوجوه الزائفة.

يهزها رودولف هلال ويعيدها إلى «الأرض» حين يلمح «شطحاتها». باميلا الكيك على علم تام بما تريده من الحلقة، وهو على علم بأنها ضيفة لا يحظى دائماً بمثلها. خطابها هذه المرة في الاتجاهين: نحو الخارج ونحو داخلها. تقدم نفسها «منقذة» بعد الخذلان اللبناني الكبير، وتخبر محاورها أن الأمل يولد من عمق العقول المتقدة وقلب الصفحات القديمة. يتركها مرتاحة في التعبير عن أفكارها، ثم يتدخل: «أريد جواباً بلغة الناس. دعي المثاليات جانباً».
فنانة صوتها مسموع حين تتكلم، تصل أصداؤه بعيداً. وضيفة خارج «الكليشيه» والضجر التلفزيوني، تختار الصعب وتفضل معاكسة التيار. تتعلم ولا تندم. تختصر فلسفة حياتها: «فهمت أنني لا شيء، لذا أصبحت كل شيء». يهمس محاورها بما تسمعه كل يوم بالصوت العالي، كالغرور والادعاء وحفظ النظريات. ذلك من باب إفساح المجال لها لإثبات حقيقة شخصيتها: «هذه أنا»، ومن لا يعرفها يجهلها.
تذكره أنها من برج الثور، قوية، لكن حساسة من الداخل. ظلمت وتألمت من ثم تعلمت أن تغيظ الآخرين بابتسامتها. تشاء لو تكون بالوناً يطير فوق شجرة صبار، فلا تمسه أشواكها، ليحلق بسكينة. تتحدث عن الله بإيمان داخلي متوهج، وتقول إنها تختاره حارسها. أنقذها من فاجعة ذلك العصر في صيف 2020 حين غطى الدخان سماء بيروت. كانت قريبة من الموت، ترفع رجاء أخيراً: «أن أودع أبي وأمي وشقيقتي». ومنحها فرصة ثانية. الحياة تليق بها.



عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.