قضية «الكركمين» تسلط الضوء على «فوضى الإعلانات الطبية» بمصر

حبس «مُعالِج بالأعشاب» لاتهامه بالغش وانتحال صفة

«طبيب الكركمين» أحمد أبو النصر يظهر في أحد الإعلانات (الشرق الأوسط)
«طبيب الكركمين» أحمد أبو النصر يظهر في أحد الإعلانات (الشرق الأوسط)
TT

قضية «الكركمين» تسلط الضوء على «فوضى الإعلانات الطبية» بمصر

«طبيب الكركمين» أحمد أبو النصر يظهر في أحد الإعلانات (الشرق الأوسط)
«طبيب الكركمين» أحمد أبو النصر يظهر في أحد الإعلانات (الشرق الأوسط)

سلطت قضية «الكركمين» التي يُتهم فيها مُعالج بالأعشاب بـ«الغش، وانتحال صفة»، الضوء مجدداً على فوضى الإعلانات الطبية في مصر، والقنوات الفضائية غير المرخصة.
وتبث من مصر عشرات القنوات الفضائية غير المرخصة، والتي توصف إعلامياً بأنها «قنوات بئر سلم»، مونها تعمل من داخل شقق سكنية على ترددات أقمار صناعية مصرية وعربية، وتعرض أفلاماً ومسلسلات رديئة جداً، تتخللها فواصل إعلانية طويلة تروج لمنتجات ومستلزمات طبية ودوائية ومنزلية مجهولة المصدر وغير مرخصة من الجهات المعنية.
وسبق للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (الجهة المسؤولة عن ضبط عمل القنوات الفضائية)، تقديم بلاغ ضد «طبيب الكركمين» أحمد أبو النصر، بسبب المواد التي ينشرها عبر القنوات الفضائية غير المرخصة، وأيضاً عبر قناة على موقع «يوتيوب».
وعلقت نقابة الأطباء المصرية على توقيف أبو النصر، وقالت في بيان لها إن «الوصفات العلاجية، ومن بينها ما أطلق عليه المتهم اسم (الكركمين) غير مرخصة من وزارة الصحة، ما تسبب في الإضرار بصحة المواطنين، وكان مدعاة لتساؤلات وشكاوى نقابة الأطباء والمهتمين بالشأن الصحي». وأكدت أن «المدعو أحمد أبو النصر ليس طبيباً، وغير مدون اسمه بسجلات نقابة الأطباء، وغير مرخص له بمزاولة مهنة الطب». وناشدت النقابة المواطنين التأكد من هوية مقدم المعلومات والنصائح الطبية ومهنته، وعدم الانصياع لأي نصائح طبية أو وصفات علاجية إلا من الطبيب المتخصص.
وتلقت الإدارة العامة لمباحث المصنفات والجهات المعنية عدداً من البلاغات ضد أبو النصر، كما رصدت الفقرات الإعلانية المذاعة له عبر إحدى القنوات غير المرخصة، حتى ألقي القبض عليه من داخل مقر إقامته بكومباوند سكني في مدينة الشيخ زايد (غرب القاهرة) وتبين بثه فقراته الإعلانية من داخل مسكنه، وليس من مدينة الإنتاج الإعلامي.
وادعى أبو النصر خلال ظهوره الإعلامي أنه «أول اختصاصي معتمد من وزارة الصحة والسكان، يعالج بالأعشاب».
من جهتها، حاولت الفنانة فاطمة عيد، التبرؤ من «مسؤوليتها بشأن مشاركتها في إعلان الكركمين للطبيب المزيف»، وقالت عي، في تصريحات صحافية إنها «صورت هذا الإعلان قبل 5 سنوات، وجاء كنوع من المجاملة لأبو النصر بعد معالجته لزوجها الذي كان يعاني من خشونة في الركبة».
وتزايدت حدة فوضى الإعلانات الطبية علي شاشات القنوات الفضائية المصرية بعد اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، فتم إطلاق عشرات القنوات الفضائية غير المرخصة التي استغلت فترة الانفلات الأمني.
وتتصدر المكملات الغذائية وأدوية السمنة والنحافة والمسكنات والمنشطات الجنسية، المنتجات الطبية المعلن عنها بالفضائيات المصرية.
ويرى الطبيب والإعلامي المصري خالد منتصر أن «السلطات المصرية لن تتمكن من السيطرة على فوضى الإعلانات الطبية، أو إغلاق كل القنوات الفضائية غير المرخصة، بسبب لجوء بعض الأشخاص إلى بث قنواتهم على أقمار صناعية بديلة بتقنيات تكنولوجية عالية، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لتتمكن السلطات في مصر من مواجهة سيل القنوات المجهولة ليس أمامها سوى تقديم برنامج تلفزيوني طبي كبير، ترعاه الدولة، ليستطيع المواطن العادي التفريق، بين النصائح الطبية الصحيحة، والأخرى التي تتضمن خداعاً وترويجاً لمنتجات غير مرخصة».
مشيراً إلى أن «هذا البرنامج سيوفر ملايين الجنيهات للدولة، وسيحمي المواطنين من مضاعفات السمنة والسكر والمفاصل الصناعية وغيرها والتي تتسبب فيها المنتجات المجهولة التي يروج لها».
ويلفت منتصر إلى أن «ظهور بعض الأطباء في فقرات إعلانية بقنوات مشهورة تروج لبعض الأدوية غير قانوني»، مشدداً على «ضرورة التفريق بين (أدوية الأرفف) التي يمكن بيعها في المتاجر ومحلات البقالة، وبين الأدوية الصيدلية، التي لا يجب صرفها إلا بروشتة طبيب».
ويحذر أطباء من الإعلانات الدوائية التي تستخدم «أسلوب التزييف» عبر عرض تجارب يرويها أشخاص يتلقون أجراً، للترويج لمنتج معين يتم توصيله إلى المنازل بشكل مباشر عبر مندوب الشركة.
وتمكنت السلطات المصرية في شهر أغسطس (آب) من عام 2020 من ضبط مقر إحدى القنوات الفضائية غير المرخصة بالجيزة وبداخلها كمية كبيرة من المنتجات الدوائية مجهولة المصدر التي يتم الإعلان عنها بالقناة.
وأصدرت مصر القانون رقم 206 لسنة 2017 والخاص بتنظيم الإعلان عن المنتجات والخدمات الصحية، والذي يحظر الإعلان بأي وسيلة عن أي منتج صحي أو خدمة صحية، من دون الحصول على ترخيص بذلك من لجنة عليا مختصة بمنح التراخيص، تضم في عضويتها ممثلين لوزارات الصحة والداخلية والتموين والعدل ونقابات الإعلام والأطباء والصيادلة وجهاز حماية المستهلك، ويحق للجنة مخاطبة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لوقف بث الإعلانات غير المرخص بها، ومعاقبة المخالفين بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين.
بدوره، أشار أيمن حسام الدين، رئيس جهاز حماية المستهلك، إلى أن الإعلانات الطبية والعلاجية بالفضائيات المجهولة ومواقع التواصل الاجتماعي تكون خادعة ومزيفة بنسبة 90 في المائة، وأضاف في مداخلة تلفزيونية في نهاية العام الماضي أن «المجلس الأعلى للإعلام يُساند الجهاز بشكل كامل في مواجهة إعلانات الأدوية الضارة». وأشار إلى أن «كل القنوات المصرية التي يحدث بها تداول لبعض الأدوية وتضر المواطنين، يتم وقفها من خلال جهاز حماية المستهلك». وشدد على أن «الأدوية التي يتم الترويج لها قد تؤدي إلى الوفاة».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».